أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 35 - صـ 365

جلسة 29 من مارس سنة 1984

برياسة المستشار/ الدكتور إبراهيم علي صالح نائب رئيس المحكمة. وعضوية السادة المستشارين/ محمد يونس ثابت نائب رئيس المحكمة ومحمد نجيب صالح وعوض جادو ومصطفى طاهر.

(78)
الطعن رقم 1405 لسنة 53 القضائية

(1) مواد مخدرة. جريمة "أركانها".
جريمة إعداد المحل وتهيئته لتعاطي المواد المخدرة. استقلالها عن جريمة إحراز المخدر بقصد التعاطي. اختلافها عنها في مقوماتها وعناصرها الواقعية والقانونية.
(2) إثبات "بوجه عام" "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
تقدير الأدلة في الدعوى بالنسبة إلى كل متهم. حق لمحكمة الموضوع. لها تأخذ بما تطمئن إليه في حق متهم وتطرح ما لا تطمئن إليه منها في حق آخر.
صدق الشاهد في شطر من أقواله دون شطر آخر منها. يصح عقلاً.
1 - جريمة تسهيل تعاطي المواد المخدرة بغير مقابل المسندة إلى الطاعن هي جريمة مستقلة عن جريمة إحراز المخدر بقصد التعاطي التي قضي بتبرئة اثنين من المتهمين فيها، وتختلف كل منهما عن الأخرى في مقوماتها وعناصرها الواقعية والقانونية بحيث يمكن أن تنهار إحداهما بتخلف كل أو بعض أركانها القانونية دون أن يؤثر ذلك حتماً في قيام الثانية.
2 - من المقرر أن تقدير الأدلة بالنسبة إلى كل متهم هو من اختصاص محكمة الموضوع وحدها وهي حرة في تكوين عقيدتها حسب تقديرها لتلك الأدلة واطمئنانها إليها بالنسبة إلى متهم وعدم اطمئنانها بالنسبة إلى ذات الأدلة بالنسبة إلى متهم آخر، كما أن لها أن تزن أقوال الشاهد فتأخذ منها بما تطمئن إليه في حق أحد المتهمين وتطرح ما لا تطمئن إليه منها في حق متهم آخر دون أن يكون هذا تناقضاً يعيب حكمها ما دام يصح في العقل أن يكون الشاهد صادقاً في ناحية من أقواله وغير صادق في شطر منها وما دام تقدير الدليل موكولاً إلى اقتناعها وحدها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه بدائرة قسم بولاق محافظة القاهرة: سهل لآخرين - قضي ببراءتهما - تعاطي مخدر الحشيش بغير مقابل بأن قدم لهما الأدوات اللازمة لذلك وأحالته إلى محكمة جنايات القاهرة لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 1، 2، 35، 42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 والبند 57 من الجدول رقم واحد المرفق بالقانون الأول مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات وبتغريمه ثلاثة آلاف جنيه ومصادرة المضبوطات.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض...... إلخ.


