مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية - العدد الثاني (من أول فبراير إلى آخر مايو سنة 1957) - صـ 420

(48)
جلسة 2 من فبراير سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 1501 لسنة 2 القضائية

( أ ) جامعة - القانون رقم 93 لسنة 1950 - التعيين في وظائف هيئة التدريس هو من المراكز القانونية الذاتية التي لا تنشأ إلا بقرار يصدر ممن يملكه قانوناً - القول بأن مدرسي المعهد العالي للهندسة يعتبرون أعضاء بهيئة التدريس بكلية الهندسة بجامعة "إبراهيم" بقوة القانون سالف الذكر - في غير محله.
(ب) تعيين - ترخص الإدارة في إجرائه بسلطة مطلقة في حدود ما تراه متفقاً مع الصالح العام.
1 - إن المادة 19 من القانون رقم 93 لسنة 1950 بإنشاء وتنظيم جامعة "إبراهيم" تنص على أن "يعين وزير المعارف العمومية الأساتذة وسائر أعضاء هيئة التدريس في الجامعة بناء على طلب مجلس الجامعة بعد أخذ رأي مجلس الكلية المختصة أو مجلس المعهد المختص........"، وتنص المادة 24 من القانون المذكور على أنه "إلى أن يتم تكوين مجلس الجامعة وهيئاتها المختلفة المبينة في هذا القانون يكون لوزير المعارف العمومية الاختصاصات والسلطات المقررة لهذه الهيئات". ومفاد ذلك أن التعيين في وظائف هيئة التدريس هو من المراكز القانونية الذاتية التي لا تنشأ إلا بقرار يصدر ممن يملكه قانوناً وهو وزير المعارف وحده في الفترة السابقة على تكوين مجلس الجامعة وهيئاتها المختلفة، أو وزير المعارف بناء على طلب مجلس الجامعة بعد أخذ رأي مجلس الكلية المختصة بعد تكوين مجلس الجامعة وهيئاتها المختلفة. فما لم يصدر قرار على هذا النحو معيناً أعضاء هيئة التدريس بذواتهم، فلا يمكن اعتبارهم كذلك، والقول بغير ذلك يؤدي إلى إهدار نصوص المادتين 19 و 24 من القانون سالف الذكر واعتبار هاتين المادتين لغواً، وهو ما يجب أن ينزه عنه الشارع. ومن ثم فلا محل للقول بأن قانون إنشاء الجامعة يحمل في أعطافه حكماً بتعيين مدرسي المعهد العالي للهندسة أعضاء بهيئة التدريس بكلية الهندسة، بل إنه يجب لنشوء المركز القانوني الذاتي في هذا الخصوص صدور قرراً ممن يملكه.
2 - إن التعيين يعتبر من الملاءمات التقديرية التي تترخص فيها الجهة الإدارية بسلطة مطلقة في حدود ما تراه متفقاً مع الصالح العام.


