مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية - العدد الثاني (من أول فبراير إلى آخر مايو سنة 1957) - صـ 429

(49)
جلسة 2 من فبراير سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 1507 لسنة 2 القضائية

جامعة عين شمس - القانون رقم 93 لسنة 1950 - تضمنه لأحكام دائمة وأخرى مؤقتة - تعيين أعضاء هيئة التدريس - المادتان 19 و24 من ذلك القانون - أولاهما تقرر حكماً دائماً والثانية تعالج وضعاً وقتياً.
إن القانون رقم 93 لسنة 1950، في سبيل إنشاء جامعة "إبراهيم" وتسيير مرفق التعليم الجامعي فيها وتعيين أعضاء هيئة التدريس بها، تضمن أحكاماً بعضها دائم وبعضها مؤقت، وذلك إلى أن يتم وضع سائر القواعد التنظيمية الدائمة لتلك الجامعة، فيجب تحديد قصد الشارع من تلك النصوص على هدى الغرض من كل منها بمراعاة الدورين الوقتي والدائم اللذين كان لا بد أن تمر بهما الجامعة حتى تستقر في وضعها النهائي. فمن الأحكام الدائمة أن يكون تعيين الأساتذة وسائر أعضاء هيئة التدريس بقرار من وزير المعارف بناء على طلب مجلس الجامعة بعد أخذ رأي مجلس الكلية المختصة طبقاً للمادة 19 من القانون، ولكن أوردت المادة 24 من القانون حكماً وقتياً وانتقالياً مفاده أنه إلى أن يتم تكوين مجلس الجامعة وهيئاتها المختلفة يكون لوزير المعارف العمومية الاختصاصات والسلطات المقررة لهذه الهيئات، ومؤدى ذلك أنه إذا ما تكونت تلك الهيئات وجب أن يتم التعيين على مقتضى حكم المادة 19 من القانون المذكور.


إجراءات الطعن

في 23 من مايو سنة 1956 أودع رئيس هيئة المفوضين طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة) بجلسة 29 من مارس سنة 1956 في الدعوى رقم 3161 لسنة 8 القضائية المرفوعة من السيد/ محمد صقر علي ضد جامعة إبراهيم، القاضي: "برفض الدعوى، مع إلزام المدعي بالمصروفات". وطلب رئيس هيئة المفوضين، للأسباب التي استند إليها في صحيفة الطعن، الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، واعتبار المدعي داخل هيئة التدريس بكلية الهندسة بجامعة إبراهيم (التي أصبحت جامعة عين شمس) وما يترتب على ذلك من آثار. وإلزام الحكومة بالمصروفات". وقد أعلن الطعن للحكومة في 2 من أغسطس سنة 1956، وللمدعي في 30 من يوليه سنة 1956، وعين لنظره جلسة 8 من ديسمبر سنة 1956، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المناعة، حسبما يبين من الأوراق، تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 3161 لسنة 8 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري بصحيفة أودعت سكرتيريتها في 23 من يناير سنة 1954 ضد جامعة إبراهيم طالباً الحكم "بأحقية الطالب لربط درجته بدرجات رجال القضاء والنيابة طبقاً للقانون رقم 131 لسنة 1950، مع إلزامه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وقال في بيان ذلك: إنه كان من هيئة التدريس بالمعهد العالي للهندسة بالعباسية يقوم بالتدريس في تخصصه، وهو معهد عال تابع لوزارة المعارف العمومية، وفي سنة 1950 صدر القانون رقم 93 لسنة 1950 بإنشاء جامعة إبراهيم وقضت المادة الأولى منه على أن "تنشأ في مدينة القاهرة جامعة تسمى جامعة إبراهيم باشا الكبير وتتكون من الكليات والمعاهد الآتية: ... 