مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية - العدد الثاني (من أول فبراير إلى آخر مايو سنة 1957) - صـ 515

(58)
جلسة 16 من فبراير سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 1135 لسنة 2 القضائية.

( أ ) عمال الجيش البريطاني - المركز الذي تقرر لهم بإلحاقهم بالوزارات والمصالح إثر تركهم الجيش البريطاني، هو مركز مؤقت - نشوء المركز النهائي بعد صدور القواعد التي وضعتها اللجنة المشكلة لإعادة توزيعهم.
(ب) عمال الجيش البريطاني - كتاب إدارة القوى العاملة بوزارة الشئون الاجتماعية بمنح المكتبة أجوراً تتراوح بين 12 ج لغير ذوي المؤهلات و15 ج لذوي المؤهلات - عدم إنشائه حقاً في هذا الأجر - يمنح الأجر بمراعاة قيمة المؤهل - دليل ذلك.
1 - إن إلحاق عمال القنال بوزارات الحكومة ومصالحها إثر تركهم العمل بالجيش البريطاني كان بمثابة علاج سريع لحالة طارئة إلى أن توضع القواعد لإعادة توزيع هؤلاء العمال وتحديد أجورهم، فكان مركزهم - والحالة هذه - مركزاً مؤقتاً اقتضته الضرورة الملحة لعلاج مشكلتهم، ولم ينشأ لهم مركز قانوني نهائي إلا بعد أن صدرت القواعد التي وضعتها اللجنة التي قرر مجلس الوزراء تشكيلها لإعادة توزيعهم على المصالح الحكومية بحسب حرفهم وبحسب احتياجات المصالح المختلفة وتقدير أجورهم.
2 - ولئن كان قد صدر كتاب إدارة القوى العاملة بوزارة الشئون الاجتماعية بمنح الكتبة أجوراً شاملة إعانة الغلاء تتراوح بين 12 ج شهرياً لغير ذوي المؤهلات و15 ج شهرياً لذوي المؤهلات، إلا أنه فضلاً عن أنه ليس من شأن مثل هذا الكتاب في الظروف التي صدر فيها والسلطة التي أصدرته أن ينشئ لعمال القنال حقاً في هذا الأجر لا يمكن ردهم عنه، فإنه مما لا جدال فيه أنه لم يقصد من ذلك إطلاق الحكم على ذوي المؤهلات جميعاً مهما تباينت قيمة هذه المؤهلات بحيث يستوي في الأجر الحاصل على مؤهل عال أو شهادة الدراسة الثانوية بقسميها الخاص والعام أو دبلوم المدارس الصناعية المختلفة والحاصل على الشهادة الابتدائية وإنما يتعين أن يمنح الأجر بقدر مع مراعاة قيمة المؤهل؛ يؤكد هذا النظر أن القواعد التي وضعتها اللجنة سالفة الذكر قد قررت لكل مؤهل أجراً يناسبه؛ فقدرت للحاصل على شهادة الدراسة الثانوية القسم الخاص أو ما يعادلها 9 ج شهرياً وللحاصل على شهادة الدراسة الثانوية القسم العام أو ما يعادلها 500 م و8 ج وللحاصل على شهادة الكفاءة أو ما يعادلها 8 ج شهرياً وللحاصل على الشهادة الابتدائية أو ما يعادلها 7 ج، كل ذلك بخلاف إعانة الغلاء، وقدرت لغير ذوي المؤهلات أجراً يومياً يعادل 6 ج شهرياً بخلاف إعانة الغلاء بحد أدنى قدره 12 ج. كما نصت تلك القواعد على أنه من كان من العمال يحمل مؤهلاً دراسياً عالياً فيمنح أجراً يعادل الماهية الشهرية المقررة لمؤهله في الكادر العام الحكومي ومن كان حاصلاً على مؤهل فني يجب أن توكل إليه أعمال فنية ويمنح أجراً يعادل الماهية الشهرية المقررة لمؤهله في الكادر الحكومي. وظاهر من كل ذلك أن تقدير الأجر كان يتمشى دائماً مع قيمة المؤهل. فإذا كانت مصلحة السكة الحديد قد راعت عند إلحاق المدعي بها أنه حاصل على الشهادة الابتدائية فمنحته أجراً يتفق ومؤهله بالنسبة للمؤهلات الأخرى، ثم سارت اللجنة المشكلة لتوزيع العمال وتقدير أجورهم على هذا السنن في تقدير أجور ذوي المؤهلات, فلا تكون المصلحة قد تحيفت المدعي أو خرجت على قواعد التقدير الصحيحة.


