أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 31 - صـ 391

جلسة 17 من مارس سنة 1980

برياسة السيد المستشار حسن علي المغربي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: شرف الدين خيري، ومصطفى جميل مرسي؛ وفوزي أسعد؛ وهاشم قراعة.

(73)
الطعن رقم 34 لسنة 49 القضائية

(1) سرقة. إخفاء أشياء مسروقة. نقض. "الصفة والمصلحة في الطعن" "نطاق الطعن".
عدم جواز الطعن بالنقض. من المدعي بالحقوق المدنية. والمسئول عنها. إلا فيما يتعلق بحقوقهما المدنية. م 30 ق 57 لسنة 1959.
(2) دعوى مدنية. "نظرها والحكم فيها". اختصاص. سرقة. إخفاء أشياء. مسروقة. تعويض.
متى تختص المحكمة الجنائية بالتعويضات المدنية؟
متى يتعين رفض طلب التعويض؟
مناط الحكم بالتعويض. ولو قضي بالبراءة؟
تأسيس الحكم. قضاءه بالبراءة. على عدم توافر أركان جريمة الإخفاء. هذه الأسباب بذاتها. تكون أسباباً للحكم برفض دعوى التعويض.
(3) إثبات "بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". استئناف. دعوى مدنية "نظرها والحكم فيها". سرقة. إخفاء أشياء مسروقة.
تأييد الحكم المطعون فيه. الحكم الصادر برفض الدعوى المدنية لأسبابه اعتبار الحكم الابتدائي حائزاً لقوة الشيء المقضى فيه. بعدم استئناف النيابة له. وعدم تصديه لبحث عناصر الجريمة ومدى خطأ المجني عليه. ينطوي على خطأ في تطبيق القانون. المادة 403 أ ج. تجيز للمدعي المدني أن يستأنف الحكم الصادر من المحكمة الجزئية. في المخالفات والجنح. فيما يختص بحقوقه المدنية. متى تجاوزت التعويضات النصاب. متى رفع استئنافه. كان على المحكمة الاستئنافية أن تعرض لبحث عناصر الجريمة. لا يمنع من هذا كون الحكم في الدعوى الجنائية قد حاز قوة الأمر المقضي.
(4) استئناف. إخفاء أشياء مسروقة. سرقة. دعوى مدنية. "نظرها والحكم فيها". جريمة "أركانها".
الأصل. أن على المحكمة. وهي بصدد الاستئناف المرفوع من المدعي بالحقوق المدنية. أن تتحرى توافر أركان الجريمة. وثبوت الواقعة. غير مقيدة في ذلك. بقضاء البراءة.
الخطأ القانوني في الحكم القاضي بالبراءة. متى لا يعيبه؟.
(5) إثبات "بوجه عام". دعوى جنائية. "نظرها والحكم فيها". دعوى مدنية. "نظرها والحكم فيها". سرقة. إخفاء أشياء مسروقة.
المحكمة الجنائية. غير مقيدة بطلبات المدعي بالحقوق المدنية. رافع الدعوى المباشرة. وهي بصدد إنزال حكم قانون العقوبات.
(6) إثبات "بوجه عام". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". سرقة. إخفاء أشياء مسروقة. نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
كفاية أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة. كي يقضي بالبراءة.
لا يعيب الحكم أن تكون المحكمة قد أغفلت الرد على بعض أدلة الاتهام. مفاد إغفال التحدث عنها؟.
1 - لما كان الطاعن هو المدعي بالحقوق المدنية، وكانت الفقرة الثانية من المادة 30 من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض تنص على أنه لا يجوز الطعن من المدعي بالحقوق المدنية والمسئول عنها إلا فيما يتعلق بحقوقها المدنية، وكان الطاعن لم يدع بحقوق مدنية قبل المطعون ضدها الأولى......، فإن الطعن بالنسبة للمطعون ضدها المذكورة يكون غير جائز.