4 - كلية الهندسة ويكون نواتها المعهد العالي للهندسة بالعباسية". وهكذا أدمج المعهد المذكور بجامعة إبراهيم وظل الطالب في هيئة تدريسها يقوم بما كان يقوم به من قبل من أعباء تدريس المواد الهندسية المختلفة، وفي 26 من أغسطس سنة 1950 صدر القانون رقم 131 لسنة 1950 فربط درجات أعضاء هيئة التدريس بكليات الجامعات المصرية - ومنها جامعة إبراهيم - بدرجات رجال القضاء والنيابة. وقد أغفلت الجامعة تسوية مرتب الطالب على أساس من القانون رقم 131 لسنة 1950 بالرغم من أنها طبقت ذلك القانون فعلاً فعدلت مرتبات بعض أعضاء هيئة التدريس، وقد ترامى إلى علم الطالب أن مرجع إغفال تسوية حالته عدم اعتراف الجامعة بالقانون رقم 131 لسنة 1950 عليه؛ إذ تعتبره الجامعة من المدرسين الخارجين عن سلك هيئة التدريس، وتستند في ذلك إلى أنهم لم يحصلوا على مؤهل الدكتوراة الذي تشترطه لاعتبار المدرس داخل سلك هيئة التدريس. والوضع السليم في تطبيق القانون رقم 131 لسنة 1950 هو انطباقه على حالة المدعي، وبيان ذلك: أولاً - بني عدم تطبيق القانون رقم 131 لسنة 1950 على المدعي على أساس التمييز بين طائفة المدرسين الداخلين سلك هيئة التدريس والمدرسين الخارجين عن سلك هيئة التدريس فيطبق القانون على الطائفة الأولى دون الطائفة الثانية، وهذا التمييز لا سند له من القانون؛ لأن قانون ربط الميزانية لم يذكر في كلية الهندسة إلا أربع طوائف من المدرسين هي: وظائف هيئة التدريس، والوظائف الفنية العالية للجامعيين، والوظائف الإدارية (المسجل والأمناء والسكرتير)، والوظائف الفنية العادية (المثمنون والمحضرون والضباط ومديرو الورش)، والوظائف الكتابية. ولا تستطيع الجامعة أن تضع المدعي إلا ضمن وظائف هيئة التدريس وهي شعبة واحدة لا شعبتين. تحاول الجامعة أن تستند في اعتبار المدعي خارج هيئة التدريس إلى عدم حصوله على الدكتوراة، ولكن هذا السند لا يقوم على واقع ولا قانون؛ ذلك أن كثيراً ممن اعتبرتهم الجامعة داخل هيئة التدريس لا يحمل مؤهل الدكتوراة، فلا قيام لهذا الزعم والحالة هذه من حيث الواقع، كما أن قانون إنشاء جامعة إبراهيم لم يشترط الدكتوراة ليكون المدرس داخل هيئة التدريس؛ فقد نصت المادة 24 من ذلك القانون على أنه: "يستمر العمل بصفة مؤقتة بالقوانين واللوائح الخاصة بالكليات والمعاهد المندمجة في الجامعة ما لم تكن مخالفة لأحكام هذا القانون"، فإذا رجعنا إلى لائحة المعهد العالي للهندسة وجدناها خالية من شرط الحصول على الدكتوراة للانتماء إلى هيئة التدريس. على أن فكرة المدرس خارج هيئة التدريس فكرة لا وجود لها إلا في بعض الكليات بالنسبة للمدرسين الأجانب الوافدين للتدريس سنة أو أكثر، فيحدد لهم مرتب معين ويدرج في الميزانية، وهذا الصنف من المدرسين موجود في كليات العلوم والتجارة بجامعة إبراهيم وقد أفصح قانون ربط الميزانية عن ذلك بوضوح، أما في كلية الهندسة فالطالب مدرس مصري يقوم بتدريس مواد هندسية بالكلية، فلا محل لأن تسلخ عنه الجامعة صفة عضوية هيئة التدريس. ثانياً - جرت القواعد منذ القدم عند إنشاء الجامعات على إبقاء هيئة التدريس التي كانت بالمعهد أو المدرسة قبل أن تصبح كلية في جامعة، إلا إذا رؤي عدم إمكان إسناد مهمة التدريس إلى بعضهم فينقلون إلى عمل آخر، أما من ظل منهم قائماً بالتدريس فهو بذلك أهل لأن يكون من أعضاء هيئة التدريس بكلية في جامعة. وقد جرت الحكومة على هذه القاعدة عند إنشاء الجامعات في مصر، كما كانت تلك القاعدة ملحوظة أيضاً عند إنشاء جامعة إبراهيم؛ إذ جاء في تقرير لجنة شئون التربية والتعليم بمجلس النواب عن مشروع