أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 44 - صـ 1153

جلسة 15 من ديسمبر سنة 1993

برئاسة السيد المستشار/ محمد أحمد حسن نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ عبد اللطيف علي أبو النيل وعمار إبراهيم فرج وأحمد جمال الدين عبد اللطيف نواب رئيس المحكمة ومحمد إسماعيل موسى.

(180)
الطعن رقم 328 لسنة 62 القضائية

(1) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي.
(2) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم التزام الحكم بأن يورد من أقوال الشهود إلا ما يقيم عليه قضاءه.
حق محكمة الموضوع في تجزئة أقوال الشهود. فتأخذ بما تطمئن إليه منها وتطرح ما لا تثق فيه.
الجدل بقصد إثارة الشبهة في الدليل أمام النقض. غير جائز.
(3) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تناقض أقوال الشهود. لا يعيب الحكم. ما دام استخلص الحقيقة منها استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه.
الجدل الموضوع في تقدير الدليل. غير جائز. أمام النقض.
(4) إثبات "بوجه عام" "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير الأدلة بالنسبة لكل متهم. حق لمحكمة الموضوع وحدها. لها أن تجزئ شهادة الشاهد فتأخذ منها بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه. الجدل الموضوعي في ذلك غير جائز أمام النقض.
(5) جريمة "أركانها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". قتل عمد.
الأداة المستعملة في الاعتداء. ليست من الأركان الجوهرية في الجريمة.
(6) قتل عمد. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
قصد القتل أمر خفي. إدراكه بالأمارات والمظاهر التي تنبئ عنه. استخلاص توافره. موضوعي.
(7) إثبات "بوجه عام" "شهود". قتل عمد. قصد جنائي. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
حق المحكمة في استخلاص نية القتل من ظروف الدعوى وملابساتها. لا يقيدها في ذلك ما ذكره شهود الإثبات في خصوصها.
(8) نقض "المصلحة في الطعن". قتل عمد. سبق الإصرار. ترصد. ظروف مشددة.
حكم ظرف الترصد في تشديد العقوبة كحكم ظرف سبق الإصرار. عدم مجادلة الطاعنين في توافر ظرف الترصد. لا جدوى فيما يثيرانه من خطأ الحكم في إثبات ظرف سبق الإصرار.
(9) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدان المحكمة. موضوعي.
عدم التزام المحكمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه. كفاية قضائها بالإدانة رداً عليه.
(10) إثبات "بوجه عام". قتل عمد. دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
الطلب الذي تلتزم المحكمة بإجابته أو الرد عليه. ماهيته؟
مثال.
(11) قتل عمد. رابطة السببية. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
استظهار الحكم قيام علاقة السببية بين إصابات المجني عليه وبين وفاته. نقلاً عن تقرير الصفة التشريحية. لا قصور.
(12) قتل عمد. رابطة السببية. مسئولية جنائية. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
رابطة السببية في المواد الجنائية وجودها وتقدير توافرها. موضوعي.
الإهمال في علاج المجني عليه أو التراخي فيه. بفرض صحته. لا يقطع رابطة السببية ما لم يثبت أنه كان متعمد تجسيم المسئولية.
1 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليها اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.
2 - إن الأحكام لا تلتزم بحسب الأصل أن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليها قضاءها، ولها أن تجزئ الدليل المقدم لها فتأخذ بما تطمئن إليه من أقوال الشهود وتطرح ما لا تثق فيه من تلك الأقوال إذ المرجع في هذا الشأن إلى اقتناعها هي وحدها وإذ كان البين من الحكم المطعون فيه أنه بين مضمون أقوال شهود الإثبات - وكان الطاعنان لا يجادلان في أن ما حصله الحكم منها له أصله الثابت في الأوراق فإن الجدل في ذلك توصلاً إلى إثارة الشبهة في الدليل المستمد من تلك الأقوال هو من الأمور الموضوعية التي لا يجوز إثارتها أمام محكمة النقض.
