أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 35 - صـ 304

جلسة 18 من مارس سنة 1984

برياسة السيد المستشار/ أمين أمين عليوة نائب رئيس المحكمة. وعضوية السادة المستشارين/ جمال الدين منصور - صفوت مؤمن - الدكتور كمال أنور - صلاح الدين خاطر.

(64)
الطعن رقم 6823 لسنة 53 القضائية

(1) قتل عمد. قصد جنائي. إثبات. "قرائن".
قصد القتل. أمر خفي. استخلاصه. موضوعي.
(2) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات "اعتراف". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تقدير صحة الاعتراف وقيمته في الإثبات حق لمحكمة الموضوع.
(3) إجراءات. "إجراءات التحقيق". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
اختيار المحقق لمكان التحقيق. متروك لتقديره. حرصاً على صالح التحقيق وسرعة إنجازه.
(4) محكمة الجنايات "نظرها الدعوى والحكم فيها". قضاة "صلاحيتهم للحكم".
إصدار محكمة الجنايات أمر بالقبض على المتهم وحبسه لا يفيد أنها كونت رأيها في الدعوى قبل إكمال نظرها.
(5) استجواب. إجراءات المحاكمة "دفاع الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". تحقيق "بمعرفة المحكمة".
استجواب الطاعن بجلسة المحاكمة وعدم اعتراضه على الأسئلة التي وجهت إليه وإجابته عليها. مفاده التنازل. مثال.
(6) إجراءات "إجراءات المحاكمة". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تعييب التحقيق السابق على المحاكمة. عدم صلاحيته سبباً للطعن على الحكم. أساس ذلك.
(7) حكم. "بيانات الديباجة" بطلان.
الخطأ في ديباجة الحكم بخصوص سماع الدعوى يوم صدوره. لا يبطله. أساس ذلك.
1 - لما كان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر إنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى المطروحة أمام المحكمة موكول لقاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، ولما كان ما أورده الحكم تدليلاً على قيام هذه النية سائغاً واضحاً في إثبات توافرها لدى الطاعن، وكان من الجائز أن تنشأ نية القتل لدى الجاني إثر مشادة كلامية، فإن النعي على الحكم في هذا الصدد لا يكون له محل.
2 - الاعتراف في المسائل الجنائية من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، ولها دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه، ومتى تحققت المحكمة من أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه فإن لها أن تأخذ به بما لا معقب عليها.
3 - لما كان اختيار المحقق لمكان التحقيق متروك لتقديره حرصاً على صالح التحقيق وسرعة إنجازه - وإذ كانت المحكمة فيما أوردته فيما سلف - قد أفصحت عن اطمئنانها إلى أن اعتراف المتهم إنما كان طواعية واختيار ولم يكن نتيجة إكراه أدبي أو مادي، واقتنعت بصحته، فإن رد - الحكم على ما دفع به المدافع في هذا الشأن يكون كافياً وسائغاً بما لا شائبة فيه تشوبه.
4 - حق محكمة الجنايات في الأمر بالقبض على المتهم وحبسه احتياطياً مستمد من حكم المادة 380 من قانون الإجراءات الجنائية وقد جاءت مطلقة غير مقيدة بأي قيد، ولا يصح أن يعتبر القبض على المتهم وحبسه على أنه ينم عن اتجاه المحكمة إلى الإدانة أو أنها كونت رأيها في الدعوى قبل إكمال نظرها، إذ أنه لا يعدو أن يكون إجراء تحفظياً مما يدخل في السلطة المخولة لها بمقتضى القانون، ومن ثم فلا محل لما يثيره الطاعن في هذا الخصوص.
5 - لما كان استجواب الطاعن بجلسة المحاكمة قد تم بموافقته، وما كان للمحكمة أن تجبره على الاستجواب أو الإجابة على أسئلتها، وكان تطبيق العقوبة في حدود النص من إطلاقات محكمة الموضوع، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون غير سليم.