2 - لما كانت المحكمة الجنائية لا تختص بالتعويضات المدنية إلا إذا كانت متعلقة بالفعل الجنائي المسند إلى المتهم، فإذا كانت المحكمة قد برأت المتهم من التهمة المسندة إليه لعدم ثبوتها فإن ذلك يستلزم حتماً رفض طلب التعويض لأنه ليس لدعوى التعويض محل عن فعل لم يثبت في حق من نسب إليه، أما الحكم بالتعويض ولو قضى بالبراءة فشرطه ألا تكون البراءة قد بنيت على عدم حصول الواقعة أصلاً أو على عدم صحتها أو عدم ثبوت إسنادها إلى المتهم لأنه في هذه الأحوال لا تملك المحكمة أن تقضي بالتعويض على المتهم لقيام المسئوليتين الجنائية والمدنية معاً على ثبوت حصول الواقعة وصحة إسنادها إلى صاحبها. ولما كان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد أسس قضاءه بالبراءة على عدم توافر أركان جريمة الإخفاء المسندة إلى المطعون ضده فإن هذه الأسباب بذاتها في هذه الحالة تكون أسباباً للحكم برفض دعوى التعويض.
3 - لما كان الحكم المطعون فيه قد أيد الحكم الصادر برفض الدعوى المدنية لأسبابه، وكان مفاد ذلك أن محكمة ثاني درجة اعتبرت الحكم الابتدائي حائزاً لقوة الشيء المقضى فيه بعدم استئناف النيابة له بحيث يمتنع عليها وهي في سبيل الفصل في الدعوى المدنية المستأنفة أمامها أن تتصدى لبحث عناصر الجريمة ومدى خطأ المجني عليه لتقدير التعويض عن الضرر الذي أصابه، وهذا القول ينطوي على خطأ في تطبيق القانون، ذلك أن المادة 403 من قانون الإجراءات الجنائية تجيز للمدعي بالحقوق المدنية أن يستأنف الحكم الصادر من المحكمة الجزئية في المخالفات والجنح. فيما يختص بحقوقه المدنية وحدها، إن كانت التعويضات المطلوبة تزيد على النصاب الذي يحكم فيه القاضي الجزئي نهائياً وحقه في ذلك قائم لأنه مستقل عن حق النيابة العامة وعن حق المتهم لا يقيده إلا النصاب، ومتى رفع استئنافه كان على المحكمة الاستئنافية أن تعرض لبحث عناصر الجريمة من حيث توافر أركانها وثبوت الفعل المكون لها في حق المتهم من جهة وقوعه وصحة نسبته إليه لترتب على ذلك آثاره القانونية غير مقيدة في ذلك بقضاء محكمة أول درجة، ولا يمنع من هذا كون الحكم في الدعوى الجنائية قد حاز قوة الأمر المقضي، لأن الدعويين الجنائية والمدنية وإن كانتا ناشئتين عن سبب واحد إلا أن الموضوع في كل منهما يختلف عنه في الأخرى مما لا يمكن معه التمسك بحجية الحكم النهائي.
4 - إن كان الأصل أنه وإن كان على المحكمة الاستئنافية وهي بصدد نظر الاستئناف المرفوع من المدعي بالحقوق المدنية فيما يختص بحقوقه أن تتحرى توافر أركان الجريمة وثبوت الواقعة المكونة لها وصحة نسبتها إلى المطعون ضده غير مقيدة في ذلك بقضاء البراءة الصادر من محكمة أول درجة، إلا أنه لما كان الخطأ القانوني في الحكم القاضي بالبراءة - بفرض ثبوته - لا يعيبه ما دام أن قاضي الموضوع قد عول في تكوين عقيدته بتبرئة المتهم على عدم اطمئنانه إلى ثبوت التهمة في حقه بعد أن ألم بأدلة الدعوى ووزنها ولم يقتنع وجدانه بصحتها مما لا يجوز معه مصادرته في اعتقاده، فإن تعييب الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون - بفرض صحته - يكون غير منتج ويكون النعي في هذا الشأن غير سديد.
