مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية - العدد الثاني (من أول فبراير إلى آخر مايو سنة 1957) - صـ 539

(61)
جلسة 23 من فبراير سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 345 لسنة 2 القضائية

( أ ) بدل تخصص المهندسين - سرد لبعض المراحل التشريعية لهذا البدل.
(ب) تيسير - الزيادة المترتبة على تطبيق قواعد التيسير الصادر بها قرار مجلس الوزراء في 17/ 5/ 1950 - خصمها من بدل التخصص - الوضع بعد صدور قانون نظام موظفي الدولة.
1 - وافق مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في 3 من يونيه سنة 1949 عل منح بدل تخصص لمهندسي مصلحة الري ومهندسي طلبات الري والصرف التابعين لمصلحة الميكانيكا والكهرباء بواقع الفئات التي حددها، مع تكليف الوزارات المختلفة أن تدرس حالة المهندسين الذين في حكم مهندسي الري سالفي الذكر بالوزارات والمصالح الأخرى، وتقديم نتيجة البحث للمجلس للنظر في حالتهم. وفي أول يونيه سنة 1950 صدر القانون رقم 67 لسنة 1950 بتقرير بدل تخصص للمهندسين وبفتح اعتمادات إضافية في ميزانية السنة المالية 1949/ 1950، ونص في مادته الأولى على أنه "اعتباراً من أول فبراير سنة 1950 يمنح بدل التخصص طبقاً للفئات التي أقرها مجلس الوزراء بتاريخ 3 يوليه سنة 1949 لجميع المهندسين المشتغلين بأعمال هندسية بحتة الحاصلين على شهادة جامعية أو ما يعادلها وهي ما تؤهل للتعيين في الدرجة السادسة أو الحاصلين على لقب مهندس، وذلك مع مراعاة الشروط التي فرضها قرار مجلس الوزراء الصادر في 28 من ديسمبر سنة 1949 بخصوص وقف صرف بدل التفتيش والمكافأة عن ساعات العمل الإضافية والقرار الصادر من المجلس المذكور بتاريخ 19 من فبراير سنة 1950 الخاص بزيادة إعانة الغلاء ووجوب خصم هذه الزيادة من بدل التخصص، وعلى ألا يجمع بين مرتب التخصص ومرتب الفن. ولمجلس الوزراء أن يضم إلى الكشف المرافق المهندسين الذين تنطبق عليهم هذه الأحكام، وله أن يوقف صرف هذا البدل عند زوال الأسباب التي أوجبت تقريره". وقد شمل الكشف المرافق لهذا القانون مهندسي مصلحة المواني والمنائر. وبجلسة 26 من نوفمبر سنة 1950 وافق مجلس الوزراء على "أن يكون مجموع ما يناله المهندس من ماهية وبدل تخصص معادلاً لماهيته بعلاوات الترقية قبل التيسير مضافاً إليها بدل التخصص المقرر حسب درجته".
2 - إن القواعد التي كان معمولاً بها قبل نفاذ قانون نظام موظفي الدولة كانت تقضي بمنح المهندسين الذين عناهم وعينهم القانون رقم 67 لسنة 1950 بدل تخصص طبقاً للفئات التي أقرها مجلس الوزراء في 3 من يوليه سنة 1949، على أن تخصم من هذا البدل - طبقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر بجلسة 26 من نوفمبر سنة 1950 - الزيادة المترتبة على تطبيق قواعد التيسير الصادر بها قرار المجلس في 17 من مايو سنة 1950، الذي قضى بمنح الموظف المرقى علاوة من علاوات الدرجة المرقى إليها أو بداية الدرجة أيهما أكبر أو بمنحه مربوط الدرجة إن كانت ذات مربوط ثابت، فلما صدر القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة أعاد تنظيم شئون الموظفين عامة وعالج تحديد مرتباتهم ودرجاتهم ورسم قواعد تعيينهم وترقياتهم وعلاواتهم عل نحو جامع شامل، وسن قاعدة تنظيمية تقضي بأن منح الموظف عند التعيين أو الترقية أول مربوط الدرجة المقررة لوظيفته أو علاوتها أو مربوطها الثابت أيها أكبر (م 21 و37)، كما نص على نقل الموظفين الموجودين في الخدمة وقت صدور هذا التشريع إلى الكادر الجديد كل بدرجته ومرتبه، إلا إذا كان المرتب يقل عن البداية في الدرجة الجديدة فيمنحون هذه البداية (م 135)، وبذلك جعل المرتب وحدة واحدة قائمة بذاتها غير مجزأة وذات بداية ثابتة، وأزال العناصر الإضافية كزيادة التيسير التي كانت تدخل في تكوينه في الماضي، فأدمجها فه وجعلها جزءاً أصلياً منه. ولما كان هذا القانون لم يلغ القواعد المتعلقة ببدل التخصص والتي تستمد وجودها من تشريع خاص لا تتعارض أحكامه مع أحكام قانون نظام موظفي الدولة، وكان بدل التخصص هذا علاوة تضاف إلى المرتب الأصلي للموظف للحكمة التي دعت إلى تقريره وهي ترغيب المهندسين في الإقبال على خدمة الحكومة وتشجيع الموجودين منهم على الاستمرار في وظائفهم، وكانت علة الخصم من بدل التخصص قبل العمل بأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 هي حصول الموظف على مزية التيسير لمنع ازدواج المزايا، وهي المزية التي أزال هذا القانون أثرها وأحل محلها مزية جديدة هي بداية مربوط الدرجة التي تقررت لجميع الموظفين على حد سواء، من عين أو رقي منهم قبل أول يوليه سنة 1952 أو بعد هذا التاريخ، فإن الحق في هذا البدل يظل قائماً، وإنما يزول السند القانوني للخصم بعد سريان قانون نظام موظفي الدولة بزوال السبب الذي قام عليه في الماضي قبل نفاذ هذا القانون الذي أنشأ للموظفين مراكز قانونية جديدة ينتفي معها استصحاب العلة القديمة لانقطاع صلتها بالماضي، إذ تقتضي المساواة بين المراكز القانونية المتماثلة عدم التفرقة في المعاملة بين أربابها من أفراد الطائفة الواحدة، فلا يسوغ تقرير ميزة للموظف الأحدث تعييناً أو ترقية على الموظف الأقدم مع تطابق الوضع القانوني لكليهما تطابقاً تاماً من حيث الوظيفة والدرجة وسائر الوجوه الأخرى، الأمر الذي لا يمكن أن يكون قد انصرف إليه قصد الشارع. فإذا ثبت أن المدعي حاصل على دبلوم مدارس الفنون والصناعات في سنة 1931, وأنه عين بمصلحة المواني والمنائر في وظيفة مهندس اعتباراً من أول ديسمبر سنة 1937، ورقي إلى الدرجة الخامسة الفنية من أول يونيه سنة 1949 مع منحه العلاوة المترتبة على هذه الترقية حيث بلغ بها مرتبه 250 م و21 ج شهرياً. وفي 30 من مايو سنة 1950 تقرر منحه اعتباراً من أول مايو سنة 1950، أول مربوط درجته الخامسة وقدره 25 ج شهرياً طبقاً لقواعد التيسير، ثم خفض بدل التخصص المقرر له بمقدار ما أصابه من علاوة التيسير - فإن الحكم المطعون فيه يكون قد صادف الصواب فيما قضى به من إنهاء الخصم من بدل التخصص الذي استحق له اعتباراً من أول يوليه سنة 1952 بمقدار ما ناله من زيادة في المرتب عملاً بقواعد التيسير، ورد ما خصم بالمخالفة لذلك من هذا التاريخ.


