أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 31 - صـ 200

جلسة 7 من فبراير سنة 1980

برئاسة السيد المستشار عثمان مهران الزيني نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: صلاح نصار، وحسن جمعه؛ ومحمد عبد الخالق النادي؛ وحسين كامل حنفي.

(41)
الطعن رقم 877 لسنة 49 القضائية

(1) إثبات. "بوجه عام". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم التزام المحكمة بالتحدث إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها. لها أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من باقي الأدلة.
(2) إثبات. "بوجه عام". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
عدم إلزام المحكمة بالأخذ بالأدلة المباشرة فقط. لها تكوين عقيدتها من جماع العناصر المطروحة بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية. متى كان ذلك سائغاً.
(3) إثبات. "شهادة". "خبرة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". ضرب أفضى إلى الموت.
تطابق أقوال الشهود مع مضمون الدليل الفني. غير لازم. كفاية أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني. تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق. مثال.
(4) حكم. "بياناته. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم رسم القانون شكلاً معيناً لصياغة الحكم. كفاية أن يكون ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها.
(5) ضرب أفضى إلى موت. رابطة السببية. مسئولية جنائية. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
علاقة السببية في المواد الجنائية. علاقة مادية تبدأ بالفعل الذي اقترفه الجاني وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً.
تقدير قيام علاقة السببية. موضوعي.
مسئولية المتهم. في جريمة الضرب. عن جميع النتائج المألوفة لفعله ولو كانت عن طريق غير مباشر. كالتراخي في العلاج. ما لم تكن وليدة تعمد من جانب المجني عليه.
(6) حكم. "تسبيبه. بيانات التسبيب" بطلان.
بطلان حكم الإدانة. لعدم إشارته إلى نص القانون الذي حكم بموجبه مقصور على عدم الإشارة إلى نصوص القانون الموضوعي دون نصوص قانون الإجراءات الجنائية. أساس ذلك.
1 - من المقرر أن المحكمة غير ملزمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها، ومن المقرر - أيضاً - أن الأدلة في المواد الجنائية إقناعية، وللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من باقي الأدلة القائمة في الدعوى، ومن ثم فحسب المحكمة أن أقامت الأدلة على مقارفة الطاعن للجريمة التي دين بها بما يحمل قضاءها وهو ما يفيد ضمناً أنها لم تأخذ بدفاعه، فإنه لا يعيب الحكم عدم إيراد مضمون محضر الصلح المقدم من الطاعن، ولا يؤثر على سلامة استدلال الحكم خطؤه في الإسناد في إطراح محضر الصلح، ولا يعيبه هذا الخطأ - بفرض صحته - ما دام الحكم قد أبدى عدم اطمئنانه إلى ما جاء به ولم يكن لهذه الواقعة تأثير في عقيدة المحكمة والنتيجة التي انتهت إليها.
2 - من المقرر أنه لا يلزم لصحة الحكم أن يكون الدليل الذي تستند إليه المحكمة صريحاً ومباشراً في الدلالة على ما تستخلصه منه، بل لها أن تركن في تكوين عقيدتها عن الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى واستظهار الحقائق القانونية المتصلة بها إلى ما تستخلصه من جماع العناصر المطروحة بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام استخلاصها سليماً لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي.
3 - من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع جوهر الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق، ولما كان ما ساقه الحكم المطعون فيه من أدلة تبريراً لقضائه بعد أن استخلص إدانة الطاعن بأنه أحدث بالمجني عليه إصابة الرأس الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته واستطرد قائلاً أن الرأس جزء متحرك من الجسم وأي التفاتة من المجني عليه وقت الحادث يترتب عليها حتماً اختلاف موضع الإصابة وهو أمر يصعب على الشهود ملاحظته سيما في مثل الظروف التي وقع بها الحادث ومما يؤكد ذلك أن إصابة المجني عليه من الضرب بعصا وليست من قذف الطوب ما ثبت من تقرير الصفة التشريحية أن طول الجرح عشرة سنتيمترات تحدث من الضرب بعصا غليظة، وهو ما قرره شهود الإثبات، واطمأنت إليه المحكمة، فإن ما أورده الحكم من استدلال رداً على دفاع الطاعن بالتناقض بين الدليل القولي والدليل الفني سائغ ومتفق مع العقل والمنطق.
4 - القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون.
5 - من المقرر أن علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الضار الذي قارفه الجاني وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً، وثبوت قيام هذه العلاقة من المسائل الموضوعية التي ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها، ومتى فصل في شأنها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه، وكان الحكم المطعون فيه اعتماداً على الأدلة السائغة التي أوردها والتي لا يمارى الطاعن أن لها معينها الصحيح من الأوراق قد خلص إلى إحداث الطاعن جرحاً عمدياً برأس المجني عليه بضربه بعصا، وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن وفنده وأطرحه بأسباب سائغة التزم فيها بالتطبيق القانوني الصحيح، فإن الطاعن يكون مسئولاً عن جناية الضرب المفضي إلى الموت التي أثبت الحكم مقارفته إياها، ولا يجدي الطاعن ما يثيره عن الإهمال في علاج المجني عليه لأنه فضلاً عن أنه لا يعدو القول المرسل الذي سيق بغير دليل - فإنه بفرض صحته - لا يقطع رابطة السببية لأن المتهم في جريمة الضرب يكون مسئولاً عن جميع النتائج المحتمل حصولها من الإصابة ولو كانت عن طريق غير مباشر كالتراخي في العلاج أو الإهمال فيه ما لم يثبت أنه كان متعمداً لتجسيم المسئولية وهو ما لم يقل به الطاعن ولا سند له من الأوراق ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الصدد يضحى ولا محل له.
6 - إن المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية إذ نصت في فقرتها الأخيرة على أن كل حكم بالإدانة يجب أن يشير إلى نص القانون الذي حكم بموجبه، فقد أبانت بوضوح أن البطلان مقصور على عدم الإشارة إلى نصوص القانون الموضوعي على اعتبار أنه من البيانات الجوهرية التي تقتضيها قاعدة شرعية الجرائم والعقوبات، وأما إغفال الإشارة إلى نصوص قانون الإجراءات الجنائية فإنه لا يبطل الحكم.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: ضرب...... بعصا على رأسه فأحدث به الإصابة الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصد من ذلك قتلاً ولكن الضرب أفضى إلى موته. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة فقرر ذلك. ومحكمة جنايات دمنهور قضت حضورياً عملاً بالمادة 236/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن ثلاث سنوات. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الضرب المفضي إلى الموت قد انطوى على قصور في التسبيب وخطأ في الإسناد وشابه فساد في الاستدلال وخطأ في تطبيق القانون وبطلان، ذلك أن المحكمة أطرحت محضر الصلح المقدم من الطاعن ولم تورد مضمونه بمقولة إنه لم يتناول الواقعة على خلاف ما هو ثابت به، وتناقضت أقوال شهود الإثبات مع الدليل الفني إذ أن مؤدى أقوالهم أن الطاعن ضرب المجني عليه على الجهة اليمنى من رأسه في حين أن الثابت من تقرير الصفة التشريحية أن إصابة المجني عليه بالجهة اليسرى من الرأس، ورد الحكم على الدفع بالتناقض بين الدليلين القولي والفني رداً غير سائغ وافترض فرضاً لا أصل له في الأوراق ولم يستظهر الحكم توافر أركان جريمة الضرب المفضي إلى الموت في حق الطاعن رغم دفاعه بأن وفاة المجني عليه ترجع إلى سبب أجنبي هو الإهمال في العلاج من جانب الطبيب المعالج بالمستشفى، فضلاً عن أن الحكم لم يشر إلى نص قانون الإجراءات واجب التطبيق مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الضرب المفضي إلى الموت التي دان الطاعن بها، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة لها معينها الصحيح من الأوراق، ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها مستمدة من أقوال شهود الإثبات وتقرير الصفة التشريحية. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المحكمة غير ملزمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها، ومن المقرر - أيضاً - أن الأدلة في المواد الجنائية إقناعية، وللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من باقي الأدلة القائمة في الدعوى، ومن ثم فحسب المحكمة أن أقامت الأدلة على مقارفة الطاعن للجريمة التي دين بها بما يحمل قضاءها وهو ما يفيد ضمناً أنها لم تأخذ بدفاعه، فإنه لا يعيب الحكم عدم إيراد مضمون محضر الصلح المقدم من الطاعن، ولا يؤثر على سلامة استدلال الحكم خطؤه في الإسناد في إطراح محضر الصلح، ولا يعيبه هذا الخطأ - بفرض صحته - ما دام الحكم قد أبدى عدم اطمئنانه إلى ما جاء به ولم يكن لهذه الواقعة تأثير في عقيدة المحكمة والنتيجة التي انتهت إليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يلزم لصحة الحكم أن يكون الدليل الذي تستند إليه المحكمة صريحاً ومباشراً في الدلالة على ما تستخلصه منه، بل لها أن تركن في تكوين عقيدتها عن الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى واستظهار الحقائق القانونية المتصلة بها إلى ما تستخلصه من جماع العناصر المطروحة بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام استخلاصها سليماً لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي - وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره، وليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع جوهر الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق. وكان ما ساقه الحكم المطعون فيه من أدلة تبريراً لقضائه بعد أن استخلص إدانة الطاعن بأنه أحدث بالمجني عليه إصابة الرأس الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته واستطرد قائلاً إن الرأس جزء متحرك من الجسم وأي التفاتة من المجني عليه وقت الحادث يترتب عليها حتماً اختلاف موضع الإصابة وهو أمر يصعب على الشهود ملاحظته سيما في مثل الظروف التي وقع بها الحادث وبما يؤكد ذلك أن إصابة المجني عليه من الضرب بعصا وليست من قذف الطوب ما ثبت من تقرير الصفة التشريحية أن طول الجرح عشرة سنتيمترات...... تحدث من الضرب بعصا غليظة، وهو ما قرره شهود الإثبات، واطمأنت إليه المحكمة، فإن ما أورده الحكم من استدلال رداً على دفاع الطاعن بالتناقض بين الدليل القولي والدليل الفني سائغ ومتفق مع العقل والمنطق. لما كان ذلك، وكان القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون، ولما كان من المقرر أن علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الضار الذي قارفه الجاني وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً، وثبوت قيام هذه العلاقة من المسائل الموضوعية التي ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها، ومتى فصل في شأنها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه، وكان الحكم المطعون فيه اعتماداً على الأدلة السائغة التي أوردها والتي لا يمارى الطاعن أن لها معينها الصحيح من الأوراق قد خلص إلى إحداث الطاعن جرحاً عمدياً برأس المجني عليه بضربه بعصا، وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن وفنده وأطرحه بأسباب سائغة التزم فيها بالتطبيق القانوني الصحيح، فإن الطاعن يكون مسئولاً عن جناية الضرب المفضي إلى الموت التي أثبت الحكم مقارفته إياها، ولا يجدي الطاعن ما يثيره عن الإهمال في علاج المجني عليه لأنه فضلاً عن أنه لا يعدو القول المرسل الذي سيق بغير دليل - فإنه بفرض صحته - لا يقطع رابطة السببية لأن المتهم في جريمة الضرب يكون مسئولاً عن جميع النتائج المحتمل حصولها من الإصابة ولو كانت عن طريق غير مباشر كالتراخي في العلاج أو الإهمال فيه ما لم يثبت أنه كان متعمداً لتجسيم المسئولية وهو ما لم يقل به الطاعن ولا سند له من الأوراق ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الصدد يضحى ولا محل له. لما كان ذلك، وكان النعي على الحكم بالبطلان لأنه أغفل الإشارة إلى نص قانون الإجراءات الجنائية بالإدانة غير سديد في القانون، ذلك بأن المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية إذ نصت في فقرتها الأخيرة على أن كل حكم بالإدانة يجب أن يشير إلى نص القانون الذي حكم بموجبه" فقد أبانت بوضوح أن البطلان مقصور على عدم الإشارة إلى نصوص القانون الموضوعي على اعتبار أنه من البيانات الجوهرية التي تقتضيها قاعدة شرعية الجرائم والعقوبات، وأما إغفال الإشارة إلى نصوص قانون الإجراءات الجنائية فإنه لا يبطل الحكم. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد بين مادة العقاب التي أنزلها في حق الطاعن وهي المادة 236/ 1 من قانون العقوبات فإن النعي عليه بالبطلان يكون في غير محله. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.