أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 35 - صـ 153

جلسة 15 من فبراير سنة 1984

برياسة السيد المستشار/ محمد وجدي عبد الصمد نائب رئيس المحكمة. وعضوية السادة المستشارين/ إبراهيم حسين رضوان نائب رئيس المحكمة ومحمد ممدوح سالم ومحمد رفيق البسطويسي وفتحي خليفه.

(31)
الطعن رقم 6097 لسنة 53 القضائية

(1) نظام عام. معارضة "ميعادها". طعن "ميعاده".
ميعاد المعارضة من النظام العام. إثارة أي دفع بشأنها لأول مرة أمام النقض. شرطه: أن يكون مستنداً إلى وقائع أثبتها الحكم وألا تقتضي تحقيقاً موضوعياً.
(2) محاماة. حكم. "بطلانه". بطلان.
إتيان المحامي لخصم موكله فعلاً مما نص عليه في المادة 129 من قانون المحاماة رقم 61 لسنة 1968. مخالفة مهنية. لا يترتب عليها البطلان. ولا يجرد الفعل الذي قام به المحامي من آثاره. يصح للمحكمة الاستناد إليه في قضائها.
(3) حكم "بياناته" "بيانات حكم الإدانة" "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل بها".
- وجوب بناء الإدانة على دليل مشروع في القانون. عدم اشتراط ذلك في دليل البراءة. أساس ذلك؟
- حرية القاضي الجنائي في اختيار الطريق الموصل إلى كشف الحقيقة وتقدير ما يعرض عليه ووزن قوته التدليلية.
(4) حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل فيها". إثبات "شهادة".
حق محكمة الموضوع في أن تستمد اقتناعها من أي دليل تطمئن إليه. متى كان له مأخذه الصحيح من الأوراق.
استناد الحكم إلى شهادة عرفية لم يحلف محررها اليمين القانونية ودون أن تناقشه المحكمة في شهادته. صحيح.
(5) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات "بوجه عام".
كفاية الشك في صحة إسناد التهمة للقضاء بالبراءة. ما دام القاضي قد أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة.
النعي على المحكمة قضاءها بالبراءة بناء على دليل ترجح لديها. لا يصح. علة ذلك؟
(6) نقض "أسباب الطعن. تحديدها" "نظره والحكم فيه".
وضوح وجه الطعن وتحديده. شرط لقبوله.
(7) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم جواز النعي على المحكمة التفاتها عن قالة شهود النفي.
تقدير أدلة الدعوى من إطلاقات محكمة الموضوع.
1 - إن كان ميعاد المعارضة - ككل مواعيد الطعن في الأحكام - من النظام العام يجوز التمسك به في أية حالة كانت عليها الدعوى، إلا أن إثارة أي دفع بشأنه لأول مرة أمام محكمة النقض, مشروط بأن يكون مستنداً إلى وقائع أثبتها الحكم وأن لا يقتضي تحقيقاً موضوعياً وإذ كان ذلك، وقد خلا الحكم ومحضر الجلسة من أي دفاع للطاعنين في هذا الصدد، وكان دفاعهما هذا يتطلب تحقيقاً تنحسر عنه وظيفة محكمة النقض، فإنه لا يقبل منهما إثارته لأول مرة أمام هذه المحكمة.