إجراءات الطعن

في 18 من فبراير سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 345 لسنة 2 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بالإسكندرية بجلسة 20 من ديسمبر سنة 1955 في الدعوى رقم 1054 لسنة 2 القضائية المقامة من إبراهيم نقولا إبراهيم ضد مصلحة المواني والمنائر، القاضي: "بإنهاء الخصم من بدل التخصص الذي استحق للمدعي اعتباراً من أول يوليه سنة 1952 بمقدار ما ناله من زيادة في المرتب عملاً بقواعد التيسير، ورد ما خصم بالمخالفة لذلك من هذا التاريخ، وما يترتب على ذلك من آثار، مع إلزام الجهة الإدارية بالمصاريف ومبلغ 200 قرش مقابل أتعاب المحاماة". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين، للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه، "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى، وإلزام المدعي المصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى الحكومة في 7 من مارس سنة 1956، وإلى المطعون عليه في 11 منه، وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 26 من يناير سنة 1957، وقد انقضت المواعيد القانونية دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته. وفي 25 من نوفمبر سنة 1956 أعلن الطرفان بميعاد الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقدم المطعون عليه مذكرة انتهى فيها إلى طلب الحكم برفض الطعن، ثم قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 1054 لسنة 2 القضائية أمام المحكمة الإدارية بالإسكندرية بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 14 من يوليه سنة 1955، ذكر فيها أنه مهندس نقابي بمصلحة المواني والمنائر، وأنه رقي إلى الدرجة الخامسة في 30 من يونيه سنة 1949، وكان قبل هذه الترقية يتقاضى مرتباً شهرياً قدره 250 م و17 ج، ونتيجة لترقيته زيد مرتبه بمقدار علاوتين دوريتين فأصبح مرتبه 250 م و21 ج شهرياً، ولدى تطبيق قواعد التيسير منح أول مربوط الدرجة الخامسة ويبلغ 25 ج بإضافة 750 م و3 ج إلى مرتبه. وفي 19 من فبراير سنة 1950 صدر قرار مجلس الوزراء بزيادة إعانة غلاء المعيشة، ثم صدر القانون رقم 67 لسنة 1950 الذي قضى بمنح المهندسين بدل تخصص حسب الفئات المقررة مع مراعاة خصم زيادة إعانة غلاء المعيشة من بدل التخصص. وقد كان من المتعين على المصلحة بناء على ذلك ألا تخصم من بدل التخصص المقرر سوى زيادة إعانة الغلاء، ولكنها قامت بخصم قيمة الزيادة التي أضيفت إلى مرتب المدعي بسبب تطبيق قواعد التيسير وقدرها 750 م و3 ج من بدل التخصص فضلاً عن خصم زيادة إعانة غلاء المعيشة. ولما كان هذا الإجراء قد وقع مخالفاً للقانون فإن المدعي يطلب "الحكم بتسوية مرتبه على أساس قصر الخصم من بدل التخصص على الفرق في زيادة إعانة الغلاء، ورد ما خصمته المصلحة المدعى عليها الأولى زائداً على ذلك عن المدة من أول يوليه سنة 1950 لغاية تاريخ صدور هذا الحكم وصرف المبالغ التي خصمتها المصلحة في المدة المذكورة من بدل التخصص بدون حق، مع إلزام المدعى عليهما في ذلك بالتضامن وإلزامها بالمصاريف وأتعاب المحاماة". وقد ردت المصلحة على هذه الدعوى بأن فئات بدل التخصص التي تمنح للمهندسين إنما تقررت بمقتضى قرار مجلس الوزراء الصادر في 3 من يوليه سنة 1949 كما يتضح من المادة الأولى من القانون رقم 67 لسنة 1950، وأن خصم قيمة الزيادة المرتبة على تطبيق قواعد التيسير وهي 750 م و3 ج من مرتب المدعي لم يكن بناء على منشورات لوزرة المالية وديوان الموظفين، بل تم بناء على قرار مجلس الوزراء الصادر في 26 من نوفمبر سنة 1950، وقد نص القانون رقم 67 لسنة 1950 في الفقرة الثانية من المادة الأولى منه على أن لمجلس الوزراء أن يوقف صرف بدل التخصص عند زوال الأسباب التي أوجبت تقريره. وغني عن البيان أن من يملك وقف الصرف يملك - من باب أولى - الحق في إنقاص قيمة هذا البدل. فإذا كان مجلس الوزراء قد قرر بجلسته المنعقدة في 26 من نوفمبر سنة 1950 "أن يكون مجموع ما يناله المهندس من ماهية وبدل التخصص معادلاً لماهيته بعلاوات الترقية قبل التيسير مضافاً إليها بدل التخصص المقرر حسب درجته"، فإنه لا يكون بذلك قد تجاوز حقه الذي قرره له القانون رقم 67 لسنة 1950. وخلصت المصلحة من هذا إلى أن الدعوى لا تستند إلى أساس من القانون وأنها حقيقة بالرفض. وبجلسة 30 من نوفمبر سنة 1955 قصر المدعي طلباته على إنهاء الخصم من بدل التخصص اعتباراً من أول يوليه سنة 1952 تاريخ العمل بقانون نظام موظفي الدولة استناداً إلى ما ذهب إليه في مذكراته من أن هذا القانون قد نسخ جميع القواعد السابق صدورها في شأن تحديد المرتبات ومن بنيها قواعد التيسير، وأنه قد خلا من أي نص يقضي بخصم الزيادة المترتبة على رفع مرتبه إلى أول المربوط من بدل التخصص. وبجلسة 20 من ديسمبر سنة 1955 قضت المحكمة الإدارية "بإنهاء الخصم من بدل التخصص الذي استحق للمدعي اعتباراً من أول يوليه سنة 1952 بمقدار ما ناله من زيادة في المرتب عملاً بقواعد التيسير ورد ما خصم بالمخالفة لذلك من هذا التاريخ، وما يترتب على ذلك من آثار، مع إلزام الجهة الإدارية المصاريف ومبلغ 200 قرش مقابل أتعاب المحاماة". وأقامت قضاءها على أن القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة قد نص في المادة 21 منه على أن يمنح الموظف عند التعيين أول مربوط الدرجة المقررة للوظيفة أو المرتب الثابت لها. والأثر المباشر لهذه المادة هو أن ما كان يعتبر بمثابة علاوة أضيفت إلى مرتب الموظف بقواعد التيسير أصبح جزءاً من ذات المرتب. وبذلك لم يعد ثمة محل لاستمرار الخصم من بدل التخصص المستحق للمدعي بمقدار ما أصابه من علاوة بقواعد التيسير. وهذا هو الفهم الذي يتمشى مع حكم المادة الثانية من القانون المدني. والقول بخلافه ينبني عليه أن من رقي من الموظفين المستحقين لبدل التخصص قبل العمل بالقانون رقم 210 لسنة 1951 يستمر الخصم من هذا البدل بمقدار ما ناله من زيادة في المرتب عملاً بقواعد التيسير، بينما من رقي منذ أول يوليه سنة 1952 ويستحق أول مربوط الدرجة المرقى إليها لن يخصم من بدل التخصص الذي يتقاضاه إلا ما أفاده من زيادة في إعانة غلاء المعيشة، وهي تفرقة لا يمكن أن يكون المشرع قد قصد إليها. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 18 من فبراير سنة 1956، واستند في أسباب طعنه إلى أن فكرة تقرير بدل التخصص للمهندسين إنما قامت على إيجاد علاج مؤقت لما تعانيه مرافق الدولة من نقص في أفراد هذه الفئة. ومن أجل هذا فوض المشرع في القانون رقم 67 لسنة 1950 مجلس الوزراء في وقف صرف هذا البدل متى زالت الأسباب التي اقتضت تقريره. وقد أدخل المجلس في حسابه عند تقدير فئات البدل المشار إليه ما يناله بعض المهندسين من خير من زاوية أخرى، فقدره لهم منقوصاً بمقدار ما يصيبونه من تحسين بالتطبيق لقاعدة أخرى كقاعدة التيسير؛ إذ قرر تخفيضه بمقدار الزيادة المترتبة على إفادتهم من هذا التيسير، ولا شبهة في أن القانون رقم 67 لسنة 1950 - مكملاً بالقرارات الصادرة تنفيذاً له - لا يزال قائماً لم يلغ، ولم يرد في القانون رقم 210 لسنة 1951 أي نص يتعارض مع نصوصه فلكل من القانونين مجاله. ومن ثم يكون طلب المدعي تقرير استحقاقه صرف بدل التخصص له كاملاً على خلاف المقرر قانوناً في غير محله، كما أن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من استناد إلى حكم المادة 21 من قانون نظام موظفي الدولة يقوم على خطأ في تطبيق هذه المادة؛ إذ أنها تتناول حالة التعيين في حين أن الأمر في شأن المدعي هو ترقية وليس تعييناً، وهذه الترقية قد تمت قبل صدور القانون المذكور؛ وبذلك تخضع للقواعد المعمول بها في شأن الترقيات في ذلك الوقت. وإذا كان ثمة وجه لتطبيق حكم المادة 135 من القانون المشار إليه، فليس من شأن ذلك رفع بدل التخصص السابق تحديده أو تغيير مقداره: لأن هذا البدل إنما يستمد وجوده ومقداره من قواعد أخرى منبتة الصلة بقانون نظام موظفي الدولة الذي لم يتناول هذه القواعد بالإلغاء أو التعديل، هذا إلى أن ما انتهى إليه الحكم ينطوي على مخالفة صريحة لأحكام قراري مجلس الوزراء الصادرين في 18 من أغسطس و8 من أكتوبر سنة 1952 اللذين أوجبا خصم الزيادة المترتبة على تنفيذ النظام الجديد للموظفين من إعانة غلاء المعيشة؛ إذ لو اعتبر المدعي أنه لم يصل إلى بداية مربوط درجته على خلاف حقيقة مركزه، فإن رفع راتبه إلى هذا الحد بالتطبيق للقانون لن يفيده شيئاً، حيث ستخصم الزيادة وهي تقابل في مجموعها ما يطالب به من إعانة الغلاء. ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون، وتكون قد قامت به حالة من حالات الطعن في الأحكام أمام المحكمة الإدارية العليا. وانتهى السيد رئيس هيئة المفوضين من هذا إلى طلب "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وإلزام المدعي المصروفات". وقد قدم المدعي بجلسة 26 من يناير سنة 1957 مذكرة بملاحظاته قال فيها: إن القانون رقم 210 لسنة 1951 قضى على القواعد المقررة بالتشريعات القديمة في شأن تحديد الدرجات ومرتباتها، وجعل المرتب وحدة قائمة بذاتها، وأوجب نقل الموظف القديم إلى الكادر الجديد، ومنحه الفرق الذي يوصله إلى أول المربوط. ومقتضى هذا أن مرتب المدعي بعد أن كان في التشريع القديم عبارة عن مرتبه الفعلي مضافاً إليه بدل التيسير، أصبح في حكم التشريع الجديد مرتباً قائماً بذاته لا صلة له بالماضي وله بداية ثابت. وإذا كان قانون نظام موظفي الدولة قد نسخ كافة التشريعات القديمة المتعلقة بالموظفين فإنه لم يمس قانون بدل التخصص؛ إذ أن هذا القانون لا يزال قائماً ونافذاً لعدم تعارضه مع قانون التوظف. ولما كان بدل التيسير قد زال بالقانون الجديد، وأصبح ما يتقاضاه الموظف من مرتب ثابت هو بداية الدرجة، فلم يعد ثمة محل لتطبيق قاعدة خصم هذا البدل من بدل التخصص؛ ذلك أن قانون بدل التخصص، وإن كان قائماً بالنسبة إلى تقريره، إلا أنه أصبح غير قائم بالنسبة إلى ما تضمنه خاصاً بخصم بدل التيسير منه. وخلص من هذا إلى طلب الحكم برفض الطعن.
ومن حيث إنه يؤخذ مما تقدم أن مثار المنازعة هو ما إذا كان القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة قد أنشأ منذ العمل بأحكامه مراكز قانونية جديدة للموظفين الذين تشملهم هذه الأحكام، بحيث أصبح لا يجوز اعتباراً من أن أول يوليه سنة 1952 إعمال ما قضى به قرار مجلس الوزراء الصادر في 26 من نوفمبر سنة 1950، فيما يتعلق بتخفيض بدل التخصص المقرر لطائفة المهندسين بمقدار الزيادة المترتبة على تطبيق قواعد التيسير، وذلك بالنسبة إلى من رفع القانون المشار إليه مرتباتهم وبالقدر الذي اتحد فيه هذا الرفع من زيادة التيسير، بمعنى أن يعامل المهندس الذي انتفع بمزايا التيسير قبل أول يوليه سنة 1952 معاملة أمثاله الذي يعينون ابتداء من هذا التاريخ في مثل درجته وبمثل مرتبه ممن لم يفيدوا من تلك المزايا، فلا يجرى على بدل التخصص المقرر له خصم أسوة بهم على قدم المساواة، أم أن هذا الخصم يظل سارياً في حقه باستصحاب علة التيسير إلى ما بعد العمل بقانون نظام موظفي الدولة، فيترتب على إفادته من قواعد التيسير أن يصبح أسوأ حالاً من المهندس الأحدث منه عهداً الذي لم يفد من تلك القواعد؟.