6 - لما كان ما أثاره الطاعن بخصوص إحالة القضية إلى المحكمة قبل التعرف على جثة المجني عليها يعد تعيباً للإجراءات السابقة على المحاكمة بما لا يصلح أن يكون سبباً للطعن على الحكم؛ إذ العبرة في الأحكام هي بإجراءات المحاكمة وبالتحقيقات التي تحصل أمام المحكمة.
7 - ما ورد بديباجة الحكم عند سماع الدعوى يوم صدوره لا يبطله، لأنه لا يعدو أن يكون خطأ مادياً مما لا يؤثر في سلامته، ولأن الخطأ في ديباجة الحكم لا يعيبه إذ هو خارج عن مواضع استدلاله.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه قتل....... عمداً بأن ضربها على رأسها بآلة صلبة (ماسورة حديدية) قاصداً من ذلك إزهاق روحها فأحدث بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها. وأحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
ومحكمة جنايات دمنهور قضت حضورياً عملاً بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالإشغال الشاقة المؤبدة.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة القتل العمد قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال وران عليه البطلان والخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه انتهى في قضائه إلى مقارفة الطاعن جريمة القتل العمد رغم ما ساقه من تصوير مفاده أن الحادث وقع إثر مشادة بينه وبين زوجته المجني عليها، مما لازمه انتفاء نية القتل لديه واعتبار الواقعة مجرد ضرب أفضى إلى الموت. وجاء رد الحكم على انتفاء نية القتل قاصراً لا يكفي لاستظهارها والاستدلال على توافرها. ورد الحكم برد غير سائغ على الدفع ببطلان اعتراف الطاعن لصدوره نتيجة إكراه وتعذيب وقعا عليه من رجال المباحث ولإجراء التحقيق بديوان الشرطة، وهو مكان لا تتوافر فيه الحيدة الكافية. هذا وقد اتجهت المحكمة إلى إدانة الطاعن قبل محاكمته وصدر منها ما ينبئ عن هذا الاتجاه إذ أمرت بالقبض عليه قبل سماع دفاعه، وعهدت إلى استجوابه لمجرد سد الثغرات التي حفل بها التحقيق والتي من شأنها تبرئة ساحته، كما أوقعت عليه الحد الأقصى للعقوبة وهو ما لا يستقيم مع ظروف الدعوى ووقوع الحادث في أعقاب المشادة دون إصرار سابق أو نية مبيتة, وأخيراً فقد أحيلت الدعوى إلى المحكمة قبل اتخاذ إجراءات التعرف على الجثة، هذا إلى ما ورد بالحكم بما يفيد سماع الدعوى في جلسة إصداره رغم سماعها في جلسات سابقة كل هذا مما يعيبه بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى بما يتوافر به العناصر القانونية لجريمة القتل العمد التي دان الطاعن بها، وأورد على ثبوتها ما ينتجه من وجود الأدلة - وخلص إلى توافر نية القتل في حقه بقوله "إن المتهم ضرب المجني عليها بماسورة حديدية على رأسها عدة ضربات بقوة وعنف مما أدى إلى إصابتها بالعديد من الإصابات والكسور بالجمجمة وتهتك ونزيف بالمخ بما يقطع بما لا يدع مجالاً لأي شك في توافر نية إزهاق روح المجني عليها لدى المتهم وينم عن وحشية لا حد لها حيث يقوم بهدوء وروية بوضع جثتها داخل كنبة ويلقي بها في مياه ترعة المحمودية لإخفاء ما اقترفه من إثم عظيم". لما كان ذلك، وكان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر إنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى المطروحة أمام المحكمة موكول لقاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، ولما كان ما أورده الحكم تدليلاً على قيام هذه النية سائغاً واضحاً في إثبات توافرها لدى الطاعن، وكان من الجائز أن تنشأ نية القتل لدى الجاني إثر مشادة كلامية، فإن النعي على الحكم في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى وأورد الأدلة التي أقام عليها قضاءه بإدانة الطاعن، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم من قالة الفساد في الاستدلال لا يعدو أن يكون جدلاً في تقدير الأدلة التي اطمأنت إليها المحكمة مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لما دفع به المدافع عن الطاعن من أن اعترافه جاء باطلاً لأنه وليد إكراه بقوله "إن وكيل النيابة واجه المتهم بما هو منسوب إليه بعد أن أحاطه علماً بأن النيابة العامة هي التي تباشر التحقيق فاعترف طواعية واختياراً بقتل زوجته المجني عليها ثم استرسل في اعترافه, وأنه بمناظرته لعموم جسمه لم يشاهد به ثمة إصابات اللهم بعض الخدوش بأصابع يده اليسرى عزاها إلى أنها نتيجة إمساك زوجته به بعد اعتدائه عليها, وهذا كله يتنافى مع ما قرره المتهم باستجوابه - بمعرفة المحكمة من أن العديد من رجال المباحث قد اعتدوا عليه بالضرب بالعصي وغيرها ويتنافى مع قوله بأن ذلك لم يحدث به أية إصابات، وعلى ذلك فإن الزعم بوقوع إكراه على المتهم قد جاء زعماً متأخراً بغية الإفلات من العقاب ويكون إقرار المتهم بقتل زوجته قد تحقق دون تأثير مادي أو أدبي مع فهم كامل من المتهم لمعنى ما يقرر به ودلالة ذلك استرساله في الاعتراف بتحقيقات النيابة بعد حضور المدافع الحاضر معه دون اعتراض منه، وأن عدوله عن الاعتراف بجلسة المحاكمة ما هو إلا مراوغة للإفلات مما ارتكبه من إثم". ولما كان الاعتراف في المسائل الجنائية من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، ولها دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه، ومتى تحققت المحكمة من أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه فإن لها أن تأخذ به بما لا معقب عليها. وكان اختيار المحقق لمكان التحقيق متروك لتقديره حرصاً على صالح التحقيق وسرعة إنجازه - وإذ كانت المحكمة فيما أوردته فيما سلف - قد أفصحت عن اطمئنانها إلى أن اعتراف المتهم إنما كان طواعية واختيار ولم يكن نتيجة إكراه أدبي أو مادي، واقتنعت بصحته، فإن رد الحكم على ما دفع به المدافع في هذا الشأن يكون كافياً وسائغاً بما لا شائبة فيه تشوبه. لما كان ذلك، وكان حق محكمة الجنايات في الأمر بالقبض على المتهم وحبسه احتياطياً مستمد من حكم المادة 380 من قانون الإجراءات الجنائية وقد جاءت مطلقة غير مقيدة بأي قيد، ولا يصح أن يعتبر القبض على المتهم وحبسه على أنه ينم عن اتجاه المحكمة إلى الإدانة أو أنها كونت رأيها في الدعوى قبل إكمال نظرها، إذ أنه لا يعدو أن يكون إجراءً تحفظياً مما يدخل في السلطة المخولة لها بمقتضى القانون، ومن ثم فلا محل لما يثيره الطاعن في هذا الخصوص. لما كان ذلك، وكان استجواب الطاعن بجلسة المحاكمة قد تم بموافقته، وما كان للمحكمة أن تجبره على الاستجواب أو الإجابة على أسئلتها، وكان تطبيق العقوبة في حدود النص من إطلاقات محكمة الموضوع، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون غير سليم. لما كان ذلك، وكان ما أثاره الطاعن بخصوص إحالة القضية إلى المحكمة قبل التعرف على جثة المجني عليها يعد تعيباً للإجراءات السابقة على المحاكمة بما لا يصلح أن يكون سبباً للطعن على الحكم، إذ العبرة في الأحكام هي بإجراءات المحاكمة وبالتحقيقات التي تحصل أمام المحكمة. وكان ما ورد بديباجة الحكم عند سماع الدعوى يوم صدوره لا يبطله، لأنه لا يعدو أن يكون خطأ مادياً مما لا يؤثر في سلامته، ولأن الخطأ في ديباجة الحكم لا يعيبه إذ هو خارج عن مواضع استدلاله. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.