أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 31 - صـ 148

جلسة 31 من يناير سنة 1980

برئاسة السيد المستشار عثمان الزيني نائب رئيس المحكمة؛ وعضوية السادة المستشارين: صلاح نصار، وحسن جمعة، ومحمد سالم يونس؛ وصفوت خالد مؤمن.

(29)
الطعن رقم 1210 لسنة 49 القضائية

1 - قتل عمد. إثبات. "خبرة". "شهود". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره" إثبات. "خبرة".
حق المحكمة في الاعتماد على أقوال المجني عليه وهو يحتضر متى اطمأنت إليها وقدرت الظروف التي صدرت فيها.
عدم جواز النعي على المحكمة قعودها عن تحقيق لم يطلب منها.
2 - إثبات. "خبرة". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع - ما لا يوفره".
للمحكمة الالتفات عن طلب مناقشة الخبير ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر من جانبها حاجة إلى ذلك.
3 - معاينة. تحقيق "إجراءاته" بطلان.
إجراء المعاينة في غيبة المتهم. لا بطلان، ما يملكه. هو التمسك لدى محكمة الموضوع بما شاب المعاينة التي تمت في غيبته من نقص أو عيب.
4 - دفاع "الإخلال بحق الدفاع - ما لا يوفره". محاماة.
عدم جواز تولي محام واحد واجب الدفاع عن متهمين متعددين. مناطه. قيام تعارض حقيقي بين مصالحهم لا ما كان يسع كل منهم أن يبديه من أوجه دفاع ما دام لم يبده بالفعل.
1 - من المقرر أن من حق المحكمة أن تعتمد على أقوال الشاهد متى وثقت بها واطمأنت إليها، ولا تثريب عليها إن هي أخذت بأقوال المجني عليه وهو يحتضر ما دامت قد اطمأنت إليها وقدرت الظروف التي صدرت فيها، لما كان ذلك وكان البين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يطلب إلى المحكمة إجراء تحقيق معين في حدود ما يثيره بأسباب طعنه عن قدرة المجني عليه على التكلم عقب إصابته وحتى وفاته فليس له من بعد أن ينعى عليها قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها.
2 - من المقرر أن المحكمة لا تلتزم بإجابة طلب استدعاء الخبير لمناقشته ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها اتخاذ هذا الإجراء لما كان ذلك وكان الثابت من الأوراق أنه لم ينسب إلى الطاعن إحداث الإصابة الوخذية بعضد المجني عليه فإن ما يثيره الطاعن بشأن عدم إجابة المحكمة إلى طلبه استدعاء الطبيب الشرعي لتعليل تلك الإصابة يكون غير سديد.
3 - من المقرر أن المعاينة التي تجريها النيابة لمحل الحادث لا يلحقها البطلان بسبب غياب المتهم، وإذ أن تلك المعاينة ليست إلا إجراء من إجراءات التحقيق يجوز للنيابة أن تقوم به في غيبة المتهم إذ هي رأت لذلك موجباً، وكل ما يكون للمتهم هو أن يتمسك لدى محكمة الموضوع بما قد يكون في المعاينة من نقص أو عيب حتى تقدرها المحكمة وهي على بينة من أثرها شأنها شأن سائر الأدلة الأخرى.
4 - من المقرر أن القانون لا يمنع أن يتولى محام واحد أو هيئة دفاع واحدة واجب الدفاع عن متهمين متعددين في جناية واحدة ما دامت ظروف الواقعة لا تؤدي إلى القول بقيام تعارض حقيقي بين مصالحهم وإذا كان الثابت من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أنه انتهى إلى أن الطاعن وحده هو مرتكب جريمة الضرب المفضي إلى الموت التي دانه بها وكان إعفاء القضاء بإدانته كما يستفاد من أسباب الحكم لا يترتب عليه القضاء ببراءة المحكوم عليه الآخر وهو مناط التعارض الحقيقي المخل بحق الدفاع، فإنه لا يعيب الحكم في خصوص هذه الدعوى أن تولت هيئة دفاع واحدة الدفاع عن الطاعن والمحكوم عليه الآخر ذلك بأن تعارض المصلحة الذي يوجب إفراد كل منهما بمحام خاص يتولى الدفاع عنه أساسه الواقع ولا يبني على احتمال ما كان يسع كل منهما أن يبديه من أوجه الدفاع ما دام لم يبده بالفعل.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخر بأنهما قتلا...... عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن بيتا النية على قتله وعقدا العزم المصمم على ذلك وأعدا لهذا الغرض آلات حادة ثقيلة "فأس" وترصداه في الطريق الذي أيقينا مسبقاً طرقه له في ميقات الحادث وما أن ظفرا به حتى انهالا عليه ضرباً قاصدين من ذلك قتله فأحدثا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما طبقاً لمواد الاتهام فقرر ذلك.