إجراءات الطعن

في 23 من مايو سنة 1956 أودع رئيس هيئة المفوضين طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة) بجلسة 29 من مارس سنة 1956 في الدعوي رقم 251 لسنة 6 القضائية المرفوعة من زاهر فهمي أسعد ضد وزارة التربية والتعليم، القاضي: "برفض الدعوى، مع إلزام المدعي بالمصروفات". وطلب رئيس هيئة المفوضين، للأسباب التي استند إليها في صحيفة الطعن، الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، واعتبار المدعي داخل سلك هيئة التدريس بكلية الهندسة بجامعة إبراهيم (التي أصبحت عين شمس)، وما يترتب علي ذلك من آثار، وإلزام الحكومة بالمصروفات". وقد أعلن الطعن للحكومة في 12 من يوليه سنة 1956. وللمدعي في 30 من يوليه سنة 1956 وعين لنظره جلسة 8 من ديسمبر سنة 1956، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من الملاحظات على الوجه المبين بمحضر الجلسة. ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من الأوراق، تتحصل في أن المدعي أقام الدعوي رقم 251 لسنة 6 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري بصحيفة أودعت سكرتيريتها في 2 من ديسمبر سنة 1951 ضد وزير المعارف بصفته وزيراً للمعارف ورئيساً أعلي لجامعة إبراهيم طالباً الحكم "بإلغاء القرار الإداري الصادر بامتناعه عن إعادة وضع الطالب على درجة بميزانية جامعة إبراهيم كأحد أعضاء هيئة التدريس بكلية الهندسة بها، مع إلزامه بصفته بالمصروفات". وقال في بيان ذلك إنه كان أحد أعضاء هيئة التدريس بالمعهد العالي للهندسة بالعباسية، ثم صدر القانون رقم 93 لسنة 1950 بإنشاء وتنظيم جامعة إبراهيم، ناصاً في مادته الأولي على أن "تنشأ في مدينة القاهرة جامعة تسمى جامعة إبراهيم... وتتكون من الكليات والمعاهد الآتية: ... (4) كلية الهندسة ويكون نواتها المعهد العالي للهندسة بالعباسية". وظل المدعي بعد إنشاء الجامعة يؤدي عمله بالتدريس فيها محتفظاً بمركزه كأحد أعضاء هيئة التدريس. وحين استحق المدعي وبعض زملائه الترقية إلى الدرجة الثالثة لم تجد الجامعة في ميزانيتها متسعاً لهم، فكتبت إلى وزارة المعارف تطلب حلاً لذلك، فأصدر وزير المعارف القرار رقم 9689 بتاريخ 29 من أكتوبر سنة 1950 بنقل عشرة من مدرسي كلية الهندسة - من بينهم المدعي - إلى وزارة المعارف اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1950، "على أن يندبوا لجامعة إبراهيم حتى تدبر لهم درجات في الميزانية المقبلة ويرقون للدرجة الثالثة الفنية اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1950...". ويبين من هذا الإجراء أن القرار كان يهدف إلى ترقية المدعي وزملائه على درجات بالوزارة حتى تدبر الجامعة درجات لهم في الميزانية المقبلة، فيعاد قيد المدعي وزملائه عليها. وظل المدعي يباشر عمله بكلية الهندسة كما كان قبل صدور قرار نقله إلى وزارة المعارف حتى صدرت الميزانية الجديدة للجامعة في أكتوبر سنة 1951. وقد كان لزاماً على الجامعة وقتذاك أن تعيد قيد المدعي على درجات الجامعة التي دبرت في الميزانية الجديدة، إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث. ولما كان قرار وزير المعارف رقم 9689 السابق الإشارة إليه يوجب إعادة قيد المدعي على ميزانية الجامعة، وقد دبرت درجات له ولزملائه، وهذا الإلزام لا زال قائماً، والامتناع عن إنفاذه يكون من قبيل مخالفة القانون؛ ومن أجل ذلك أقام المدعي دعواه. ويتحصل دفاع الحكومة في أن المدعي كان مدرساً بمدرسة الهندسة التطبيقية العليا، ولما حولت هذه المدرسة إلى معهد عال للهندسة الصناعية استمر المدعي يقوم بعمله في ذلك المعهد، إلا أنه لم يصدر بتعينه ضمن هيئة التدريس بذلك المعهد قرار من مجلس الوزراء كما تقضي بذلك لائحة المعهد، فلما أنشئت جامعة إبراهيم، واعتبر المعهد نواة لكلية الهندسة بها، لم