أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 31 - صـ 354

جلسة 10 من مارس سنة 1980

برئاسة السيد المستشار/ عادل برهان نور نائب رئيس المحكمة؛ وعضوية السادة المستشارين: شرف الدين خيري، وفوزي المملوك، وفوزي أسعد، وهاشم قراعة.

(65)
الطعن رقم 1300 لسنة 49 القضائية

(1) اختلاس أموال أميرية. جريمة "أركانها". إثبات. "بوجه عام".
جناية الاختلاس. تتوافر. متى ثبت تصرف الطاعن في مستلزمات الإنتاج. التي أؤتمن عليها. تصرف المالك لها.
تساند الطاعن إلى أن العجز حدث. في مدة غيابه. دفاع موضوعي.
مفاد اطمئنان المحكمة إلى الأدلة التي عولت عليها؟
(2) إثبات. "بوجه عام". "أوراق رسمية". اختلاس أموال أميرية.
العبرة في المحاكمات الجنائية. باقتناع قاضي الموضوع. عدم جواز مطالبته بالأخذ بدليل معين.
للمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية.
(3) إثبات. "بوجه عام". "شهود". اختلاس أموال أميرية.
وزن أقوال الشهود. موضوعي. مفاد أخذ المحكمة بالشهادة.
(4) إثبات. "بوجه عام". "خبرة". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". اختلاس أموال أميرية.
تقدير آراء الخبراء. موضوعي. مؤدى أخذ المحكمة بالتقرير.
عدم جواز النعي على المحكمة. قعودها عن إجراء لم يطلب منها.
(5) إثبات. "بوجه عام". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". اختلاس أموال أميرية.
تعييب الإجراءات السابقة على المحاكمة. لا يصح أن يكون سبباً للطعن. في الحكم. لأول مرة أمام محكمة النقض.
(6) إثبات. "بوجه عام". تزوير "أوراق رسمية". إجراءات. اختلاس أموال أميرية.
الأصل في الإجراءات. الصحة.
الثابت في محضر الجلسة. أو الحكم. لا يجوز الادعاء بما يخالفه. إلا بطريق الطعن بالتزوير.
سؤال المحكمة للمتهم عن الفعل المسند إليه. إجراء تنظيمي.
1 - متى كان الحكم المطعون فيه قد دلل على وقوع الاختلاس من جانب الطاعن بناء على ما أورده من شواهد وأثبت في حقه التصرف في مستلزمات الإنتاج التي أؤتمن عليها تصرف المالك لها فإن ذلك حسبه بياناً لجناية الاختلاس كما هي معرفة في القانون بركنيها المادي والمعنوي أما ما يثيره الطاعن بشأن حدوث العجز في مدة غيابه عن الجمعية بسبب تجنيده وتسانده في ذلك إلى استمارات الجمعية رقم 43 "جمعيات" المار ذكرها وإلى بلاغ الحادث وشهادة مدير ووكيل بنك التسليف، فإنه لا يعدو أن يكون دفاعاً موضوعياً لا تلتزم المحكمة بتعقبه والرد عليه، واطمئنانها إلى الأدلة التي عولت عليها يدل على إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
2 - لا عبرة بما اشتمل عليه بلاغ الواقعة أو بما قرره الشهود مغايراً لما استند إليه الحكم، وإنما العبرة بما اطمأنت إليه المحكمة مما استخلصته بعد التحقيقات، لأن العبرة في المحاكمات الجنائية هي باقتناع قاضي الموضوع بناء على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته، فلا يصح مطالبته بالأخذ بدليل معين، فقد جعل القانون من سلطته أن يزن قوة الإثبات وأن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلاً لحكمه إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه كما أن للمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها ومن ثم فإن نعى الطاعن على الحكم في هذا الخصوص يكون في غير محله.
3 - من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليهم من مطاعن وحام حولها من الشبهات، كل هذا مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، ومتى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، ولا يجوز الجدل في ذلك أمام محكمة النقض.
4 - الأصل أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات ومطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتلك التقارير شأنها في ذلك شأن سائر الأدلة لتعلق الأمر بسلطتها في تقدير الدليل، وأنها لا تلتزم بندب خبير آخر في الدعوى والرد على الطعون الموجهة إلى تقارير الخبراء ما دامت قد أخذت بما جاء بها لأن مؤدى ذلك أنها لم تجد في تلك الطعون ما يستحق التفاتها إليه فضلاً عن أن الثابت من محاضر الجلسات أن الطاعن لم يكن قد طلب من المحكمة ندب خبير لمراجعة الحسابات فليس له أن ينعى على المحكمة قعودها عن إجراء لم يطلب منها. لما كان ذلك، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون سديداً.
5 - متى كان البين من محاضر جلسات المحاكمة أيضاً أن الطاعن لم يثر بها ما يدعيه من وجود نقص في تحقيقات النيابة العامة لعدو سؤاله وعدم مواجهته بالشهود وبمحضر الجرد ولم يطلب من محكمة الموضوع تدارك هذا النقص، ومن ثم فلا يحل له من بعد أن يثير شيئاً عن ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض، إذ هو لا يعدو أن يكون تعييباً للإجراءات السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سبباً للطعن في الحكم.
6 - من المقرر أن الأصل في الإجراءات الصحة ولا يجوز الادعاء بما يخالف ما أثبت سواء في محضر الجلسة أو في الحكم - إلا بطريق الطعن بالتزوير، وإذ كان الثابت أن الطاعن لم يسلك هذا السبيل في خصوص ما أثبت بمحضر جلسة المرافعة الأخيرة من سؤال الطاعن عن الفعل المسند إليه، فإن الزعم بأن الطاعن لم يسأل عن الفعل المسند إليه يكون غير مقبول هذا إلى أنه من المقرر أن سؤال المحكمة للمتهم عن الفعل المسند إليه هو من قبيل تنظيم الإجراءات في الجلسة ولا يترتب البطلان على مخالفته.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في الفترة من 4 سبتمبر سنة 1975 إلى 15 ديسمبر سنة 1975 (أولاً) وهو في حكم الموظف العام أمين على مخزن الجمعية التعاونية الزراعية....... اختلس مستلزمات الإنتاج الواردة لتلك الجمعية المملوكة لها والموضحة الوصف والقيمة بالأوراق والبالغ قيمتها ألف وخمسة وتسعين جنيهاً وثلاثمائة وتسعين مليماً والموجودة في حيازته بسبب وظيفته حالة كونه من الأمناء على الودائع. (ثانياً) بوصفه السابق أضر عمداً بأموال الجهة التي يعمل بها بأن اختلس مستلزمات الإنتاج السالفة الموجودة في عهدته بسبب وظيفته، وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. فقرر ذلك، ومحكمة جنايات سوهاج قضت حضورياً عملاً بالمواد 112، 116/ 1 مكرر، 118، 118 مكرر، 119/ ح، 119/ هـ مكرر من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 63 سنة 1975 والمادة 29 من القانون رقم 51 لسنة 1969 بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبإلزامه برد مبلغ ألف وخمسة وتسعين جنيهاً وثلاثمائة وتسعين مليماً وبتغريمه مثل هذا المبلغ وبعزله من وظيفته. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجناية الاختلاس فقد شابه فساد في الاستدلال وقصور في التسبيب وأخل بحقه في الدفاع ذلك بأن الحكم أقام إدانته للطاعن - باعتباره أميناً على مخزن الجمعية التعاونية - على مجرد وجود عجز في عهدته رغم أن العجز لا يعتبر دليلاً على الاختلاس، وقد دفع الطاعن عن نفسه تهمة الاختلاس بأنه قام بتسليم عهدته كاملة بسبب تجنيده وحدث العجز خلال مدة غيابه عن الجمعية، واستند في ذلك إلى ما ورد بالاستمارات رقم 43 جمعيات المحررة بمعرفة رئيس الحسابات من سلامة المخازن وإلى ما تضمنه بلاغ الحادث وما قاله مدير ووكيل بنك التسليف في هذا الصدد إلا أنه رغم أهمية هذا الدفاع فإن الحكم لم يورد مضمونه ويرد عليه بما يفنده، كما أنه عول في قضائه على تقرير لجنة الجرد وعلى أقوال شهود تحيط بهم مظنة الاتهام، وكان خليقاً بالمحكمة ألا تعول على أقوال أولئك الشهود وأن تندب خبيراً آخر لتحقيق دفاعه هذا بالإضافة إلى أن الطاعن لم يسأل ولم يواجه بأقوال الشهود وبنتيجة الجرد في مراحل التحقيق المختلفة، فضلاً عن أن المحكمة أغفلت سؤال الطاعن عن الفعل المسند إليه، كل ذلك يعيب الحكم بما يوجب نفضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "إنها تتحصل في أنه في الفترة من 4/ 9/ 1975 إلى 15/ 12/ 1975 قام المتهم (الطاعن) "الأمين على مخزن الجمعية التعاونية الزراعية......" باختلاس مستلزمات الإنتاج الواردة لتلك الجمعية المملوكة لها والبالغ قيمتها 1095 ج و390 م والتي كانت موجودة في حيازته بسبب وظيفته حالة كونه من الأمناء على الودائع، وكان قد تغيب عن عمله في 25/ 9/ 1975 بسبب طلبه للتجنيد وكانت معه مفاتيح المخزن وعند حضوره بإجازة شكلت لجنة مكونة من.......، .......، ......، ...... وجردت المخازن في حضور المتهم واتضح من نتيجة الجرد وجود عجز في عهدته من مستلزمات الإنتاج بلغت قيمته 1095 ج و390 م اختلسها لنفسه بنية التملك وقد أقر المتهم بهذا العجز ووعد بالسداد، واستدل الحكم على ثبوت الواقعة على هذه الصورة في حق الطاعن بأدلة سائغة لها معينها من الأوراق من أقوال الشهود وما ثبت من محضر الجرد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على وقوع الاختلاس من جانب الطاعن بناء على ما أورده من شواهد وأثبت في حقه التصرف في مستلزمات الإنتاج التي أؤتمن عليها تصرف المالك لها فإن ذلك حسبه بياناً لجناية الاختلاس كما هي معرفة في القانون بركنيها المادي والمعنوي أما ما يثيره الطاعن بشأن حدوث العجز في مدة غيابه عن الجمعية بسبب تجنيده وتسانده في ذلك إلى استمارات الجمعية رقم "43 جمعيات" المار ذكرها وإلى بلاغ الحادث وشهادة مدير ووكيل بنك التسليف، فإنه لا يعدو أن يكون دفاعاً موضوعياً لا تلتزم المحكمة بتعقبه والرد عليه، واطمئنانها إلى الأدلة التي عولت عليها يدل على إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها كما أنه لا عبرة بما اشتمل عليه بلاغ الواقعة أو بما قرره الشهود مغايراً لما استند إليه الحكم، وإنما العبرة بما اطمأنت إليه المحكمة مما استخلصته بعد التحقيقات، لأن العبرة في المحاكمات الجنائية هي باقتناع قاضي الموضوع بناء على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته، فلا يصح مطالبته بالأخذ بدليل معين، فقد جعل القانون من سلطته أن يزن قوة الإثبات وأن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلاً لحكمه إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه، كما أن للمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها، ومن ثم فإن نعي الطاعن على الحكم في هذا الخصوص يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليهم من مطاعن وحام حولها من الشبهات، كل هذا مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، ومتى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، ولا يجوز الجدل في ذلك أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الأصل أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات ومطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتلك التقارير شأنها في ذلك شأن سائر الأدلة لتعلق الأمر بسلطتها في تقدير الدليل، وأنها لا تلتزم بندب خبير آخر في الدعوى والرد على الطعون الموجهة إلى تقارير الخبراء ما دامت قد أخذت بما جاء بها لأن مؤدى ذلك أنها لم تجد في تلك الطعون ما يستحق التفاتها إليه فضلاً عن أن الثابت من محاضر الجلسات أن الطاعن لم يكن قد طلب من المحكمة ندب خبير لمراجعة الحسابات فليس له أن ينعى على المحكمة قعودها عن إجراء لم يطلب منها. لما كان ذلك، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون سديداً، وإذ كان البين من محاضر جلسات المحاكمة أيضاً أن الطاعن لم يثر بها ما يدعيه من وجود نقص في تحقيقات النيابة العامة لعدم سؤاله وعدم مواجهته بالشهود وبمحضر الجرد ولم يطلب من محكمة الموضوع تدارك هذا النقص، ومن ثم فلا يحل له من بعد أن يثير شيئاً عن ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض، إذ هو لا يعدو أن يكون تعييباً للإجراءات السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سبباً للطعن في الحكم. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الأصل في الإجراءات الصحة ولا يجوز الادعاء بما يخالف ما أثبت سواء في محضر الجلسة أو في الحكم - إلا بطريق الطعن بالتزوير، وإذ كان الثابت أن الطاعن لم يسلك هذا السبيل في خصوص ما أثبت بمحضر جلسة المرافعة الأخيرة من سؤال الطاعن عن الفعل المسند إليه، فإن الزعم بأن الطاعن لم يسأل عن الفعل المسند إليه يكون غير مقبول، هذا إلى أنه من المقرر أن سؤال المحكمة للمتهم عن الفعل المسند إليه هو من قبيل تنظيم الإجراءات في الجلسة ولا يترتب البطلان على مخالفته، لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.