وادعت...... (أرملة المجني عليه) مدنياً قبل المتهمين متضامنين بمبلغ 250 ج على سبيل التعويض المؤقت.
ومحكمة جنايات المنيا قضت حضورياً عملاً بالمادتين 236/ 1، 241/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم الأول (الطاعن) بالسجن لمدة خمس سنوات وبمعاقبة المتهم الثاني بالحبس مع الشغل لمدة ثلاثة أشهر وإلزامهما متضامنين بأن يدفعا للمدعية بالحقوق المدنية مبلغ 250 ج على سبيل التعويض المؤقت.
فطعن المحكوم عليه (الطاعن) في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الضرب المفضي إلى الموت قد شابه إخلال بحق الدفاع وفساد في الاستدلال وقصور في التسبيب وانطوى على بطلان في الإجراءات وخطأ في الإسناد ذلك بأنه عول في قضائه على أقوال المجني عليه دون أن يستظهر قدرته على الكلام وبتعقل كما عول على شهادة الشاهد...... رغم عدم حيادها إذ أنه متهم في جنحة وعجز عن تحديد محدث الإصابة القاتلة بالمجني عليه، كما أن الحكم لم يتحدث عن إصابة الطاعن والمتهم الآخر رغم دفعهما بتوافر حالة الدفاع الشرعي، كما أطرح هذا الدفاع قولاً بأن شاهدي الرؤيا قد رأيا الحادث منذ بدئه في حين أن الثابت بالأوراق يخالف ذلك، كما أن المحكمة سمحت لهيئة دفاع واحدة بالدفاع عن المتهمين "الطاعن والمحكوم عليه الآخر" رغم التعارض بين مصلحتهما في الدفاع، كما سكت الحكم إيراداً ورداً على دفع الطاعن بشيوع الاتهام بينه وبين المحكوم عليه الآخر، كما التفت عن إجابة طلب الطاعن إجراء معاينة محل الحادث لبطلان المعاينة التي أجرتها النيابة العامة في غيبة المتهمين وطلب دعوة الطبيب الشرعي لتعليل الإصابة الوخذية بالمجني عليه وسؤاله عن قدرة المجني عليه على التكلم بتعقل - مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الضرب المفضي إلى الموت التي دان الطاعن بها وأقام عليها في حقه أدلة سائغة تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها بقوله "فقد قرر المجني عليه في محضر الاستدلالات أنه لما كان في طريقه إلى حقله....... اعترضه المتهمان وضرباه كلاً بفأس أولهما (الطاعن) على رأسه والثاني على ذراعيه وشهد...... بالتحقيق وبالجلسة بأنه خرج من زراعته على صوت نقاش بين المجني عليه وبين المتهمين وتطور النقاش إلى شجار بادر فيه المتهم الأول (الطاعن) المجني عليه بضربه بفأس على رأسه."، وكان من المقرر أن من حق المحكمة أن تعتمد على أقوال الشاهد متى وثقت بها واطمأنت إليها، فلا تثريب عليها إن هي أخذت بأقوال المجني عليه وهو يحتضر ما دامت قد اطمأنت إليها وقدرت الظروف التي صدرت فيها، لما كان ذلك وكان البين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يطلب إلى المحكمة إجراء تحقيق معين في حدود ما يثيره بأسباب طعنه عن قدرة المجني عليه على التكلم عقب إصابته وحتى وفاته فليس له من بعد أن ينعى عليها قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها - لما كان ذلك وكان من المقرر أن المحكمة لا تلزم بإجابة طلب استدعاء الخبير لمناقشته ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها اتخاذ هذا الإجراء وكان الثابت من الأوراق أنه لم ينسب إلى الطاعن إحداث الإصابة الوخذية بعضد المجني عليه فإن ما يثيره الطاعن بشأن عدم إجابة المحكمة إلى طلبه استدعاء الطبيب الشرعي لتعليل تلك الإصابة يكون غير سديد، لما كان ذلك وكان من المقرر أن المعاينة التي تجريها النيابة لمحل الحادث لا يلحقها البطلان بسبب غياب المتهم، إذ أن تلك المعاينة ليست إلا إجراء من إجراءات التحقيق يجوز للنيابة أن تقوم به في غيبة المتهم إذ هي رأت لذلك موجباً، وكل ما يكون للمتهم هو أن يتمسك لدى محكمة الموضوع بما قد يكون في المعاينة من نقص أو عيب حتى تقدرها المحكمة وهي على بينة من أمرها كما هو الشأن في سائر الأدلة الأخرى، كما أنه من المقرر أيضاً أنه متى كان طلب المعاينة لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى إثبات استحالة حصول الواقعة كما رواها الشهود بل كان مقصوداً به إثارة الشبهة في الدليل الذي اطمأنت إليه المحكمة - فإن مثل هذا الطلب يعتبر دفاعاً موضوعياً لا تلزم المحكمة بإجابته، وكان