3 - تناقض الشهود أو تضاربهم في أقوالهم أو تناقض رواياتهم في بعض تفصيلاتها - بفرض حصوله - لا يعيب الحكم أو يقدح في سلامته ما دام قد استخلاص الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه ولم يورد تلك التفصيلات على نحو يركن به إليها في تكوين عقيدته ومن ثم فلا محل لتعييب الحكم في صورة الواقعة التي اعتنقتها المحكمة واقتنعت بها ولا في تعويله في قضائه بالإدانة على أقوال شهود الإثبات بدعوى تضارب أقوالهم فذلك إنما ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير أدلة الدعوى مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
4 - من المقرر أن تقدير الأدلة بالنسبة إلى كل متهم هو من اختصاص محكمة الموضوع وحدها وهي حرة في تكوين عقيدتها حسب تقديرها واطمئنانها إليها بالنسبة إلى متهم وعدم اطمئنانها إلى الأدلة ذاتها بالنسبة لمتهم آخر، وإذ كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الشهود والأدلة الأخرى في الدعوى وأخذت بها بالنسبة للطاعنين دون المتهم الآخر الذي قضت ببراءته، وكان من حق محكمة الموضوع أن تجزئ شهادة الشاهد فتأخذ منها بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه لتعلق ذلك بسلطتها في تقدير أدلة الدعوى فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أو الخوض فيه أمام محكمة النقض.
5 - من المقرر أن الأداة المستعملة في الاعتداء ليست من الأركان الجوهرية للجريمة ومن ثم يضحى ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد غير مقبول.
6 - أن قصد القتل أمر خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه فإن استخلاص هذه النية عن عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية.
7 - لما كانت الأدلة والقرائن التي ساقها الحكم للاستدلال بها على توافر نية القتل من شأنها أن تؤدى عقلاً إلى ثبوتها في حق الطاعنين أما القول بأن أقوال شهود الإثبات لا يستفاد منها توافر هذه النية فمردود بأن هذا القول - بفرض صحته - لا يقيد حرية المحكمة في استخلاص قصد القتل من كافة ظروف وملابساتها، ومن ثم يكون ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن غير سديد.
8 - من المقرر أن حكم ظرف الترصد في تشديد العقوبة كحكم ظرف سبق الإصرار وإثبات توافر أحدهما يغنى عن إثبات توافر الآخر فإنه لا يجدي الطاعنان ما يثيرانه عن خطأ الحكم في إثبات توافر ظرف سبق الإصرار في حقهما بفرض صحته ما دام أنهما لا يجادلان في توافر ظرف الترصد.
9 - لما كان ما أورده الحكم في مدوناته تتوافر به جناية القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد كما هي معرفة به في القانون وكان النعي بأن الواقعة مجرد جناية ضرب أفضى إلى موت لا يعدو أن يكون منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة وجدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب - هذا إلى أن محكمة الموضوع غير ملزمة بتعقب المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال إذ في قضائها بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردتها ما يفيد ضمنا أنها أطرحتها ولم تعول عليها ويضحى ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد غير مقبول.
10 - من المقرر أن الطلب الذي تلتزم المحكمة بإجابته أو الرد عليه هو الطلب الجازم الذي يقرع سمع المحكمة ويشتمل على بيان ما يرمى إليه، ويصر عليه مقدمة في طلباته الختامية، وكان ما أثبت على لسان المدافع عن الطاعنين بمحضر الجلسة التي اختتمت بصدور الحكم المطعون فيه من أنه "كان يجب مناقشة الطبيب الشرعي في الإصابات هل يمكن حدوثها على الوجه الموضح بأقوال الشهود من عدمه....." فضلاً عن أنه لم يصر عليه في طلباته الختامية التي اقتصر فيها على طلب براءة الطاعنين واحتياطياً اعتبار الواقعة ضرباً، فإنه على هذا النحو غير جازم ولم يصر عليه الدفاع في ختام مرافعته، فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي أعرضت عن هذا الطلب وأغفلت الرد عليه ويضحى النعي في هذا الصدد غير سديد.
11 - لما كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه استظهر قيام علاقة السببية بين إصابات المجني عليه التي نقل تفصيلها عن تقرير الصفة التشريحية وبين وفاته من واقع ذلك التقرير في قوله ".... وإن الوفاة حدثت نتيجة الإصابات الرضية والقطعية مجتمعة وما صاحبها من هبوط حاد في الدورة الدموية والتنفسية". فإنه ينحسر عن الحكم ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد.
