أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 52 - صـ 1315

جلسة 24 من ديسمبر سنة 2001

برئاسة السيد المستشار/ أحمد محمود مكي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ يحيى جلال، خالد يحيى دراز نائبي رئيس المحكمة، بليغ كمال ومجدي زين العابدين.

(257)
الطعن رقم 2715 لسنة 70 القضائية

(1، 2) إثبات "طرق الإثبات: القرائن: القرائن القضائية". محكمة الموضوع "سلطتها في مسائل الإثبات: في استنباط القرائن" "سلطتها في فهم الواقع وتقدير الأدلة".
(1) البينة. وقوعها على عاتق من ادعى خلاف الثابت أصلاً أو عرضاً. تقديم الدليل على رجحان المدعى به. أثره. انتقال عبء الإثبات على عاتق الخصم.
(2) الترجيح بين البيانات واستنباط القرائن. من سلطة قاضي الموضوع. شرطه. م/ 100 إثبات.
(3 - 6) إيجار "إيجار الأماكن" "الامتداد القانوني لعقد الإيجار: الإقامة التي يترتب عليها امتداد عقد الإيجار". إثبات "طرق الإثبات: الأدلة الكتابية: الأوراق الرسمية". محكمة الموضوع "سلطتها في مسائل الإثبات: في تقدير الدليل الكتابي "سلطتها في المنازعات الناشئة عن العقود". حكم "عيوب التدليل: الفساد في الاستدلال".
(3) عقد الإيجار ذو طابع عائلي. الغرض منه. انتفاع المستأجر الأصلي وأفراد أسرته بالعين المؤجرة. م 21 من ق 52 لسنة 1969 المقابلة للمادة 29 من ق 49 لسنة 1977.
(4) الإقامة المستقرة التي يترتب عليها امتداد عقد الإيجار. م 21 ق 52 لسنة 1969 المقابلة للمادة 29 من ق 49 لسنة 1977. المقصود بها. اتجاه نية المقيم إلى جعل العين المؤجرة موطناً له ومحلاً لإقامته المعتادة. لمحكمة الموضوع استخلاص نية الاستقرار من الأمارات الدالة عليها. الانقطاع عن الإقامة لفترات متقاربة أو متباعدة لسبب عارض لا يحول دون قيامها ما لم يتخل المستفيد عنها. علة ذلك.
(5) الأوراق الرسمية. غير قاطعة الدلالة على توافر الركن المادي للإقامة متى كانت من صنع صاحبها. جواز الاستدلال بها على توافر قصد الإقامة وانتفاء نية التخلي عن العين المؤجرة. كفاية توافر الركن المعنوي لاستمرار الإقامة بالعين بالشروط المنصوص عليها بالمادة 21 من ق 52 لسنة 1969 المقابلة للمادة 29 من ق 49 لسنة 1977.
(6) تدليل الطاعن على أن أبيه هو المستأجر الأصلي لعين النزاع وقت أن كان صغيراً واستقلاله بها بعد وفاته. عدم تقديم المطعون ضدهم الدليل على تخليه عنها. مؤداه. ثبوت إقامته بالعين. قضاء الحكم المطعون فيه بتسليمها للمطعون ضدهم استناداً إلى عدم تقديمه دليلاً على إقامته وقت الوفاة. فساد في الاستدلال.
1 - من المقرر أن البينة على من ادعى خلاف الثابت أصلاً أو عرضاً، فيما ثبت بزمان يحكم ببقائه ما لم يقم الدليل على خلافه لأن الأصل هو بقاء ما كان على ما كان، وبحسب من يحمل عبء الإثبات أن يقدم الدليل على أن ما يدعيه هو الراجح لينتقل العبء على عاتق خصمه ليثبت أن ذلك الراجح مرجوح.
2 - الترجيح بين البيانات من أهم واجبات قاضي الموضوع، ولذلك أطلق المشرع يده فنصت المادة 100 من قانون الإثبات على أن يترك لتقدير القاضي استنباط كل قرينة لم يقررها القانون.. حتى يتمكن القاضي من أن يستنبط من الوقائع الثابتة لديه دليلاً على الواقعة المراد إثباتها في ضوء فهم الواقع في الدعوى وظروفها وملابساتها باستنباط سليم واستدلال سائغ.
3 - الأصل أن لعقد إيجار المسكن طابعاً عائلياً، يتعاقد فيه رب الأسرة لسكنى أفرادها ولذلك نصت المادة 21 من قانون إيجار الأماكن 52 لسنة 1969 المقابلة لنص المادة 29 من القانون 49 لسنة 1977 على أن "لا ينتهي عقد إيجار المسكن بوفاة المستأجر أو تركه العين إذا بقى فيها زوجه أو أولاده أو والداه الذين كانوا يقيمون معه وقت الوفاة أو الترك".
