أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 35 - صـ 222

جلسة 29 من فبراير سنة 1984

برياسة السيد المستشار/ محمد وجدي عبد الصمد نائب رئيس المحكمة. وعضوية السادة المستشارين/ إبراهيم حسين رضوان نائب رئيس المحكمة ومحمد ممدوح سالم ومحمد رفيق البسطويسي ومحمود بهي الدين.

(46)
الطعن رقم 6426 لسنة 53 القضائية

(1) مأمور الضبط القضائي. تموين. قانون "تفسيره".
لمراقبي المناطق التموينية ووكلائهم ومديري إدارة التفتيش ورؤساء أقسام التفتيش ومساعديهم بهذه المناطق. صفة الضبط القضائي في تنفيذ أحكام المرسوم بقانون 95 لسنة 1945 والمرسوم بقانون 163 لسنة 1950. في دائرة اختصاصهم. أساس ذلك؟
(2) تلبس. تفتيش "التفتيش بغير إذن". تموين.
التلبس بالجنايات والجنح التي يعاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر. يبيح لمأمور الضبط القضائي الأمر بالقبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه.
3 - تموين. تلبس. إثبات "بوجه عام". تفتيش. مأمورو الضبط القضائي.
وجود مظاهر خارجية تنبئ عن ارتكاب جريمة. كفاية ذلك لقيام حالة التلبس. بصرف النظر عما يسفر عنه التحقيق أو المحاكمة.
(4) تعد. جريمة "أركانها" موظفون عموميون. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". قصد جنائي.
أركان جرائم التعدي على الموظفين المنصوص عليها في المواد 133، 136، 137، 137 مكرراً ( أ ) عقوبات؟
- تحقق جريمة المادة 137 مكرراً ( أ ) عقوبات، إذا كان ما وقع من المتهم قد انصرف إلى منع الموظف المعتدى عليه من أداء عمل وظيفته.
(5) تعدي على موظف عام. عقوبة "تطبيقها" "العقوبة المبررة". ظروف مخففة. وصف التهمة. نقض "المصلحة في الطعن".
العبرة في إعمال المادة 17 عقوبات بالواقعة الجنائية ذاتها. لا بوصفها القانوني إدانة المتهم بجناية تعدي على موظفين عموميين ومعاقبته بالعقوبة المقررة لجنحة التعدي بالضرب بأداة بعد إعمال المادة 17عقوبات. انتفاء مصلحته في المجادلة في تحقيق أركان الجريمة التي دين بها.
(6) أسباب الإباحة وموانع العقاب "الدفاع الشرعي". دفوع "الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي. يجب أن يكون جدياً وصريحاً. عدم جواز إثارته لأول مرة أمام النقض. ما لم تكن مدونات الحكم تظاهره.
(7) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". إثبات "بوجه عام".
عدم التزام المحكمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة.
(8) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات "بوجه عام" "شهود". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
متى لا يكون العثور على جسم الجريمة مؤثراً في ثبوتها؟
1 - لما كانت المادة 17 من المرسوم بقانون رقم 163 لسنة 1950 الخاص بشئون التسعير الجبري وتحديد الأرباح المعدل تنص على أن يكون للموظفين الذين يندبهم وزير التجارة والصناعة بقرار منه صفة رجال الضبط القضائي في إثبات الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام هذا المرسوم بقانون والقرارات المنفذة له.. وكان قد صدر القرار الوزاري رقم 205 لسنة 1952 ببيان الموظفين الذين لهم صفة رجال الضبط القضائي تنفيذاً لأحكام المرسومين بالقانونين رقمي 95 لسنة 1945، 163 لسنة 1950 المعدلين، ناصاً في مادته الأولى على أن يكون للموظفين الموضحة وظائفهم بالكشف المرفق صفة مأموري الضبط القضائي لمراقبة تنفيذ أحكام المرسومين بالقانونين رقمي 95 لسنة 1945، 163 لسنة 1950 وإثبات الجرائم التي تقع في دائرة اختصاصهم بالمخالفة لأحكامهما وأحكام القرارات المنفذة لهما، كما نص في الكشف المرفق على أن مراقبي المناطق التموينية ووكلاءهم ومديري إدارة التفتيش ورؤساء أقسام التفتيش والمفتشين ومساعديهم بهذه المناطق كل في دائرة اختصاصه، له صفة الضبط القضائي في تنفيذ أحكام المرسومين بالقانونين سالفي الذكر، وكان البين من الحكم المطعون فيه - وبما لا ينازع فيه الطاعن - أن الموظفين المعتدى عليهم هم مفتشو تموين منطقة شمال القاهرة، فإنهم تأسيساً على ما تقدم, يكونون من مأموري الضبط القضائي في تنفيذ أحكام المرسوم بقانون رقم 163 لسنة 1950.
