أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 31 - صـ 284

جلسة 25 من فبراير سنة 1980

برياسة السيد المستشار/ عادل برهان نور نائب رئيس المحكمة؛ وعضوية السادة المستشارين: شرف الدين خيري، ومصطفى جميل مرسي، وفوزي المملوك؛ وفوزي أسعد.

(55)
الطعن رقم 1381 لسنة 49 القضائية

حكم "حجية الحكم". إثبات "قوة الأمر المقضي". اختلاس أموال أميرية. تزوير "أوراق رسمية". "استعمال أوراق مزورة". جريمة "أنواع الجرائم". نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب".
مناط حجية الأحكام؟
اتحاد السبب. مفاده؟
عدم كفاية التماثل في النوعية. أو الاتحاد في الوصف القانوني. أو أن تكون الواقعتان كلتاهما حلقة من سلسلة وقائع متماثلة.
المغايرة التي تمنع من القول بوحدة السبب. تتحقق بالذاتية الخاصة لكل واقعة.
الجريمة متلاحقة الأفعال. ماهيتها؟
مثال للاختلاف الذي تتحقق به المغايرة.
من المقرر أن مناط حجية الأحكام هي وحدة الخصوم والموضوع والسبب ويجب للقول باتحاد السبب أن تكون الواقعة التي يحاكم المتهم عنها هي بعينها الواقعة التي كانت محلاً للحكم السابق، ولا يكفي للقول بوحدة السبب في الدعويين أن تكون الواقعة الثانية من نوع الواقعة الأولى أو أن تتحد معها في الوصف القانوني أو أن تكون الواقعتان كلتاهما حلقة من سلسلة وقائع متماثلة ارتكبها المتهم لغرض واحد إذا كان لكل واقعة من هاتين الواقعتين ذاتية خاصة وظروف خاصة تتحقق بها المغايرة التي يمتنع معها القول بوحدة السبب في كل منهما أما الجريمة متلاحقة الأفعال التي تعتبر وحدة في باب المسئولية الجنائية فهي التي تقع ثمرة لتصميم واحد يرد على ذهن الجاني من بادئ الأمر - على أن يجزئ نشاطه على أزمنة مختلفة وبصورة منظمة - بحيث يكون كل نشاط يقبل به الجاني على فعل من تلك الأفعال متشابهاً أو كالمتشابه مع ما سبقه من جهة ظروفه، وأن يكون بين الأزمنة التي يرتكب فيها هذه الأفعال نوع من التقارب حتى يتناسب حملها على أنها جميعاً تكون جريمة واحدة. لما كان ذلك وكان الثابت من الأوراق - وعلى ما سلف بيانه - أن موضوع الدعوى الراهنة يختلف عن موضوع الدعوى التي كانت محلاً للحكم السابق صدوره في الجناية رقم 1696 لسنة 1971 - وإن اتفقت معها في نوعها ووصفها القانوني - في خصوص تاريخ وقوعهما، والمحررات التي ارتكب في شأنها التزوير والاستعمال في كل منهما، والمبالغ التي تم اختلاسها - بما تختلف به ذاتية الواقعتين وظروفهما والنشاط الإجرامي الخاص لكل منهما اختلافاً تتحقق به المغايرة التي يمتنع معها القول بوحدة السبب في الدعويين، كما أنه وقد وقعت إحداهما في 22 و23 من ديسمبر سنة 1974 والأخرى في 6 من يوليه سنة 1975 فإنه يقوم بينهما من التباعد في الأزمنة ما لا تتوافر معه وحدة النشاط الإجرامي الذي تحمل به الجريمة متلاحقة الأفعال. لما كان ذلك، فإن الحكم السابق صدوره في واقعة الجناية رقم 1696 لسنة 1971 كوم أمبو لا يحوز حجية في الواقعة محل الدعوى المنظورة لاختلاف ذاتية الواقعتين وظروفهما واستقلال كل منهما بنشاط إجرامي خاص، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون خطأ حجب المحكمة عن بحث موضوع الدعوى فيتعين نقضه والإحالة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه في يوم 6 يوليو سنة 1975 بدائرة مركز كوم أمبو محافظة أسوان: (أولاً) بصفته موظفاً عمومياً من الأمناء على الودائع اختلس المظروف وإذن الصرف قيمته البالغ قدرها ثلاثمائة وواحد وستين جنيهاً وستمائة وثمانية وعشرين مليماً المبين الوصف بالتحقيقات والمملوك لمديرية الشئون الاجتماعية بأسوان والمسلم إليه بسبب وظيفته. (ثانياً) بصفته سالفة الذكر ارتكب تزويراً في محرر رسمي هو إذن الصرف رقم 750741 مجموعة رقم 54 وكان ذلك بوضع إمضاء مزور