البين من مطالعة محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يفصح عن هدفه من طلبه انتقال المحكمة لإجراء المعاينة وكان الحكم المطعون فيه قد رد على هذا الطلب في قوله "كما لا تلزم المحكمة أيضاً بإجابة المتهم لطلب الانتقال لإجراء المعاينة إذ لم يهدف منها إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى استحالة حصول الواقعة". فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الخصوص يكون في غير محله، لما كان ذلك وكان من المقرر أن الدفع بشيوع التهمة هو من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب في الأصل من المحكمة رداً صريحاً ما دام الرد مستفاداً ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي يوردها الحكم فإن ما يثيره الطاعن بشأن عدم رد الحكم على هذا الدفع مردود بما أثبته الحكم في حقه أخذاً بأدلة الثبوت في الدعوى من أنه هو وحده الذي ضرب المجني عليه بفأس على رأسه فأحدث به الإصابات التي أفضت إلى موته، لما كان ذلك وكان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، كما أنه من المقرر أيضاً أن العبرة في المحاكمات الجنائية هي باقتناع قاضي الموضوع بناء على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته، ولمحكمة الموضوع أن تجزئ أقوال الشاهد فتأخذ منها بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه لتعلق ذلك بسلطتها في تقدير أدلة الدعوى، وفي إغفالها إيراد بعض للوقائع من أقوال الشاهد ما يفيد ضمناً عدم اطمئنانها إليها، كما أنه لا يشترط أن تكون الأدلة التي يعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، لما كان ذلك وكان ما حصله الحكم من أقوال الشاهد له صداه في الأوراق فإن النعي على الحكم بتعويله على شهادة...... رغم عدم حيادها ورغم عجزه عن تحديد محدث إصابة الرأس القاتلة يكون غير سديد، لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القانون لا يمنع أن يتولى محام واحد أو هيئة دفاع واحدة واجب الدفاع عن متهمين متعددين في جناية واحدة ما دامت ظروف الواقعة لا تؤدي إلى القول بقيام تعارض حقيقي بين مصالحهم وإذا كان الثابت من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أنه انتهى إلى أن الطاعن وحده هو مرتكب جريمة الضرب المفضي إلى الموت التي دانه بها وكان القضاء بإدانته كما يستفاد من أسباب الحكم - لا يترتب عليه القضاء ببراءة المحكوم عليه الآخر وهو مناط التعارض الحقيقي المخل بحق الدفاع، فإنه لا يعيب الحكم في خصوص هذه الدعوى أن تولت هيئة دفاع واحدة الدفاع عن الطاعن والمحكوم عليه الآخر ذلك بأن تعارض المصلحة الذي يوجب أفراد كل منهما بمحام خاص يتولى الدفاع عنه أساسه الواقع ولا يبني على احتمال ما كان يسع كل منهما أن يبديه من أوجه الدفاع ما دام لم يبده بالفعل، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعن بأن المجني عليه هو البادئ بالعدوان وقيام حالة الدفاع الشرعي ونفاه بقوله "وحيث إن الثابت من أقوال....... في محضر تحقيق النيابة أن الشجار نشب بين الطرفين لما مر المجني عليه من أمام حقل المتهمين وسألاه عن سبب اعتدائه بالضرب على ابنة أولهما - والتي هي زوجة ابنه - ولما لم يأبه لسؤالهما هذا قررا له أنها سوف لا تعود إلى منزل زوجها وابتدأ التعدي بأن بادر المتهم الأول (الطاعن) بضرب المجني عليه بفأس على رأسه ثم تبعه المتهم الثاني وضرب المجني عليه بفأس أيضاً، الأمر الذي ينهار معه ما جاء بدفاع المتهمين من أنه لم يثبت أنهما بدآ المجني عليه بالاعتداء أو أنهما كانا في حالة دفاع شرعي عن النفس، وكان يبين من المفردات المضمومة أن ما أثبته الحكم على الوجه السالف بيانه له أصله الثابت بتحقيقات النيابة فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الخصوص يكون لا أساس له من الواقع، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى انتفاء الدفاع الشرعي وأن الطاعن هو الذي بادر المجني عليه بالاعتداء فإنه لا محل لما يثيره الطاعن في شأن عدم تحدث الحكم عن إصاباته وإصابات المحكوم عليه الآخر - لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.