2 - لما كانت المادة 129 من قانون المحاماة الصادر به القرار بالقانون رقم 61 لسنة 1968 إذ نصت على أن "على المحامي أن يمتنع عن إبداء أية مساعدة ولو من قبيل الشورى لخصم موكله في النزاع ذاته أو في نزاع مرتبط به, إذ كان قد أبدى رأياً للخصم أو سبقت وكالته عنه، ثم تنحى عن وكالته, وبصفة عامة لا يجوز للمحامي أن يمثل مصالح متعارضة. ويسري هذا الحظر على المحامي وكل من يعمل لديه في نفس المكتب من المحامين بأي صفة كانت دون أن ترتب البطلان جزاء على مخالفة هذا النص". فقد دلت بذلك على أن هذه المخالفة مهنية وإن عرضت المحامي للمساءلة التأديبية طبقاً للمادة 142 من ذات القانون, إلا أنها لا تجرد العمل الذي قام به المحامي لمساعدة خصم موكله - بفرض حصوله - من آثاره، ومن ثم يسوغ للمحكمة أن تستند إليه في قضائها.
3 - وإن كان يشترط في دليل الإدانة أن يكون مشروعاً. إذ لا يجوز أن تبنى إدانة صحيحة على دليل باطل في القانون، إلا أن المشروعية ليست بشرط واجب في دليل البراءة، ذلك بأنه من المبادئ الأساسية في الإجراءات الجنائية أن كل متهم يتمتع بقرينة البراءة إلى أن يحكم بإدانته بحكم بات, وأنه إلى أن يصدر هذا الحكم له الحرية الكاملة في اختيار وسائل دفاعه بقدر ما يسعفه مركزه في الدعوى وما تحيط نفسه من عوامل الخوف والحرص والحذر وغيرها من العوارض الطبيعية لضعف النفوس البشرية، وقد قام على هدي هذه المبادئ حق المتهم في الدفاع عن نفسه وأصبح حقاً مقدساً يعلو على حقوق الهيئة الاجتماعية التي لا يضيرها تبرئة مذنب بقدر ما يؤذيها ويؤذي العدالة معاً، إدانة بريء، هذا إلى ما هو مقرر من أن القانون - فيما عدا ما استلزمه من وسائل خاصة للإثبات - فتح بابه أمام القاضي الجنائي على مصراعيه يختار من كل طرقه ما يراه موصلاً إلى الكشف عن الحقيقة ويزن قوة الإثبات المستمدة من كل عنصر، مع حرية مطلقة في تقدير ما يعرض عليه ووزن قوته التدليلية في كل حالة حسبما يستفاد من وقائع الدعوى وظروفها، مما لا يقبل معه تقييد حرية المحكمة في دليل البراءة باشتراط مماثل لما هو مطلوب في دليل الإدانة, وبالتالي يكون منعى الطاعنين في هذا الصدد، على غير سند.
4 - لما كان لمحكمة الموضوع كامل الحرية في أن تستمد اقتناعها من أي دليل تطمئن إليه طالما أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح من الأوراق.
5 - لما كان يكفي في المحاكمة الجنائية أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي يقضي له بالبراءة، إذ أن مرجع ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير الدليل، ما دام الظاهر من الحكم أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - وكان لا يصح النعي على المحكمة أنها قضت ببراءة المتهم ورفض الدعوى المدنية قبله, بناء على احتمال ترجح لديها. لأن ملاك الأمر كله يرجع إلى وجدان قاضيها وما يطمئن إليه، ما دام قد أقام قضاءه على أسباب تحمله, فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن يكون غير سديد.
6 - لما كان الطاعنان لم يفصحا عن ماهية أوجه الدفاع المقول بأنهما أثاراها وأغفل الحكم التعرض لها, وذلك حتى يتضح مدى أهميتها في الدعوى المطروحة، فإن ما يثيرانه في هذا الصدد لا يكون مقبولاً.
7 - لما كان ما ساقه الطاعنان في شأن إطراح المحكمة لأقوال شاهدي النفي، لا يعدو مجادلة في تقدير المحكمة لأدلة الدعوى، مما لا يجوز مصادرتها فيه أو الخوض بشأنه لدى محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً عدم قبوله مع إلزام الطاعنين المصاريف المدنية.