12 - من المقرر أن علاقة السببية مسألة موضوعية ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها ومتى فصل فيها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدى إليه، وكان الإهمال في علاج المجني عليه أو التراخي فيه بفرض صحته - لا يقطع رابطة السببية ما لم يثبت أنه كان متعمد لتجسيم المسئولية - وهو ما لم يزعمه الطاعنان - ومن ثم يكون النعي على الحكم في هذا الصدد في غير محله.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين - وآخر قضى ببراءته - بأنهما قتلا..... عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن بيتا النية على قتله وأعدا لهذا الغرض سلاحاً أبيض (مطواة قرن غزال) وأداة (عصا) وكمنا له في الطريق الذي أيقنا مروره فيه وما أن ظفرا به حتى طعنه الأول في عنقه وانهال الثاني عليه ضرباً بالعصا قاصدين من ذلك إزهاق روحه فأحدثا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. المتهم الأول: أحرز بغير ترخيص سلاحاً أبيض (مطواة قرن غزال) وأحالتهما إلى محكمة جنايات شبين الكوم لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة وادعت.... زوجة المجني عليه عن نفسها وبصفتها وصية على أولاده القصر مدنياً قبل المتهمين بمبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 230، 231، 232 من قانون العقوبات والمواد 1/ 1 و25 مكرراً 1/ 1، 30/ 1 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين رقمي 26 لسنة 1978، 165 لسنة 81 والبند رقم 10 من الجدول رقم (1) الملحق بالقانون مع إعمال المادتين 17، 32 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهمين بالأشغال الشاقة المؤبدة ومصادرة المطواة المضبوطة وإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية المختصة.
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض....... إلخ.


المحكمة

من حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين بجناية القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، قد شابه القصور والتناقض في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه أورد الأدلة التي عول عليها في الإدانة بصورة مبتورة اجتزأ منها ما برر به قضاءه رغم تعارضها فيما بينها خاصة بالنسبة للآلة المستخدمة في الحادث، ثم عاد من بعد وأطرح هذه الأدلة بالنسبة للمتهم الآخر المقضى ببراءته، ولا يستفاد من أقوال شاهدي الإثبات توافر نية القتل وظرف سبق الإصرار لدى الطاعنين واقتصر اعترافهما على القول باعتدائهما على المجني عليه دون أن يقصدا قتله بما تكون معه الواقعة مجرد ضرب أفضى إلى الموت، وأطرحت المحكمة طلبهما استدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته عن صحة تصوير الشهود للواقعة وفي دفاعهما بأن التأخر في إسعاف المجني عليه هو الذي أدى لوفاته مما يقطع رابطة السببية بين إصاباته وبين الوفاة ولم تعرض الدفع رغم جوهريته. كل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
من حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة مستمدة من أقوال شاهدي الإثبات وتحريات الشرطة وما تبين من معاينة النيابة العامة لمكان الحادث وما ثبت من تقرير الصفة التشريحية واعترافهما بالتحقيقات وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليها اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وإن الأحكام لا تلتزم بحسب الأصل أن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها، ولها أن تجزئ الدليل المقدم لها فتأخذ بما تطمئن إليه من أقوال الشهود وتطرح ما لا تثق فيه من تلك الأقوال إذ المرجع في هذا الشأن إلى اقتناعها هي وحدها وإذ كان البين من الحكم المطعون فيه أنه بين مضمون أقوال شهود الإثبات - وكان الطاعنان لا يجادلان في أن ما حصله الحكم منها له أصله الثابت في الأوراق فإن الجدل في ذلك توصلاً إلى إثارة الشبهة في الدليل المستمد من تلك الأقوال هو من الأمور الموضوعية التي لا يجوز إثارتها أمام محكمة النقض. لما كان ذلك وكان تناقض الشهود أو تضاربهم في أقوالهم أو تناقض رواياتهم في بعض تفصيلاتها - بفرض حصوله - لا يعيب الحكم أو يقدح في سلامته ما دام قد استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه ولم يورد تلك التفصيلات على نحو يركن به إليها في تكوين عقيدته ومن ثم فلا محل لتعييب الحكم في صورة الواقعة التي اعتنقتها المحكمة واقتنعت بها ولا في تعويله في قضائه بالإدانة على أقوال شهود الإثبات بدعوى تضارب أقوالهم فذلك إنما ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير أدلة الدعوى مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير الأدلة بالنسبة إلى كل متهم هو من اختصاص محكمة الموضوع وحدها وهي حرة في تكوين عقيدتها حسب تقديرها واطمئنانها إليها بالنسبة إلى متهم وعدم اطمئنانها إلى الأدلة ذاتها بالنسبة لمتهم آخر، وإذ كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الشهود والأدلة الأخرى في الدعوى وأخذت بها بالنسبة للطاعنين دون المتهم الآخر الذي قضت ببراءته، وكان من حق محكمة الموضوع أن تجزئ شهادة الشاهد فتأخذ منها بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه لتعلق ذلك بسلطتها في تقدير أدلة الدعوى فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أو الخوض فيه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الأداة المستعملة في الاعتداء ليست من الأركان الجوهرية للجريمة ومن ثم يضحى ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد غير مقبول لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر نية القتل لدى الطاعنين في قوله "وحيث إنه عن نية القتل فهي متوافرة في الواقعة متحققة في الجريمة ثابتة في حق المتهمين.... و.....، وذلك مما هو ثابت بالتحقيقات وسائر أوراق الدعوى وشهودها ومن اعتراف المتهم.... بالتحقيقات وسائر أوراق الدعوى وشهودها ومن اعتراف المتهم..... بالتحقيقات من أنه كان يقصد قتل المجني عليه ومن موالاته والمتهم...... الاعتداء على المجني عليه بقصد إزهاق روحه ومما ورد بتقرير الصفة التشريحية من بيان للإصابات المتعددة والمتنوعة التي أحدثها المتهمين بالمجني عليه ووصفه لطبيعتها مما يؤكد أن المتهمين كانا ينتويان إزهاق روح المجني عليه ومن ثم تنتهي المحكمة إلى توافر نية القتل في حق المتهمين" وكان قصد القتل أمر خفيا لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية. ولما كانت الأدلة والقرائن التي ساقها الحكم للاستدلال بها على توافر نية القتل من شأنها أن تؤدى عقلاً إلى ثبوتها في حق الطاعنين أما القول بأن أقوال شهود الإثبات لا يستفاد منها توافر هذه النية فمردود بأن هذا القول - بفرض صحته - لا يقيد حرية المحكمة في استخلاص قصد القتل من كافة ظروف وملابساتها، ومن ثم يكون ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن غير سديد. لما كان ذلك وكان من المقرر أن حكم ظرف الترصد في تشديد العقوبة كحكم ظرف سبق الإصرار وإثبات توافر أحدهما يغني عن إثبات توافر الآخر فإنه لا يجدي الطاعنان ما يثيرانه عن خطأ الحكم في إثبات توافر ظرف سبق الإصرار في حقهما بفرض صحته ما دام إنهما لا يجادلان في توافر ظرف الترصد. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم في مدوناته تتوافر به جناية القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد كما هي معرفة به في القانون وكان النعي بأن الواقعة مجرد جناية ضرب أفضى إلى موت لا يعدو أن يكون منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة وجدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب - هذا إلى أن محكمة الموضوع غير ملزمه بتعقب المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد على كل شبهه يثيرها على استقلال إذ في قضائها بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردتها ما يفيد ضمناً أنها أطرحتها ولم تعول عليها ويضحى ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد غير مقبول. لما كان ذلك وكان من المقرر أن الطلب الذي تلتزم المحكمة بإجابته أو الرد عليه هو الطلب الجازم الذي يقرع سمع المحكمة ويشتمل على بيان ما يرمى إليه، ويصر عليه مقدمه في طلباته الختامية، وكان ما أثبت على لسان المدافع عن الطاعنين بمحضر الجلسة التي اختتمت بصدور الحكم المطعون فيه من أنه "كان يجب مناقشة الطبيب الشرعي في الإصابات هل يمكن حدوثها على الوجه الموضح بأقوال الشهود من عدمه...." فضلاً عن أنه لم يصر عليه في طلباته الختامية التي اقتصر فيها على طلب براءة الطاعنين واحتياطياً اعتبار الواقعة ضرباً، فإنه على هذا النحو غير جازم ولم يصر عليه الدفاع في ختام مرافعته، فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي أعرضت عن هذا الطلب وأغفلت الرد عليه ويضحى النعي في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه استظهر قيام علاقة السببية بين إصابات المجني عليه التي نقل تفصيلها عن تقرير الصفة التشريحية وبين وفاته من واقع ذلك التقرير في قوله ".... وإن الوفاة حدثت نتيجة الإصابات الرضية والقطعية مجتمعة وما صاحبها من هبوط حاد في الدورة الدموية والتنفسية". فإنه ينحسر عن الحكم ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد. ذلك أنه من المقرر أن علاقة السببية مسألة موضوعية ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها ومتى فصل فيها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدى إليه، وكان الإهمال في علاج المجني عليه أو التراخي فيه بفرض صحته - لا يقطع رابطة السببية ما لم يثبت أنه كان متعمد لتجسيم المسئولية - وهو ما لم يزعمه الطاعنان - ومن ثم يكون النعي على الحكم في هذا الصدد في غير محله. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.