إنشاء هذه الجامعة ما نصه "ولما كانت وزارة المعارف قد أنشأت المعهد العالي للمعلمين بالزيتون والمعهد العالي للهندسة بالعباسية والمعهد الزراعي العالي بشبين الكوم والمعهد العالي للعلوم المالية والتجارية ومعهد التربية العالي للمعلمين بالقاهرة، وكانت هذه المعاهد قد زودت بهيئات التدريس اللازمة لها وأعدت لها الأماكن ووضعت لها البرامج على نحو من السهل أن يصبح مطابقاً للنظم الجامعية، فقد رأت الوزارة أن تجمع هذه المعاهد لتكون منها جامعة...". وهذا القول واضح في الدلالة على قصد الشارع إبقاء هيئة التدريس السابق تزويد المعهد بها كهيئات تدريس للكليات الناشئة؛ يؤكد هذا ما نص عليه في المادة الأولى من القانون رقم 93 لسنة 1950 بإنشاء جامعة إبراهيم، من أن كلية الهندسة تكون نواتها المعهد العالي للهندسة بالعباسية، فإذا جاء القانون رقم 131 لسنة 1950 يربط درجات أعضاء هيئة التدريس بكليات الجامعات بدرجات رجال القضاء والنيابة، سرى هذا الحكم من تلقاء نفسه على الطالب الذي هو من أعضاء هيئة التدريس. ويستند المدعي فوق ذلك إلى أنه في 28 من فبراير سنة 1951 أصدر وزير المعارف العمومية - عملاً بالسلطة المخولة له بمقتضى المادة 24 من قانون إنشاء جامعة إبراهيم - القرار رقم 9979 بنقل بعض مدرسي المعاهد التي ألحقت بالجامعة وموظفيها - والمدعي من بينهم - إلى هذه الجامعة؛ ومن ثم أصبح هؤلاء تابعين للجامعة واعتبر المدعي وزملاؤه أعضاء في هيئة التدريس، متمتعين بمراكزهم القانونية التي تقررت لهم بمقتضى قرار وزير المعارف سالف الذكر. ويتحصل دفاع الحكومة في أن المدعي كان مدرساً بمدرسة الهندسة التطبيقية العليا، ولما حولت هذه المدرسة إلى معهد عال للهندسة الصناعية استمر المدعي يقوم بعمله في ذلك المعهد، إلا أنه لم يصدر بتعيينه ضمن هيئة التدريس بذلك المعهد قرار من مجلس الوزراء كما تقضي بذلك لائحة المعهد، فلما أنشئت جامعة إبراهيم واعتبر المعهد نواة لكلية الهندسة بها، لم يصدر كذلك بتعيينه ضمن هيئة التدريس بالكلية قرار من وزير المعارف كما تقضي بذلك المادتان 19 و24 من قانون إنشاء جامعة إبراهيم، أما ما يتحدى به المدعي من أن وزير المعارف حين أصدر قراره رقم 9979 المؤرخ 28 من فبراير سنة 1951 بنقله إلى كلية الهندسة بجامعة إبراهيم كانت بيده جميع السلطات بجامعة إبراهيم، ومن ثم يعتبر هذا القرار قراراً بتعيينه ضمن هيئة التدريس بالكلية بالتطبيق للمادتين 19 و24 من قانون إنشاء الجامعة - فيرد على ذلك بأنه حين صدر القرار المذكور كان قد تكون مجلس الجامعة ومجلس كلية الهندسة، وبذلك انقضى أجل سريان الحكم الوقتي الوارد بالمادة 24 من قانون إنشاء الجامعة، ولو كان قد قصد من القرار سالف الذكر تعيين المدعي ضمن هيئة التدريس بكلية الهندسة لوجب الرجوع إلى مجلس الجامعة صاحب الحق في تقدير ملاءمة إصدار مثل هذا القرار عملاً بأحكام المواد 11 و12 و19 من قانون إنشاء الجامعة، فكل قرار يصدر على خلاف ذلك يكون قد صدر من غير مختص؛ ومن ثم يكون باطلاً بطلاناً أصلياً ومنعدم الأثر. والواقع في أمر هذا القرار الصادر بنقله إلى كلية الهندسة أنه قصد من إصداره تنفيذ الميزانية؛ ولذلك صدر القرار في 28 من فبراير سنة 1951 معتبراً تاريخ النقل أول مارس سنة 1950؛ وذلك لأن ميزانية الجامعة كانت قد اعتمدت مع الميزانية العامة للدولة اعتباراً من أول مارس سنة 1950. ثم استطردت الحكومة قائلة إنه لا وجه