الوقائع

أقام المدعيان بالحقوق المدنية دعواهما بطريق الادعاء المباشر ضد المطعون ضده أمام محكمة جنح الشرابية بوصف أنه بدائرة قسم الشرابية محافظة القاهرة: قدم بلاغاً كاذباً ضدهما اتهمهما فيه باستعمال طرق احتيالية واستوليا منه على مبلغ 100 جنيه بدون وجه حق وطلب معاقبته بالمادة 336 من قانون العقوبات. وإلزامه بأن يدفع لهما مبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت.
والمحكمة المذكورة قضت غيابياً عملاً بالمادتين 303، 305 من قانون العقوبات بمعاقبة المطعون ضده بالحبس ثلاثة أشهر مع الشغل وكفالة 20 جنيهاً لوقف التنفيذ وإلزامه بدفع مبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت للمدعيين بالحق المدني.
فعارض، وقضى في معارضته بقبول المعارضة شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المعارض فيه وبراءة المتهم ورفض الدعوى المدنية.
فاستأنف المدعيان بالحق المدني.
ومحكمة شمال القاهرة الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت حضورياً بقبوله شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف.
فطعن الأستاذ.... المحامي نيابة عن المدعيين بالحق المدني في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

من حيث إن المدعيين بالحقوق المدنية ينعيان على الحكم المطعون فيه، أنه إذ قضى ببراءة المطعون ضده من تهمة البلاغ الكاذب المسندة إليه ورفض الدعوى المدنية قبله، قد أخطأ في القانون وشابه فساد في الاستدلال وقصور في التسبيب، ذلك بأنه، أيد الحكم الصادر في المعارضة بقبولها شكلاً, رغم خلوه من تاريخ التقرير بالمعارضة الذي تم بعد الميعاد المقرر قانوناً، وعول على شهادة عرفية قدمت من المطعون ضده حررها محام كان موكلاً عن الطاعنين في الدعوى رقم..... جنح الشرابية المرددة بينهما وبين المطعون ضده، وهي أساس الاتهام في الدعوى الراهنة, مخالفاً بذلك نص المادة 129 من قانون المحاماة الصادر بالقاهرة رقم 61 لسنة 1968، فضلاً عن أن محرر تلك الشهادة لم يحلف اليمين القانونية ولم تستدعه المحكمة لمناقشته، كما استند الحكم إلى مذكرة المطعون ضده دون بيان مضمونها، ولم يعرض لدفاعهما ولم يبين سبب إطراح أقوال شاهدي المطعون ضده من تكذيبه في واقعة دفع أية مبالغ للطاعنين محل جريمة البلاغ الكاذب المسند إليه، كل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إنه وإن كان ميعاد المعارضة - ككل مواعيد الطعن في الأحكام - من النظام العام يجوز التمسك به في أية حالة كانت عليها الدعوى، إلا أن إثارة أي دفع بشأنه لأول مرة أمام محكمة النقض مشروط بأن يكون مستنداً إلى وقائع أثبتها الحكم وأن لا يقتضي تحقيقاً موضوعياً وإذ كان ذلك، وقد خلا الحكم ومحضر الجلسة من أي دفاع للطاعنين في هذا الصدد، وكان دفاعهما هذا يتطلب تحقيقاً تنحسر عنه وظيفة محكمة النقض، فإنه لا يقبل منهما إثارته لأول مرة أمام هذه المحكمة. لما كان ذلك، وكانت المادة 129 من قانون المحاماة الصادر به القرار بالقانون رقم 61 لسنة 1968 إذ نصت على أن "على المحامي أن يمتنع عن إبداء أية مساعدة ولو من قبيل الشورى لخصم موكله في النزاع ذاته أو في نزاع مرتبط به, إذ كان قد أبدى رأياً للخصم أو سبقت وكالته عنه، ثم تنحى عن وكالته, وبصفة عامة لا يجوز للمحامي أن يمثل مصالح متعارضة. ويسري هذا الحظر على المحامي وكل من يعمل لديه في نفس المكتب من المحاميين بأي صفة كانت دون أن ترتب البطلان جزاء على مخالفة هذا النص"، فقد دلت بذلك على أن هذه المخالفة مهنية وأن عرضت المحامي للمساءلة التأديبية طبقاً للمادة 142 من ذات القانون, إلا أنها لا تجرد العمل الذي قام به المحامي