ومن حيث إن مجلس الوزراء وافق بجلسته المنعقدة في 3 من يوليه سنة 1949 على منح بدل تخصص لمهندسي مصلحة الري ومهندسي طلمبات الري والصرف التابعين لمصلحة الميكانيكا والكهرباء بواقع الفئات التي حددها، مع تكليف الوزارات المختلفة أن تدرس حالة المهندسين الذين في حكم مهندسي الري سالفي الذكر بالوزارات والمصالح الأخرى وتقديم نتيجة البحث للمجلس للنظر في حالتهم. وفي أول يونيه سنة 1950 صدر القانون رقم 67 لسنة 1950 بتقرير بدل تخصص للمهندسين وبفتح اعتمادات إضافية في ميزانية السنة المالية 1949/ 1950، ونص في مادته الأولى على أنه "اعتباراً من أول فبراير سنة 1950 يمنح بدل التخصص طبقاً للفئات التي أقرها مجلس الوزراء بتاريخ 3 من يوليه سنة 1949 لجميع المهندسين المشتغلين بأعمال هندسية بحتة الحاصلين على شهادة جامعية أو ما يعادلها وهي ما تؤهل للتعيين في الدرجة السادسة أو الحاصلين على لقب مهندس، وذلك مع مراعاة الشروط التي فرضها قرار مجلس الوزراء الصادر في 28 من ديسمبر سنة 1949 بخصوص وقف صرف بدل التفتيش والمكافأة عن ساعات العمل الإضافية والقرار الصادر من المجلس المذكور بتاريخ 19 فبراير سنة 1950 الخاص بزيادة إعانة الغلاء ووجوب خصم هذه الزيادة من بدل التخصص، وعلى ألا يجمع بين مرتب التخصص، ومرتب الفن. ولمجلس الوزراء أن يضم إلى الكشف المرافق المهندسين الذين تنطبق عليهم هذه الأحكام، وله أن يوقف صرف هذا البدل عند زوال الأسباب التي أوجبت تقريره". وقد شمل الكشف المرافق لهذا القانون مهندسي مصلحة المواني والمنائر. وبجلسة 26 من نوفمبر سنة 1950 وافق مجلس الوزراء على "أن يكون مجموع ما يناله المهندس من ماهية وبدل تخصص معادلاً لماهيته بعلاوات الترقية قبل التيسير مضافاً إليها بدل التخصص المقرر حسب درجته". وقد نصت المادة 135 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة في فقرتها الأولى على أن "ينقل الموظفون إلى الكادر الجديد الملحق بهذا القانون كل بدرجته ومرتبه إلا إذا كان المرتب يقل عن البداية في الدرجة الجديدة فيمنحون هذه البداية" وجاء في جدول الدرجات والمرتبات المرافق للقانون المذكور أن مرتب الدرجة الخامسة من درجات الموظفين الداخلين في الهيئة في كل من الكادر الفني العالي والإداري والكادرين الكتابي والفني المتوسط هو (300 - 420 ج) سنوياً. كما نصت المادة 21 من القانون المشار إليه على أن "يمنح الموظف عند التعيين أول مربوط الدرجة المقررة للوظيفة أو المربوط الثابت على الوجه الوارد بجدول الدرجات والمرتبات الملحق بهذا القانون...". كذلك نصت المادة 37 منه على أن "كل ترقية تعطي الحق في علاوة من علاوات الدرجة المرقى إليها الموظف أو بدايتها أو مربوطها الثابت أيها أكبر...".
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن القواعد التي كان معمولاً بها قبل نفاذ قانون نظام موظفي الدولة كانت تقضي بمنح المهندسين الذين عناهم وعينهم القانون رقم 67 لسنة 1950 بدل تخصص طبقاً للفئات التي أقرها مجلس الوزراء في 3 من يوليه سنة 1949 على أن تخصم من هذا البدل دون ريب - طبقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر بجلسة 26 من نوفمبر سنة 1950 - الزيادة المرتبة على تطبيق قواعد التيسير الصادر بها قرار المجلس في 17 من مايو سنة 1950 الذي قضى بمنح الموظف المرقى علاوة من علاوات الدرجة المرقى إليها أو بداية الدرجة أيهما أكبر أو بمنحه مربوط الدرجة إن كانت ذات مربوط ثابت. فلما صدر القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، أعاد تنظيم شئون الموظفين عامة وعالج تحديد مرتباتهم ودرجاتهم ورسم قواعد تعيينهم وترقياتهم وعلاواتهم على نحو جامع شامل وسن قاعدة تقضي بأن يمنح الموظف عند التعيين أو الترقية أول مربوط الدرجة المقررة لوظيفته أو علاواتها أو مربوطها الثابت أيها أكبر، كما نص على نقل الموظفين الموجودين في الخدمة وقت صدور هذا التشريع إلى الكادر الجديد كل بدرجته ومرتبه، إلا إذا كان المرتب يقل عن البداية في الدرجة الجديدة فيمنحون هذه البداية؛ وبذلك جعل المرتب وحدة واحدة قائم بذاتها غير مجزأة وذات بداية ثابتة، وأزال العناصر الإضافية كزيادة التيسير التي كانت تدخل في تكوينه في الماضي، فأدمجها فيه وجعلها جزءاً أصلياً منه، ولما كان هذا القانون لم يلغ القواعد المتعلقة ببدل التخصص والتي تستمد وجودها من تشريع خاص لا تتعارض أحكامه مع أحكام قانون نظام موظفي الدولة، وكان بدل التخصص هذا علاوة تضاف إلى المرتب الأصلي للموظف للحكمة التي دعت إلى تقريره، وهي ترغيب المهندسين في الإقبال على خدمة الحكومة، وتشجيع الموجودين منهم على الاستمرار في وظائفهم، وكانت علة الخصم من بدل التخصص قبل العمل بأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951، هي حصول الموظف على مزية التيسير لمنع ازدواج المزايا، وهي المزية التي أزال هذا القانون أثرها، وأحل محلها مزية جديدة هي بداية مربوط الدرجة التي تقررت لجميع الموظفين على حد سواء، من عين أو رقي منهم قبل أول يوليه سنة 1952 أو بعد هذا التاريخ، فإن الحق في هذا البدل يظل قائماً، وإنما يزول السند القانوني للخصم بعد سريان قانون نظام موظفي الدولة بزوال السبب الذي قام عليه في الماضي قبل نفاذ هذا القانون الذي أنشأ للموظفين مراكز قانونية جديدة ينتفي معها استصحاب العلة القديمة لانقطاع صلتها بالماضي؛ إذ تقتضي المساواة بين المراكز القانونية المتماثلة عدم التفرقة في المعاملة بين أربابها من أفراد الطائفة الواحدة، فلا يسوغ تقرير ميزة للموظف الأحدث تعييناً أو ترقية على الموظف الأقدم مع تطابق الوضع القانوني لكليهما تطابقاً تاماً من حيث الوظيفة والدرجة وسائر الوجوه الأخرى. الأمر الذي لا يمكن أن يكون قد انصرف إليه قصد الشارع.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المدعي حاصل على دبلوم مدارس الفنون والصناعات في سنة 1931، وأنه عين بمصلحة المواني والمنائر في وظيفة مهندس اعتباراً من أول ديسمبر سنة 1937، ورقي إلى الدرجة الخامسة الفنية من أول يونيه سنة 1949 مع منحه العلاوة المترتبة على هذه الترقية حيث بلغ بها مرتبه 250 م، و21 ج شهرياً، وبناء على القرار الوزاري رقم 154 الصادر في 30 من مايو سنة 1950 تقرر منحه اعتباراً من أول مايو سنة 1950 أول مربوط درجته الخامسة وقدره 25 ج شهرياً طبقاً لقواعد التيسير، ثم خفض بدل التخصص المقرر له بمقدار ما أصابه من علاوة التيسير؛ ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه، يكون قد صادف الصواب فيما قضى به من إنهاء الخصم من بدل التخصص الذي استحق للمدعي اعتباراً من أول يوليه سنة 1952 بمقدار ما ناله من زيادة في المرتب عملاً بقواعد التيسير، ورد ما خصم بالمخالفة لذلك من هذا التاريخ ويكون الطعن في غير محله، متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.