لاعتبار قرار نقل موظفي المعاهد العليا القديمة جميعاً إلى الجامعة مرجعاً عند النظر في اعتبار موظف من موظفي كلية الهندسة من أعضاء هيئة التدريس بها؛ ذلك لأنه قد صدر عاماً شاملاً الأساتذة والمعاونين والمعيدين والكتبة دون أن يحدد وظيفة كل منهم مما يؤيد أنه قد صدر تنفيذاً للميزانية. أما ما يقال من أنه لا توجد في الميزانية درجات المدرسين خارج هيئة التدريس، وأن كل الدرجات مخصصة لأعضاء هيئة التدريس؛ ومن فإن من يربط على وظيفة في الميزانية يستحق راتبها، فإن مثل هذا القول يجافي المنطق السليم؛ ذلك لأنه ليس للمعيد الذي يعين أو يرقى بالخصم على وظيفة مخصصة في الميزانية لأحد أعضاء هيئة التدريس أن يطالب بأي حق في هذه الوظيفة، إلا إذا عين فيها وفقاً للقانون. وخلصت الحكومة من ذلك كله إلى طلب رفض الدعوى. وبجلسة 29 من مارس سنة 1956 قضت المحكمة برفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات؛ وأقامت قضاءها على أن "مجلس كلية الهندسة عقد أولى جلساته في 4 من أكتوبر سنة 1950 كما عقد مجلس الجامعة أولى جلساته في 21 من أكتوبر سنة 1950 وبذلك تكون السلطة التي خولتها المادة 24 من القانون رقم 93 لسنة 1950 وزير المعارف قد انحسرت عنه منذ ذلك التاريخ وأصبح تعيين الأساتذة وأعضاء هيئة التدريس بالجامعة خاضعاً لأحكام المادة 19 من القانون سالف الذكر التي تقضي بأن يكون تعيينهم بناء على طلب مجلس الجامعة بعد أخذ رأي مجلس الكلية المختص"، وأنه "يبين من الاطلاع على قرار وزير المعارف رقم 9979 الصادر في 28 من فبراير سنة 1951 أنه صدر من الوزير دون الإشارة إلى طلب مجلس الجامعة بعد أخذ رأي مجلس كلية الهندسة، فإذا اعتبر هذا القرار أداة تعين من وردت أسماؤهم فيه ضمن هيئة التدريس، فإنه يكون فاقداً لشرط أوجبه القانون ويكون باطلاً، ولا محل للقول بأن هذا القرار قد اكتسب حصانة لانقضاء ستين يوماً على صدوره دون الطعن فيه؛ ذلك أنه لا مصلحة للمدعي في الطعن عليه ما دام قد اعتبره أداة لنقلهم من الوزارة إلى الجامعة، كما أن الجامعة لم تطعن عليه لأنها لم تر فيه سوى تدبيراً تنفيذياً ترتب على انفراد الجامعة بميزانية مستقلة عن وزارة المعارف، ذلك فضلاً عن أن قرار التعيين يجب أن تبين فيه الوظيفة التي تسند إلى الموظف ودرجته المالية وهذا ما خلا منه قرار فبراير سنة 1951. وكذلك لو أنه قرار بالتعين لما كان هناك محل لأن يدرج ضمنه أسماء من سبق تعيينهم بمقتضى قرار سبتمبر سنة 1950 وبالأخص اسم الأستاذ عبد الوهاب كامل الذي سبق تعيينه عميداً للكلية..."، وأن "المحكمة تخلص مما تقدم أن قرار 28 من فبراير سنة 1951 ما هو إلا قرار لإتمام إجراءات نقل ميزانية المعاهد من وزارة المعارف إلى ميزانية الجامعة؛ يؤيد ذلك أنه صدر بعد الاطلاع على الميزانية، ونص على العمل به من أول مارس سنة 1950 وهو تاريخ العمل بالميزانية، ونصت المادة الثالثة منه على استيفاء ملفات الموظفين ثم إرسالها إلى الجامعة، فلا يمكن - والحالة هذه - القول بأن هذا القرار قد رتب للموظفين الواردة أسماؤهم فيه مركزاً قانونياً ذاتياً من حيث شغل وظيفة أو درجة مالية معينة، ولا يعدو أثره أن يكون إجراء بنقل المصرف المالي من وزارة المعارف إلى الجامعة، وأحقية كل منهم في صرف مرتبه من المصرف الجديد، وقد كان يتعين بعد ذلك أن يصدر قرار من وزير المعارف بناء على طلب مجلس الجامعة بعد أخذ رأي مجلس الكلية بتعيين الموظفين ومن بينهم المدعي في الوظيفة والدرجة المالية التي يستحقها بشرط عدم المساس بمركزه الذاتي الذي اكتسبه قبل النقل، ولم يصدر هذا القرار للآن".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أنه يبين من استعراض نصوص القانون رقم 93 لسنة 1950 بإنشاء جامعة إبراهيم ومذكرته الإيضاحية أن الحكومة آثرت سلوك سبيل ميسور في إنشاء جامعة إبراهيم بأن اعتمدت في إنشائها على المعاهد العالية التي كانت قائمة من قبل والتي كانت تقوم بتدريس المواد المختلفة على أسس لا تختلف من ناحية النظام والمنهج عن مثيلاتها في جامعتي القاهرة والإسكندرية، مما حدا بالمشرع إلى اعتبار هذه المعاهد نواة صالحة لكليات الجامعة الجديدة، بل إنه قصد صراحة الأخذ بالنظم المعمول بها في اللوائح الخاصة بالمعاهد المشار إليها، وأفصح عن هذا القصد تقرير لجنة شئون التربية والتعليم بمجلس النواب، وظهر هذا القصد بعبارات صريحة لا لبس فيها ولا إبهام في المادة 23 من القانون رقم 93 لسنة 1950 المشار إليه. ولو كان الأمر على خلاف ذلك، لأنشأت الحكومة الجامعة إنشاءً جديداً في جميع كلياتها، ولو ضعت لها نظمها الخاصة، وسنت لوائحها الداخلية، وعندئذ يصبح التعيين فيها خاضعاً لهذه الأحكام والقواعد المستحدثة، ومن ثم فإنه إذا اختار وزير المعارف - عملاً بالسلطة المخولة له بمقتضى المادة 24 من القانون سالف الذكر - بعض مدرسي المعاهد المذكورة للتدريس في كليات الجامعة الجديدة، فإنهم بمقتضى هذا الاختيار يصبحون في عداد هيئة التدريس بهذه الكليات متمتعين بمراكزهم القانونية الذاتية التي تولدت لهم مباشرة من قرار الوزير. دون أن يؤثر على هذه المراكز عدم حصولهم على المؤهلات التي تشترطها الأحكام والقواعد المستحدثة للتعيين في هيئة التدريس، وأنه إذا كان صحيحاً أنه لم يصدر لصالح المدعي وزملائه قرار من مجلس الوزراء بتعيينهم أعضاء في هيئة التدريس بالمعهد العالي للهندسة طوال المدة التي مارسوا خلالها التدريس بهذا المعهد وذلك طبقاً للائحة الداخلية للمعهد، إلا أن اختيار وزير المعارف لهم عملاً بالسلطة المخولة له بالمادة 24 من القانون رقم 93 لسنة 1950 قد صحح وضعهم وأغنى عن قرار مجلس الوزراء الذي كان لازماً للتعيين في المعهد، أما التحدي بانحسار السلطة المؤقتة المنصوص عليها في المادة 24 من القانون سالف الذكر عن وزير المعارف فليس له من سند؛ إذ القرارات الصادرة في سبتمبر سنة 1950 إنما كانت باختيار العمداء وبمنح ألقاب، وليس ذلك بكاف لاستكمال تكوين الهيئات المنصوص عليها في المادة 24 المشار إليها، وليس أدل على ذلك من أن منح الألقاب لم يشمل سلك هيئة التدريس بأكمله. وحاصل ما تقدم أنه يتعين اعتبار المدعي داخل سلك هيئة التدريس بكلية الهندسة بجامعة إبراهيم (التي أصبحت جامعة عين شمس) وما يترتب على ذلك من آثار. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن مثار النزاع هو ما إذا كان المدعي يعتبر داخلاً في هيئة التدريس منذ صدور القانون رقم 93 لسنة 1950 بإنشاء جامعة إبراهيم استناداً إلى ما نص في المادة الأولى منه من اعتبار المعهد العالي للهندسة نواة لكلية الهندسة بها، أم يعتبر داخلاً في هيئة التدريس استناداً إلى قرار وزير المعارف العمومية رقم 9979 الصادر في 28 من فبراير سنة 1951، أم أنه لا يعتبر داخلاً في تلك الهيئة إلا إذا نشأ له هذا المركز القانوني فيها بأداة منتجة لهذا الأثر تصدر ممن يملكها.