2 - إن المادة 34 من قانون الإجراءات الجنائية بعد تعديلها بالقانون رقم 37 لسنة 1972 تخول لمأمور الضبط القضائي في الجنايات، والجنح التي يعاقب عليها بالحبس مدة تزيد على ثلاثة أشهر, إذا كانت في حالة تلبس، أن يأمر بالقبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه.
3 - من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه إذا وجدت مظاهر خارجية فيها بذاتها ما ينبئ عن ارتكاب الفعل الذي تتكون منه الجريمة, فإن ذلك يكفي لقيام حالة التلبس، بصرف النظر عما ينتهي إليه التحقيق أو تسفر عنه المحاكمة، ذلك بأنه لا يشترط لقيام حالة التلبس أن يؤدي التحقيق إلى ثبوت الجريمة قبل مرتكبها.
4 - من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن جرائم التعدي على الموظفين المنصوص عليها في المواد 133، 136، 137، 137 مكرراً ( أ ) من قانون العقوبات، يجمعها ركن مادي واحد، ويفصل بينها الركن الأدبي، فبينما يكفي لتوافر الركن الأدبي في الجرائم المنصوص عليها في المواد من 133 - 137 آنفة الذكر, قيام القصد الجنائي العام وهو إدراك الجاني لما يفعل وعلمه بشروط الجريمة، فإنه لا يتحقق في جريمة المادة 137 مكرر ( أ ) بادية الذكر إلا إذا توافرت لدى الجاني نية خاصة بالإضافة إلى القصد الجنائي العام، تتمثل في انتوائه الحصول من الموظف المعتدى عليه، على نتيجة معينة هي أن يؤدي عملاً لا يحل له أداؤه أو أن يستجيب لرغبة المعتدي فيمتنع عن أداء عمل كلف بأدائه، وأن الشارع قد أطلق حكم المادة 137 مكرر ( أ ) لينال بالعقاب كل من يستعمل القوة أو العنف أو التهديد مع الموظف العام أو الشخص المكلف بخدمة عامة, لقضاء أمر غير حق أو اجتناب أداء العمل المكلف به، يستوي في ذلك أن يقع الاعتداء أو التهديد أثناء قيام الموظف أو المكلف بعمله, لمنعه من المضي في تنفيذه أم في غير فترة قيامه به لمنعه من أدائه في المستقبل، طالما أن أداء الموظف أو المكلف للعمل غير المعد أو اجتناب أداء عمله قد تحقق نتيجة لاستعمال القوة أو العنف أو التهديد.
5 - انتفاء مصلحة الطاعن في تحقق أركان الجريمة التي دين بها، ما دام أن العقوبة المقضى بها عليه وهي الحبس لمدة سنتين، تدخل في نطاق العقوبة المقررة لجنحة التعدي بالضرب بأداة المنطبقة عليها الفقرة الثانية من المادة 137 من قانون العقوبات، التي لا تتطلب قصداً خاصاً ولا يقدح في ذلك كون المحكمة قد عاملته بالمادة 17 من ذات القانون، ذلك بأنها إنما قدرت مبررات الرأفة بالنسبة للواقعة الجنائية ذاتها بغض النظر عن وصفها القانوني، ولو أنها قدرت أن الواقعة في الظروف التي وقعت فيها تقتضي النزول بالعقوبة إلى أكثر مما نزلت إليه لما منعها من ذلك الوصف الذي وصفتها به.