5 - المحكمة الجنائية غير مقيدة بطلبات المدعي بالحقوق المدنية رافع الدعوى المباشرة وهي بصدد إنزال حكم قانون العقوبات على واقعة الدعوى.
6 - من المقرر في قضاء محكمة النقض أنه يكفي أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم كي يقضي له بالبراءة إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام الظاهر من الحكم أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة وكان الحكم قد بين أسانيد البراءة ورفض الدعوى المدنية قبل المطعون ضده بما يحمل قضاءه، وكان لا يعيب الحكم أن تكون المحكمة قد أغفلت الرد على بعض أدلة الاتهام إذ أنها غير ملزمة في حالة القضاء بالبراءة بالرد على كل دليل من أدلة الثبوت ما دام أنها قد رجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة والشك في صحة عناصر الإثبات، ولأن في إغفال التحدث عنها ما يفيد ضمناً أنها أطرحتها ولم تر فيها ما تطمئن معه إلى إدانة المطعون ضده.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضدهما بأنهما: الأولى - سرقت وآخر مجهول العملات التذكارية المبينة الوصف والقيمة بالمحضر والمملوكة لـ....... حالة كونها تعمل لديه بالأجر. الثاني. أخفى العملات التذكارية المبينة الوصف والقيمة بالمحضر والمملوكة....... مع علمه بذلك، وطلبت عقابهما بالمادتين 44 مكرر، 317/ 7 من قانون العقوبات. وادعى المجني عليه (الطاعن) مدنياً قبل المتهم الثاني بمبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنح قسم مصر القديمة قضت غيابياً للأولى عملاً بمادتي الاتهام وحضورياً للثاني عملاً بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية بمعاقبة المتهمة الأولى بالحبس ثلاثة شهور مع الشغل والنفاذ وبراءة المتهم الثاني. فعارضت المحكوم عليها وقضي في معارضتها بقبولها شكلاً ورفضها موضوعاً وتأييد الحكم المعارض فيه وإيقاف تنفيذ العقوبة المقضى بها لمدة ثلاث سنوات تبدأ من التاريخ الذي يصبح فيه هذا الحكم نهائياً. فاستأنف المدعي بالحقوق المدنية. ومحكمة جنوب القاهرة الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. فطعن المدعي بالحقوق المدنية في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

من حيث إنه لما كان الطاعن هو المدعي بالحقوق المدنية، وكانت الفقرة الثانية من المادة 30 من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض تنص على أنه لا يجوز الطعن من المدعي بالحقوق المدنية والمسئول عنها إلا فيما يتعلق بحقوقهما المدنية، وكان الطاعن لم يدع بحقوق مدنية قبل المطعون ضدها الأولى فإن الطعن بالنسبة للمطعون ضدها المذكورة يكون غير جائز.
وحيث إن الطعن بالنسبة للمطعون ضده الثاني....... قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى بتأييد الحكم الابتدائي الصادر برفض الدعوى المدنية قبل المطعون ضده قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال وأخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه أسس قضاءه على ما قال به من أن الحكم الصادر بالبراءة قد صار نهائياً حائزاً لقوة الأمر المقضي بعدم استئناف النيابة العامة له مع أن هذا الحكم قد ألغى في الدعوى رقم 753 لسنة 1976 جنح مستأنف مصر القديمة، كما أن الطاعن طلب في صحيفة دعواه المدنية اعتبار المطعون ضده شريكاً في جريمة السرقة إلا أن المحكمة لم تستجب إلى هذا الطلب ولم ترد عليه، ثم إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه لم يعرض لكيفية عدم توافر