4 - المقصود بالإقامة التي ينتقل بها حق الإجارة للمستفيدين في مفهوم نص المادة 21 من قانون إيجار الأماكن 52 لسنة 1969 المقابلة لنص المادة 29 من قانون 49 لسنة 1977 السكنى التي يصاحبها نية جعل العين موطناًً، فلا يكفي مجرد التواجد المادي في العين وسكناها مهما طالت المدة بل ينبغي أن يصاحب ذلك عنصر معنوي هو انصراف نية الساكن لجعل العين موطناً له ومحلاً للإقامة، والنية أمر يبطنه صاحبه لا يصلح محلاً للإثبات المباشر، وإنما تستخلصه محكمة الموضوع من الأمارات الدالة عليه حسب ظروف كل دعوى وملابساتها، ومتى اجتمع عنصرا الإقامة لواحد من الأقارب المشار إليهم بالنص ثبت له صفة المقيم، ولا يحول دون توافرها مجرد الغياب عن العين لفترات متقاربة أو متباعدة لسبب عارض طالما ظل متمسكاً بالعنصر المعنوي أي اتخاذ العين موطناً، فلا تزول عنه صفة المقيم إلا إذا ثبت لديه نيته في التخلي عن الإقامة، فمن المقرر أنه يغتفر في البقاء ما لا يغتفر في الابتداء، وأن ما ثبت بزمان يحكم ببقائه ما لم يقم الدليل على خلافه.
5 - من المستقر أن دلالة الأوراق الرسمية على الركن المادي للإقامة تكاد تكون معدومة متى كان صاحبها هو الذي يدلي ببياناتها فهي من صنعه، ولكن دلالتها قوية على قصده الإقامة وانتفاء نية التخلي عنده لأنها تعبير صريح عن الإرادة، وتوافر الركن المعنوي كاف لاستمرار الإقامة بالشروط السالف بيانها بالمادة 21 من قانون إيجار الأماكن 52 لسنة 1969 المقابلة لنص المادة 29 من قانون 49 لسنة 1977.
6 - إذ كان الثابت من الأوراق أن الطاعن قد دلل على أن أباه هو المستأجر الأصلي لعين النزاع وقت أن كان سن الطاعن ست سنوات والأصل أن تكون إقامة الصغير مع أبيه في هذا الوقت، وكان المطعون ضدهم لم يقدموا دليلاً على تعبير الطاعن عن نية التخلي عن العين بعد ثبوت إقامته فيها مع أبيه، وإنما ساقوا زعماً آخر حاصله أن شقيق الطاعن هو المستأجر الأصلي وأنه توفى فيها قبل سنة من تاريخ رفع الدعوى، وهو ما دلل الطاعن على عدم صحته، كما دلل ببطاقته الشخصية ووثيقة زواجه وجواز سفره ورخصة قيادته وشهادة ميلاد ابنته على بقائه في العين قبل وفاة أبيه وبعدها إصراره على اتخاذها موطناً، فإن الحكم المطعون فيه إذ أقام قضاءه على أنه لم يقدم دليلاً على إقامته وقت الوفاة، إذ أن بيانات الأوراق التي قدمها الطاعن حررت بناء على ما أدلى هو به من بيانات وأن معظمها لاحق على تاريخ وفاة أبيه فإنه يكون معيباً بالفساد في الاستدلال.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدهم أقاموا الدعوى رقم....... لسنة....... إيجارات شمال القاهرة الابتدائية على الطاعن بطلب الحكم بإلزامه بتسليمهم الشقة المبينة بالأوراق التي سلب حيازتها بعد وفاة شقيقه مستأجرها بالعقد المؤرخ 31/ 12/ 1977، وأقام الطاعن دعوى فرعية بطلب الحكم بإلزام المطعون ضدهم بتحرير عقد إيجار له امتداداً لعقد إيجار والده المستأجر الأصلي الذي توفى بتاريخ 23/ 3/ 1993، ومحكمة أول درجة حكمت في الدعوى الأصلية بالطلبات وفي الدعوى الفرعية برفضها. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف....... لسنة...... ق القاهرة. وبتاريخ 4/ 12/ 2000 قضت المحكمة بالتأييد. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم، وعُرِض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن حاصل ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال ذلك أنه تمسك بأن ما زعمه المطعون ضدهم من أن شقيق الطاعن هو المستأجر الأصلي لعين النزاع منذ سنة 1977 وأنه توفى فيها في السنة السابقة على رفع الدعوى بتاريخ 21/ 8/ 1999 غير صحيح. فقد توفى شقيقه في مسكنه البعيد عن عين النزاع بتاريخ 16/ 7/ 1994. حسب الثابت من صورة قيد وفاته التي قدمها، وكان شقيقه قد ترك عين النزاع منذ سنوات يعلمها المطعون ضدهم المقيمون بنفس المبنى، كما تمسك بأن المستأجر الأصلي لعين النزاع هو أبوه منذ سنة 1958 حيث كان سن الطاعن ست سنوات ومقيم في كنف أبيه هو وأمه وأخوته، وتوفيت أمه، ثم توفى والده المستأجر