6 - لما كان من المقرر أن الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي من الدفوع الموضوعية التي يجب التمسك بها لدى محكمة الموضوع، ولا يجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض، إلا إذا كانت الوقائع الثابتة بالحكم دالة بذاتها على تحقق حالة الدفاع الشرعي كما هي معرفة به في القانون أو ترشح لقيامها, وكان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يتمسك صراحة بقيام حالة الدفاع الشرعي، وما ورد على لسان المدافع عنه من أنه "كان يجب على المتهم دفع الاعتداء الباطل عليه.. والمتهم كان مضروباً، والمتهم به إصابات" لا يفيد التمسك بقيام تلك الحالة قبل المجني عليهم. ولا يعد دفعاً جدياً يستوجب على المحكمة أن تعرض له بالرد في حكمها، فإنه لا يقبل من الطاعن إثارة هذا الدفاع لأول مرة أمام محكمة النقض.
7 - لما كان من المقرر أن المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد عليها استقلالاً، إذ الرد يستفاد ضمناً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، وكان الحكم قد اطمأن إلى أدلة الثبوت في الدعوى ومن بينها شهادة مفتشي التموين الذين وقع الاعتداء عليهم فإن ما يثيره الطاعن من عدم ضبط السلعة محل جريمة البيع بأزيد من السعر المحدد، وعدم معاينة محل بيعها، وعدم سؤال الجمعية الموردة للسلعة، كل ذلك يتمخض دفاعاً موضوعياً قصد به التشكيك في أقوال المجني عليهم وحقهم في القبض قانوناً على الطاعن بوصفهم من مأموري الضبط القضائي، ولا يستوجب من المحكمة رداً صريحاً، ما دام الرد مستفاداً من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم.
8 - لا يقدح في سلامة الحكم، عدم ضبط جسم الجريمة التي خول القانون فيها للشهود من مأموري الضبط القضائي, الحق في القبض قانوناً على الطاعن، خاصة بعد إذ أثبت الحكم ما أتاه الطاعن من أفعال التعدي, قد مكنته من الاستحواذ عليه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه - استعمل القوة والعنف مع موظفين عموميين لحملهم بغير حق على الامتناع عن عمل من أعمال وظيفتهم حالة كونه يحمل سلاحاً، بأن تعدى على كل من..... و..... و..... مفتشي التموين بمنطقة شمال القاهرة التموينية أثناء تأديبهم أعمال وظيفتهم واعتدى على أولهم ضرباً بآلة حادة (ساطور) فأحدث به الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبي وذلك لمنعهم من إلقاء القبض عليه بعد ضبطه متلبساً بمخالفة تموينية وتحرير المحضر اللازم له وقد بلغ الجاني بذلك مقصده لفراره بجسم الجريمة بعد انتزاعه عنوة منهم. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام. فقرر بذلك.
ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضورياً عملاً بالمادة 137/ 1، 3 مكرراً أ من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 17 من ذات القانون بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل سنتين.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه، أنه إذ دانه بجريمة التعدي على موظفين عموميين لحملهم بغير حق على الامتناع عن عمل من أعمال وظيفتهم، المنطبقة على المادة 137 مكرر ( أ ) من قانون العقوبات، قد شابه الخطأ في القانون والإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب، ذلك بأنه لم يستظهر شروط انطباق تلك المادة على واقعة الدعوى بما يوفر في حقه الجريمة التي دين بها. كما أن الطاعن لم يبيع السلعة المقول بها بسعر يزيد عن السعر المحدد لها، وأنه بفرض حصول ذلك فلم تكن جريمة البيع تلك في حالة تلبس، وأنه ليس من حق مفتشي التموين القبض عليه قانوناً، فضلاً عن عدم ضبط جسم الجريمة التموينية ودليلها المادي وعدم إجراء معاينة لمحل الواقعة وعدم سؤال الجمعية التي تقوم بتوريد السلعة عن حقيقة الواقعة هذا إلى أن اعتداء وقع عليه من قبل مفتش التموين أثبته التقرير الطبي وما أتاه الطاعن إنما كان درءاً لهذا الاعتداء، كل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى في قوله "إن الواقعة حسبما استخلصتها المحكمة من سائر الأوراق والتحقيقات ومما دار بشأنها بالجلسة, تتحصل في أنه في مساء يوم 23/ 7/ 1980 بعد الغروب توجه أربعة من مفتشي تموين منطقة شمال القاهرة في حملة للتفتيش على المخابز والمجمعات الواقعة بدائرة المنطقة. وفي حوالي الساعة 9.30 التاسعة والنصف مساء ذهب اثنان منهم هما..... و..... إلى كشك تابع لشركة النيل للمجمعات الاستهلاكية كان المتهم قائماً ببيع السمك البلطي فيه، وطلبا منه أن يبيعهما ثلاث كيلو جرامات من السمك، ففعل وسددا له الثمن بالسعر الرسمي وقدره ستة وستون قرشاً بواقع اثنين وعشرين قرشاً للكيلو الواحد, وتوجها بالسمك إلى حيث كان ينتظرهما زميلاهما..... و...... في السيارة الحكومية وعرضا عليهما عملية الشراء التي تمت, ثم عادوا جميعاً إلى مقر الكشك ووضعوا السمك على الميزان للتحقق من سلامة وزنه، فوجده ناقصاً بمقدار ربع كيلو جرام، واعتبروا المتهم بذلك في حالة تلبس بارتكاب جنحة تموينية بيعه اثنين كيلو جرام وثلاثة أرباع الكيلو بثمن يجاوز السعر المقرر بمقدار 5.5 خمسة قروش ونصف، وطلبوا منه غلق الكشك إذ كان وحده القائم على إدارته والبيع فيه, والتوجه معهم إلى قسم الشرطة المختص، لضبط المحضر اللازم بالواقعة، إلا أن المتهم ماطل في الخروج. فتقدم منه المفتش... لإخراجه من داخل الكشك ومن خلفه بعض زملائه، غير أن المتهم في سبيل حملهم على الامتناع عن القبض عليه وإخراجه، استل السكين التي يستعملها في عمله وأخذ يلوح لهم بها مهدداًَ بإعمالها فيهم، ثم ضرب بها بالفعل أحدهم وهو.... فأصابه بجرح قطعي في رأسه واشتباه ارتجاج بالمخ، وقد تمكن المتهم بهذا التهديد والعنف من بلوغ مقصده، إذ امتنع رجال التموين المذكورين عن القبض عليه، وقام بإغلاق الكشك على كمية السمك موضوع الجريمة التموينية وانصرف إلى الفرار طليق السراح. لما كان ذلك، وكانت المادة 17 من المرسوم بقانون رقم 163 لسنة 1950 الخاص بشئون التسعير الجبري وتحديد الأرباح المعدل تنص على أن يكون للموظفين الذين يندبهم وزير التجارة والصناعة بقرار منه صفة رجال الضبط القضائي في إثبات الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام هذا المرسوم بقانون والقرارات المنفذة له.. وكان قد صدر القرار الوزاري رقم 205 لسنة 1952 ببيان الموظفين الذين لهم صفة رجال الضبط القضائي تنفيذاً لأحكام المرسومين بالقانونين رقمي 95 لسنة 1945، 163 لسنة 1950 المعدلين، ناصاً في مادته الأولى على أن يكون للموظفين الموضحة وظائفهم بالكشف المرفق صفة مأموري الضبط القضائي لمراقبة تنفيذ أحكام المرسومين بالقانونين رقمي 95 لسنة 1945، 163 لسنة 1950 وإثبات الجرائم التي تقع في دائرة اختصاصهم بالمخالفة لأحكامهما وأحكام القرارات المنفذة لهما، كما نص في الكشف المرفق على أن مراقبي المناطق التموينية ووكلائهم ومديري إدارة التفتيش ورؤساء أقسام التفتيش والمفتشين ومساعديهم بهذه المناطق كل في دائرة اختصاصه. له صفة الضبط القضائي في تنفيذ أحكام المرسومين بالقانونين سالفي الذكر وكان البين من الحكم المطعون فيه - وبما لا ينازع فيه الطاعن - أن الموظفين المعتدى عليهم هم مفتشو تموين منطقة شمال القاهرة، فإنهم تأسيساً على ما تقدم, يكونون من مأموري الضبط القضائي في تنفيذ أحكام المرسوم بقانون رقم 163 لسنة 1950، إذ كانت المادة 34 من قانون الإجراءات الجنائية بعد تعديلها بالقانون رقم 37 لسنة 1972 تخول لمأمور الضبط القضائي في الجنايات. والجنح التي يعاقب عليها بالحبس مدة تزيد على ثلاثة أشهر, إذا كانت في حالة تلبس، أن يأمر بالقبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه، وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه إذا وجدت مظاهر خارجية فيها بذاتها ما ينبئ عن ارتكاب الفعل الذي تتكون منه الجريمة, فإن ذلك يكفي لقيام حالة التلبس، بصرف النظر عما ينتهي إليه التحقيق أو تسفر عنه المحاكمة، ذلك بأنه لا يشترط لقيام حالة التلبس أن يؤدي التحقيق إلى ثبوت الجريمة قبل مرتكبها، لما كان ذلك، وكان الثابت من الحكم المطعون فيه أنه بعد إذ اشترى مفتش التموين السمك من الطاعن ودفع ثمنه على أساس أن زنته ثلاثة كيلو جرامات أجرى هو وزملاؤه وزنه في الكشك الذي يتولى الطاعن عملية البيع فيه، فاتضح أن الوزن يقل عن الوزن الذي تقاضى الثمن على أساسه بمقدار ربع كيلو جرام يبلغ ثمنه خمسة قروش ونصف القرش فإنه يكون من حق مفتشي التموين الذين شاهدوا ذلك، بوصفهم من مأموري الضبط القضائي أن يقبضوا على الطاعن، بوصفه حسب الظاهر لهم مرتكباً جريمة البيع بأزيد من السعر المحدد وكان من المقرر كذلك في قضاء هذه المحكمة أن جرائم التعدي على الموظفين المنصوص عليها في المواد 133، 136، 137، 137 مكرراً ( أ ) من قانون العقوبات، يجمعها ركن مادي واحد، ويفصل بينها الركن الأدبي، فبينما يكفي لتوافر الركن الأدبي في الجرائم المنصوص عليها في المواد (1) من 133 - 137 آنفة الذكر, قيام القصد الجنائي العام وهو إدراك الجاني لما يفعل وعلمه بشروط الجريمة، فإنه لا يتحقق في جريمة المادة 137 مكرراً ( أ ) بادية الذكر إلا إذا توافرت لدى الجاني نية خاصة بالإضافة إلى القصد الجنائي العام، تتمثل في انتوائه الحصول من الموظف المعتدى عليه، على نتيجة معينة هي أن يؤدي عملاً لا يحل له أداؤه أو أن يستجيب لرغبة المعتدي فيمتنع عن أداء عمل كلف بأدائه، وأن الشارع قد أطلق حكم المادة 137 مكرراً ( أ ) لينال بالعقاب كل من يستعمل القوة أو العنف أو التهديد مع الموظف العام أو الشخص المكلف بخدمة عامة, لقضاء أمر غير حق أو اجتناب أداء العمل المكلف به.
