أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 35 - صـ 180

جلسة 21 من فبراير سنة 1984

برياسة السيد المستشار/ عادل برهان نور رئيس المحكمة. وعضوية السادة المستشارين/ محمد عبد الرحيم نافع وحسن غلاب ومحمد أحمد حسن والسيد عبد المجيد العشري.

(35)
الطعن رقم 6450 لسنة 53 القضائية

تموين. قانون "تفسيره" "تطبيقه". توقف عن الاتجار. دفاع "الإخلال بحق الدفاع ما يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها"..
القصد من تجريم الامتناع عن التجارة على الوجه المعتاد؟. إيجاب إثبات التاجر قيام العذر الجدي أو المبرر المشروع لتوقفه عن الاتجار. علة ذلك؟
العجز الشخصي أو الخسارة. ضربهما الشارع مثلاً لهذا العذر. الأعذار الجدية. لا ترقى إلى مرتبة القوة القاهرة. مؤدى وجود العذر بصورة جدية؟
الدفع أمام محكمة الموضوع بأن التوقف عن الاتجار يرجع إلى عجز الطاعن الشخصي وقلة موارده المالية. دفاع جوهري.
لما كان البين من المقارنة بين النصين ومن الأعمال التشريعية والمذكرات التفسيرية المصاحبة لهما أن الشارع قصد من تجريم الامتناع عن التجارة على الوجه المعتاد تقييد حرية من يمارسها من التجار توفيراً للاحتياجات الأساسية للجمهور من المواد التموينية ومحاربة الغلاء المصطنع ومنع اتخاذ الامتناع وسيلة إلى تحقيق أرباح غير مشروعة, وأن الشارع لم يقصد القضاء على حرية التجارة وإنما قصد إلى تحقيق غايات مشروعة من تقييدها. وأنه كان يستلزم في الامتناع، كيما يكون صاحبه مستأهلاً للعقاب. أن يكون مقصوداً به عرقلة التموين ثم وجد أن هذا القصد يقع على عاتق سلطة الاتهام مؤونة إثباته, وهو أمر فضلاً عن صعوبته لم تنسد به ذرائع من أراد مخالفة القانون من التجار فأوجب - بموجب القانون رقم 250 لسنة 1952 المار ذكره - أن يثبت التاجر قيام العذر الجدي أو المبرر المشروع لتوقفه عن الاتجار على الوجه المعتاد، وضرب مثلاً لهذا العذر قيام العجز الشخصي بالتاجر أو الخسارة التي تصيبه من الاستمرار في عمله، ومن البين أن ما أشار إليه الشارع بخاصة أو ما أوجبه بعامة من الأعذار الجدية لا يرقى إلى مرتبة القوة القاهرة لأن القانون أوجب ممارسة التجارة على الوجه المعتاد لا على الوجه الشاذ الذي يضحى فيه التاجر بمصلحته لخسارة تصيبه من الاستمرار في عمله, ولأن الشارع عبر عن إفساحه في مجال العذر بما يتسع لغير القوة القاهرة من الأعذار أو المبررات أو المواقف المشروعة, ومتى وجد العذر بصورة جدية كان الامتناع عن الاتجار بعيداً عن دائرة التأثيم وإذا قدم العذر الجدي إلى وزارة التموين وانتهت إلى سلامته تعين عليها قبوله, وإذا دفع به أمام محكمة الموضوع وجب عليها تمحيصه حتى إذا صح لديها قيامه تعين عليها تبرئة الممتنع لأن عمله يكون قد توافر له المبرر الذي يجعله خارج دائرة التجريم. لما كان ذلك، وكان الطاعن قد دفع أمام محكمة الموضوع بأن توقفه عن الاتجار يرجع إلى عجزه الشخصي وقلة موارده المالية, وهو دفاع جوهري. كان يتعين على محكمة الموضوع أن تحققه بلوغاً إلى غاية الأمر فيه لما يترتب عليه من أثر في ثبوت الاتهام أو انتفائه, أما وهي لم تفعل كما أغفلت التعرض له في حكمها. فإن الحكم يكون معيباً بالقصور والإخلال بحق الدفاع.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه بصفته تاجراً امتنع عن ممارسة تجارته على الوجه المعتاد بغير ترخيص، وطلبت عقابه بالمواد 3 مكرر، 56، 57، 58 من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 وقرار وزير التموين رقم 179 لسنة 1952.
ومحكمة جنح...... قضت غيابياً عملاً بمواد الاتهام بحبس المتهم ستة أشهر مع الشغل وغرامة مائة جنيه وكفالة عشرة جنيهات لوقف التنفيذ وشهر ملخص الحكم لمدة تعادل مدة الحبس.
فعارض وقضى في المعارضة بقبولها شكلاً وفي الموضوع بتأييد الحكم المعارض فيه.
فاستأنف ومحكمة بني سويف الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف.