لمساعدة خصم موكله - بفرض حصوله - من آثاره، ومن ثم يسوغ للمحكمة أن تستند إليه في قضائها. هذا فضلاً على أنه وإن كان يشترط في دليل الإدانة أن يكون مشروعاً، إذ لا يجوز أن تبنى إدانة صحيحة على دليل باطل في القانون، إلا أن المشروعية ليست بشرط واجب في دليل البراءة، ذلك بأنه من المبادئ الأساسية في الإجراءات الجنائية أن كل متهم يتمتع بقرينة البراءة إلى أن يحكم بإدانته بحكم بات, وأنه إلى أن يصدر هذا الحكم له الحرية الكاملة في اختيار وسائل دفاعه بقدر ما يسعفه مركزه في الدعوى وما تحيط نفسه من عوامل الخوف والحرص والحذر وغيرها من العوارض الطبيعية لضعف النفوس البشرية، وقد قام على هدي هذه المبادئ حق المتهم في الدفاع عن نفسه وأصبح حقاً مقدساً يعلو على حقوق الهيئة الاجتماعية التي لا يضيرها تبرئة مذنب بقدر ما يؤذيها ويؤذي العدالة معاً، إدانة بريء، هذا إلى ما هو مقرر من أن القانون - فيما عدا ما استلزمه من وسائل خاصة للإِثبات - فتح بابه أمام القاضي الجنائي على مصراعيه يختار من كل طرقه ما يراه موصلاً إلى الكشف عن الحقيقة ويزن قوة الإثبات المستمدة من كل عنصر، مع حرية مطلقة في تقدير ما يعرض عليه ووزن قوته التدليلية في كل حالة حسبما يستفاد من وقائع الدعوى وظروفها، مما لا يقبل معه تقييد حرية المحكمة في دليل البراءة باشتراط مماثل لما هو مطلوب في دليل الإدانة, وبالتالي يكون منعى الطاعنين في هذا الصدد، على غير سند. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع كامل الحرية في أن تستمد اقتناعها من أي دليل تطمئن إليه طالما أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح من الأوراق، فإنه لا وجه لما ينعاه الطاعنان من استناد الحكم إلى شهادة عرفية لم يحلف محررها اليمين القانونية ودون أن تناقشه المحكمة في شهادته. لما كان ذلك، وكان يكفي في المحاكمة الجنائية أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي يقضي له بالبراءة، إذ أن مرجع ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير الدليل، ما دام الظاهر من الحكم أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - وكان لا يصح النعي على المحكمة أنها قضت ببراءة المتهم ورفض الدعوى المدنية قبله, بناء على احتمال ترجح لديها، لأن ملاك الأمر كله يرجع إلى وجدان قاضيها وما يطمئن إليه، ما دام قد أقام قضاءه على أسباب تحمله, فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للشهادة المقدمة من المتهم المؤرخة في 29 من أكتوبر سنة 1979 وتفيد سداده مبلغ مائة جنيه للطاعنين، واستدل منها ومن المذكرة الشارحة على صدق دفاعه أنه سلم الطاعنين المبلغ المذكور، فانحسر عن بلاغه في هذا الصدد ركن الكذب، وانتهى من ثم إلى القضاء ببراءته من تهمة البلاغ الكاذب ورفض الدعوى المدنية قبله. فإن النعي عليه بأنه لم يبين مضمون المذكرة الشارحة, يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان الطاعنان لم يفصحا عن ماهية أوجه الدفاع المقول بأنهما أثاراها وأغفل الحكم التعرض لها, وذلك حتى يتضح مدى أهميتها في الدعوى المطروحة، فإن ما يثيرانه في هذا الصدد لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك، وكان ما ساقه الطاعنان في شأن إطراح المحكمة لأقوال شاهدي النفي، لا يعدو مجادلة في تقدير المحكمة لأدلة الدعوى، مما لا يجوز مصادرتها فيه أو الخوض بشأنه لدى محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً عدم قبوله مع إلزام الطاعنين المصاريف المدنية. ومصادرة الكفالة عملاً بالمادة 36 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر به القانون رقم 57 لسنة 1959.