أركان جريمة إخفاء الأشياء المسروقة المسندة إلى المطعون ضده، كما أنه أيد الحكم الصادر بالبراءة تأسيساً على انتفاء علمه بأن العملات التذكارية المضبوطة متحصلة من جريمة سرقة في حين أن المحكوم عليها نسبت إلى المطعون ضده أنه هو الذي حرضها على السرقة كل ذلك مما يعيب الحكم المطعون فيه ويوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على الحكم الابتدائي الصادر في 6 من ديسمبر سنة 1976 - الذي أخذ الحكم المطعون فيه بأسبابه - أنه أورد ما نصه: "حيث إن الوقائع قد سردها الحكم الصادر من هذه المحكمة بجلسة 19/ 1/ 1976 بما لا ترى معه المحكمة داعياً لإعادة ترديدها وتحيل إليه وتضيف المحكمة عليه أن المجني عليه ادعى مدنياً قبل المتهم الثاني (الطاعن) بصحيفة معلنة إليه بتاريخ 25/ 10/ 1975 طالباً الحكم بإلزامه بدفع تعويض مؤقت قدره 51 ج لارتكابه الجريمة المسندة إليه. وحيث إن المحكمة قضت بجلسة 19/ 1/ 1976 حضورياً بالنسبة للمتهم الثاني وغيابياً بالنسبة للمتهمة الأولى بحبس المتهمة الأولى ثلاثة شهور مع الشغل والنفاذ وبراءة المتهم الثاني، وجاء بأسباب ذلك الحكم أن التهمة المسندة إلى المتهم الثاني من أنه أخفى العملات التذكارية المبينة الوصف والقيمة بالمحضر والمملوكة للمجني عليه، فإن المتهم دفعها بأنه قد اشترى تلك العملات من المتهمة الأولى ولم يكن يعلم أنها متحصلة من جريمة سرقة وبأنه دفع للمتهمة الأولى ثمناً لها أزيد من السعر المدون عليها، وأن المحكمة تطمئن إلى صحة ما أبداه المتهم ويطمئن وجدانها إلى ذلك من أن جريمة الإخفاء تكون غير مكتملة الأركان. وحيث إن النيابة العامة لم تستأنف ذلك الحكم بل استأنفه المدعي بالحق المدني، وقد قضت المحكمة الاستئنافية بإعادة القضية إلى محكمة أول درجة للفصل في الدعوى المدنية التي أغفلت هذه المحكمة الحكم فيها. وحيث إن المحكمة تتقيد بذلك القضاء الصادر من هذه المحكمة بجلسة 19/ 1/ 1976 وتقف عند حد إبرازه في أسباب الحكم.
وحيث إنه لما كانت المحكمة قد انتهت إلى أن جريمة إخفاء الأشياء المسروقة المسندة إلى المتهم الثاني غير مكتملة الأركان، فإنها تكون قد انتهت إلى نفي الخطأ عن المتهم وتكون أركان الدعوى المدنية غير متوافرة ويتعين لذلك رفضها لما كان ذلك، وكانت المحكمة الجنائية لا تختص بالتعويضات المدنية إلا إذا كانت متعلقة بالفعل الجنائي المسند إلى المتهم، فإذا كانت المحكمة قد برأت المتهم من التهمة المسندة إليه لعدم ثبوتها فإن ذلك يستلزم حتماً رفض طلب التعويض لأنه ليس لدعوى التعويض محل عن فعل لم يثبت في حق من نسب إليه، أما الحكم بالتعويض ولو قضى بالبراءة فشرطه ألا تكون البراءة قد بنيت على عدم حصول الواقعة أصلاً أو على عدم صحتها أو عدم ثبوت إسنادها إلى المتهم لأنه في هذه الأحوال لا تملك المحكمة أن تقضي بالتعويض على المتهم لقيام المسئوليتين الجنائية والمدنية معاً على ثبوت حصول الواقعة وصحة إسنادها إلى صاحبها. ولما كان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد أسس قضاءه بالبراءة على عدم توافر أركان جريمة الإخفاء المسندة إلى المطعون ضده فإن هذه الأسباب بذاتها في هذه الحالة تكون أسباباً للحكم برفض دعوى التعويض. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أيد الحكم الصادر برفض الدعوى المدنية لأسبابه، وكان مفاد ذلك أن محكمة ثاني درجة اعتبرت الحكم الابتدائي حائزاً لقوة الشيء المقضي فيه بعدم استئناف النيابة له بحيث يمتنع عليها وهي في سبيل الفصل في الدعوى المدنية المستأنفة أمامها أن تتصدى لبحث عناصر الجريمة ومدى خطأ المجني عليه لتقدير التعويض عن الضرر الذي أصابه، وهذا القول ينطوي على خطأ في تطبيق القانون، ذلك أن المادة 403 من قانون الإجراءات الجنائية تجيز للمدعي بالحقوق المدنية أن يستأنف الحكم الصادر من المحكمة الجزئية في المخالفات والجنح، فيما يختص بحقوقه المدنية وحدها، إن كانت التعويضات المطلوبة تزيد على النصاب الذي يحكم فيه القاضي الجزئي نهائياً وحقه في ذلك قائم لأنه مستقل عن حق النيابة العامة وعن حق المتهم لا يقيده إلا النصاب، ومتى رفع استئنافه كان على المحكمة الاستئنافية أن تعرض لبحث عناصر الجريمة من حيث توافر أركانها وثبوت الفعل المكون لها في حق المتهم من جهة وقوعه وصحة نسبته إليه لترتب على ذلك آثاره القانونية غير مقيدة في ذلك بقضاء محكمة أول درجة، ولا يمنع من هذا كون الحكم في الدعوى الجنائية قد حاز قوة الأمر المقضي، لأن الدعويين الجنائية والمدنية وإن كانتا ناشئتين عن سبب واحد إلا أن الموضوع في كل منهما يختلف عنه في الأخرى مما لا يمكن معه التمسك بحجية الحكم النهائي. لما كان ذلك، فإنه وإن كان الأصل أن على المحكمة الاستئنافية وهي بصدد نظر الاستئناف المرفوع من المدعي بالحقوق المدنية فيما يختص بحقوقه أن تتحرى توافر أركان الجريمة وثبوت الواقعة المكونة لها وصحة نسبتها إلى المطعون ضده غير مقيدة في ذلك بقضاء البراءة الصادر من محكمة أول درجة، إلا أنه لما كان الخطأ القانوني في الحكم القاضي بالبراءة - بفرض ثبوته - لا يعيبه ما دام أن قاضي الموضوع قد عول في تكوين عقيدته بتبرئة المتهم على عدم اطمئنانه إلى ثبوت التهمة في حقه بعد أن ألم بأدلة الدعوى ووزنها ولم يقتنع وجدانه بصحتها مما لا يجوز مع مصادرته في اعتقاده، فإن تعييب الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون - بفرض صحته - يكون غير منتج ويكون النعي في هذا الشأن غير سديد. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن بشأن إغفال الحكم المطعون فيه تهمة الاشتراك في جريمة السرقة مردوداً بأن المحكمة الجنائية غير مقيدة بطلبات المدعي بالحقوق المدنية رافع الدعوى المباشرة وهي بصدد إنزال حكم قانون العقوبات على واقعة الدعوى، وكان يبين من الاطلاع على الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أن محكمة أول درجة قد محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبالأدلة التي قام عليها الاتهام ووازنت بينها وبين أدلة النفي فداخلتها الريبة في عناصر الإثبات وانتهت إلى عدم إدانة المطعون ضده، وكان من المقرر في قضاء محكمة النقض أنه يكفي أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم كي يقضي له بالبراءة إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام الظاهر من الحكم أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة، وكان الحكم قد بين أسانيد البراءة ورفض الدعوى المدنية قبل المطعون ضده بما يحمل قضاءه، وكان لا يعيب الحكم أن تكون المحكمة قد أغفلت الرد على بعض أدلة الاتهام إذ أنها غير ملزمة في حالة القضاء بالبراءة بالرد على كل دليل من أدلة الثبوت ما دام أنها قد رجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة والشك في صحة عناصر الإثبات، ولأن في إغفال التحدث عنها ما يفيد ضمناً أنها أطرحتها ولم تر فيها ما تطمئن معه إلى إدانة المطعون ضده. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً، مع مصادرة الكفالة وإلزام الطاعن بالمصاريف.