فطعن الأستاذ..... نيابة عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه دانه بجريمة التوقف عن ممارسة تجارته على الوجه المعتاد بدون ترخيص, فقد شابه القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن دفاع الطاعن قام على أن توقفه عن مزاولة التجارة إنما يرجع إلى ما لحقه من خسارة وعدم توافر المال اللازم للاستمرار فيها فضلاً عن تعيينه بالحكومة, إلا أن المحكمة لم تفطن لدلالة هذا الدفاع أو ترد عليه في حكمها, بما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من محضر جلسة 17 من يناير سنة 1981، أمام محكمة ثاني درجة، أن المدافع عن الطاعن دفع الاتهام بأن توقف الطاعن عن مزاولة التجارة مرده إلى مرضه وقلة إمكانياته المادية. لما كان ذلك، وكانت المادة 3 مكرر من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين، المضافة بالقانون رقم 139 لسنة 1951، قد نصت على أن "يحظر على تاجر الجملة أو التجزئة أن يترك عمله أو يمتنع عن ممارسة تجارته على الوجه" "المعتاد في السلع التي يحددها وزير التموين بقرار منه، قاصداً بذلك عرقلة التموين". وكان هذا النص قد أصبح بمقتضى القانون رقم 250 لسنة 1952 على النحو الآتي: "يحظر على أصحاب المصانع والتجار الذين ينتجون أو يتجرون في السلع التموينية التي يصدر بتعيينها قرار من وزير التموين أن يوقفوا العمل في مصانعهم أو يمتنعوا عن ممارسة تجارتهم على الوجه المعتاد إلا بترخيص من وزير التموين. ويعطى هذا الترخيص لكل شخص يثبت أنه لا يستطيع الاستمرار في العمل إما لعجز شخصي أو لخسارة تصيبه من الاستمرار في عمله أو لأي عذر آخر يقبله وزير التموين ويفصل وزير التموين في طلب الترخيص خلال شهر من تاريخ تقديمه, ويكون قراره في حالة الرفض مسبباً، فإذا لم يصدر الوزير قراراً مسبباً بالرفض خلال المدة المذكورة اعتبر ذلك ترخيصاً" لما كان ذلك، وكان البين من المقارنة بين النصين ومن الأعمال التشريعية والمذكرات التفسيرية المصاحبة لهما أن الشارع قصد من تجريم الامتناع عن التجارة على الوجه المعتاد تقييد حرية من يمارسها من التجار توفيراً للاحتياجات الأساسية للجمهور من المواد التموينية ومحاربة الغلاء المصطنع ومنع اتخاذ الامتناع وسيلة إلى تحقيق أرباح غير مشروعة, وأن الشارع لم يقصد القضاء على حرية التجارة وإنما قصد إلى تحقيق غايات مشروعة من تقييدها، وأنه كان يستلزم في الامتناع، كيما يكون صاحبه مستأهلاً للعقاب، أن يكون مقصوداً به عرقلة التموين ثم وجد أن هذا القصد يقع على عاتق سلطة الاتهام مؤونة إثباته, وهو أمر فضلاً عن صعوبته لم تنسد به ذرائع من أراد مخالفة القانون من التجار فأوجب - بموجب القانون رقم 250 لسنة 1952 المار ذكره - أن يثبت التاجر قيام العذر الجدي أو المبرر المشروع لتوقفه عن الاتجار على الوجه المعتاد، وضرب مثلاً لهذا العذر قيام العجز الشخصي بالتاجر أو الخسارة التي تصيبه من الاستمرار في عمله. ومن البين أن ما أشار إليه الشارع بخاصة أو ما أوجبه بعامة من الأعذار الجدية لا يرقى إلى مرتبة القوة القاهرة لأن القانون أوجب ممارسة التجارة على الوجه المعتاد لا على الوجه الشاذ الذي يضحى فيه التاجر بمصلحته لخسارة تصيبه من الاستمرار في عمله, ولأن الشارع عبر عن إفساحه في مجال العذر بما يتسع لغير القوة القاهرة من الأعذار أو المبررات أو المواقف المشروعة, ومتى وجد العذر بصورة جدية كان الامتناع عن الاتجار بعيداً عن دائرة التأثيم وإذا قدم العذر الجدي إلى وزارة التموين وانتهت إلى سلامته تعين عليها قبوله, وإذا دفع به أمام محكمة الموضوع وجب عليها تمحيصه حتى إذا صح لديها قيامه تعين عليها تبرئة الممتنع لأن عمله قد توافر له المبرر الذي يجعله خارج دائرة التجريم. لما كان ذلك، وكان الطاعن قد دفع أمام محكمة الموضوع بأن توقفه عن الاتجار يرجع إلى عجزه الشخصي وقلة موارده المالية, وهو دفاع جوهري، كان يتعين على محكمة الموضوع أن تحققه بلوغاً إلى غاية الأمر فيه لما يترتب عليه من أثر في ثبوت الاتهام أو انتفائه، أما وهي لم تفعل كما أغفلت التعرض له في حكمها، فإن الحكم يكون معيباً بالقصور والإخلال بحق الدفاع بما يوجب نقضه والإحالة.