الأصلي بتاريخ 23/ 3/ 1973، واستقل كل من أخوته بمسكنه وبقى هو فيها واستدل على ذلك بصورة من بطاقته الشخصية الصادرة بتاريخ 22/ 1/ 1968 والثابت بها أنه من مواليد 8/ 10/ 1952 ووثيقة زواجه بتاريخ 29/ 5/ 1984 وجواز سفره بتاريخ 7/ 12/ 1988، ورخصة قيادته بتاريخ 23/ 5/ 1989، وشهادة ميلاد ابنته بتاريخ 1/ 12/ 1993 وقد أثبت فيها جميعاً أن محل إقامته في عين النزاع، فأطرح الحكم دفاعه قولاً منه بأن بيانات هذه الأوراق جميعاً حررت بناء على ما أدلى هو به من بيانات، وأن معظمها لاحق على تاريخ وفاة أبيه، فلا تصلح دليلاً على إقامته وقت وفاة أبيه وهو ما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أنه من المقرر أن البينة على من ادعى خلاف الثابت أصلاً أو عرضاً، فيما ثبت بزمان يحكم ببقائه ما لم يقم الدليل على خلافه لأن الأصل هو بقاء ما كان على ما كان، وبحسب من يحمل عبء الإثبات أن يقدم الدليل على أن ما يدعيه هو الراجح لينتقل العبء على عاتق خصمه ليثبت أن ذلك الراجح مرجوح، فبات الترجيح بين البينات من أهم واجبات قاضي الموضوع، ولذلك أطلق المشرع يده فنصت المادة 100 من قانون الإثبات على أن "يترك لتقدير القاضي استنباط كل قرينة لم يقررها القانون..." حتى يتمكن القاضي من أن يستنبط من الوقائع الثابتة لديه دليلاً على الواقعة المراد إثباتها في ضوء فهمه لواقع الدعوى وظروفها وملابساتها باستنباط سليم واستدلال سائغ والأصل أن لعقد إيجار المسكن طابعاً عائلياً، يتعاقد فيه رب الأسرة لسكنى أفرادها ولذلك نصت المادة 21 من قانون إيجار الأماكن 52 لسنة 1969 المقابلة لنص المادة 29 من القانون 49 لسنة 1977 على أن "لا ينتهي عقد إيجار المسكن بوفاة المستأجر أو تركه العين إذا بقى فيها زوجه أو أولاده أو والداه الذين كانوا يقيمون معه وقت الوفاة أو الترك" والمقصود بالإقامة التي ينتقل بها حق الإجارة للمستفيدين في مفهوم هذا النص السكنى التي يصاحبها نية جعل العين موطناًً، فلا يكفي مجرد التواجد المادي في العين وسكناها مهما طالت المدة بل ينبغي أن يصاحب ذلك عنصر معنوي هو انصراف نية الساكن لجعل العين موطناً له ومحلاً للإقامة، والنية أمر يبطنه صاحبه لا يصلح محلاً للإثبات المباشر، وإنما تستخلصه محكمة الموضوع من الأمارات الدالة عليه حسب ظروف كل دعوى وملابساتها، ومتى اجتمع عنصرا الإقامة لواحد من الأقارب المشار إليهم بالنص ثبت له صفة المقيم، ولا يحول دون توافرها مجرد الغياب عن العين لفترات متقاربة أو متباعدة لسبب عارض طالما ظل متمسكاً بالعنصر المعنوي أي اتخاذ العين موطناً، فلا تزول عنه صفة المقيم إلا إذا ثبت لديه نيته في التخلي عن الإقامة، فمن المقرر أنه يغتفر في البقاء ما لا يغتفر في الابتداء، وأن ما ثبت بزمان يحكم ببقائه ما لم يقم الدليل على خلافه، ومن المستقر أن دلالة الأوراق الرسمية على الركن المادي للإقامة تكاد تكون معدومة متى كان صاحبها هو الذي يدلي ببياناتها فهي من صنعه، ولكن دلالتها قوية على قصده الإقامة وانتفاء نية التخلي عنده لأنها تعبير صريح عن الإرادة، وتوافر الركن المعنوي كاف لاستمرار الإقامة بالشروط السالف بيانها، لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن الطاعن قد دلل على أن أباه هو المستأجر الأصلي لعين النزاع وقت أن كان سن الطاعن ست سنوات، والأصل أن تكون إقامة الصغير مع أبيه في هذا الوقت، وكان المطعون ضدهم لم يقدموا دليلاً على تعبير الطاعن عن نية التخلي عن العين بعد ثبوت إقامته فيها مع أبيه، وإنما ساقوا زعماً آخر حاصله أن شقيق الطاعن هو المستأجر الأصلي وأنه توفى فيها قبل سنة من تاريخ رفع الدعوى، وهو ما دلل الطاعن على عدم صحته، كما دلل بالمستندات المشار إليها بوجه النعي على بقائه في العين قبل وفاة أبيه وبعدها إصراره على اتخاذها موطناً، فإن الحكم المطعون فيه إذ أقام قضاءه على أنه لم يقدم دليلاً على إقامته وقت الوفاة، فإنه يكون معيباً بالفساد في الاستدلال بما يوجب نقضه.
لما تقدم وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه.