أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 31 - صـ 407

جلسة 17 من مارس سنة 1980

برياسة السيد المستشار حسن علي المغربي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: شرف الدين خيري، ومصطفى جميل مرسي، وفوزي أسعد، وهاشم قراعة.

(75)
الطعن رقم 2114 لسنة 49 القضائية

(1) فاعل أصلي. قصد جنائي. جريمة "أركانها". قتل عمد. سبق إصرار. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الفاعل. في حكم المادة 39 من قانون العقوبات؟
الفاعل مع غيره. هو بالضرورة شريك. وإلا فلا يسأل إلا عن فعله وحده. متى يتحقق قصد المساهمة؟
القصد الجنائي أمر باطني. يضمره الجاني. العبرة فيه بما يستظهره الحكم من الوقائع مما تستفاد منه نية التدخل في اقتراف جريمة قتل.
مثال لتسبيب سائغ في إثبات مسئولية الطاعنين. عن جريمة قتل عمد. بوصف كل فاعلاً أصلياً. بغض النظر عن الإصابة التي أحدثها.
(2) قصد جنائي. جريمة "أركانها". قتل عمد. سبق إصرار. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
قصد القتل. أمر خفي. لا يدرك بالحس الظاهر. مثال لتسبيب سائغ في استظهاره في جريمة قتل عمد.
(3) إثبات. "بوجه عام". قتل عمد. سبق إصرار.
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي.
(4) إثبات "بوجه عام". "شهادة". قتل عمد. سبق إصرار.
وزن أقوال الشهود. موضوعي. مفاد أخذ المحكمة بالشهادة؟
(5) إثبات "بوجه عام". "شهادة". قتل عمد. سبق إصرار.
حق محكمة الموضوع. في الأخذ بأقوال الشاهد. في أية مرحلة. لا يشترط في الشهادة. أن ترد على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها. مؤدى تساند الأدلة في المواد الجنائية؟
(6) قصد جنائي. جريمة "أركانها". قتل عمد. سبق إصرار.
جواز نشوء نية القتل. إثر مشادة وقتية.
(7) إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". قتل عمد.
بيان الحكم واقعة الدعوى. وإيراد مؤدى أقوال الشهود ونقله من تقرير الصفة التشريحية. أن المجني عليه أصيب بجرحين. الادعاء بأنه لم يصب إلا بإصابة واحدة. وفي غير مقتل. غير سديد.
(8) إثبات. "بوجه عام". "شهادة". "خبرة". قتل عمد.
كفاية أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني.
(9) إثبات "بوجه عام". "معاينة". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". قتل عمد.
طلب إجراء المعاينة. لا يثار لأول مرة أمام محكمة للنقض.
(10) دفوع "الدفع بتعذر الرؤية". إثبات. "بوجه عام" قتل عمد.
الدفع بتعذر الرؤية وتحديد الضاربين. موضوعي. لا يستلزم رداً. ما دام الرد مستفاداً من القضاء بالإدانة.
تقدير أدلة الدعوى. موضوعي.
1 - لما كانت المادة 39 من قانون العقوبات قد نصت على أنه "يعد فاعلاً للجريمة (أولاً) من يرتكبها وحده أو مع غيره (ثانياً) من يدخل في ارتكابها إذا كانت تتكون من جملة أفعال فيأتي عمداً عملاً من الأعمال المكونة لها" والبين من نص هذه المادة في صريح لفظه وواضح دلالته ومن الأعمال التحضيرية المصاحبة له ومن المصدر التشريعي الذي استمد منه وهو المادة 39 من القانون الهندي أن الفاعل إما أن ينفرد بجريمته أو يسهم معه غيره في ارتكابها فإذا أسهم فإما أن يصدق على فعله وحده وصف الجريمة التامة وإما أن يأتي عمداً عملاً تنفيذياً فيها إذا كانت الجريمة تتركب من جملة أفعال سواء بحسب طبيعتها أو طبقاً لخطة تنفيذها، وحينئذ يكون فاعلاً مع غيره إذا صحت لديه نية التدخل في ارتكابها، ولو أن الجريمة لم تتم بفعله وحده بل تمت بفعل واحد أو أكثر ممن تدخلوا معه فيها عرف أو لم يعرف اعتباراً بأن الفاعل مع غيره هو بالضرورة شريك يجب أن يتوافر لديه - على الأقل - ما يتوافر لدى الشريك من قصد المساهمة في الجريمة وإلا فلا يسأل إلا عن فعله وحده، ويتحقق حتماً قصد المساهمة في الجريمة أو نية التدخل فيها إذا وقعت نتيجة لاتفاق بين المساهمين ولو لم ينشأ إلا لحظة تنفيذ الجريمة تحقيقاً لقصد مشترك هو الغاية النهائية من الجريمة أي أن يكون كل منهم قَصَدَ قصد الآخر في إيقاع الجريمة المعينة وأسهم فعلاً بدور في تنفيذها بحسب الخطة التي وضعت أو تكونت لديهم فجأة - وإن لم يبلغ دوره على مسرحها حد الشروع، ولما كان القصد أمراً باطنياً يضمره الجاني وتدل عليه بطريق مباشر أو غير مباشر الأعمال المادية المحسوسة التي تصدر عنه، فإن العبرة هي بما يستظهره الحكم من الوقائع التي تشهد لقيامه، ولما كانت نية تدخل الطاعنين في اقتراف جريمة قتل المجني عليه تحقيقاً لقصدهم المشترك تستفاد من نوع الصلة بين المتهمين والمعية بينهم في الزمان والمكان وصدورهم في مقارفة الجريمة عن باعث واحد واتجاههم جميعاً وجهة واحدة في تنفيذها بالإضافة إلى وحدة الحق المعتدى عليه وهو ما لم يقصر الحكم في استظهاره حسبما تقدم بيانه، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد، وفوق ذلك فإنه لما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت أن المتهمين الخمسة قد انهالوا معاً على المجني عليه ضرباً وطعناً بالسكاكين والمدى بقصد إزهاق روحه وأنهم أحدثوا به جملة إصابات في رأسه وصدره وظهره وأن الإصابات مجتمعة بين طعنية وقطعية قد ساهمت في إحداث الوفاة بما أحدثته من كسور ونزيف وصدمة عصبية فإن كلاً منهم يكون مسئولاً عن جريمة القتل العمد بوصفه فاعلاً أصلياً بغض النظر عن الإصابة التي أحدثها.
2 - لما كان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر نية القتل في قوله: "وحيث إنه عن قصد القتل فهو متوافر في حق المتهمين من استعمالهم آلات قاتلة بطبيعتها (سكاكين ومدى) واستهدافهم مقاتل المجني عليه كما أن تعدد الضربات المحدثة للجروح الطعنية والقطعية يقطع بقيام نية إزهاق روحه لديهم". وإذ كان هذا الذي استخلصته المحكمة من ظروف الدعوى وملابساتها هو استخلاص سائغ وكاف في التدليل على ثبوت توافر نية القتل لدى الطاعن فإنه لا محل للنعي عليه في هذا الصدد.
3 - من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصاً سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.
4 - من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم، وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
5 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال الشاهد بالتحقيقات ولو خالفت أقواله أمامها، ولما كان الأصل أنه لا يشترط في شهادة الشاهد أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفي أن يكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدي إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه محكمة الموضوع يتلاءم به ما قاله الشاهد بالقدر الذي رواه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها، وكان لا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزيئات الدعوى، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة ولا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعتها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه. لما كان ذلك فإن ما يثيره الطاعن من أن الشاهد....... لم يكن قد تعرف عليه وأن الشاهدة....... والتي لم تكن قد تعرفت عليه هي الأخرى قد عدلت عن أقوالها أمام المحكمة لا يكون له محل.
6 - من المقرر أنه لا مانع قانوناً من اعتبار نية القتل إنما نشأت لدى الجاني إثر مشادة وقتية كما أن الباعث على الجريمة ليس ركناً من أركانها أو عنصراً من عناصرها.
7 - متى كان الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة القتل العمد التي دان بها الطاعن وأورد مؤدى أقوال شهود الإثبات نقل عن تقرير الصفة التشريحية "أن المجني عليه أصيب بجرحين قطعيين مرضوضي الحواف بيسار الجبهة ومتوسط فروة الرأس وتحتها كسور شقيه بالعظام ومثلهما يحدث من ضربتين مستقلتين بآلة صلبة ثقيلة نوعاً ذات حافة حادة كبلطة أو ما في حكم ذلك، وبجرح قطعي بيسار خلفية فروة الرأس ويحدث من فعل آلة صلبة ذات حافة حادة ولا يوجد ما ينفي احتمال حصوله من مثل السكين المضبوط، وبأربعة جروح طعنية وقطعية مستوية الحواف بخلفية الكتف الأيسر وبخلفية يسار الصدر وبيسار الصدر ومثلها يحدث من أربعة طعنات بآلة صلبة ذات حافة حادة مدببة الطرف كمطواة أو سكين أو ما في حكم ذلك وتعزى الوفاة إلى الإصابات الموصوفة مجتمعة وما أحدثته من كسور بعظام الرأس وتهتك ونزيف بالمخ وقطع بالكلية اليسرى ونزيف داخلي وصدمة عصبية"، فإن ما يدعيه الطاعن من أن المجني عليه لم يصب إلا بإصابة واحدة وفي غير مقتل يكون غير سديد.
8 - لما كان الأصل هو أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق، وكان الطاعن لا ينازع في أن ما أورده الحكم من أقوال الشهود وما نقله عن تقرير الصفة التشريحية له معينه الصحيح من الأوراق فإن ما أورده الحكم من دليل قولي لا يتناقض مع ما نقله من الدليل الفني بل يتلاءم معه ويكون ما يثيره الطاعن من وجود تناقض بينهما غير سديد.
9 - متى كان الثابت من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن لم يطلب إلى المحكمة إجراء معاينة لمكان الحادث بل اقتصر في مرافعته على التشكيك في أقوال شهود الإثبات فإنه لا يحق له من بعد أن يثير هذا الأمر لأول مرة أمام محكمة النقض.
10 - متى كان الدفع بتعذر الرؤية وتحديد الضاربين يعد من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب في الأصل من المحكمة رداً صريحاً ما دام الرد مستفاداً ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي يوردها الحكم، وأن تقدير أدلة الدعوى من إطلاقات محكمة الموضوع التي لها أن تكون عقيدتها من كافة عناصر الدعوى المطروحة على بساط البحث، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد لا يكون له محل.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من (1) ....... (2) ....... (الطاعن الأول). (3) ....... (الطاعن الثاني). (4) ....... (5) ....... بأنهم: قتلوا....... عمداً مع سبق الإصرار بأن اصطحبوا إحدى الساقطات إلى المزارع وأعدوا أسلحة "بلطة ومدى وسكاكين" عاقدين العزم على قتل من يعترض طريقهم وما أن عارضهم المجني عليه حتى قيدوه وانهالوا عليه ضرباً وطعناً بما معهم من أسلحة قاصدين من ذلك قتله فأحدثوا به الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، فقرر ذلك. ومحكمة جنايات طنطا قضت حضورياً بالنسبة لكل من الطاعنين وغيابياً للآخرين في عملاً بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات أولاً. بمعاقبة المتهم الأول بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة. ثانياً. بمعاقبة المتهمين الثاني والثالث (الطاعنين) والرابع والخامس بالأشغال الشاقة لمدة اثنتي عشرة سنة. فطعن المحكوم عليهما الثاني والثالث في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

(أولاً) عن الطعن المقدم من الطاعن الأول:
حيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعن الأول (........) هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانه وأربعة آخرين بجريمة القتل العمد قد شابه الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب، ذلك بأنه - وقد انتفى سبق الإصرار كان جديراً به أن يأخذ كل منهم بما اقترف وأن يحدد الإصابات التي أحدثها ومواضعها لأن بعضها لا يحدث الوفاة فلا يسأل محدثها عن جناية القتل العمد بما تستلزمه من قصد خاص لم يدلل الحكم تدليلاً سائغاً على توافره في حق كل منهم، كما استندت المحكمة - من بين ما استندت إليه - في قضائها بالإدانة - إلى أقوال شاهدين هما..... و..... رغم أن أولهما لم يكن قد تعرف على الطاعن وأن الشاهدة الثانية عدلت في جلسة المحاكمة عن أقوالها التي أدلت بها في التحقيقات، ولم يعن الحكم بالرد على ما أثاره الدفاع من أن أقوالها كانت نتيجة التأثير والإكراه من رجال الشرطة وأنها لم تتعرف عند حدوث الواقعة على أي من مرتكبيها مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "بأنه حوالي الساعة الواحدة والنصف من صباح يوم 14/ 5/ 1972 كان المجني عليه...... يتواجد في حقله وبصحبته ابنه..... وابن أخته...... وابن خالته..... لحراسة زراعته ومنع نزول أحد ممن اعتادوا اصطحاب بعض النسوة الساقطات إلى حقله ليلاً فشاهدوا بعض الأشخاص قادمين إلى الحقل ومعهم إحدى النساء وعندما اعترض المجني عليه ومن معه طريقهم طالبين منهم الابتعاد عن الحقل وقذفوا عليهم بعض الحجارة أطلق أحدهم عليهم عيارين ناريين في الهواء بقصد الإرهاب فهرب المجني عليه ومرافقوه إلى كازينو الجزيرة الكائن بالقرب من الحقل واحتموا داخله إلا أن المتهم....... و....... و........ (الطاعنين الأول والثاني) و....... و........ اقتحموا الكازينو وأخرجوا المجني عليه من أسفل منضدة كان يختبئ تحتها وانهالوا عليه ضرباً بالسكاكين والمدى قاصدين من ذلك قتله فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته". وأورد الحكم على ثبوت هذه الواقعة أدلة مستقاة من أقوال كل من...... و...... و...... و...... و...... في التحقيقات ومما جاء بتقرير الصفة التشريحية وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكانت المادة 39 من قانون العقوبات قد نصت على أنه "يعد فاعلاً للجريمة (أولاً) من يرتكبها وحده أو مع غيره (ثانياً) من يدخل في ارتكابها إذا كانت تتكون من جملة أفعال فيأتي عمداً عملاً من الأعمال المكونة لها" والبين من نص هذه المادة في صريح لفظه وواضح دلالته ومن الأعمال التحضيرية المصاحبة له ومن المصدر التشريعي الذي استمد منه وهو المادة 39 من القانون الهندي أن الفاعل إما أن ينفرد بجريمته أو يسهم معه غيره في ارتكابها فإذا أسهم فإما أن يصدق على فعله وحده وصف الجريمة التامة وإما أن يأتي عمداً عملاً تنفيذياً فيها إذا كانت الجريمة تتركب من جملة أفعال سواء بحسب طبيعتها أو طبقاً لخطة تنفيذها، وحينئذ يكون فاعلاً مع غيره إذا صحت لديه نية التدخل في ارتكابها، ولو أن الجريمة لم تتم بفعله وحده بل تمت بفعل واحد أو أكثر ممن تدخلوا معه فيها عرف أو لم يعرف اعتباراً بأن الفاعل مع غيره هو بالضرورة شريك يجب أن يتوافر لديه - على الأقل - ما يتوافر لدى الشريك من قصد المساهمة في الجريمة وإلا فلا يسأل إلا عن فعله وحده، ويتحقق حتماً قصد المساهمة في الجريمة أو نية التدخل فيها إذا وقعت نتيجة لاتفاق بين المساهمين ولو لم ينشأ إلا لحظة تنفيذ الجريمة تحقيقاً لقصد مشترك هو الغاية النهائية من الجريمة أي أن يكون كل منهم قَصَدَ قصد الآخر في إيقاع الجريمة المعينة وأسهم فعلاً بدور في تنفيذها بحسب الخطة التي وضعت أو تكونت لديهم، فجأة - وإن لم يبلغ دوره على مسرحها حد الشروع. ولما كان القصد أمراً باطنياً يضمره الجاني وتدل عليه بطريق مباشر أو غير مباشر الأعمال المادية المحسوسة التي تصدر عنه، فإن العبرة هي بما يستظهره الحكم من الوقائع التي تشهد لقيامه، ولما كانت نية تدخل الطاعنين في اقتراف جريمة قتل المجني عليه تحقيقاً لقصدهم المشترك تستفاد من نوع الصلة بين المتهمين والمعية بينهم في الزمان والمكان وصدورهم في مقارفة الجريمة عن باعث واحد واتجاههم جميعاً وجهة واحدة في تنفيذها بالإضافة إلى وحدة الحق المعتدى عليه وهو ما لم يقصر الحكم في استظهاره حسبما تقدم بيانه، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد، وفوق ذلك فإنه لما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت أن المتهمين الخمسة قد انهالوا معاً على المجني عليه ضرباً وطعناً بالسكاكين والمدى بقصد إزهاق روحه وأنهم أحدثوا به جملة إصابات في رأسه وصدره وظهره وأن الإصابات مجتمعة بين طعنية وقطعية قد ساهمت في إحداث الوفاة بما أحدثته من كسور ونزيف وصدمة عصبية فإن كلاً منهم يكون مسئولاً عن جريمة القتل العمد بوصفه فاعلاً أصلياً بغض النظر عن الإصابة التي أحدثها. لما كان ذلك، وكان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر نية القتل في قوله: "وحيث إنه عن قصد القتل فهو متوافر في حق المتهمين من استعمالهم آلات قاتلة بطبيعتها (سكاكين ومدى) واستهدافهم مقاتل المجني عليه كما أن تعدد الضربات المحدثة للجروح الطعنية والقطعية يقطع بقيام نية إزهاق روحه لديهم" وإذ كان هذا الذي استخلصته المحكمة من ظروف الدعوى وملابساتها هو استخلاص سائغ وكاف في التدليل على ثبوت توافر نية القتل لدى الطاعن فإنه لا محل للنعي عليه في هذا الصدد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم، وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وإذ كان الطاعن لا ينازع في صحة ما أورده الحكم لدى بيانه واقعة الدعوى وتحصيله مؤدى أقوال...... و...... من أنهما شهدا بأن المتهمين الخمسة اقتحموا المكان الذي احتمى فيه المجني عليه وانهالوا عليه ضرباً وطعناً بالسكاكين الكبيرة والمدى قاصدين قتله حتى فارق الحياة وأن هذين الشاهدين قد تعرفا على شخصية المتهم الثاني (الطاعن) وأيضاً على المتهمين الرابع والخامس، ولم يرد بالحكم أن أياً من الشاهدين....... و....... قد تعرف على الطاعن فقد أورد أن الأول تعرف على المتهمين الأول والثالث وأن الثانية لم تتعرف إلا على المتهم الأول، وقد عرض الحكم لعدول هذه الشاهدة عن أقوالها بجلسة المحاكمة بقوله "إن المحكمة لا تطمئن إلى أقوال شاهدة الإثبات...... بجلسة المحاكمة لأن ما ذكرته الشاهدة المذكورة في التحقيقات قد تأيد بالدليل الفني المستمد من إصابتها والمتهم الأول نتيجة قذف الحجارة عليهما أثناء تواجدهما بحقل المجني عليه ليلة الحادث". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال الشاهد بالتحقيقات ولو خالفت أقواله أمامها، وكان الأصل أنه لا يشترط في شهادة الشاهد أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفي أن يكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدي إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه محكمة الموضوع يتلاءم به ما قاله الشاهد بالقدر الذي رواه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها، وكان لا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزيئات الدعوى، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة ولا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه. لما كان ذلك فإن ما يثيره الطاعن من أن الشاهد..... لم يكن قد تعرف عليه وأن الشاهدة..... والتي لم تكن قد تعرفت عليه هي الأخرى قد عدلت عن أقوالها أمام المحكمة لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعه الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان بها الطاعن وأورد على ثبوتها في حقه أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، فإن كافة ما يثيره الطاعن ينحل في حقيقته إلى جدل موضوعي في تقدير أدلة الدعوى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن هذا الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
(ثانياً) عن الطعن المقدم من الطاعن الثاني:
وحيث إن الطاعن الثاني (.......) ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه وأربعة آخرين بجريمة القتل العمد قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وانطوى على إخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه لم يستظهر في حق الطاعن ما يرتب مساءلته كفاعل أصلى للجريمة التي دانه بها ولم يدلل على توافر نية القتل في حقه وكان على المحكمة وقد خلت الأوراق مما يدعو المتهمين إلى قتل المجني عليه أن تعتبر الواقعة ضرباً أفضى إلى الموت وتسائل كلاً منهم عما وقع منه خاصة وأن التقرير الطبي الشرعي أثبت أن بجثة المجني عليه إصابة واحدة وفي غير مقتل، كما أقام الحكم قضاءه بالإدانة على تطابق الدليلين القولي والفني رغم أن أحداً من الشهود لم يقل بأن المتهمين كانوا يحملون "بلطة" أحدثت الإصابة التي أوردها التقرير الطبي الشرعي، وأخيراً فقد التفت الحكم عما أثاره الدفاع في شأن استحالة رؤية الشهود لواقعة الاعتداء وهم في الأماكن التي كانوا مختبئين فيها وأغفل الرد على ما طلبه من إجراء معاينة لمكان الحادث تحقيقاً لهذا الدفاع، مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه من المقرر أنه لا مانع قانوناً من اعتبار نية القتل إنما نشأت لدى الجاني إثر مشادة وقتية كما أن الباعث على الجريمة ليس ركناً من أركانها أو عنصراً من عناصرها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة القتل العمد التي دان بها الطاعن وأورد مؤدى أقوال شهود الإثبات نقل عن تقرير الصفة التشريحية "أن المجني عليه أصيب بجرحين قطعيين مرضوضي الحوافي بيسار الجبهة وبمتوسط مؤخر فروة الرأس وتحتها كسور شقية بالعظام ومثلهما يحدث من ضربتين مستقلتين بآلة صلبة ثقيلة نوعاً ذات حافة حادة كبلطة أو ما في حكم ذلك، وبجرح قطعي بيسار خلفية فروق الرأس ويحدث من نصل آلة صلبة ذات حافة حادة ولا يوجد ما ينفي احتمال حصوله من مثل السكين المضبوط، وبأربعة جروح طعنية وقطعية مستوية الحوافي بخلفية الكتف الأيسر وبخلفية يسار الصدر وبيسار الظهر ومثلها يحدث من أربعة طعنات بآلة صلبة ذات حافة حادة مدببة الطرف كمطواة أو سكين أو ما في حكم ذلك وتعزي الوفاة إلى الإصابات الموصوفة مجتمعة وما أحدثته من كسور بعظام الرأس وتهتك ونزيف بالمخ وقطع بالكلية اليسرى ونزيف داخلي وصدمة عصبية" فإن ما يدعيه الطاعن من أن المجني عليه لم يصب إلا بإصابة واحدة وفي غير مقتل يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان ما ينعاه الطاعن على الحكم من قصور في استظهار ماهية الأفعال التي ساهم بها في ارتكاب الجريمة ومنازعته في توافر نية القتل في حقه قد سبق تناوله والرد عليه عند بحث أوجه الطعن المقدم من الطاعن الأول ومن ثم فإن تعييب الحكم بالقصور في هذا الصدد يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان الأصل هو أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق، وكان الطاعن لا ينازع في أن ما أورده الحكم من أقوال الشهود وما نقله عن تقرير الصفة التشريحية له معينه الصحيح من الأوراق فإن ما أورده الحكم من دليل قولي لا يتناقض مع ما نقله من الدليل الفني بل يتلاءم معه ويكون ما يثيره الطاعن من وجود تناقض بينهما غير سديد. لما كان ذلك، وكان الثابت من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن لم يطلب إلى المحكمة إجراء معاينة لمكان الحادث بل اقتصر في مرافعته على التشكيك في أقوال شهود الإثبات فإنه لا يحق له من بعد أن يثير هذا الأمر لأول مرة أمام محكمة النقض. لما كان ذلك وكان الدفع بتعذر الرؤية وتحديد الضاربين يعد من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب في الأصل من المحكمة رداً صريحاً ما دام الرد مستفاداً ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي يوردها الحكم، وكان تقدير أدلة الدعوى من إطلاقات محكمة الموضوع التي لها أن تكون عقيدتها من كافة عناصر الدعوى المطروحة على بساط البحث فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون - كسابقه - على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.