ومن حيث إنه في 10 من يوليه سنة 1950 صدر القانون رقم 93 لسنة 1950 بإنشاء وتنظيم جامعة إبراهيم ناصاً في مادته الأولى فقرة (4) على ما يأتي: "1 - تنشأ في مدينة القاهرة جامعة تسمى جامعة إبراهيم باشا الكبير وتتكون من الكليات والمعاهد الآتية: ... (4) كلية الهندسة ويكون نواتها المعهد العالي للهندسة بالعباسية". ونصت المادة 10 على أن مجلس الجامعة يؤلف على النحو الآتي: "مدير الجامعة وله رياسة المجلس - وكيل الجامعة - عمداء الكليات - مديرو المعاهد المستقلة - عضو عن كل كلية ينتخبه مجلسها من بين الأساتذة ذوي الكراسي لمدة سنتين قابلة للتجديد - أحد وكلاء وزارة المعارف ينتخبه الوزير - مدير بلدية القاهرة". ونصت المادة 11 من القانون المشار إليه على أن "ينظر مجلس الجامعة في المسائل الآتية... (5) تعيين الأساتذة وسائر أعضاء هيئة التدريس وترقيتهم وتأديبهم ونقلهم من الجامعة". ونصت المادة 14 على أن "يكون لكل كلية مجلس يسمى (مجلس الكلية) ويتولى إدارتها العميد. ويعين الوزير العميد من بين أقدم الأساتذة الخمسة المصريين ذوي الكراسي ويكون تعيينه لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد،... ويكون للكلية وكيل ينتخبه مجلس الكلية من بين الأساتذة ذوي الكراسي...". ونصت المادة 15 على أن "يؤلف مجلس الكلية من عميد الكلية وله الرياسة والأساتذة ذوي الكراسي، أقدم الأساتذة المساعدين في كل مادة يكون كرسي الأستاذية فيها شاغراً...". ونصت المادة 19 على أن "يعين وزير المعارف العمومية الأساتذة وسائر أعضاء هيئة التدريس في الجامعة بناء على طلب مجلس الجامعة بعد أخذ رأي مجلس الكلية المختصة أو مجلس المعهد المختص..." ونصت المادة 23 على أن "يستمر العمل بصفة مؤقتة بنصوص القوانين واللوائح الخاصة بالكليات والمعاهد المندمجة في الجامعة ما لم تكن مخالفة لأحكام هذا القانون وذلك إلى أن تصدر التشريعات المنصوص عليها فيه". وأخيراً نصت المادة 24 على أنه "إلى أن يتم تكوين مجلس الجامعة وهيئاتها المختلفة المبينة في هذا القانون يكون لوزير المعارف العمومية الاختصاصات والسلطات المقررة لهذه الهيئات".
ومن حيث إنه في 10 من سبتمبر سنة 1950 أصدر وزير المعارف العمومية قراراً بتعيين عمداء لكليات الجامعة ثم أصدر في 27 من سبتمبر سنة 1950 قراراً آخر نص فيه على ما يأتي "يمنح حضرات أعضاء هيئة التدريس بكلية الهندسة بجامعة إبراهيم الآتية أسماؤهم بعد الألقاب الموضحة أمام كل منهم...". ثم أورد القرار أسماء 15 أستاذاً وأستاذاً مساعداً وذكر أمام كل منهم لقبه الجامعي. وقد انعقد أول اجتماع لمجلس الكلية المذكورة في 4 من أكتوبر سنة 1950 من بين هؤلاء الأعضاء، وتتم في هذه الجلسة انتخاب وكيل الكلية وممثل الأساتذة بمجلس الجامعة. وفي 21 من أكتوبر سنة 1950 عقد مجلس جامعة إبراهيم أولى جلساته برئاسة وزير المعارف وبحضور مدير الجامعة ووكيلها ومستشار فني وزارة المعارف وعمداء الكليات والمعاهد وممثلي الأساتذة، وقد حضر عن كلية الهندسة عميدها وممثل الأساتذة الذي انتخبه مجلس الكلية بجلسة 4 من أكتوبر سنة 1950.
وفي 28 من فبراير سنة 1951 أصدر وزير المعارف القرار الوزاري رقم 9979 الخاص بضم موظفي المعاهد العالية إلى جامعة إبراهيم جرى نصه كما يلي: "بعد الاطلاع على القانون رقم 93 لسنة 1950 الخاص بإنشاء وتنظيم جامعة إبراهيم المتضمن ضم المدارس الآتية إليها: 1 - المعهد العالي للهندسة... 2 و3 و4 و6، وعلى ميزانية المعارف للسنة المالية 1950 لسنة 1951. أولاً - ينقل حضرات الموظفين الموضحة أسماؤهم بالكشوف المرافقة إلى جامعة إبراهيم اعتباراً من أول مارس سنة 1950. ثانياً - يراعى استيفاء ملف خدمة كل منهم لغاية تاريخ نقله وإرساله إلى الجامعة المذكورة. ثالثاً - ...". ومن بين الكشوف المرافقة للقرار سالف الذكر كشف خاص بموظفي المعهد العالي للهندسة المنقولين إلى الجامعة تضمن 141 اسماً من بينهم ثمانية أسماء ممن ورد ذكرهم بقرار الوزير الصادر في 27 من سبتمبر سنة 1950 ومن بينهم أيضاً المدعي.