إجراءات الطعن

في 11 من إبريل سنة 1956 أودع رئيس هيئة المفوضين طعناً في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات بجلسة 13 من فبراير سنة 1956 في الدعوى رقم 461 لسنة 2 ق المرفوعة من صمويل سامي بطرس ضد وزارة المواصلات ومصلحة السكة الحديد, القاضي: "بتعديل أجر المدعي في الفترة من 17 من نوفمبر سنة 1951 إلى 31 من مارس سنة 1952 من 12 ج إلى 15 ج في الشهر شاملاً لإعانة الغلاء، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وصرف متجمد الفروق المستحقة، وإلزام كل من الطرفين بنصف مصروفات الدعوى ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات". وطلب رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن - الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكم ورفض الدعوى، وإلزام المدعي بمصروفاتها". وقد أعلن الطعن للحكومة في 7 من يوليه سنة 1956 وللمدعي في 11 من يوليه سنة 1956، وعين لنظره جلسة 15 من ديسمبر سنة 1956, وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات, ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعة الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من الأوراق، تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 461 لسنة 2 ق أمام المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات بصحيفة أودعت سكرتيرية المحكمة في 31 من أغسطس سنة 1955 طالباً تعديل مرتبه من 12 ج إلى 15 ج من تاريخ تعيينه وما يترتب على ذلك من آثار. وقال في بيان ذلك إنه كان من موظفي الطيران البريطاني الذين ألحقوا بخدمة الحكومة بعد إلغاء معاهدة سنة 1936, فعين كاتباً بمراقبة الإيرادات والمصروفات بمصلحة السكة الحديد اعتباراً من 7 من نوفمبر سنة 1951 بماهية قدرها 12 ج شهرياً شاملة إعانة غلاء المعيشة، ولما كانت مراقبة القوى العاملة بوزارة الشئون الاجتماعية قد قررت بكتابها الدوري الصادر في نوفمبر سنة 1951 فيما يختص بالكتبة والمخزنجية من عمال القنال الذين تركوا خدمة الجيش البريطاني منحهم أجوراً شاملة إعانة الغلاء تتراوح بين 12 ج شهرياً لغير ذوي المؤهلات و15 ج شهرياً لذوي المؤهلات، ولما كان المدعي حاصل على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية؛ فإنه يستحق راتباً قدره 15 ج شهرياً لا 12 ج شهرياً وهو الراتب الذي قررته له المصلحة. وقد ردت المصلحة على الدعوى بأن مراقبة القوى العاملة بوزارة الشئون الاجتماعية لا تملك تقدير الماهيات التي تمنح للمستخدمين والعمال؛ لأن ذلك مما تختص به وزارة المالية وديوان الموظفين، على أن كتاب مراقبة القوى العاملة الذي يستند إليه المدعي إنما قصد به حملة المؤهلات المتوسطة، أما حملة الشهادة الابتدائية فإنهم يندرجون في المعاملة مع العمال الغير حاصلين على مؤهلات، وقد قررت اللجنة التي شكلها مجلس الوزراء لإعادة توزيع عمال القنال منح الكتبة حملة الابتدائية أجراً يومياً يعادل 7 ج شهرياً بحد أدنى 12 ج شاملة إعانة الغلاء، وقد طبق هذا القرار على المدعي اعتباراً من أول إبريل سنة 1952. وخلصت المصلحة من ذلك إلى طلب رفض الدعوى. وبجلسة 13 من فبراير سنة 1956 حكمت المحكمة "بتعديل أجر المدعي في الفترة من 7 من نوفمبر سنة 1951 إلى 31 من مارس سنة 1952 من 12 ج إلى 15 ج في الشهر شاملاً لإعانة الغلاء، مع ما يترتب على ذلك من آثار, وصرف متجمد الفروق المستحقة, وإلزام كل من الطرفين نصف مصروفات الدعوى، ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات"؛ وأقامت المحكمة قضاءها على أن اعتراض الحكومة على منح المدعي راتباً قدره 15 ج شهرياً شاملاً إعانة الغلاء يقوم على أساسين؛ الأول: أن مراقبة القوى العاملة بوزارة الشئون الاجتماعية لا تملك تقدير الماهيات والأجور؛ لأن ذلك يدخل في اختصاص وزارة المالية أو ديوان الموظفين. والثاني: أن كتاب المراقبة المذكورة يقصد بعبارة ذوي المؤهلات حملة الشهادة المتوسطة دون حملة الشهادة الابتدائية. أما عن الاعتراض الأول "فإن لم يكن في كتاب مراقبة القوى العاملة بوزارة الشئون الاجتماعية الصادر في نوفمبر سنة 1951 سوى كشف عن قاعدة اطردت الحكومة على تطبيقها بالنسبة لطائفة عمال القنال وهي تقضي بمنحهم أجوراً شاملة لإعانة الغلاء تتراوح بين 12 ج في الشهر لغير ذوي المؤهلات و15 ج في الشهر لذوي المؤهلات فإن هذه القاعدة التي كشف عنها والتي لم تعترض المدعى عليها على وجودها، تعتبر قاعدة عرف إداري ملزمة للإدارة وترتب لذي الشأن حقوقاً مكتسبة في إعمالها...". وأما عن الاعتراض الثاني "فلا شك أن الشهادة تعتبر مؤهلاً علمياً، ولم يرد في كتاب مراقبة القوى العاملة بوزارة الشئون الاجتماعية سالف الذكر أدنى تفريق بين حملة المؤهلات المختلفة، فلا سند لسلخ حملة الشهادة الابتدائية من زمرة حملة المؤهلات المنصوص عليهم في ذلك الكتاب..."، لذلك يحق للمدعي "أن يتقاضى أجراً شاملاً لإعانة الغلاء قدره 15 ج في الشهر طبقاً لتلك القاعدة وذلك من تاريخ تعيينه"، وأنه لما كانت القواعد التي وضعت لعمال القنال قبل أول إبريل سنة 1952 هي قواعد مؤقتة إلى أن تنتهي لجنة إعادة توزيعهم من وضع الكادر الخاص بهم، فإن بصدور هذا الكادر ينتهي العمل بتلك القواعد الموقوتة الأثر، "ولما كان الكادر بعمال القنال قد حدد للكاتب الحاصل على الشهادة الابتدائية أجراً يومياً يعادل 7 ج في الشهر بحيث لا يقل مع إعانة غلاء المعيشة عن 12 ج في الشهر وقد وضع هذا الكادر موضع التنفيذ اعتباراً من أول إبريل سنة 1952؛ فإن حق المدعي في اقتضاء أجر بواقع 15 ج في الشهر طبقاً للقاعدة الموقوتة الأثر سالف الذكر يقف عند تاريخ تنفيذ الكادر الجديد"، وأنه "ينتج مما تقدم أن المدعي محق في طلب تعديل مرتبه يجعله بواقع 15 ج في الشهر وذلك في المدة من تاريخ تعيينه في 7 من نوفمبر سنة 1951 إلى تاريخ نفاذ كادر عمال القنال في 31 من مارس سنة 1952...".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أنه لم تكون هناك قبل أول إبريل سنة 1952 قواعد ملزمة تنظم أحوال عمال القنال حتى يمكن التحدي بها في شان تحديد الأجور المستحقة لهم؛ إذ كانت الأجور تمنح بصفة جزافية بمراعاة أجورهم السابقة في حدود الإمكانيات المالية للمصالح المختلفة الملحقين بها. "فلا يجوز التمحل بكتاب صادر من مراقبة القوى العاملة لإنشاء قاعدة يعتصم بها في تحديد أجر المدعي على نحو معين؛ إذ أن وضع عمال القنال خلال الفترة السابقة على صدور الكادر الخاص بهم كان وضعاً قلقاً فلا يتصور خلق قاعدة عرفية في جو يأبى على تلك القاعدة توافر مقومات العرف الملزم، وبهذه المثابة يكون طلب المدعي استحقاقه لأجر غير الذي يستحقه خلالها لا سند له من القانون متعين الرفض". وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مخالفاً فإنه يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إن إلحاق عمال القنال بوزارات الحكومة ومصالحها إثر تركهم العمل بالجيش البريطاني كان بمثابة علاج سريع لحالة طارئة إلى أن توضع القواعد لإعادة توزيع هؤلاء العمال وتحديد أجورهم، فكان مركزهم - والحالة هذه - مركزاً مؤقتاً اقتضته الضرورة الملحة لعلاج مشكلتهم، ولم ينشأ لهم مركز قانوني نهائي إلا بعد أن صدرت القواعد التي وضعتها اللجنة التي قرر مجلس الوزراء تشكيلها لإعادة توزيعهم على المصالح الحكومية بحسب حرفهم وبحسب احتياجات المصالح المختلفة وتقدير أجورهم.