يستوي في ذلك أن يقع الاعتداء أو التهديد أثناء قيام الموظف أو المكلف بعمله, لمنعه من المضي في تنفيذه أم في غير فترة قيامه به لمنعه من أدائه في المستقبل، طالما أن أداء الموظف أو المكلف للعمل غير المعد أو اجتناب أداء عمله قد تحقق نتيجة لاستعمال القوة أو العنف أو التهديد وإذ كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه. بعد أن أورد وقائع المقاومة والتعدي الحاصلة من الطاعن بما يكفي لتوافر العنصر المادي للجريمة. استظهر استظهاراً سليماً من ظروف الواقعة أن غرض الطاعن مما وقع منه من أفعال مادية, قد انصرف إلى منع المجني عليهم من أداء أعمال وظيفتهم لعدم تمكينهم من القبض عليه واقتياده إلى قسم الشرطة لاتخاذ الإجراءات القانونية قبله، وقد تمكن بما أتاه من وسائل العنف والتعدي من بلوغ مقصده، وانصرف طليق السراح فإن الجناية المنصوص عليها في المادة 137 مكرراً ( أ ) من قانون العقوبات تكون متوافرة الأركان ويكون منعى الطاعن على الحكم المطعون فيه في هذا الصدد, على غير سند. هذا فضلاً عن انتفاء مصلحة الطاعن في نفي تحقق أركان الجريمة التي دين بها، ما دام أن العقوبة المقضى بها عليه وهي الحبس لمدة سنتين، تدخل في نطاق العقوبة المقررة لجنحة التعدي بالضرب بأداة المنطبقة عليها الفقرة الثانية من المادة 137 من قانون العقوبات، التي لا تتطلب قصداً خاصاً ولا يقدح في ذلك كون المحكمة قد عاملته بالمادة 17 من ذات القانون، ذلك بأنها إنما قدرت مبررات الرأفة بالنسبة للواقعة الجنائية ذاتها بغض النظر عن وصفها القانوني، ولو أنها قدرت أن الواقعة في الظروف التي وقعت فيها تقتضي النزول بالعقوبة إلى أكثر مما نزلت إليه لما منعها من ذلك الوصف الذي وصفتها به. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن من انتفاء تهمة البيع بأكثر من السعر المحدد جبرياً وأن الجريمة لم تكن في حالة تلبس وأن مفتش التموين ليس له حق القبض قانوناً، كل ذلك، مردود بما سلف بيانه في معرض الرد ما أثاره الطاعن في طعنه من عدم استظهار الحكم المطعون فيه شروط الجريمة التي دانه بها. لما كان ذلك وكان من المقرر أن الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي من الدفوع الموضوعية التي يجب التمسك بها لدى محكمة الموضوع، ولا يجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض، إلا إذا كانت الوقائع الثابتة بالحكم دالة بذاتها على تحقق حالة الدفاع الشرعي كما هي معرفة به في القانون أو ترشح لقيامها, وكان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يتمسك صراحة بقيام حالة الدفاع الشرعي، وما ورد على لسان المدافع عنه من أنه "كان يجب على المتهم دفع الاعتداء الباطل عليه.. والمتهم كان مضروباً، والمتهم به إصابات" لا يفيد التمسك بقيام تلك الحالة قبل المجني عليهم. ولا يعد دفعاً جدياً يستوجب على المحكمة أن تعرض له بالرد في حكمها، فإنه لا يقبل من الطاعن إثارة هذا الدفاع لأول مرة أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد عليها استقلالاً، إذ الرد يستفاد ضمناً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، وكان الحكم قد اطمأن إلى أدلة الثبوت في الدعوى ومن بينها شهادة مفتشي التموين الذين وقع الاعتداء عليهم فإن ما يثيره الطاعن من عدم ضبط السلعة محل جريمة البيع بأزيد من السعر المحدد، وعدم معاينة محل بيعها، وعدم سؤال الجمعية الموردة للسلعة كل ذلك يتمحص دفاعاً موضوعياً قصد به التشكيك في أقوال المجني عليهم وحقهم في القبض قانوناً على الطاعن بوصفهم من مأموري الضبط القضائي، ولا يستوجب من المحكمة رداً صريحاً، ما دام الرد مستفاداً من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم. هذا فضلاً عن أنه لا يقدح في سلامة الحكم، عدم ضبط جسم الجريمة التي خول القانون فيها للشهود من مأموري الضبط القضائي, الحق في القبض قانوناً على الطاعن، خاصة بعد إذ أثبت الحكم أن ما أتاه الطاعن من أفعال التعدي, قد مكنته من الاستحواذ عليه، لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.