ومن حيث إنه يبين من النصوص السالف ذكرها أن القانون رقم 93 لسنة 1950، في سبيل إنشاء جامعة "إبراهيم" وتسيير مرفق التعليم الجامعي فيها وتعين أعضاء هيئة التدريس بها، تضمن أحكاماً بعضها دائم وبعضها انتقالي مؤقت، وذلك إلى أن يتم وضع سائر القواعد التنظيمية الدائمة لتلك الجامعة، فيجب تحديد قصد الشارع من تلك النصوص على هدى الغرض المقصود من كل منها بمراعاة الدورين الوقتي والدائم اللذين كان لا بد أن تمر بهما الجامعة حتى تستقر في وضعها النهائي. فمن الأحكام الدائمة أن يكون تعيين الأساتذة وسائر أعضاء هيئة التدريس بقرار من وزير المعارف بناء على طلب مجلس الجامعة بعد أخذ رأي مجلس الكلية المختصة طبقاً للمادة 19 من القانون، ولكن أوردت المادة 24 من القانون حكماً وقتياً وانتقالياً مفاده أنه إلى أن يتم تكوين مجلس الجامعة وهيئاتها المختصة يكون لوزير المعارف العمومية الاختصاصات والسلطات المقررة لهذه الهيئات، ومؤدى ذلك أنه إذا ما تكونت تلك الهيئات وجب أن يتم التعيين على مقتضى حكم المادة 19 من القانون المذكور.
ومن حيث إن التعيين في وظائف هيئة التدريس هو من المراكز القانونية الذاتية التي لا تنشأ إلا بقرار فردي يصدر ممن يملكه قانوناً وهو وزير "المعارف العمومية" وحده في الفترة السابقة على تكوين مجلس الجامعة وهيئاتها المختلفة، أو وزير "المعارف العمومية" بناء على طلب مجلس الجامعة بعد أخذ رأي مجلس الكلية المختصة بعد تكوين مجلس الجامعة وهيئاتها المختلفة. فما لم يصدر قرار على هذا النحو معيناً أعضاء هيئة التدريس بذواتهم، فلا يمكن اعتبارهم قد كسبوا هذه المراكز الذاتية باعتبارهم أعضاء في هيئة التدريس. والقول بغير ذلك يؤدي إلى إهدار نصوص المادتين 19 و24 من القانون رقم 93 لسنة 1950 بإنشاء جامعة "إبراهيم" واعتبار هاتين المادتين لغواً وهو ما يجب أن ينزه عنه الشارع.
ومن حيث إن القرار الصادر من وزير المعارف العمومية في 27 من سبتمبر سنة 1950، إذ نص على أن "يمنح حضرات أعضاء هيئة التدريس بكلية الهندسة بجامعة إبراهيم الآتية أسماؤهم بعد الألقاب الموضحة أمام كل منهم..." قد تضمن ولا شك تعيين هؤلاء الأشخاص أعضاء في هيئة التدريس بكلية الهندسة بجامعة إبراهيم على مقتضى المادة 24 من القانون رقم 93 لسنة 1950. وبتعيينهم بوظائفهم في هيئة التدريس يتحدد تكوين مجلس الكلية على مقتضى حكم المادة 15 من القانون المشار إليه. فمنذ صدور هذا القرار يعتبر من شملهم بذواتهم أعضاء في هيئة التدريس بوظائفهم كل في الوظيفة التي أسندت إليه في هذا القرار، كما تشكل من بين هؤلاء من كانت وظيفته في سلك هيئة التدريس تسمح له بصفة العضوية في مجلس كلية الهندسة على مقتضى حكم المادة 15 أيضاً. ولا اعتداد بما يقوله المدعي من أنه يعتبر عضواً في هيئة التدريس بمجرد كونه كان يقوم بالتدريس بالمعهد العالي للهندسة الذي اتخذ نواة لكلية الهندسة بجامعة إبراهيم، لأن التعيين في وظائف هيئة التدريس - كما سلف القول - هو مركز قانوني ذاتي لا ينشأ إلا بأداته القانونية ممن يملكها طبقاً لأحكام القانون حسبما توضح آنفاً؛ ومن أجل ذلك نص القانون على أن التعيين يكون بقرار يصدر من الوزير بناء على طلب مجلس الجامعة بعد أخذ رأي مجلس الكلية المختصة، وذلك في الحالة الدائمة المستقرة، وفي دور الانتقال يكون بقرار من الوزير بالتطبيق للمادة 24 من القانون سالف الذكر. وقد أعمل الوزير سلطته الوقتية والانتقالية بمقتضى المادة 24 فاختار من اختارهم في