ومن حيث إنه ولئن كان قد صدر كتاب من إدارة القوى العاملة بمنح الكتبة أجوراً شاملة إعانة الغلاء تتراوح بين 12 ج شهرياً لغير ذوي المؤهلات و15 ج شهرياً لذوي المؤهلات، إلا أنه فضلاً عن أنه ليس من شأن مثل هذا الكتاب في الظروف التي صدر فيها والسلطة التي أصدرته أن ينشىء لعمال القنال حقاً في هذا الأجر لا يمكن ردهم عنه؛ فإنه مما لا جدال فيه أنه لم يقصد من ذلك إطلاق الحكم على ذوي المؤهلات جميعاً مهما تباينت قيمة هذه المؤهلات بحيث يستوي في الأجر الحاصل على مؤهل عال أو شهادة الدراسة الثانوية بقسمها الخاص والعام أو دبلوم المدارس الصناعية المختلفة والحاصل على الشهادة الابتدائية، وإنما يتعين أن يمنح الأجر بقدر مع مراعاة قيمة المؤهل؛ يؤكد هذا النظر أن القواعد التي وضعتها اللجنة سالفة الذكر قد قدرت لكل مؤهل أجراً يناسبه، فقدرت للحاصل على شهادة الدراسة الثانوية القسم الخاص أو ما يعادلها 9 ج شهرياً وللحاصل على شهادة الدراسة الثانوية القسم العام أو ما يعادلها 500 م و8 ج وللحاصل على شهادة الكفاءة أو ما يعادلها 8 ج شهرياً وللحاصل على الشهادة الابتدائية أو ما يعادلها 7 ج، كل ذلك بخلاف إعانة الغلاء، وقدرت لغير ذوي المؤهلات أجراً يومياً يعادل 6 ج شهرياً بخلاف إعانة الغلاء بحد أدنى قدره 12 ج. كما نصت تلك القواعد على أنه من كان من العمال يحمل مؤهلاً دراسياً عالياً فيمنح أجراً يعادل الماهية الشهرية المقررة لمؤهله في الكادر العام الحكومي ومن كان حاصلاً على مؤهل فني يجب أن توكل إليه أعمال فنية ويمنح أجراً يعادل الماهية الشهرية المقررة لمؤهله في الكادر الحكومي، وظاهر من كل ذلك أن تقدير الأجر كان يتمشى دائماً مع قيمة المؤهل. فإذا كانت مصلحة السكة الحديد قد راعت عند إلحاق المدعي بها أنه حاصل على الشهادة الابتدائية فمنحته أجراً يتفق ومؤهله بالنسبة للمؤهلات الأخرى، ثم سارت اللجنة المشكلة لتوزيع العمال وتقدير أجورهم على هذا السنن في تقدير أجور ذوي المؤهلات، فلا تكون المصلحة قد تحيفت المدعي أو خرجت على قواعد التقدير الصحيحة.
ومن حيث إنه لذلك يكون الحكم المطعون فيه قد جانب الصواب في قضائه, ويكون الطعن قائماً على أساس سليم من القانون.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.