أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 31 - صـ 377

جلسة 13 من مارس سنة 1980

برياسة السيد المستشار/ عثمان مهران الزيني نائب رئيس المحكمة؛ وعضوية السادة المستشارين: صلاح نصار؛ وحسن جمعه، ومحمد عبد الخالق النادي؛ وسالم يونس.

(70)
الطعن رقم 2090 لسنة 49 القضائية

(1) إجراءات. "إجراءات المحاكمة". محضر الجلسة. إثبات. "شهود". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الطلب الجازم. ماهيته؟
حق المحكمة في عدم إجابة طلب سماع شهود النفي أو الرد عليه. لا يجوز النعي عليها في ذلك.
(2) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "خبرة". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
المحكمة غير ملزمة بإجابة طلب مناقشة الطبيب الشرعي. حد ذلك؟
(3) جريمة. "أركانها". قصد جنائي.
القصد الجنائي في جريمة إحداث الجروح عمداً. متى يتوافر؟
(4) ضرب أفضى إلى موت. رابطة السببية. مسئولية جنائية. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
رابطة السببية في المواد الجنائية. حدودها؟ تقدير توافرها. موضوعي. مرض المجني عليها من الأمور الثانوية التي لا تقطع رابطة السببية. مثال.
(5، 6، 7) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "شهود". "خبرة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(5) وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم. موضوعي.
(6) تناقض الشاهد أو تضاربه في أقواله. لا يعيب الحكم. متى استخلص الحقيقة من أقواله. بما لا تناقض فيه.
(7) تطابق أقوال الشهود والدليل الفني. ليس بلازم. كفاية أن يكون الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق.
1 - من المقرر أن الطلب الذي تلتزم محكمة الموضوع بإجابته أو الرد عليه هو الطلب الجازم الذي يصر عليه مقدمه، ولا ينفك عن التمسك به، والإصرار عليه في طلباته الختامية، ومن ثم فليس للطاعن أن ينعى على المحكمة التفاتها عن مناقشة الطبيب الشرعي وعدم إجابتها إلى طلب سماع شهود النفي أو الرد عليه بفرض أنه اتبع الطريق الذي رسمه قانون الإجراءات الجنائية في المواد 185، 186، 187 لإعلان الشهود الذين يطلب المتهم سماع شهادتهم أمام محكمة الجنايات.
2 - محكمة الموضوع غير ملزمة بإجابة الدفاع إلى ما طلبه من مناقشة الطبيب الشرعي ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء.
3 - من الثابت أن جريمة إحداث الجروح عمداً لا تتطلب غير القصد الجنائي العام وهو يتوافر كلما ارتكب الجاني الفعل عن إرادة وعن علم بأن هذا الفعل يترتب عليه المساس بسلامة جسم المجني عليه أو صحته، ويكفي أن يكون هذا القصد مستفاداً من وقائع الدعوى كما أوردها الحكم.
4 - من المقرر أن علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الذي اقترفه الجاني وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً، وهذه العلاقة مسألة موضوعية ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها ومتى فصل فيها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعن أنه ركل المجني عليها فسقطت على الأرض وتوفيت، ودلل على توافر رابطة السببية بين الفعل المسند للطاعن ووفاة المجني عليها بما أثبته تقرير الصفة التشريحية من أن الانفعال والمجهود الجسماني والألم الإصابي الناشئة عن التعدي قد ساهمت في إحداث الوفاة فإن في ذلك ما يحقق مسئوليته - في صحيح القانون - عن هذه النتيجة التي كان من واجبه أن يتوقع حصولها لما هو مقرر من أن الجاني في جريمة الضرب أو إحداث جرح عمداً يكون مسئولاً عن جميع النتائج المحتمل حصولها نتيجة سلوكه الإجرامي ولو كانت عن طريق غير مباشر ما لم تتداخل عوامل أجنبية غير مألوفة تقطع رابطة السببية بين فعله وبين النتيجة، ومن أن مرض المجني عليها إنما هو من الأمور الثانوية التي لا تقطع هذه الرابطة.
5 - وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التي يؤدي فيها شهادته وتعويل القضاء على قوله مهما وجه إليه من مطاعن وحام حوله من الشبهات، كل هذا مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه دون رقابة لمحكمة النقض عليها.
6 - إن تناقض الشاهد أو تضاربه في أقواله لا يعيب الحكم ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه.
7 - المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه ضرب...... بأن ركلها برجله اليمنى في بطنها فأحدث بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصد من ذلك قتلاً ولكن الضرب أفضى إلى موتها. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً لمواد الاتهام. وادعى المطعون ضدهما الأول والثانية مدنياً قبل المتهم بمبلغ قرش صاغ على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات الفيوم قضت حضورياً عملاً بالمادة 336/ 1 من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 17 من ذات القانون بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل مدة سنة واحدة وإلزامه بأن يدفع للمدعيين بالحقوق المدنية مبلغ قرش صاغ على سبيل التعويض المؤقت. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة الضرب المفضي للموت قد شابه إخلال بحق الدفاع وأخطأ في تطبيق القانون وانطوى على فساد في الاستدلال وتناقض في التسبيب، وذلك بأن المحكمة لم تستجب إلى طلب المدافع عن الطاعن بسماع شهود النفي، كما التفتت عن طلب مناقشة الطبيب الشرعي. هذا إلى أن الحكم دانه رغم أن الثابت من تقرير الصفة التشريحية أن المجني عليها توفيت نتيجة حالة مرضية بالقلب لم يكن الطاعن على علم بها، وعول في قضائه على أقوال شهود الإثبات رغم تعارض رواياتهم وتناقض أقوالهم مع ما أثبته ذلك التقرير إذ حصل من الدليل القولي أن الطاعن ركل المجني عليها في بطنها حين أن ما أورده التقرير الفني بشأن إصابتها بالركبة اليمنى والساق اليسرى لا يؤيد هذا التصوير. كل ذلك مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات وتقرير الصفة التشريحية وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها. لما كان ذلك، وكان البين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن طلب بجلسة 20 من فبراير سنة 1978 مناقشة الطبيب الشرعي ثم أثبت تنازله عن هذا الطلب وطلب سماع شهود نفي ثلاثة قرر أنه أعلنهم للحضور أمام المحكمة. وأجلت الدعوى لجلسة 22 من فبراير سنة 1978 كطلب الدفاع للاطلاع والاستعداد، وفي تلك الجلسة التي اختتمت بصدور الحكم المطعون فيه استمعت المحكمة لأقوال شاهد الإثبات الحاضر وأشارت النيابة إلى اكتفائها بتلاوة أقوال باقي شهود الإثبات الغائبين، وتليت بعد موافقة الدفاع الذي ترافع - بعد ذلك - واختتم مرافعته بطلب براءة الطاعن ورفض الدعوى المدنية قبله. ولما كان المدافع عن الطاعن قد ترافع بعد تنازله عن طلب مناقشة الطبيب الشرعي ودون أن يصر بصدر مرافعته أو بختامها على سماع شهود النفي، مما مفاده أنه عدل عن هذا الطلب، وكان من المقرر أن الطلب الذي تلتزم محكمة الموضوع بإجابته أو الرد عليه هو الطلب الجازم الذي يصر عليه مقدمه، ولا ينفك عن التمسك به، والإصرار عليه في طلباته الختامية، ومن ثم فليس له أن ينعى على المحكمة التفاتها عن مناقشة الطبيب الشرعي وعدم إجابتها إلى طلب سماع شهود النفي أو الرد عليه بفرض أنه اتبع الطريق الذي رسمه قانون الإجراءات الجنائية في المواد 185، 186، 187 لإعلان الشهود الذين يطلب المتهم سماع شهادتهم أمام محكمة الجنايات. فضلاً عما هو مقرر من أن محكمة الموضوع غير ملزمة بإجابة الدفاع إلى ما طلبه من مناقشة الطبيب الشرعي ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء.
لما كان ذلك، وكان الطاعن لا ينازع في أن ما أورده الحكم - نقلاً عن تقرير الصفة التشريحية - له معينه الصحيح من هذا التقرير، وكان مؤداه أن إصابة المجني عليها بالبطن بمسارينة الأمعاء حيوية حديثة وذات طبيعة رضية وهي جائزة الحدوث من الركل بالقدم وفقاً لرواية الشهود، وأن الانفعال النفسي والمجهود الجسماني والألم الإصابي الناشئة عن التعدي قد ساهمت مع الحالة المرضية المزمنة بالقلب في إحداث الوفاة. ولما كانت جريمة إحداث الجروح عمداً لا تتطلب غير القصد الجنائي العام وهو يتوافر كلما ارتكب الجاني الفعل عن إرادة وعن علم بأن هذا الفعل يترتب عليه المساس بسلامة جسم المجني عليه أو صحته، ويكفي أن يكون هذا القصد مستفاداً من وقائع الدعوى كما أوردها الحكم - وهو ما تحقق في واقعة الدعوى -، وكان من المقرر أن علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الذي اقترفه وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً، وهذه العلاقة مسألة موضوعية ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها ومتى فصل فيها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعن أنه ركل المجني عليها فسقطت على الأرض وتوفيت، ودلل على توافر رابطة السببية بين الفعل المسند للطاعن ووفاة المجني عليها بما أثبته تقرير الصفة التشريحية من أن الانفعال والمجهود الجسماني والألم الإصابي الناشئة عن التعدي قد ساهمت في إحداث الوفاة فإن في ذلك ما يحقق مسئوليته - في صحيح القانون - عن هذه النتيجة التي كان من واجبه أن يتوقع حصولها لما هو مقرر من أن الجاني في جريمة الضرب أو إحداث جرح عمداً يكون مسئولاً عن جميع النتائج المحتمل حصولها نتيجة سلوكه الإجرامي ولو كانت عن طريق غير مباشر ما لم تتداخل عوامل أجنبية غير مألوفة تقطع رابطة السببية بين فعله وبين النتيجة، ومن أن مرض المجني عليها إنما هو من الأمور الثانوية التي لا تقطع هذه الرابطة، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الوجه يضحى غير قويم. لما كان ذلك، وكان وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التي يؤدي فيها شهادته وتعويل القضاء على قوله مهما وجه إليه من مطاعن وحام حوله من الشبهات، وكل هذا مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقديره التقدير الذي تطمئن إليه دون رقابة لمحكمة النقض عليها، وكان من المقرر تناقض الشاهد أو تضاربه في أقواله لا يعيب الحكم ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه. وإذ كان الطاعن لا يمارى في أن ما حصله الحكم من أقوال الشهود بما مؤداه أن الطاعن ركل المجني عليها فسقطت على الأرض وماتت، له معينه الصحيح بالأوراق فلا محل لما ينعاه من اعتماد المحكمة في قضائها بالإدانة على شهادة الشهود بعد أن أفصحت عن اطمئنانها إلى شهادتهم. لما كان ذلك، وكان المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق وكان يبين مما سلف أن ما حصله الحكم من أقوال شهود الإثبات لا يتناقض مع ما نقله من تقرير الصفة التشريحية - بل يتلاءم معه، فإن دعوى التناقض بين الدليلين القولي والفني تكون ولا محل لها. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.