أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 44 - صـ 1103

جلسة 8 من ديسمبر سنة 1993

برئاسة السيد المستشار/ أحمد عبد الرحمن نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ علي الصادق عثمان وإبراهيم عبد المطلب ومحمود دياب وحسين الجيزاوي نواب رئيس المحكمة.

(172)
الطعن رقم 324 لسنة 57 القضائية

(1) محكمة الإعادة "سلطتها". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
نقض الحكم وإعادة المحاكمة. أثره: إعادة الدعوى إلى محكمة الإعادة بحالتها التي كانت عليها قبل صدور الحكم المنقوض. عدم تقيدها في تقدير وقائع الدعوى بحكم محكمة النقض ولا بالحكم المنقوض.
مطالبة محكمة الإعادة بالرد على أسباب الحكم المنقوض أو المجادلة في حقها في إعادة تقدير وقائع الدعوى. غير مقبول.
النعي على الحكم المطعون فيه بالخطأ في القانون لمجرد مخالفته قضاء النقض. لا يصح بذاته وجهاً للطعن.
(2) إجراءات "إجراءات المحاكمة". محضر الجلسة. دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل".
خلو محضر الجلسة من إثبات الدفاع كاملاً. لا يعيب الحكم. علة ذلك؟
(3) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم. كفايته سنداً للبراءة. ما دام قد أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة وأقام قضاءه على أسباب تحمله.
الجدل في تقدير الأدلة. غير جائز أمام النقض.
مثال لتسبيب سائغ للقضاء بالبراءة للشك في صحة إسناد التهمة للمتهم.
(4) دعوى جنائية. دعوى مدنية. اختصاص "الاختصاص الولائي". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". إيجار أماكن. خلو رجل.
اختصاص المحكمة الجنائية بالتعويضات المدنية رهن بتعلقها بالفعل الجنائي المسند إلى المتهم. قضاء المحكمة بالبراءة لعدم ثبوت التهمة. يستتبع رفض التعويض.
القضاء بالتعويض مع البراءة. شرطه؟
(5) دعوى مدنية. حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل" "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إيجار أماكن. خلو رجل. قانون "سريانه".
استطراد الحكم إلى تقريرات قانونية خاطئة. لا يعيبه. ما دام لم يمس جوهر قضائه.
1 - الأصل أن نقض الحكم وإعادة المحاكمة يعيد الدعوى إلى محكمة الإعادة بحالتها التي كانت عليها قبل صدور الحكم المنقوض فلا تتقيد بما ورد في الحكم الأول في شأن تقدير وقائع الدعوى ولا يقيدها حكم النقض في إعادة تقديرها بكامل حريتها، فيصبح الحكم المنقوض لا وجود له، وتضحى مناعي الطاعن على هذا الحكم غير ذات موضوع، ومن ثم فإنه ليس على محكمة الإعادة متى كونت عقيدتها ببراءة المتهم بعد الحكم ابتدائياً بإدانته أن تلتزم بالرد على أسباب الحكم المستأنف أو الحكم المنقوض الذي أيده أو كل دليل من أدلة الاتهام، ما دام قضاؤه قد بني على أساس سليم - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - ومن ثم فلا يقبل من الطاعنة أن تطالب محكمة الإعادة بالرد على أسباب الحكم المنقوض أو المجادلة في حقها في إعادة تقدير وقائع الدعوى بكامل حريتها غير مقيدة في ذلك بما ورد بشأنها في الحكم المنقوض، كما لا يقبل من الطاعنة أيضاً أن تنعى على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون لمجرد مخالفته قضاء محكمة النقض، وكانت هذه المخالفة - بفرض وقوعها - لا يصح أن تكون بذاتها وجهاً للطعن على الحكم.
2 - لما كان الثابت من مطالعة محضر جلسة 21/ 2/ 1983 لدى محكمة الإعادة أن محامي الطاعنة حضر عنها بتلك الجلسة بصفتها مدعية بالحق المدني، ثم تخلفت عن الحضور في باقي الجلسات التي تأجلت إليها الدعوى وحتى صدور الحكم المطعون فيه، ولما كانت الطاعنة لا تدعي بأن المحكمة... قد منعت الدفاع عنها مباشرة حقه، وكان من المقرر أنه لا يعيب الحكم خلو محضر الجلسة من إثبات دفاع الخصم كاملاً إذ كان عليه إن ادعى أن المحكمة صادرت حقه في الدفاع قبل قفل باب المرافعة وحجز الدعوى للحكم أن يقدم الدليل على ذلك، وأن يسجل عليها هذه المخالفة في طلب مكتوب قبل صدور الحكم وإلا لم تجز المحاجة من بعد أمام محكمة النقض على أساس من تقصيره فيما كان يتعين عليه تسجيله وإثباته.
3 - من المقرر أنه يكفي أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم كي يقضى له بالبراءة، إذ ملاك الأمر كله يرجع إلى وجدانه ما دام الظاهر أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة وأقام قضاءه على أسباب تحمله، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن بين واقعة الدعوى وعرض لإنكار المتهم وأقوال شهود الإثبات وسائر عناصر الدعوى بما يكشف عن تمحيصه لها والإحاطة بظروفها وبأدلة الاتهام فيها، خلص إلى أن التهمة الموجهة إلى المطعون ضده محل شك للأسباب التي أوردها في قوله "وحيث إن شهود الإثبات شهدوا بأنهم سمعوا من المتهم بأنه تقاضى من الشاكية مبلغ 300 جنيه على سبيل خلو الرجل ولم يشهد أي منهم بأنه رأى المتهم يتقاضى هذا المبلغ ومن غير المتصور أن يقوم بفضح أمره والتحدث إليهم عن ارتكاب هذا الفعل المؤثم قانوناً، وحيث إنه بالبناء على ما تقدم فإن المحكمة لا تطمئن إلى ثبوت الاتهام قبل المتهم مما يتعين معه القضاء ببراءته وهي أسباب سائغة تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها فإنه يكون بريئاً من قالة الفساد في الاستدلال وينحل ما تثيره الطاعنة في هذا الشأن إلى جدل حول تقدير أدلة الدعوى مما لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض.
4 - من المقرر أن المحكمة الجنائية لا تختص بالتعويضات المدنية إلا إذا كانت متعلقة بالفعل الجنائي المسند إلى المتهم، فإذا كانت المحكمة قد برأت المتهم من التهمة المسندة إليه لعدم ثبوتها فإن ذلك يستتبع حتماً رفض طلب التعويض لأنه ليس لدعوى التعويض محل عن فعل لم يثبت في حق من نسب إليه، وأما الحكم بالتعويض ولو قضى بالبراءة - فشرطه ألا تكون البراءة قد بنيت على عدم حصول الواقعة أصلاً أو على عدم صحتها أو عدم ثبوت إسنادها إلى صاحبها، ولما كان الحكم المطعون فيه قد أسس قضاءه بالبراءة على عدم ثبوت مقارفة المطعون ضده لجريمة تقاضى مبالغ مقابل تحرير عقد إيجار المسندة إليه، فإن قضاءه بعدم قبول الدعوى المدنية - وهو ما يلتقي مع القضاء برفضها - يكون صحيحاً.
5 - من المقرر أنه لا يعيب الحكم - من بعد - ما استطرد إليه من تقرير قانون خاطئ - بأن بنى قضاءه بعدم قبول الدعوى المدنية على حكم القانون رقم 105 لسنة 1980 بإنشاء محاكم أمن الدولة الصادر في مايو سنة 1980 والذي يحظر الادعاء المدني أمام هذه المحاكم - إذ أن الواقعة المسندة للمطعون ضده قد ارتكبت في خلال شهر أغسطس سنة 1976 في ظل سريان أحكام القانون رقم 52 لسنة 1969 المعدل بالقانون رقم 63 لسنة 1970 وكانت المحاكم الجزئية العادية هي المختصة بنظر الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون وكان الادعاء المدني أمامها مقبولاً، وتمت المحاكمة ابتدائياً واستئنافياً - الحكم المنقوض - قبل سريان أحكام القانون رقم 105 لسنة 1980 آنف الذكر - لما هو مقرر من أنه لا يؤثر في سلامة الحكم أن يكون قد انطوى على تقريرات قانونية خاطئة ما دامت لم تمس جوهر قضائه وكانت النتيجة التي خلص إليها صحيحة وتتفق والتطبيق القانوني السليم.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده..... بأنه تقاضي مبلغ 300 جنيه "ثلاثمائة جنيه" لتحرير عقد إيجار لـ..... على النحو المبين بالتحقيقات. وطلبت عقابه بالمادتين 17، 45 من القانون رقم 52 لسنة 1969 المعدل بالقانون رقم 63 لسنة 1970. وادعت المجني عليها مدنياً قبل المتهم بإلزامه بأن يؤدي لها مبلغ 51 جنيه على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنح السيدة زينب قضت حضورياً اعتبارياً عملاً بمواد الاتهام بتغريم المتهم خمسين جنيهاً وإلزامه بأن يؤدى للمدعية بالحقوق المدنية مبلغ 51 جنيه على سبيل التعويض المؤقت. استأنف المحكوم عليه ومحكمة جنوب القاهرة الابتدائية "بهيئة استئنافية" قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً، وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض قيد بجدولها برقم..... لسنة 52 ق). وقضت محكمة النقض بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة جنوب القاهرة الابتدائية لتحكم فيها من جديد هيئة استئنافية أخرى ومحكمة الإعادة قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم مما نسب إليه وعدم قبول الدعوى المدنية.
فطعن الأستاذ/..... المحامي عن الأستاذ/..... المحامي نيابة عن المدعية بالحقوق المدنية في هذا الحكم بطريق النقض..... وإلخ.


المحكمة

من حيث إنه لما كان الأصل أن نقض الحكم وإعادة المحاكمة يعيد الدعوى إلى محكمة الإعادة بحالتها التي كانت عليها قبل صدور الحكم المنقوض فلا تتقيد بما ورد في الحكم الأول في شأن تقدير وقائع الدعوى ولا يقيدها حكم النقض في إعادة تقديرها بكامل حريتها، فيصبح الحكم المنقوض لا وجود له، وتضحى مناعي الطاعن على هذا الحكم غير ذات موضوع، ومن ثم فإنه ليس على محكمة الإعادة متى كونت عقيدتها ببراءة المتهم بعد الحكم ابتدائياً بإدانته أن تلتزم بالرد على أسباب الحكم المستأنف أو الحكم المنقوض الذي أيده أو كل دليل من أدلة الاتهام، ما دام قضاؤه قد بني على أساس سليم - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - ومن ثم فلا يقبل من الطاعنة أو تطالب محكمة الإعادة بالرد على أسباب الحكم المنقوض أو المجادلة في حقها في إعادة تقدير وقائع الدعوى بكامل حريتها غير مقيدة في ذلك بما ورد بشأنها في الحكم المنقوض، كما لا يقبل من الطاعنة أيضاً أن تنعى على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون لمجرد مخالفته قضاء محكمة النقض، وكانت هذه المخالفة - بفرض وقوعها - لا يصح أن تكون بذاتها وجهاً للطعن على الحكم. لما كان ذلك، وكان الثابت من مطالعة محضر جلسة.... لدى محكمة الإعادة أن محامي الطاعنة حضر عنها بتلك الجلسة بصفتها مدعية بالحق المدني، ثم تخلفت عن الحضور في باقي الجلسات التي تأجلت إليها الدعوى وحتى صدور الحكم المطعون فيه، ولما كانت الطاعنة لا تدعي بأن المحكمة.. قد منعت الدفاع عنها مباشرة حقه، وكان من المقرر أنه لا يعيب الحكم خلو محضر الجلسة من إثبات دفاع الخصم كاملاً إذ كان عليه إن ادعى أن المحكمة صادرت حقه في الدفاع قبل قفل باب المرافعة وحجز الدعوى للحكم أن يقدم الدليل على ذلك، وأن يسجل عليها هذه المخالفة في طلب مكتوب قبل صدور الحكم وإلا لم تجز المحاجة من بعد أمام محكمة النقض على أساس من تقصيره فيما كان يتعين عليه تسجيله وإثباته. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه يكفي أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم كي يقضى له بالبراءة، إذ ملاك الأمر كله يرجع إلى وجدانه ما دام الظاهر أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة وأقام قضاءه على أسباب تحمله، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن بين واقعة الدعوى وعرض لإنكار المتهم وأقوال شهود الإثبات وسائر عناصر الدعوى بما يكشف عن تمحيصه لها والإحاطة بظروفها وبأدلة الاتهام فيها، خلص إلى أن التهمة الموجهة إلى المطعون ضده محل شك للأسباب التي أوردها في قوله "وحيث إن شهود الإثبات شهدوا بأنهم سمعوا من المتهم بأنه تقاضى من الشاكية مبلغ 300 جنيه على سبيل خلو الرجل ولم يشهد أي منهم بأنه رأى المتهم يتقاضى هذا المبلغ ومن غير المتصور أن يقوم بفضح أمره والتحدث إليهم عن ارتكاب هذا الفعل المؤثم قانوناً، وحيث إنه بالبناء على ما تقدم فإن المحكمة لا تطمئن إلى ثبوت الاتهام قبل المتهم مما يتعين معه القضاء ببراءته وهي أسباب سائغة تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها فإنه يكون بريئاً من قالة الفساد في الاستدلال وينحل ما تثيره الطاعنة في هذا الشأن إلى جدل حول تقدير أدلة الدعوى مما لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكانت المحكمة الجنائية لا تختص بالتعويضات المدنية إلا إذا كانت متعلقة بالفعل الجنائي المسند إلى المتهم، فإذا كانت المحكمة قد برأت المتهم من التهمة المسندة إليه لعدم ثبوتها فإن ذلك يستتبع حتماً رفض طلب التعويض لأنه ليس لدعوى التعويض محل عن فعل لم يثبت في حق من نسب إليه، وأما الحكم بالتعويض ولو قضى بالبراءة - فشرطه ألا تكون البراءة قد بنيت على عدم حصول الواقعة أصلاً أو على عدم صحتها أو عدم ثبوت إسنادها إلى صاحبها، ولما كان الحكم المطعون فيه قد أسس قضاءه بالبراءة على عدم ثبوت مقارفة المطعون ضده لجريمة تقاضي مبالغ مقابل تحرير عقد إيجار المسندة إليه، فإن قضاءه بعدم قبول الدعوى المدنية - وهو ما يلتقي مع القضاء برفضها - يكون صحيحاً، ولا يعيب الحكم - من بعد - ما استطرد إليه من تقرير قانون خاطئ - بأن بنى قضاءه بعدم قبول الدعوى المدنية على حكم القانون رقم 105 لسنة 1980 بإنشاء محاكم أمن الدولة الصادر في مايو سنة 1980 والذي يحظر الادعاء المدني أمام هذه المحاكم - إذ أن الواقعة المسندة للمطعون ضده قد ارتكبت في خلال شهر أغسطس سنة 1976 في ظل سريان أحكام القانون رقم 52 لسنة 1969 المعدل بالقانون رقم 63 لسنة 1970 وكانت المحاكم الجزئية العادية هي المختصة بنظر الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون وكان الادعاء المدني أمامها مقبولاً، وتمت المحاكمة ابتدائياً واستئنافياً - الحكم المنقوض - قبل سريان أحكام القانون رقم 105 لسنة 1980 آنف الذكر - لما هو مقرر من أنه لا يؤثر في سلامة الحكم أن يكون قد انطوى على تقريرات قانونية خاطئة ما دامت لم تمس جوهر قضائه وكانت النتيجة التي خلص إليها صحيحة وتتفق والتطبيق القانوني السليم. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً عدم قبوله مع مصادرة الكفالة وإلزام الطاعنة المصاريف المدنية.