بأن وقع على هذا الإذن بإمضاء ونسبه زوراً إلى...... مندوب صرف وحدة كفور كوم أمبو الاجتماعية للتدليل على قبضه قيمة هذا الإذن على خلاف الحقيقة. (ثالثاً) استعمل المحرر الرسمي المزور سالف الذكر مع علمه بتزويره بأن أرسله إلى قلم المحاسبة بأسيوط للتدليل على صرف قيمته إلى مستحقها. رابعاً - بصفته موظفاً عمومياً بهذه الجهة ومكلفاً بحفظ الرسائل وقيمة الرسالة المبينة الوصف بالتحقيقات عبث بمحتوياتها على النحو المبين بالأوراق. وطلبت عقابه بالمواد 111/ 1، 112/ 1 – 2، 118 مكرراً، 119، 211، 214 من قانون العقوبات والمادة 31/ 2 من القانون 16 لسنة 1970. ومحكمة جنح مركز كوم أمبو الجزئية قضت حضورياً في 3 ديسمبر سنة 1977 عملاً بمواد الاتهام: (أولاً) برفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها وبجواز نظرها. (ثانياً) بحبس المتهم ستة أشهر مع الشغل والنفاذ وبتغريمه مبلغ ثلاثمائة واحد وستين جنيهاً وستمائة وثمانية وعشرين مليماً. فاستأنف ومحكمة أسوان الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت حضورياً في 20 ديسمبر 1977 بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها. فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى في موضوع جرائم تزوير المحرر الرسمي واستعمال واختلاس المبلغ والمستندات المبينة بالأوراق والمسندة إلى المطعون ضده - بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها فقد أخطأ في تطبيق القانون ذلك بأنه أسس قضاءه على أنه سبق الحكم بإدانة المطعون ضده في الجناية رقم 1696 لسنة 1976 كوم أمبو بجرائم مماثلة يجمعها والدعوى الراهنة وحدة الجاني والحق المعتدى عليه والغرض الإجرامي، في حين أن الواقعة محل الدعوى الراهنة الحاصلة في 6 يوليو سنة 1975 مغايرة لتلك الحاصلة في 22 و23 ديسمبر سنة 1974 موضوع الدعوى الأولى سواء في ظروف كل منهما أو انتفاء التعاقب بينهما، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على المفردات المضمومة أن النيابة العامة كانت قد أقامت الدعوى الجنائية على المطعون ضده في الجناية رقم 1696 لسنة 1976 كوم أمبو لمحاكمته عن الوقائع المسندة إليه فيها وهي أنه في يومي 22 و23 ديسمبر سنة 1974 بدائرة مركز كوم أمبو (أولاً) بصفته موظفاً عمومياً ومن الأمناء على الودائع - وكيل مكتب بريد - اختلس مبلغ 43.700 جنيهاً والمظروف والاستمارات المبينة في التحقيقات والمملوكة لمديرية الشئون الاجتماعية بأسوان والمسلمة إليه بسبب وظيفته. (ثانياً) بصفته سالفة الذكر ارتكب تزويراً في محررين رسميين هما الدفتر 16 ج بريد وإذن الصرف رقم 749920 مجموعة رقم 54 وكان ذلك بوضع إمضاء مزور بأن وقع بالدفتر المذكور بإمضاء نسبة زوراً إلى....... مندوب صرف الوحدة الاجتماعية للتدليل على استلامه المظروف موضوع التهمة الأولى كما وقع بذات الإمضاء المزور على إذن الصرف المنوه عنه تدليلاً على قبض المندوب المذكور قيمة هذا الإذن وذلك على خلاف الحقيقة. (ثالثاً) استعمل المحررين المزورين سالفي الذكر بأن قدم الدفتر 16 ج إلى النيابة الإدارية بأسوان وأرسل إذن الصرف المشار إليه إلى قلم المحاسبة الحكومي بأسيوط للتدليل على أن مندوب الصرف استلم المظروف وقيمة الإذن محل الاختلاس. وبجلسة 26 فبراير سنة 1977 قضت محكمة الجنح حضورياً بحبس المطعون ضده سنة مع الشغل مع إيقاف تنفيذ العقوبة إيقافاً شاملاً لمدة ثلاث سنوات وبتغريمه مبلغ 43.700 جنيهاً. لما كان ذلك، وكان يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أن النيابة العامة أسندت إلى المطعون ضده أنه في يوم 6 يوليو سنة 1975 بدائرة مركز كوم أمبو: (أولاً) بصفته موظفاً عمومياً ومن الأمناء على الودائع اختلس المظروف وإذن الصرف ومبلغ 361.628 جنيهاً المبينة بالتحقيقات والمملوكة لمديرية الشئون الاجتماعية بأسوان والمسلمة إليه بسبب وظيفته. (ثانياً) بصفته سالفة الذكر ارتكب تزويراً في محرر رسمي هو إذن الصرف رقم 750741 مجموعة رقم 54 وكان ذلك بوضع إمضاء مزور بأن وقع على هذا الإذن بإمضاء نسبه زوراً إلى..... مندوب صرف الوحدة الاجتماعية بكفور كوم أمبو للتدليل على قبض قيمة هذا الإذن على خلاف الحقيقة. (ثالثاً) استعمل المحرر الرسمي المزور سالف الذكر مع علمه بتزويره بأن أرسله إلى قلم المحاسبة الحكومي بأسيوط للتدليل على صرف قيمته إلى مستحقها. (رابعاً) بصفته موظفاً عمومياً بهيئة البريد مكلفاً بحفظ الرسائل فض الرسالة المبينة بالتحقيقات وعبث بمحتوياتها. وبجلسة 3 ديسمبر سنة 1977 قضت محكمة كوم أمبو حضورياً برفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها وبحبس المطعون ضده ستة أشهر مع الشغل والنفاذ وتغريمه مبلغ 361 ج و628 م وإذ استأنف المحكوم عليه هذا الحكم قضت محكمة الدرجة الثانية بحكمها المطعون فيه بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها تأسيساً على أن القضية الراهنة تتحد مع القضية الأولى فيما يتعلق بوحدة الجاني (المطعون ضده) ويجمع بينهما وحدة الحق المعتدى عليه وهو ملكية مديرية للشئون الاجتماعية للمال المختلس وأن الغرض الإجرامي المستهدف فيهما واحد هو الاستيلاء على الحق المعتدى عليه مما يجعلهما مثلاً للجريمة المتتابعة الأفعال. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن مناط حجية الأحكام هي وحدة الخصوم والموضوع والسبب ويجب للقول باتحاد السبب أن تكون الواقعة التي يحاكم المتهم عنها هي بعينها الواقعة التي كانت محلاً للحكم السابق، ولا يكفي للقول بوحدة السبب في الدعويين أن تكون الواقعة الثانية من نوع الواقعة الأولى أو أن تتحد معها في الوصف القانوني أو أن تكون الواقعتان كلتاهما حلقة من سلسلة وقائع متماثلة ارتكبها المتهم لغرض واحد إذا كان لكل واقعة من هاتين الواقعتين ذاتية خاصة وظروف خاصة تتحقق بها المغايرة التي يمتنع معها القول بوحدة السبب في كل منهما أما الجريمة متلاحقة الأفعال التي تعتبر وحدة في باب المسئولية الجنائية فهي التي تقع ثمرة لتصميم واحد يرد على ذهن الجاني من بادئ الأمر - على أن يجزئ نشاطه على أزمنة مختلفة وبصورة منظمة - بحيث يكون كل نشاط يقبل به الجاني على فعل من تلك الأفعال متشابهاً أو كالمتشابه مع ما سبقه من جهة ظروفه، وأن يكون بين الأزمنة التي يرتكب فيها هذه الأفعال نوع من التقارب حتى يتناسب حكمها على أنها جميعاً تكون جريمة واحدة. لما كان ذلك وكان الثابت من الأوراق - وعلى ما سلف بيانه - أن موضوع الدعوى الراهنة يختلف عن موضوع الدعوى التي كانت محلاً للحكم السابق صدوره في الجناية رقم 1696 لسنة 1976 - وإن اتفقت معها في نوعها ووصفها القانوني - في خصوص تاريخ وقوعهما، والمحررات التي ارتكب في شأنها التزوير والاستعمال في كل منهما، والمبالغ التي تم اختلاسها - بما تختلف به ذاتية الواقعتين وظروفهما والنشاط الإجرامي الخاص لكل منهما اختلافاً تتحقق به المغايرة التي يمتنع معها القول بوحدة السبب في الدعويين، كما أنه وقد وقعت إحداهما في 22، 23 من ديسمبر سنة 1974 والأخرى في 6 من يوليه سنة 1975 فإنه يقوم بينهما من التباعد في الأزمنة ما لا تتوافر معه وحدة النشاط الإجرامي الذي تحمل به الجريمة متلاحقة الأفعال. لما كان ذلك، فإن الحكم السابق صدوره في واقعة الجناية رقم 1696 سنة 1976 كوم أمبو لا يحوز حجية في الواقعة محل الدعوى المنظورة لاختلاف ذاتية الواقعتين وظروفهما واستقلال كل منهما بنشاط إجرامي خاص، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون خطأ حجب المحكمة عن بحث موضوع الدعوى فيتعين نقضه والإحالة.