المحكمة

وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه - إذ دانه بجريمة تسهيل تعاطي المواد المخدرة بغير مقابل - فقد جاء مشوباً بالتناقض والفساد في الاستدلال، والقصور في التسبيب. ذلك بأنه سبق أن قضى في الدعوى ذاتها بتبرئة متهمين من جريمة تدخين الحشيش بالمقهى لانتفاء حالة التلبس وعدم ثبوت الواقعة مما كان يلازمه القضاء بتبرئة الطاعن على أساس أن فعله مستمد من فعلهما. كما أن الحكم قد تساند في إدانته إلى أقوال الضابط الشاهد رغم أن المحكمة قضت ببراءة المتهمين الآخرين على سند من القول لعدم اطمئنانها لشهادته. هذا فضلاً عن أن الحكم لم يدلل سائغاً على توافر أركان الجريمة في حق الطاعن. وذلك كله مما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما مفاده أنه أثناء مرور المقدم رئيس وحدة مباحث قسم بولاق بمنطقة الحطابة شاهد بعض الأشخاص يجلسون داخل "غرزة" الطاعن يدخنون الحشيش "بجوزة مشتعلة" وتبعث رائحة الحشيش فقام بضبطهم والطاعن والأدوات - المستعملة وقطعة من الحشيش وقرروا له أن الطاعن هو الذي قدمها لهم. وثبت من تقرير معامل التحليل أن الأربعة أحجار المضبوطة على كل منها معسل غير محترق وقطعة من مادة الحشيش وأن الحجر الخامس عليه معسل محترق ووجدت غسالة الأحجار جميعاً تحوي آثار الحشيش وأنه عثر بمياه "الجوزة" على آثار الحشيش كما عثر بغسالتها وغابتها وقلبها على آثار الحشيش. وأقام الحكم على صحة الواقعة على هذه الصورة في حق الطاعن أدلة سائغة مستمدة من أقوال الشاهد الضابط ومن تقرير معامل التحليل. ثم عرض الحكم لدفاع الطاعن القائم على صحة أقوال ذلك الشاهد وما أثاره الطاعن من تماثل مركزه القانوني مع المتهمين الذين قضي ببراءتهم وانتفاء القصد الجنائي في حقه وأطرحه بقوله "إن المتهمين السابق الحكم ببراءتهم من جريمة إحراز مخدر بقصد التعاطي فإن البراءة صدرت على أساس شيوع التهمة بالنسبة لجريمة الإحراز بقصد التعاطي وليست على أساس نفي الواقعة ككل أما بالنسبة للمتهم فإن المحكمة تطمئن إلى أقوال الضابط وواقعة الضبط وما ثبت من أن الأدوات المستخدمة تخص المتهم واستعملت للتدخين وسهل المتهم للمتواجدين تدخين الحشيش بأن قدم لهم الأدوات اللازمة لذلك وثبت أنها ملوثة بآثار الحشيش من تقرير المعامل الكيماوية بمصلحة الطب الشرعي، ومن ثم فقد ثبتت التهمة في حق المتهم ولا ينال منها سابقة الحكم على بعض المتواجدين بالبراءة، ومن حيث إن قصد التسهيل فإنه ثابت أن الأدوات - المستعملة قدمها المتهم للمترددين على "الغرزة" وثبت من أقوال الضابط وتقرير المعامل الكيماوية ما يؤيد هذا الدليل" لما كان ذلك, وكان جريمة تسهيل تعاطي المواد المخدرة بغير مقابل المسندة إلى الطاعن هي جريمة مستقلة عن جريمة إحراز المخدر بقصد التعاطي التي قضي بتبرئة اثنين من المتهمين فيها، وتختلف كل منهما عن الأخرى في مقوماتها وعناصرها الواقعية والقانونية بحيث يمكن أن تنهار إحداهما بتخلف كل أو بعض أركانها القانونية دون أن يؤثر ذلك حتماً في قيام الثانية. وكان القضاء بتبرئة متهمين آخرين من تهمة إحراز المخدر بقصد التعاطي مرده - حسبما يبين من حكم تبرئتهما - عدم اطمئنان المحكمة لأقوال شاهد الإثبات في حقهما وهو ما لا يتعارض مع قضاء الحكم المطعون فيه بإدانة الطاعن بجريمة تسهيل تعاطي المواد المخدرة بغير مقابل بعد أن تحققت المحكمة من ثبوتها قبله لاطمئنانها لأقوال شاهد الإثبات في حقه التي تأيدت بتقرير معامل التحليل من أن "الجوزة" والأحجار الخمسة المضبوطة وجدت بها آثار الحشيش، ولا يقوم به التعارض بين الحكمين أو شبهة التناقض أو التنافر في التسبيب. وكان من المقرر أن تقدير الأدلة بالنسبة إلى كل متهم هو من اختصاص محكمة الموضوع وحدها وهي حرة في تكوين عقيدتها حسب تقديرها لتلك الأدلة واطمئنانها إليها بالنسبة إلى متهم وعدم اطمئنانها بالنسبة إلى ذات الأدلة بالنسبة إلى متهم آخر، كما أن لها أن تزن أقوال الشاهد فتأخذ منها بما تطمئن إليه في حق أحد المتهمين وتطرح ما لا تطمئن إليه منها في حق متهم آخر دون أن يكون هذا تناقضاً يعيب حكمها ما دام يصح في العقل أن يكون الشاهد صادقاً في ناحية من أقواله وغير صادق في شطر منها وما دام تقدير الدليل موكولاً إلى اقتناعها وحدها. فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم من قالة التناقض والفساد في الاستدلال يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أثبت في حق الطاعن أنه سمح لبعض رواد مقهاه بتدخين المخدرات في "جوزة" دخان المعسل في حضوره وتحت بصره، وكان هذا الذي أثبته الحكم - بما ينطوي عليه من تحلل الطاعن من التزامه القانوني بمنع تعاطي المخدرات في محله العام وتغاضيه عن قيام بعض رواد - مقهاه بتدخين المخدرات تحت أنفه وبصره ثم تقديمه "جوزة" دخان المعسل لهم وهو على بصيرة من استخدامها في هذا الغرض - تتوافر به في حق الطاعن عناصر جريمة تسهيل تعاطي المخدرات كما هي معرفة في القانون فإنه لا محل لما يحاج به الطاعن من عدم توافر أركان الجريمة خاصة القصد الجنائي فيها. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.