هذه الوظائف، بعضهم ممن كانوا يقومون بالتدريس بالمعهد العالي للهندسة وهم الأستاذ عبد الوهاب كامل والأستاذ توفيق قسطندي والدكتور عبد النبي أحمد النحاس والأستاذ قاسم خليل والأستاذ لطيف مشرقي والأستاذ بطرس عوض الله والأستاذ ميشيل غليوبحي والدكتور علي كامل، وبعضهم من خارج المعهد وهم الدكتور حسن مرعي من جامعة الإسكندرية والأستاذ عثمان رفقي رستم من وزارة المعارف العمومية والأستاذ محمد فؤاد حسين والأستاذ عبد العزيز العروسي والأستاذ علي عبد الحفيظ حلمي والدكتور محمد محمد حسان وجميعهم من جامعة القاهرة، ثم الأستاذ العدوي ناصف من جامعة الإسكندرية. وما دام لم يتضمن قرار الوزير المدعي من بين من اختارهم فلا يكون قد اكتسب مركزاً قانونياً في هذا الخصوص، كما لا عبرة بقول المدعي إن قرار 27 من سبتمبر سنة 1950 لا يعدو أن يكون إسناداً لألقاب علمية دون أن يعين من شملهم القرار في وظائف هيئة التدريس؛ ذلك أنه واضح من القرار أنه قصد إلى تعيين أعضاء هيئة التدريس من درجة أستاذ وأستاذ مساعد، وليس من شك في أنه ما دام القرار قد نص على ذلك، فقد قصد إلى التعيين في تلك الوظائف، وبهذا يتساوى التعبير باللقب العلمي مع الوظيفة في هيئة التدريس التي رددها القرار.
ومن حيث إنه بعد إذ تم تعيين من شملهم القرار المذكور في وظائف هيئة التدريس، تكون مجلس الكلية على مقتضى حكم المادة 15 من القانون رقم 93 لسنة 1950، وعقد أولى جلساته في 4 من أكتوبر سنة 1950، واختار الدكتور حسن مرعي ممثلاً عنها في مجلس الجامعة، وحضر بهذه الصفة في أول اجتماع لمجلس الجامعة عقد في 21 من أكتوبر سنة 1950.
ومن حيث إنه بعد إذ تكونت الهيئات الجامعية انحسرت السلطة الوقتية والانتقالية التي كانت لوزير المعارف بمقتضى المادة 24 من القانون رقم 93 لسنة 1950 في الخصوص الذي حددته تلك المادة، ولم يصدر من الوزير بعد ذلك قرار قصد منه تعيين في وظائف هيئة التدريس بمقتضى تلك السلطة التي زايلته.
ومن حيث إن القرار رقم 9979 الصادر في 28 من فبراير سنة 1951 لا يمكن حمله على أنه قرار بتعيين المدعي وزملائه من مدرسي المعهد العالي للهندسة أعضاء في هيئة التدريس بالجامعة؛ ذلك أنه فضلاً عن أن الكشوف المرفقة بهذا القرار قد تضمنت نقل جميع موظفي المعهد العالي للهندسة إلى كلية الهندسة دون تحديد وظائف معينة، فإن القرار - وقد صدر بعد تكوين مجلس الجامعة وهيئاتها المختلفة حسبما سبق البيان - قد خلا مما يدل على أن النقل أو التعيين كان بناء على طلب مجلس الجامعة بعد أخذ رأي مجلس الكلية. ولو أنه قرار بالتعيين لوجب أن يشمل أيضاً من شملهم قرار 27 من سبتمبر سنة 1950 ممن عينوا من الخارج. ولا يعدو القرار من حقيقته - وكما يبين من نصه - أن يكون قراراً بتنفيذ الميزانية وتسوية للأوضاع على هذا الأساس؛ وآية ذلك أنه صدر في 28 من فبراير سنة 1951 معتبراً النقل من أول مارس سنة 1950 وهو تاريخ اعتماد الميزانية.
ومن حيث إنه ما دام لم يصدر قرار من وزير المعارف العمومية بتعيين المدعي في هيئة التدريس بكلية الهندسة بجامعة إبراهيم سواء قبل تكوين مجلس الجامعة وهيئاتها المختلفة أو بعده على التفصيل المتقدم، فلا يعتبر - والحالة هذه - عضواً بهيئة التدريس بالجامعة.
ومن حيث إنه لذلك يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب في قضائه، ويكون الطعن - والحالة هذه - قد قام على غير أساس سليم من القانون متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.