يصدر كذلك بتعيينه ضمن هيئة التدريس قرار من وزير المعارف كما تقضي بذلك المادة 19 من القانون رقم 93 لسنة 1950 الخاص بإنشاء جامعة إبراهيم. أما قول المدعي بأن وزير المعارف أصدر قراره رقم 9681 المؤرخ 29 من أكتوبر سنة 1950 بنقل المدعي إلى الوزارة إلى أن تدبر الجامعة له ولزملائه درجات لهم في ميزانيتها، وأن الوزير إنما كان يباشر سلطته المقررة في المادة 24 من قانون إنشاء الجامعة؛ وعلى هذا يتعين إلزامه بإعادة المدعي على درجة في الجامعة ضمن أعضاء هيئة التدريس بها، فيرد على ذلك بأنه في 29 من أكتوبر سنة 1950 - تاريخ صدور قرار الوزير - كان قد تكون مجلس الجامعة ومجلس الكلية؛ وعلى ذلك فإن سلطة وزير المعارف المؤقتة كانت قد انحسرت عنه، وصدر القرار الذي يستند إليه المدعي في حدود الأحكام العامة للتوظف. وخلصت الحكومة من ذلك إلى أن الدعوى على غير أساس سليم من القانون خليقة بالرفض. وقد قضت المحكمة في 29 من مارس سنة 1956 برفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات؛ وأقامت قضاءها على أن "قرار وزير المعارف الصادر في 29 من أكتوبر سنة 1950 الذي يقيم المدعي دعواه على أساسه، قد صدر في وقت كان مجلس الكلية قد شكل، ومجلس الجامعة قد تكون، ومارس فعلاً سلطاته، فانحسرت بذلك عن الوزير السلطات التي خولت له بمقتضى المادة 24 من قانون إنشاء الجامعة وأصبح الأمر بيد مجلس الجامعة بعد أخذ رأي مجلس الكلية، فالوزير إذ أصدر القرار السالف الذكر بنقل المدعي إلى وزارة المعارف، فإنما أصدره باعتباره ويزراً للمعارف في شأن أحد الموظفين التابعين له وليس في شأن أحد أعضاء هيئة التدريس بالجامعة، وهو الأمر الذي ما كان يملكه الوزير في ذلك الوقت، كما وأنه لا يعني مطلقاً ما ذكر في القرار الصادر بنقل المدعي من عبارة "حتى تدبر لهم درجات في الميزانية المقبلة" أن المدعي وقت النقل كان ضمن أعضاء هيئة التدريس بالجامعة، وأن كل ما يمكن أن تحمله هذه العبارة من معنى هو النظر في أمر تعيينه مستقبلاً عند وجود درجات في الميزانية المقبلة، وهذا لا يقيد مجلس الجامعة في شيء ما ولا حتى الوزير، فإذا رأى مجلس الجامعة عدم تعيين المدعي وغيره ضمن أعضاء هيئة التدريس في الجامعة لاعتبارات ارتآها من حيث المؤهلات التي يحملها المدعي أو خبرته التي تؤهله للاضطلاع بمهام التدريس في الجامعة، فإن ذلك من شأنه وحده ولا معقب عليه في ذلك، طالما أنه تصرف في حدود سلطته وبرأ تصرفه من إساءة استعمال السلطة.ولا يفيد المدعي الاحتجاج بما ورد في ميزانية كلية الهندسة بجامعة إبراهيم عن السنة 1951/ 1952 من زيادة عدد وظائف المدرسين بالكلية؛ لأن هذه الزيادة لمواجهة تعيين المدرسين بالكلية وما اقتضاه التوسع في قبول الطلاب بها، فليست هذه الزيادة في الدرجات تعني من قريب أو بعيد أنه صاحب حق في إحداها أو أنها جاءت بالتخصيص له"، وأن "الدعوي في حقيقتها تتضمن طلب تعيين المدعي ضمن هيئة التدريس بالكلية على درجة جامعية، الأمر الذي لا تملكه هذه المحكمة ويخرج من سلطتها التي هي قاصرة على النظر في القرارات الإدارية التي تصدر بالمخالفة للقوانين واللوائح، أو مشوبة بإساءة استعمال السلطة".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن قرار وزير المعارف رقم 9681 الصادر في 29 من أكتوبر سنة 1950 بنقل المدعي وزملائه من كلية الهندسة بالجامعة إلى وزارة المعارف على أن يندبوا للجامعة حتى تدبر لهم درجات في الميزانية المقبلة، لم يهدف - كما يستفاد منه ومن ملابساته - إلا إلى مصلحتهم، ولم يقصد الانتقاص من مراكزهم القانونية الذاتية التي اكتسبوها بنقلهم إلى الجامعة، ذلك أنهم ظلوا قائمين بالتدريس كما كانوا من قبل بعد أن ندبوا لذلك، ولم يكن نقلهم من الجامعة إلا بسبب قلة درجاتها وإلى أن تدبر لهم الجامعة درجات بميزانيتها فينقلوا إليها، كما أن الدافع إليه هو ترقيتهم إلى درجات خالية بالوزارة أسوة بزملائهم الذين رقوا بالجامعة حتى يتخلفوا عن زملائهم، مما يقطع بأن هذا النقل لم يقصد به إلا تدبير المصرف المالي لوظائف المدعي وزملائه فقط، فضلاً عن أنه لم يقطع صلة المدعي وزملائه بالجامعة أصلاً، فالقرار المذكور في حقيقته إعمال للسلطة المخولة لوزير المعارف بالمادة 24 من القانون رقم 93 لسنة 1950 في اختيار أعضاء هيئة التدريس بكليات الجامعة من بين أعضاء هيئات التدريس في المعاهد التي نص القانون المذكور على اعتبارها نواة لكليات الجامعة. وإذا كان صحيحاً أنه لم يصدر لصالح المدعي وزملائه قرار من مجلس الوزراء بتعيينهم أعضاء في هيئة التدريس بالمعهد العالي للهندسة طوال المدة التي مارسوا خلالها التدريس بهذا المعهد، وذلك طبقاً للائحة الداخلية للمعهد، إلا أن اختيار وزير المعارف لهم عملاً بالسلطة المخولة له بالمادة 24 من القانون رقم 93 لسنة 1950 (أي هذا الاختيار المستمد من القانون) قد صحح وضعهم، وأغنى عن قرار مجلس الوزراء الذي كان لازماً بحكم اللائحة لتعيينهم في المعهد. أما التحدي بانحسار السلطة المؤقتة المنصوص عليها في المادة 24 سالفة البيان عن وزير المعارف فليس لها من سند؛ فالقرارات الصادرة في سبتمبر سنة 1950 إنما كانت باختيار العمداء وبمنح ألقاب، وليس ذلك بكاف لاستكمال تكوين الهيئات المنصوص عنها في المادة 24 المشار إليها. والخلاصة أنه يتعين اعتبار المدعي داخل سلك هيئة التدريس بكلية الهندسة بجامعة إبراهيم، وما يترتب على ذلك من آثار. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد وقع مخالفاً للقانون.
ومن حيث إنه في 10 من يوليه سنة 1950 صدر القانون رقم 93 لسنة 1950 بإنشاء وتنظيم جامعة إبراهيم، وقد جرى نص المادة الأولى فقرة (4) منه كما يلي: "1 - تنشأ في مدينة القاهرة جامعة تسمى جامعة إبراهيم باشا الكبير وتتكون من الكليات والمعاهد الآتية... (4) كلية الهندسة - وتكون نواتها المعهد العالي للهندسة بالعباسية". ونصت المادة 10 على أن مجلس الجامعة يؤلف على النحو الآتي: "مدير الجامعة وله رياسة المجلس - وكيل الجامعة - عمداء الكليات - مديرو المعاهد المستقلة - عضو عن كل كلية ينتخبه مجلسها من بين الأساتذة ذوي الكراسي لمدة سنتين قابلة للتجديد - أحد وكلاء وزارة المعارف ينتخبه الوزير - مدير بلدية القاهرة". ونصت المادة 11 من القانون المشار إليه على أن "ينظر مجلس الجامعة في المسائل الآتية: ... (5) تعيين الأساتذة وسائر أعضاء هيئة التدريس وترقيتهم وتأديبهم ونقلهم من الجامعة". ونصت المادة 14 على أن "يكون لكل كلية مجلس يسمى "مجلس الكلية" ويتولي إدارتها العميد. ويعين الوزير العميد من بين أقدم الأساتذة الخمسة المصريين ذوي الكراسي ويكون تعيينه لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد... ويكون للكلية وكيل ينتخبه مجلس الكلية من بين الأستاذة ذوي الكراسي...". ونصت المادة 15 على أن "يؤلف مجلس الكلية من عميد الكلية وله الرياسة والأساتذة ذوي الكراسي، أقدم الأساتذة المساعدين في كل مادة يكون كرسي الأستاذية فيها شاغراً...". ونصت المادة 19 من ذلك القانون على أن "يعين وزير المعارف العمومية الأساتذة وسائر أعضاء هيئة التدريس في الجامعة بناء على طب مجلس الجامعة بعد أخذ رأي مجلس الكلية المختصة أو مجلس المعهد المختص...". ونصت المادة 23 على أن "يستمر العمل بصفة مؤقتة بنصوص القوانين واللوائح الخاصة بالكليات والمعاهد المندمجة في الجامعة ما لم تكن مخالفة لأحكام هذا القانون وذلك إلى أن تصدر التشريعات المنصوص عليها فيه" وأخيراً نصت المادة 24 على أنه "إلى أن يتم تكوين مجلس الجامعة وهيئاتها المختلفة المبينة في هذا القانون يكون لوزير المعارف العمومية الاختصاصات والسلطات المقررة لهذه الهيئات".
ومن حيث إنه في 10 من سبتمبر سنة 1950 أصدر وزير المعارف العمومية قراراً بتعيين عمداء الكليات بجامعة إبراهيم. ثم أصدر في 27 من سبتمبر سنة 1950 قراراً آخر نص فيه على ما يأتي "يمنح حضرات أعضاء هيئة التدريس بكلية الهندسة بجامعة إبراهيم الآتية أسماؤهم بعد الألقاب الموضحة أمام كل منهم...."، ثم أورد القرار أسماء 15 أستاذاً وأستاذاً مساعداً وذكر أمام كل منهم لقبه الجامعي. وقد انعقد أول اجتماع لمجلس الكلية المذكور في 4 من أكتوبر سنة 1950 من بين هؤلاء الأعضاء، وتم في هذه المجلسة انتخاب وكيل الكلية وممثل الأساتذة بمجلس الجامعة. وفي 21 من أكتوبر سنة 1950 عقد مجلس جامعة إبراهيم أولى جلساته برياسة وزير المعارف وبحضور مدير الجامعة ووكيلها ومستشار فني وزارة المعارف وعمداء الكليات والمعاهد وممثلي الأساتذة، وقد حضر عن كلية الهندسة عميدها وممثل الأساتذة الذي انتخبه مجلس الكلية بجلسة 4 من أكتوبر سنة 1950.
وفي 25 من أكتوبر سنة 1950 أرسل مدير جامعة إبراهيم إلى وزير المعارف العمومية كتاباً جاء به "إن كلية الهندسة تقترح ترقية 15 من مدرسي الدرجة الرابعة إلى الدرجة الثالثة حيث إنهم أدوا جميعاً المدة القانونية للترقية، فضلاً عن أن زملاءهم في المعاهد العليا وفي فروع الوزارة قد رقوا جميعاً إلى الدرجة المذكورة، والجامعة ترجو التفضل بالموافقة على نقل هؤلاء المدرسين للوزارة وتوصي بترقيتهم إلى الدرجة الثالثة بها أسوة بزملائهم مع التفضل بالموافقة أيضاً على انتداب حضراتهم للعمل بكلية الهندسة طول الوقت. ومرافق لهذا الكشف بأسمائهم مبين به حالة كل منهم". واستجابة لطلب الجامعة أصدر وزير المعارف في 23 من أكتوبر سنة 1950 القرار رقم 9689، وقد جرى نصه بما يأتي "بعد الاطلاع على ميزانية الوزارة للسنة المالية 1950/ 1951، وعلى كتاب جامعة إبراهيم بشأن اقتراح ترقية 15 بالدرجة الرابعة بها إلى الدرجة الثالثة، وبناء على ما عرضه علينا المستشار الفني قرر ما هو آت. المادة الأولى: ينقل حضرات الأساتذة الآتية أسماؤهم بعد من جامعة إبراهيم (كلية الهندسة) إلى الوزارة اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1950 على أن يندبوا لجامعة إبراهيم حتى تدبر لهم درجات في الميزانية المقبلة، ويرقون للدرجة الثالثة الفنية اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1950 ويمنحون الماهية القانونية اعتباراً من أول نوفمبر سنة 1950 وهم حضرات الأساتذة....."، ثم أورد القرار عشرة أسماء من بين الخمسة عشر الواردة أسماؤهم بكتاب الجامعة.
ومن حيث إن مثار هذه المنازعة، هو ما إذا كان المدعي قد أصبح عضواً بهيئة التدريس بكلية الهندسة بجامعة إبراهيم بمجرد إنشاء الجامعة، استناداً إلى ما ورد بقانون إنشائها من اعتبار المعهد العالي للهندسة نواة لكلية الهندسة بها، أو بمعنى آخر هل يحمل قانون إنشاء الجامعة في أعطافه حكماً بتعيين مدرسي المعهد العالي للهندسة أعضاء بهيئة التدريس بكلية الهندسة، وبذلك يكتسب المدعي وزملاؤه مركزاً قانونياً ذاتياً في هذا الخصوص، وبهذه المثابة يفيد من أحكام القانون رقم 131 لسنة 1950، أم أن القانون لا ينشىء للمدعي مثل هذا المركز الذاتي، وإنما يجب لنشوئه صدور قرار ممن يملكه.
ومن حيث إن المادة 19 من القانون رقم 93 لسنة 1950 تنص على أن "يعين وزير المعارف العمومية الأساتذة وسائر أعضاء هيئة التدريس في الجامعة بناء على طلب مجلس الجامعة بعد أخذ رأي مجلس الكلية المختصة أو مجلس المعهد المختص...". وتنص المادة 24 من القانون المذكور على أنه "إلى أن يتم تكوين مجلس الجامعة وهيئاتها المختلفة المبينة في هذا القانون يكون لوزير المعارف العمومية الاختصاصات والسلطات المقررة لهذه الهيئات". ومفاد ذلك أن التعيين في وظائف هيئة التدريس هو من المراكز القانونية الذاتية التي لا تنشأ إلا بقرار يصدر ممن يملكه قانوناً، وهو وزير المعارف وحده - في الفترة السابقة على تكوين مجلس الجامعة وهيئاتها المختلفة - أو وزير المعارف بناء على طلب مجلس الجامعة بعد أخذ رأي مجلس الكلية المختصة - بعد تكوين مجلس الجامعة وهيئاتها المختلفة - فما لم يصدر قرار على هذا النحو معيناً أعضاء هيئة التدريس بذواتهم، فلا يمكن اعتبارهم كذلك، والقول بغير ذلك يؤدي إلى إهدار نصوص المادتين 19 و24 من القانون رقم 93 لسنة 1950 بإنشاء جامعة إبراهيم، واعتبار هاتين المادتين لغواً، وهو ما يجب أن ينزه عنه الشارع.
ومن حيث إنه ما دام لم يصدر قرار من وزير المعارف بتعيين المدعي عضواً بهيئة التدريس بكلية الهندسة بجامعة إبراهيم - سواء قبل تكوين مجلس الجامعة وهيئاتها المختلفة أو بعده على التفصيل المتقدم - فلا يعتبر، والحالة هذه، عضواً بهيئة تدريس الجامعة. كما ليس من شأن القرار الصادر من وزير المعارف في 29 من أكتوبر سنة 1950 بنقل المدعي إلى الوزارة وترقيته إلى الدرجة الثالثة على أن يندب لكلية الهندسة إلى أن تدبر له ولزملائه ممن انتظمهم ذلك القرار درجات بميزانية الجامعة، أن ينشىء لهم المركز القانوني الذاتي لعضو بهيئة التدريس وليس فيه فوق ذلك إلزام على الجامعة بإعادة تعيينهم؛ إذ التعيين هو من الملاءمات التقديرية التي تترخص فيها الجهة الإدارية بسلطة مطلقة في حدود ما تراه متفقاً مع الصالح العام.
ومن حيث إنه لذلك يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب في قضائه، ويكون الطعن - والحالة هذه - قد قام على غير أساس سليم من القانون، متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً.