مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية - العدد الثاني (من أول فبراير إلى آخر مايو سنة 1957) - صـ 631

(68)
جلسة 9 من مارس سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 1440 لسنة 2 القضائية

( أ ) رد القضاة - القواعد الواردة بالباب التاسع من قانون المرافعات - سريانها على القضاء الإداري.
(ب) عدم صلاحية القاضي - أسبابها - عند توافر أحدها يصبح القاضي ممنوعاً من سماع الدعوى والحكم فيها ولو لم يرده أحد الخصوم - إغفال ذلك يؤدي إلى بطلان الحكم - وقوع هذا البطلان في حكم صادر من محكمة النقض يجيز للخصم أن يطلب منها سحبه - سريان هذه القاعدة على أحكام المحكمة الإدارية العليا.
(جـ) رد القضاة - عدم قبول طلب رد جميع مستشاري النقض، أو رد عدد منهم بحيث لا يتبقى ما يكفي للحكم في طلب الرد - المادة 336/ 2 مرافعات - سريان هذه القاعدة ولو كان الرد لسبب من الأسباب الواردة بالمادة 313 مرافعات - حكمة تقرير هذه القاعدة ألا يفصل في الرد هيئة يجلس في تشكيلها مستشار من مرتبة أدنى من وجه ضدهم طلب الرد - اختلاف هذه الحكمة عن تلك التي شرع من أجلها نص المادة 27 من قانون استقلال القضاء الذي يخول وزير العدل سلطة ندب مستشار بالاستئناف للاشتغال بمحكمة النقض مؤقتاً.
(د) رد القضاة - القاعدة التي تقررها المادة 336/ 2 مرافعات - انطباقها في شأن مستشاري المحكمة الإدارية العليا.
(هـ) محكمة إدارية عليا - الطعن أمامها - قصره على رئيس هيئة المفوضين دون ذوي الشأن - منع ذوي الشأن لا ينصرف إلى طلبات إلغاء أحكام المحكمة الإدارية العليا نفسها إذا شابها بطلان لعدم صلاحية أحد مستشاريها لنظر الدعوى.
(و) قرابة - حساب درجتها - أخت الزوجة تعتبر في نفس قرابة أخت الزوج ودرجته، وزوجها يعد في نفس قرابة زوج أخت الأخير ودرجته.
(ز) عدم صلاحية القاضي - القرابة أو المصاهرة التي تجعل القاضي غير صالح لنظر الدعوى طبقاً للقفرة (أولاً) من المادة 313 مرافعات - وجوب أن يكون القريب أو الصهر خصماً في الدعوى - المقصود بالخصم في هذا المعنى هو الأصيل فيها مدعياً أو مدعى عليه - عدم سريان هذه الفقرة على النائب كالوصي والقيم وكالوزير بالنسبة للدعاوى المتعلقة بالدولة - القرابة التي تجعل القاضي غير صالح لنظر الدعوى طبقاً للفقرة الثالثة من المادة 313 مرافعات - عدم سريان هذه الفقرة على الوزراء حين يمثلون الدولة.
(ح) دعوى الإلغاء - توجيهها إلى الوزير بصفته – موضوع الدعوى هو اختصام القرار الإداري - الخصومة عينية بالنسبة للقرار المطعون فيه لا شخصية بين الطاعن والوزير حتى ولو نسب للأخير إساءة استعمال السلطة.
(ط) عدم صلاحية القاضي - القرابة أو المصاهرة التي تجعل القاضي غير صالح لنظر الدعوى طبقاً للفقرة الرابعة من المادة 313 مرافعات - وجوب أن تكون مباشرة - تعريف القرابة المباشرة.
1 - إن الباب التاسع من قانون المرافعات المدنية والتجارية الخاص برد القضاة عن الحكم، يسري على القضاء الإداري، بالتطبيق للمادة 74 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة التي تنص على أن تطبق الإجراءات المنصوص عليها فيه وتطبق أحكام قانون المرافعات فيما لم يرد فيه نص وذلك إلى أن يصدر قانون بالإجراءات الخاصة بالقسم القضائي، وبالتطبيق للمادة 33 من القانون سالف الذكر التي نصت على أن تسري في شأن رد مستشاري المحكمة الإدارية العليا القواعد المقررة لرد مستشاري محكمة النقض وتسري في شأن رد مستشاري محكمة القضاء الإداري القواعد المقررة لرد مستشاري محاكم الاستئناف وتسري في شأن رد أعضاء المحاكم الإدارية القواعد المقررة لرد القضاة.
2 - إن أسباب الرد المذكورة في الباب التاسع من قانون المرافعات نوعان: النوع الأول هو أسباب عدم صلاحية تجعل القاضي ممنوعاً من سماع الدعوى غير صالح للحكم فيها ولو لم يرده أحد من خصومها، وهي المنصوص عليها في المادة 313 من قانون المرافعات المدنية والتجارية. والمعنى الجامع لهذه الأسباب هو كونها مما تضعف له النفس في الأعم الأغلب وكونها معلومة للقاضي ويبعد أن يجهلها؛ ولذا نص في المادة 314 على أن عمل القاضي أو قضاءه في الأحوال المتقدمة الذكر ولو باتفاق الخصوم يقع باطلاً بحيث يجوز الطعن فيه بطرق الطعن المقررة. وزيادة في الاصطيان والتحوط لسمعة القضاء نص على أنه إذا وقع هذا البطلان في حكم صدر من محكمة النقض جاز للخصم أن يطلب منها سحب الحكم وإعادة نظر الطعن، وهذا استثناء من الأصل العام الذي يجعل أحكام محكمة النقض بمنجى من الطعن بحسبانها خاتمة المطاف. ومثل هذه الوسيلة تجب إتاحتها للخصم إذا وقع البطلان في حكم للمحكمة الإدارية العليا لوحدة العلة التي تقوم على حكمة جوهرية هي توفير ضمانة أساسية لتطمين المتقاضين وصون سمعه القضاء. أما النوع الثاني من الأسباب فلا تمنع القاضي من سماع الدعوى ولا تجعله غير صالح لنظرها، وإنما تجيز للخصم أن يطلب رده قبل تقديم أي دفع أو دفاع وإلا سقط حقه فيه (م 318). هذا ويتبع في الرد في جميع الأحوال - سواء لهذه الأسباب أو لتلك - الإجراءات المنصوص عليها في القانون.
3 - نصت الفقرة الثانية من المادة 336 مرافعات على أن لا يقبل "طلب رد جميع مستشاري محكمة النقض أو بعضهم بحيث لا يبقى من عددهم ما يكفي للحكم في طلب الرد أو في موضوع الدعوى عند قبول طلب الرد"، وهذا الحكم يسري في جميع الأحوال أياً كان سبب الرد ولو كان لما نصت عليه المادة 313 من قانون المرافعات المدنية والتجارية؛ ذلك أن المادة 336 هي ترديد لنص المادة 328 مكرراً من قانون المرافعات القديم التي كانت أضيفت بدورها بالمادة 40 من قانون إنشاء محكمة النقض، والحكمة التشريعية التي دعت إلى ذلك هي الضرورة الملجئة لتفادي وضع شاذ في نظام التدرج القضائي حتى لا يفصل في طلب رد مستشارين من مرتبة أعلى في هذا التدرج (أو في الدعوى عند قبول طلب الرد) هيئة هي بمثابة محكمة مخصوصة يتضمن تشكيلها مستشارين هم في التدرج المذكور أدنى مرتبة من مستشاري محكمة النقض، ومن أجل هذه الضرورة أبيح المحظور، والضرورات تبيح المحظورات. وهذه الحكمة غير تلك التي تقوم عليها المادة 27 من المرسوم بقانون رقم 188 لسنة 1952 في شأن استقلال القضاء التي تجيز لوزير العدل بناء على طلب رئيس محكمة النقض أن يندب للاشتغال مؤقتاً بمحكمة النقض أحد مستشاري محاكم الاستئناف بعد موافقة الجمعية العمومية للمحكمة التابع لها؛ إذ حكمة ذلك هي حاجة العمل لظروف طارئة، وتبقى محكمة النقض مع هذا الندب حافظة أساساً لتشكيلها، ولا يترتب عليه أن توضع في الوضع الشاذ الذي دعا إلى تقرير الفقرة الثانية من المادة 336 من قانون المرافعات المدنية والتجارية؛ يقطع في ذلك المادة 27 من المرسوم بقانون المشار إليه هي بدورها ترديد للمادة 29 من القانون رقم 66 لسنة 1943 باستقلال القضاء، فلو كان قصد الشارع أن تستعمل هذه الرخصة وجوباً في حالة رد مستشاري محكمة النقض أو بعضهم بحيث لا يبقى من عددهم ما يكفي للحكم في طلب الرد أو في موضوع الدعوى عند قبول طلب الرد، أو بعبارة أخرى لو كان قصده أن استعمال تلك الرخصة يجب أن يغني عن الفقرة الثانية من المادة 336 من قانون المرافعات المدنية والتجارية، لكان ألغى هذه الفقرة من المادة 328 مكرراً من القانون القديم، ولما رددها بعد ذلك في قانون المرافعات الجديد رقم 77 لسنة 1949 الصادر بعد قانون استقلال القضاء رقم 66 لسنة 1943؛ بل إن إصرار الشارع على بقاء تلك الفقرة في قانون المرافعات الجديد لا يترك مجالاً لأي شك في أنه لا يجوز استعمال رخصة الندب في مقام تطبيق الفقرة الثانية من المادة 336 من قانون المرافعات المدنية والتجارية، وذلك لاختلاف الحكمة التشريعية التي يقوم عليها كل من النصين.
4 - إن المادة 336 من قانون المرافعات تطبق في شأن مستشاري المحكمة الإدارية العليا الذين نصت المادة 33 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة على أن يسري في شأن ردهم القواعد المقررة لرد مستشاري محكمة النقض.
5 - إنه ولئن كان القانون رقم 165 لسنة 1955 قد نص في المادة 15 منه على أن حق الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا هو لرئيس هيئة مفوضي الدولة إما من تلقاء نفسه وإما بناء على طلب ذوي الشأن إذا رأى الرئيس المذكور وجهاً لذلك، وأوجب ألا يقدم الطعن إلا عن طريق هذا الأخير الذي يحجب ذوي الشأن عن الاتصال بالمحكمة مباشرة والذي لا يتقيد بطلبهم بل يملك التعقيب على تقديرهم بعدم الطعن متى تراءى له ذلك، إلا أن هذا المنع لا ينصرف طبقاً لما نصت عليه المادة المشار إليها إلا إلى الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإدارية أو من المحاكم الإدارية دون طلب إلغاء الأحكام الصادرة من المحكمة الإدارية العليا ذاتها إذا ما شابها بطلان مما نصت عليه المادة 313 من قانون المرافعات المدنية والتجارية، فلا مندوحة من إتاحة هذا الحق للخصم بالتطبيق لحكم الفقرة الأخيرة من المادة 314 من القانون ذاته.
6 - يبين من الاطلاع على المواد 34 و35 و37 من القانون المدني وما ورد في صددها بالمذكرة الإيضاحية أن القرابة بما في ذلك المصاهرة إما أن تكون من جهة الأب أو من جهة الأم أو من جهة الزوج. وإذ كان أقارب أحد الزوجين يعتبرون في نفس القرابة والدرجة بالنسبة إلى الزوج الآخر فإن أخت الزوجة - وهي من الحواشي - تعتبر في نفس قرابة أخت الزوج ودرجته، وينبني على ذلك أن زوجها يعد في نفس قرابة زوج أخت هذا الأخير ودرجته.
7 - إن المادة 313 من قانون المرافعات المدنية والتجارية حددت على سبيل الحصر في فقراتها الخمس الأحوال التي تجعل القاضي ممنوعاً من سماع الدعوى غير صالح لنظرها. فنصت في فقرتها الأولى على أنه "(أولاً) إذا كان قريباً أو صهراً لأحد الخصوم إلى الدرجة الرابعة......". وظاهر من ذلك أن عدم صلاحية القاضي لنظر الدعوى طبقاً لهذه الفقرة تستلزم شرطين: (أولهما) رابطة القرابة أو المصاهرة إلى الدرجة المحددة. (وثانيهما) أن يكون القريب أو الصهر لغاية هذه الدرجة خصماً في الدعوى. والخصم بهذا المعنى هو صاحب المصلحة الشخصية والمباشرة في رفعها إن كان مدعياً وفي دفعها إن كان مدعى عليه. وبعبارة أخرى هو الأصيل فيها مدعياً كان أو مدعى عليه. أما النائب عن هذا الأصيل، كالموصى على القاصر والقيّم على المحجور عليه وكالوزراء بالنسبة للدعاوى المتعلقة بالدولة، فهؤلاء لا يعتبرون أخصاماً بذواتهم في تلك الدعاوى لأنهم ليسوا ذوي مصلحة شخصية ومباشرة فيها فتمنع درجة قرابتهم أو مصاهرتهم القاضي من نظرها وتجعله غير صالح للحكم فيها طبقاً للفقرة الأولى من المادة 313 من قانون المرافعات المدنية والتجارية، وإنما هم نائبون فقط عن الخصوم فيها، وهذه النيابة قد تزول ويحل محلهم غيرهم فيها، ذلك لأن الحكم الصادر في الدعوى لا ينصرف أثره إلا إلى الأصلاء دون النائبين عنهم. أما نيابة القاضي عن أحد الخصوم أو قرابة القاضي أو مصاهرته لغاية الدرجة الرابعة للنائبين عن الخصوم في الدعوى التي تجعل القاضي غير صالح لنظرها ممنوعاً من سماعها فقد حددتها الفقرة الثالثة من تلك المادة في الحالات التي ذكرتها على سبيل الحصر هي: "إذا كان القاضي وكيلاً لأحد الخصوم في أعماله الخصوصية أو وصيّاً عليه أو قيّماً أو مظنونة وراثته له، أو كانت له صلة قرابة أو مصاهرة للدرجة الرابعة بوصي أحد الخصوم أو بالقيّم عليه أو بأحد أعضاء مجلس إدارة الشركة المختصة أو بأحد مديريها وكان لهذا العضو أو المدير مصلحة شخصية في الدعوى". ونيابة الوزراء بالنسبة إلى الدعاوى المتعلقة بالدولة طبقاً للفقرة الأولى من المادة 14 من قانون المرافعات المدنية والتجارية ليست من بين تلك الحالات سالفة الذكر الواردة على سبيل الحصر، وهي حالات لا يمكن التوسع فيها؛ لأنه يترتب عليها بطلان الحكم، ومن المسلم أنه لا بطلان إلا بنص.
8 - إذا كان الثابت أن الوزير لم يكن خصماً أصيلاً في الدعوى وإنما اختصم كنائب عن الدولة بوصفه وزيراً لإحدى الوزارات، فالخصومة والحالة هذه إنما انعقدت بين المدعي وبين الدولة، لا بين المدعي وبين الوزير بصفته الشخصية؛ إذ لم يطلب الحكم عليه بأي إلزام أو شيء بهذه الصفة الأخيرة. كما أن الخصومة انصبت على طلب إلغاء قرار إداري صدر في شأن تسيير مرفق عام من مرافق الدولة يقوم الوزير على إدارته بوصفه وزيراً، فموضوع الدعوى هو اختصام القرار الإداري في ذاته ووزنه بميزان القانون فيلغى القرار إذا شابه عيب من العيوب المنصوص عليها في المادة الثالثة من القانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة والمادة الثامنة من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيمه؛ وهي عدم الاختصاص أو وجود عيب في الشكل أو مخالفة القوانين واللوائح أو الخطأ في تطبيقها وتأويلها أو إساءة استعمال السلطة، ويكون حصيناً من الإلغاء إذا لم ينطو على عيب أو أكثر من تلك العيوب. والخصومة عينية بالنسبة إلى القرار؛ بمعنى أن الحكم الصادر بالإلغاء يكون حجة على الكافة طبقاً للمادة التاسعة من القانون الأول والمادة 17 من القانون الثاني، حتى ولو نسب إلى الوزير في الدعوى إساءة استعمال السلطة بمقولة إنه كان مدفوعاً في تصرفه مع المدعي بعوامل وأغراض شخصية؛ لأن الطعن في القرار الإداري يعيب إساءة استعمال السلطة لا يقلب الخصومة في شأنه إلى خصومة شخصية بين الطاعن والوزير، ما دام لم يطلب الحكم عليه بإلزام أو شيء بهذه الصفة.
9 - إن الفقرة الرابعة من المادة 313 من قانون المرافعات المدنية والتجارية (التي استظهرت حالة وجود مصلحة للقريب أو الصهر في الدعوى ولو لم يكن خصماً فيها) لا تجعل القاضي ممنوعاً من سماعها غير صالح لنظرها إلا: "إذا كان له أو لزوجته أو لأحد أقاربه أو أصهاره على عمود النسب أو لمن يكون هو وكيلاً عنه أو وصيّاً أو قيّماً عليه مصلحة في الدعوى القائمة". فيجب لكي تكون القرابة أو المصاهرة في هذه الحالة مانعة للقاضي من سماع الدعوى تجعله غير صالح لنظرها أن تكون على عمود النسب أي قرابة أو مصاهرة مباشرة، دون قرابة أو مصاهرة الحواشي. والقرابة المباشرة هي الصلة ما بين الفروع والأصول طبقاً للمادة 35 من القانون المدني. ولكي تكون المصاهرة مباشرة يجب أن يكون أقارب أحد الزوجين معتبرين في نفس هذه القرابة بالنسبة إلى الزوج الآخر، وذلك طبقاً للمادة 36 من القانون المذكور. وعلى ذلك فالأقارب والأصهار على عمود النسب هم بالنسبة إلى القاضي ولده ووالده (أباً وأماً) وولد زوجه وزوج ولده ووالد زوجه وزوج والده وأن علوا أو نزلوا؛ ومن ثم فليس للمدعي في خصوص هذه الدعوى أن يتحدى بأن الوزير المختصم في دعوى الإلغاء له مصلحة شخصية فيها بحسبان أن الطعن في القرار بعيب إساءة استعمال السلطة قد يعرضه لمساءلته شخصياً عن التعويض مستقبلاً في دعوى أخرى - ليس له أن يتحدى بذلك طالما أن علاقة المصاهرة بين القاضي وبين الوزير المختصم في دعوى الإلغاء ليست من قبيل المصاهرة المباشرة.


إجراءات الطعن

في 3 من مايو سنة 1956 أودع السيد المهندس علي حسن الدرس سكرتيرية المحكمة عريضة دعوى أمام هذه المحكمة في الحكم الصادر منها بجلسة 5 من نوفمبر سنة 1955 في الطعن رقم 159 لسنة 1 القضائية المرفوعة من السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الخامسة) بجلسة 12 من يونيه سنة 1955 في الدعوى رقم 4499 لسنة 8 القضائية المقامة من السيد علي حسن الدرس ضد مجلس الوزراء ووزارة الأشغال العمومية. وطلب المدعي - للأسباب التي استند إليها في عريضة دعواه وفي المذكرة المرافقة لها - القضاء بإلغاء حكم المحكمة الإدارية العليا الذي قضى بقبول الطعن المرفوع من السيد رئيس هيئة المفوضين شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وإلزام المدعي بالمصروفات، وإعادة نظر الطعن مع إلزام الحكومة بالمصروفات وبمقابل أتعاب المحاماة. وقد قيدت هذه الدعوى برقم 1440 لسنة 2 القضائية، وأعلنت لكل من رياسة مجلس الوزراء ووزارة الأشغال وهيئة مفوضي الدولة في 15 و16 و24 من مايو سنة 1956 على التوالي، وعين لنظرها أمام هذه المحكمة جلسة 27 من أكتوبر سنة 1956، وأبلغ ذوو الشأن في 11 من سبتمبر سنة 1956 بميعاد هذه الجلسة. وقد أودعت الحكومة مذكرة بملاحظاتها انتهت فيها إلى طلب الحكم: (أصلياً) بعدم قبول الطعن شكلاً، و(احتياطياً) برفضه، مع إلزام الطاعن بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقد سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن عناصر هذه الدعوى، حسبما يبين من الأوراق، تتحصل في أنه بجلسة 12 من يونيه سنة 1955 صدر حكم محكمة القضاء الإداري (الهيئة الخامسة) في الدعوى رقم 4499 لسنة 8 القضائية التي كانت مقامة من الطاعن ضد مجلس الوزراء ووزارة الأشغال العمومية بإلغاء القرار الصادر من مجلس الوزراء في 30 من ديسمبر سنة 1953 والقرار الوزاري المنفذ له بتاريخ 25 من يناير سنة 1954 والصادر من الوكيل الدائم لوزارة الأشغال العمومية بإحالة المدعي إلى المعاش، وما يترتب على ذلك من آثار، مع إلزام الحكومة بأن تدفع للمدعي مبلغ ثلثمائة جنيه على سبيل التعويض والمصروفات المناسبة، ومبلغ ألف قرش مقابل أتعاب المحاماة. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 11 من أغسطس سنة 1955 في الطعن رقم 159 لسنة 1 القضائية طالباً إلغاء الحكم المذكور ورفض الدعوى. وبجلسة 5 من نوفمبر سنة 1955 صدر حكم هذه المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وإلزام المدعي بالمصروفات. وبعريضة مودعة سكرتيرية هذه المحكمة في 3 من مايو سنة 1956 أقام المدعي هذه الدعوى طالباً القضاء ببطلان هذا الحكم، وإعادة نظر الطعن، مع إلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وأقام دعواه على أن الحكم وقع باطلاً بالتطبيق لأحكام المادة 32 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة والمادتين 313 و314 من قانون المرافعات؛ وذلك لأن أحد مستشاري هذه المحكمة الذين فصلوا في الطعن هو صهر لوزير الأشغال العمومية أحد الخصوم في الدعوى، الذي رفع إلى مجلس الوزراء المذكرة الخاصة بإحالة الطاعن إلى المعاش مدفوعاً في ذلك بعوامل وأغراض شخصية، والذي كانت تتأثر مصلحته وسياسته في الوزارة بالحكم في الدعوى. ولما كان عمل القاضي في مثل هذه الحالة - ولو باتفاق الخصوم - يقع باطلاً ومخالفاً للنظام العام، فإنه يجوز رفع دعوى ببطلانه أمام المحكمة التي أصدرته لعدم وجود وجه للطعن بطريق آخر في الحكم، وذلك بالتطبيق لحكم المادة 314 من قانون المرافعات. وأساس البطلان هو قيام المصاهرة المشار إليها وهي مصاهرة من الدرجة الثانية وفقاً لحكم المادة 37 من القانون المدني. ولا محل لافتراض أن السيد وزير الأشغال لم يكن خصماً في الدعوى؛ إذ أنه كان مدفوعاً في تصرفه مع الطاعن بعوامل وأغراض خاصة تقوم على إساءة استعمال السلطة ولا تمت للمصلحة العامة بصلة. واستدل الطاعن على ذلك بوقائع سردها في مذكرته. ثم أضاف أنه كان في الوسع طبقاً لنص المادة 57 فقرة ثالثة من القانون رقم 165 لسنة 1955 أن يتنحى السيد المستشار الذي قام به المانع من سماع الدعوى، وأن يصدر قرار من رئيس المجلس بندب من يحل محله أو ندب عدد كاف من المستشارين لتشكيل دائرة أخرى بالمحكمة لنظر الطعن.
1 - عن الدفع بعدم قبول الدعوى:
ومن حيث إن الحكومة دفعت في مذكرتها (أصلياً) بعدم قبول الدعوى شكلاً، وذلك استناداً إلى وجهين:
(الأول) أن اختصاص المحكمة الإدارية العليا هو اختصاص استثنائي، والأصل أن أحكامها بمنأى عن الطعن. ولما كان القانون لم ينص على إجراء آخر لهذا الطعن الاستثنائي أمام المحكمة المذكورة، فإن إجراءات مثل هذه الدعوى أمامها تكون هي الإجراءات ذاتها المقررة للطعن أمامها في الحالات العادية وهي التي نظمتها المادة 15 من القانون رقم 165 لسنة 1955 التي تقضي بألا يقدم الطعن، إلا عن طريق رئيس هيئة مفوضي الدولة، فلا يقبل من ذوي الشأن أن يتقدموا مباشرة إلى المحكمة وإلا كان طعنهم غير مقبول شكلاً، كما أن لرئيس هيئة المفوضين ألا يطعن في الحكم حتى لو تقدم له الخصوم بطلب رفع الطعن، سواء في ذلك الطعن الأصلي أو الطعن الاستثنائي. و(الثاني) أن المادة 336 من قانون المرافعات تنص في فقرتها الثانية على أنه لا يقبل طلب رد جميع مستشاري محكمة النقض أو بعضهم بحيث لا يبقى من عددهم ما يكفي للحكم في طلب الرد أو في موضوع الدعوى عند قبول طلب الرد. وهذا النص صريح في أن مستشار النقض يظل صالحاً للفصل في الدعوى على الرغم من توافر أسباب الرد ولا يكون اشتراكه في الحكم مبطلاً له. وهذه الحالة متوافرة في النزاع الحالي؛ لأن المحكمة كانت مكونة من ستة أعضاء أحدهم هو الذي وقّع على تقرير الطعن باعتباره رئيساً لهيئة مفوضي الدولة وقتئذ؛ ومن ثم لم يكن صالحاً لنظر الدعوى طبقاً لنص الفقرة الخامسة من المادة 313 من قانون المرافعات. فإذا تنحى العضو الآخر الذي قامت به صلة المصاهرة لما بقى من أعضاء المحكمة العدد الكافي قانوناً لنظر الطعن. بل إن الخصم لو طلب رد هذا العضو لكان طلب الرد غير مقبول طبقاً لنص المادة 336 من قانون المرافعات. وإذا كان قانون مجلس الدولة قد أجاز لرئيس المجلس حق ندب من يشاء من المستشارين، فإنه لم يوجب عليه هذا الندب في الحالة الراهنة ولم يرتب على إغفال الندب جزاء البطلان. على أن حق الندب هذا مقرر لوزير العدل بمقتضى قانون استقلال القضاء منذ سنة 1943، ومع ذلك فإن قانون المرافعات الصادر بعد ذلك في سنة 1949 مع علمه بقيام هذا الحق لم ينص على وجوب استعماله في هذه الحالة ولم يرتب جزاءً ما على عدم الندب وإلا لأصبح نص المادة 336 من قانون المرافعات لغواً. وكذلك الحال بالنسبة إلى مجلس الدولة بناء على نص المادتين 32 و57 من القانون رقم 165 لسنة 1955. ومتى كان حق الندب جوازياً فلا يقبل طلب الرد وبالتالي لا يقبل الطعن ببطلان الحكم.
ومن حيث إن السيد مفوض الدولة قدم بجلسة 27 من أكتوبر سنة 1956 مذكرة بالرأي القانوني انتهى فيها إلى طلب "الحكم بعدم قبول الدعوى؛ لأنه لا طريق للطعن على الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا في القضية رقم 159 لسنة 1 القضائية بجلسة 5 من نوفمبر سنة 1955، وإلزام المدعي بالمصروفات". واستند في هذا الرأي إلى أن دعوى البطلان الأصلية لا توجه ضد الأحكام التي تصدر من السلطة القضائية غير منعدمة الوجود ولو كانت باطلة. وأن القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة نظم طرق الطعن في الأحكام التي تصدر من القضاء الإداري وفرق بين الأحكام الصادرة من المحكمة الإدارية العليا وبين الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية، فبينما رسم طريقين للطعن على هذه الأحكام الأخيرة هما: الطعن بواسطة رئيس هيئة مفوضي الدولة، ومن بين حالاته بطلان الحكم، والطعن بطريق التماس إعادة النظر، لم يشرع طريقاً للطعن في أحكام المحكمة الإدارية العليا، بل إنه نص على عدم قبول الطعن في أحكامها بطريق التماس إعادة النظر. وبذلك جعل لهذه الأحكام قرينة الصحة النهائية مهما شابها من عيب، وأغلق كل طريق للطعن فيها متأثراً في ذلك بالغالب من الدعاوى التي تعرض على تلك المحكمة وهي دعاوى الإلغاء التي تتميز بأنها عينية، طرف النزاع فيها هو القرار المطعون فيه وأثر الحكم فيها في مواجهة الكافة، الأمر الذي يستبعد قيام أية علاقة شخصية مع القاضي الإداري توجب تنحيه عن نظر الدعوى. أما الإحالة إلى قانون المرافعات الواردة في المادة 74 من القانون رقم 165 لسنة 1955 فإنها مقصورة على إجراءات التقاضي أمام القضاء الإداري التي لم ترد في شأن تنظيمها قواعد خاصة في قانون مجلس الدولة، دون طرق الطعن في الأحكام التي لا تعد من قبيل إجراءات التقاضي. ولما كانت المحكمة الإدارية العليا ليست محكمة نقض مدني فلا وجه لأن يسري أمامها التنظيم الذي أدخلته المادة 314 فقرة 2 من قانون المرافعات بالنسبة إلى محكمة النقض المدنية من أنه إذا وقع بطلان في الحكم بسب عدم صلاحية أحد أعضاء الدائرة التي أصدرته للفصل في الطعن جاز للخصم أن يطلب إلغاء الحكم وإعادة نظر الطعن أمام دائرة أخرى. ذلك أن هذا التنظيم خاص بتصحيح الحكم الباطل أمام محكمة النقض المدنية فلا يتعداها إلى محكمة أخرى، ولا تطابق بين نظام الطعن بطريق النقض المدني ونظام الطعن الإداري أمام المحكمة الإدارية العليا؛ إذ لكل من النظامين قواعده الخاصة في هذا الشأن مما يمتنع معه إجراء القياس لوجود الفارق إما من النص أو من اختلاف طبيعة الطعنين اختلافاً مرده إلى التباين بين طبيعة الروابط التي تنشأ بين الإدارة والأفراد في مجالات القانون العام وتلك التي تنشأ فيما بين الأفراد في مجالات القانون الخاص.
ومن حيث إن المدعي أودع سكرتيرية المحكمة في 6 من ديسمبر سنة 1956 مذكرة برده على دفاع الحكومة قال فيها عن الوجه الأول الذي استندت إليه الحكومة في دفعها بعدم قبول الدعوى إن عدم جواز اتصال ذوي الشأن مباشرة بالمحكمة الإدارية العليا مقصور على ما حدده نص المادة 15 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة، ولا ينصرف المنع الوارد في هذا النص إلى طلب سحب أو بطلان حكم صادر من هذه المحكمة ذاتها. وقال عن الوجه الثاني إنه تجب التفرقة بين أسباب الصلاحية وأسباب الرد. فإذا صح أن حق الندب جوازي لا يترتب على إغفال استعماله أي جزاء، فإن ذلك مقصور على طلب الرد. أما عدم الصلاحية فيوجب الندب أو التعيين تبعاً لسبب عدم الصلاحية، فإذا كان عدم الصلاحية عارضاً في قضية بذاتها أو مؤقتاً بسبب مرض طارئ وجب الندب، أما إن كان مستمراً بسب مرض ميئوس من شفائه مثلاً فإنه يجب تعيين قاضٍ آخر بناء على حكم المادة 2 من المرسوم بقانون رقم 188 لسنة 1952 في شأن استقلال القضاء. وأضاف في مذكرة لاحقة أن المادة 57 من القانون رقم 165 لسنة 1955 نصت في فقرتها الثالثة على أن الندب من قسم لآخر في مجلس الدولة أو بين فروع القسم الواحد أو بين أعضاء الفرع الواحد يكون بقرار من رئيس المجلس، وعليه فلا يستساغ القول بأن الندب جوازي غير واجب. هذا إلى أن الأصول الفقهية تقضي بأن الرخصة تصبح واجباً إذا كان في عدم العمل بها إخلال بحكم ضروري، والقول بغير ذلك ينطوي على مجافاة لقصد الشارع وتعطيل للعدالة مخالفاً للنظام العام. كما أن الفقرة الخامسة من المادة 314 من قانون المرافعات تجعل من أسباب عدم صلاحية القاضي أن يكون قد أفتى أو ترافع عن أحد الخصوم في الدعوى أو كتب فيها أو سبق له نظرها قاضياً أو خبيراً أو محكّماً، ولا شك أن المحكمة الإدارية العليا حين أصدرت الحكم المطلوب سحبه كان تحت نظرها صلة أحد أعضائها بالسيد وزير الأشغال، وأنها قدرت جميع الأسباب المستند إلها في الطعن وأصدرت حكمها على هذا الأساس، ومن العبث أن يطلب إليها العدول عن رأي انتهت إليه بعد إيمان قاطع بصحته.
ومن حيث إن الحكومة قدمت في 23 من يناير سنة 1957 مذكرة تكميلية ردت فيها على دفاع المدعي بأن الأخذ بالتفرقة بين أسباب الرد وأسباب عدم الصلاحية مؤداه أن المادة 32 من القانون رقم 165 لسنة 1955 يقتصر حكمها على الرد ولا يسري على عدم الصلاحية؛ ومن ثم فلا يسوغ الاستناد إليها في طلب إعادة نظر الطعن. أما إذا كان حكمها يصدق على الرد وعلى عدم الصلاحية سواء، فإن التفرقة التي يذهب إليها الطاعن لا يكون لها محل، ويتعين العمل بنص المادة 336 من قانون المرافعات. ولا وجه للاستناد إلى نص المادة 2 من المرسوم بقانون رقم 188 لسنة 1952 في شأن استقلال القضاء؛ إذ لا شأن لتعيين القضاة بندبهم. كما أن تشكيل المحكمة يظل صحيحاً طبقاً لنص المادة 336 من قانون المرافعات ولو توافرت شروط الفقرة الخامسة من المادة 312 من القانون المذكور. وخلصت الحكومة من هذا إلى التصميم على طلباتها.
ومن حيث إن الباب التاسع من قانون المرافعات المدنية والتجارية الخاص برد القضاة عن الحكم، يسري على القضاء الإداري، بالتطبيق للمادة 74 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة التي تنص على أن تطبق الإجراءات المنصوص عليها فيه وتطبق أحكام قانون المرافعات فيما لم يرد فيه نص وذلك إلى أن يصدر قانون بالإجراءات الخاصة بالقسم القضائي، وبالتطبيق للمادة 33 من القانون سالف الذكر التي نصت على أن تسري في شأن رد مستشاري المحكمة الإدارية العليا القواعد المقررة لرد مستشاري محكمة النقض وتسري في شأن رد مستشاري محاكم الاستئناف وتسري في شأن رد أعضاء المحاكم الإدارية القواعد المقررة لرد القضاة.
ومن حيث إن أسباب الرد المذكورة في الباب المشار إليه نوعان: النوع الأول هو أسباب عدم صلاحية تجعل القاضي ممنوعاً من سماع الدعوى غير صالح للحكم فيها ولو لم يرده أحد من خصومها، وهي المنصوص عليها في المادة 313 من قانون المرافعات المدنية والتجارية. والمعنى الجامع لهذه الأسباب هو كونها مما تضعف له النفس في الأعم الأغلب، وكونها معلومة للقاضي ويبعد أن يجهلها؛ ولذا نص في المادة 314 على أن عمل القاضي أو قضاؤه في الأحوال المتقدمة الذكر ولو باتفاق الخصوم يقع باطلاً بحيث يجوز الطعن فيه بطرق الطعن المقررة: وزيادة في الاصطيان والتحوط لسمعة القضاء نص على أنه إذا وقع هذا البطلان في حكم صدر من محكمة النقض جاز للخصم أن يطلب منها سحب الحكم وإعادة نظر الطعن، وهذا استثناء من الأصل العام الذي يجعل أحكام النقض بمنجى من الطعن بحسبانها خاتمة المطاف. ومثل هذه الوسيلة تجب إتاحتها للخصم إذا وقع البطلان في حكم للمحكمة الإدارية العليا لوحدة العلة التي تقوم على حكمة جوهرية هي توفير ضمانة أساسية لتطمين المتقاضين وصون سمعة القضاء. أما النوع الثاني من الأسباب فلا تمنع القاضي من سماع الدعوى ولا تجعله غير صالح لنظرها، وإنما تجيز للخصم أن يطلب رده قبل تقديم أي دفع أو دفاع وإلا سقط حقه فيه (م 318). هذا ويتبع في الرد في جميع الأحوال سواء لهذه الأسباب أو لتلك الإجراءات المنصوص عليها في القانون، ولكن بمراعاة ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 336 مرافعات من أنه "ولا يقبل طلب رد جميع مستشاري محكمة النقض أو بعضهم بحيث لا يبقى من عددهم ما يكفي للحكم في طلب الرد أو في موضوع الدعوى عند قبول طلب الرد" ويسري هذا الحكم في جميع الأحوال أياً كان سبب الرد ولو كان لما نصت عليه المادة 313 من قانون المرافعات المدنية والتجارية؛ ذلك أن المادة 336 هي ترديد لنص المادة 328 مكرراً من قانون المرافعات القديم التي كانت أضيفت بدورها بالمادة 40 من قانون إنشاء محكمة النقض، والحكمة التشريعية التي دعت إل ذلك هي الضرورة الملجئة لتفادي وضع شاذ في نظام التدرج القضائي حتى لا يفصل في طلب رد مستشارين من مرتبة أعلى في هذا التدرج (أو في الدعوى عند قبول طلب الرد) هيئة هي بمثابة محكمة مخصوصة يتضمن تشكيلها مستشارين هم في التدرج المذكور أدنى مرتبة من مستشاري محكمة النقض، ومن أجل هذه الضرورة أبيح المحظور، والضرورات تبيح المحظورات، وهذه الحكمة غير تلك التي تقوم عليها المادة 27 من المرسوم بقانون رقم 188 لسنة 1952 في شأن استقلال القضاء، التي تجيز لوزير العدل بناء على طلب رئيس محكمة النقض أن يندب للاشتغال مؤقتاً بمحكمة النقض أحد مستشاري محاكم الاستئناف بعد موافقة الجمعية العمومية للمحكمة التابع لها؛ إذ حكمة ذلك هي حاجة العمل لظروف طارئة، وتبقى محكمة النقض مع هذا الندب حافظة أساساً لتشكيلها، ولا يترتب عليه أن توضع في الوضع الشاذ الذي دعا إلى تقرير الفقرة الثانية من المادة 336 من قانون المرافعات المدنية والتجارية، يقطع في ذلك أن المادة 27 من الرسوم بقانون المشار إليه هي بدورها ترديد للمادة 29 من القانون رقم 66 لسنة 1943 باستقلال القضاء. فلو كان قصد الشارع أن تستعمل هذه الرخصة وجوباً في حالة رد مستشاري محكمة النقض أو بعضهم بحيث لا يبقى من عددهم ما يكفي للحكم في طلب الرد أو في موضوع الدعوى عند قبول طلب الرد، أو بعبارة أخرى لو كان قصده أن استعمال تلك الرخصة يجب أن يغني عن الفقرة الثانية من المادة 336 من قانون المرافعات المدنية والتجارية، لكان ألغى هذه الفقرة من المادة 328 مكرراً من القانون القديم، ولما رددها بعد ذلك في قانون المرافعات الجديد رقم 77 لسنة 1949 الصادر بعد قانون استقلال القضاء رقم 66 لسنة 1943، بل إن إصرار الشارع على بقاء تلك الفقرة في قانون المرافعات الجديد لا يترك مجالاً لأي شك، في أنه لا يجوز استعمال رخصة الندب في مقام تطبيق الفقرة الثانية من المادة 336 من قانون المرافعات المدنية والتجارية، وذلك لاختلاف الحكمة التشريعية التي يقوم عليها كل من النصين، كما سلف إيضاحه. وغني عن البيان أن هذه المادة تطبق في شأن مستشاري المحكمة الإدارية العليا الذين نصت المادة 33 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة على أن يسري في شأن ردهم القواعد المقررة لرد مستشاري محكمة النقض.
ومن حيث إنه ولئن كان القانون رقم 165 لسنة 1955 قد نص في المادة 15 منه على أن حق الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا هو لرئيس هيئة مفوضي الدولة، إما من تلقاء نفسه وإما بناء على طلب ذوي الشأن إذا رأى الرئيس المذكور وجهاً لذلك، وأوجب ألا يقدم الطعن إلا عن طريق هذا الأخير الذي يحجب ذوي الشأن عن الاتصال بالمحكمة مباشرة والذي لا يتقيد بطلبهم، بل يملك التعقيب على تقديرهم بعدم الطعن متى تراءى له ذلك، إلا أن هذا المنع لا ينصرف طبقاً لما نصت عليه المادة المشار إليها إلا إلى الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري أو من المحاكم الإدارية دون طلب إلغاء الأحكام الصادرة من المحكمة الإدارية العليا ذاتها إذا ما شابها بطلان مما نصت عليه المادة 313 من قانون المرافعات المدنية والتجارية، فلا مندوحة من إتاحة هذا الحق للخصم بالتطبيق لحكم الفقرة من المادة 314 من القانون ذاته.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الدفع بعدم قبول الدعوى في غير محله متعيناً رفضه.
"ب" عن الموضوع:
من حيث إن الحكومة تدفع الدعوى موضوعاً بالأوجه التالية:
(الأول) إن العديل ليس قريباً أو صهراً لعديله شرعاً أو قانوناً؛ ذلك أن الفقه الشرعي يعتبر أن أقارب الزوجة هم الأختان وأن أقارب الزوج هم الآخاء، وأن كلمة الأصهار تشمل المعنيين وتنصرف إلى كل ذي رحم محرم من الزوجة، ولما كان زوج الأخت لا ينطبق عليه وصف أنه ذو رحم محرم من زوجته، فإن العديل لا يكون صهراً لعديله إطلاقاً. كما أن القانون المدني عندما نظّم حالة الشخص وبين أحكام القرابة أورد في مذكرته الإيضاحية ما يقطع في أن العديل ليس قريباً لعديله، أما المصاهرة فيترتب عليها أن يصبح كل من الزوجين صهراً لأسرة الزوج الآخر. فالعديل صهر لأقارب زوجته، والعديل الآخر صهر لأقارب هذه الزوجة، ولكن ليس كل منهما صهراً للآخر أي أن أصهار أحد الزوجين لا يعتبرون أصهاراً للزوج الآخر. وقد فرق قانون المرافعات بين القرابة والمصاهرة من حيث المانع من صلاحية القاضي لنظر الدعوى، ولو جاز في الجدل الخلط بين القرابة والمصاهرة، فإن قانون استقلال القضاء قد نص في المادة 28 منه على جعل الأصل المشترك درجة من درجات الحساب، وبذلك يكون العديل في الدرجة الخامسة بالنسبة إلى عديله ولا يقوم في حقه سبب عدم الصلاحية.
(الثاني) إن وزير الأشغال ليس خصماً في الدعوى كما هو الحال عادة في الدعاوى المدنية؛ ذلك أن القرار المطعون فيه إنما أصدره الوزير بوصفه لا بصفته الشخصية، فالخصم فيه هو الحكومة ذاتها لا الوزير نفسه الذي إنما يقوم على رأس جهاز يدير المرفق العام في سبيل المصلحة العامة؛ وآية ذلك أن المدعي عندما رفع دعواه أمام محكمة القضاء الإداري اختصم وزير الأشغال بصفته دون ذكر اسمه، أي اختصم الوزارة دون شخص الوزير، الأمر الذي ينتفي معه طلب بطلان الحكم المؤسس على أن الوزير عديل لأحد المستشارين الذين اشتركوا في هذا الحكم.
(الثالث) أن الخصومة في دعوى الإلغاء خصومة عينية توجه إلى القرار الإداري ذاته؛ ذلك أن الأمر في دعوى الإلغاء يتعلق بفحص مشروعية القرار بصرف النظر عن الحقوق الشخصية لرافع الدعوى؛ ولذا فإن الحكم الذي يصدر فيها تكون له حجية مطلقة قبل الكافة، كما نصت على ذلك المادة 17 من قانون مجلس الدولة وأيدته المذكرة الإيضاحية لهذا القانون. وبناء على هذا فإن وزير الأشغال لا يعتبر خصماً في الدعوى؛ إذ هي موجهة إلى القرار الإداري ذاته فلا تنطبق في شأنه أحكام الباب التاسع من قانون المرافعات الخاصة برد القضاة.
ومن حيث إن رد المدعي على دفاع الحكومة يتحصل فيما يلي:
(عن الوجه الأول) أنه طبقاً لنص المادة 37 من القانون المدني تعتبر أخت زوجة الرجل في نفس قرابة أخته ودرجتها وهي الثانية، كما يعتبر زوجها كزوج أخته وفي درجتها.
ومن المقرر في الفقه الشرعي أن قرابة الزوجة وقرابة الزوج هم جميعاً أصهار، أي أن العديل صهر لعديله شرعاً ولغة كذلك.
و(عن الوجه الثاني) أن وزير الأشغال كان مدفوعاً في تصرفه مع المدعي بعوامل وأغراض خاصة بينها هذا الأخير في دعواه وأشار إليها في دفاعه ومذكراته. وقد نصت المادة 18 من المرسوم بقانون رقم 188 لسنة 1952 في شأن استقلال القضاء على أنه لا يجوز أن يجلس في دائرة واحدة قضاة بينهم قرابة أو مصاهرة لغاية الدرجة الرابعة بدخول الغاية، كما لا يجوز أن يكون ممثل النيابة أو ممثل أحد الخصوم أو المدافع عنه ممن تربطهم الصلة المذكورة بأحد القضاة الذين ينظرون الدعوى. ولا شك أن وزارة الأشغال كانت خصماً في الدعوى وأن الممثل لها كان هو وزيرها.
و(عن الوجه الثالث) أن الطبيعة العينية لطلبات الإلغاء تبنى على فكرة المصلحة العامة التي يجب أن تسود القرارات الإدارية، بمعنى أنه يلزم كل صاحب مصلحة أن يتدخل في الدعوى الأصلية لحماية مصالحه، بحيث إذا قصّر في ذلك وترك الدعوى إلى نهايتها فلا يلومن إلا نفسه، لأنه متى صدر حكم الإلغاء كان عينياً ذا حجية مطلقة يسري أثرها قبل الكافة، دون أن يستطيع أحد مهما كانت مصلحته أن ينازع فيه، على خلاف الحال في دعاوى القضاء الكامل. بيد أن الطبيعة العينية للطعن بالإلغاء لا يمكن معها إنكار قيمة المصالح الشخصية لذوي الشأن ومراكزهم القانونية الذاتية. ومن هنا يجتمع في دعوى الإلغاء جانب عيني يتمثل في فكرة المشروعية وجانب شخصي يتمثل في ذاتية المراكز القانونية التي تحميها هذه الدعوى. وليس شك في أن نوعاً من الخصومة الشخصية يقوم بين المدعي وبين جهة الإدارة بمناسبة القرار المطلوب إلغاؤه؛ إذ أن دعوى الإلغاء ليست دعوى حسبة، كما أنه متى توافرت للمدعي مصلحة فيها لا يقضي بالإلغاء قضاءً مجرداً. ولو صح ما تذهب إليه الحكومة لكان إيراد النصوص الخاصة بالرد ضمن أحكام القانون رقم 165 لسنة 1955 عبثاً ينبغي تنزيه الشارع عنه.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالوجه الأول، فإن القانون المدني نص في المادة 34 منه على أن: "1 - تتكون أسرة الشخص من ذوي قرباه. 2 - ويعتبر من ذوي القربى كل من يجمعهم أصل مشترك". ونص في المادة 35 منه على أن: "1 - القرابة المباشرة هي الصلة ما بين الأصول والفروع. 2 - وقرابة الحواشي هي الرابطة ما بين أشخاص يجمعهم أصل مشترك دون أن يكون أحدهم فرعاً للآخر". كما نص في المادة 37 منه على أن: "أقارب أحد الزوجين يعتبرون في نفس القرابة والدرجة بالنسبة إلى الزوج الآخر" وقد ورد بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون أنه يعتبر قريباً للشخص من يجمعه به أصل مشترك ذكراً كان أو أنثى، وأن القرابة مباشرة أو قرابة حواش: فتكون القرابة المباشرة بين شخصين إذا تسلسل أحدهما من الآخر كما هو الأمر بين الأصول والفروع، وقرابة الحواشي لا تسلسل فيها وإن كان يجمع الشخصين أصل مشترك. فالأب قريب مباشر وكذلك أبو الأب وإن علا وأم الأب وإن علت. والأم قريب مباشر وكذلك أبو الأم وإن علا وأم الأم وإن علت. وكل أصل من هؤلاء يعتبر كل من أبيه وأمه أصلاً أي قريباً مباشراً. والأخ والأخت من الحواشي وفرعهما وإن نزل. كذلك يكون من الحواشي العم والعمة وفروعهما وإن نزل وعم وعمة الأب، والجد وإن علا وفرع هؤلاء وإن نزل. وما ذكر عن العم والعمة يصح في الخال والخالة وهكذا. وإذا تحددت قرابة شخص من آخر ودرجة هذه القرابة، فإن هذا الشخص يعتبر في نفس القرابة والدرجة بالنسبة لزوج الشخص الآخر وهذا من طريق المصاهرة. ويتبين من ذلك أن القرابة بما في ذلك المصاهرة إما أن تكون من جهة الأب أو من جهة الأم أو من جهة الزوج. وإذ كان أقارب أحد الزوجين يعتبرون في نفس القرابة والدرجة بالنسبة إلى الزوج الآخر؛ فإن أخت الزوجة وهي من الحواشي تعتبر في نفس قرابة أخت الزوج ودرجته. وينبني على ذلك أن زوجها يعد في نفس قرابة زوج أخت هذا الأخير ودرجته، وهي درجة أدنى من الدرجة الرابعة المنصوص عليها في البند (أولاً) من المادة 313 من قانون المرافعات وذلك بالتطبيق لحكم المادة 36 من القانون المدني.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالوجهين الثاني والثالث ومردهما إلى أصل واحد هو قيام أو عدم قيام وصف الخصومة في القريب أو الصهر المانعة من صلاحية قريبة أو صهره القاضي من نظر الدعوى، فإن المادة 313 من قانون المرافعات المدنية والتجارية حددت على سبيل الحصر في فقراتها الخمس الأحوال التي تجعل القاضي ممنوعاً من سماع الدعوى غير صالح لنظرها. فنصت في فقرتها الأولى على أنه: "(أولاً) إذا كان قريباً أو صهراً لأحد الخصوم إلى الدرجة الرابعة....". وظاهر من ذلك أن عدم صلاحية القاضي لنظر الدعوى طبقاً لهذه الفقرة تستلزم شرطين: (أولهما) رابطة القرابة أو المصاهرة إلى الدرجة المحددة. (وثانيهما) أن يكون القريب أو الصهر لغاية هذه الدرجة خصماً في الدعوى. والخصم بهذا المعنى هو صاحب المصلحة الشخصية والمباشرة في رفعها إن كان مدعياً وفي دفعها إن كان مدعى عليه. وبعبارة أخرى هو الأصيل فيها مدعياً كان أو مدعى عليه. أما النائب عن هذا الأصيل كالوصي على القاصر والقيّم على المحجور عليه وكالوزراء بالنسبة للدعاوى المتعلقة بالدولة، فهؤلاء لا يعتبرون أخصاماً بذواتهم في تلك الدعاوى؛ لأنهم ليسوا ذوي مصلحة شخصية ومباشرة فيها، فتمنع درجة قرابتهم أو مصاهرتهم القاضي من نظرها وتجعله غير صالح للحكم فيها طبقاً للفقرة الأولى من المادة 313 من قانون المرافعات المدنية والتجارية، وإنما هم نائبون فقط عن الخصوم فيها، وهذه النيابة قد تزول ويحل محلهم غيرهم فيها؛ ذلك لأن الحكم الصادر في الدعوى لا ينصرف أثره إلا إلى الأصلاء، دون النائبين عنهم. أما نيابة القاضي عن أحد الخصوم أو قرابة القاضي أو مصاهرته لغاية الدرجة الرابعة للنائبين عن الخصوم في الدعوى التي تجعل القاضي غير صالح لنظرها ممنوعاً من سماعها فقد حددتها الفقرة الثالثة من تلك المادة في الحالات التي ذكرتها على سبيل الحصر وهي إذا كان القاضي "وكيلاً لأحد الخصوم في أعماله الخصوصية أو وصياً عليه أو قيّماً أو مظنونة وراثته له، أو كانت له صلة قرابة أو مصاهرة للدرجة الرابعة بوصي أحد الخصوم أو بالقيّم عليه أو بأحد أعضاء مجلس إدارة الشركة المختصة أو بأحد مديريها وكان لهذا العضو أو المدير مصلحة شخصية في الدعوى". ونيابة الوزراء بالنسبة إلى الدعاوى المتعلقة بالدولة طبقاً للفقرة الأولى من المادة 14 من قانون المرافعات المدنية والتجارية ليست من بين تلك الحالات سالفة الذكر الواردة على سبيل الحصر، وهي حالات لا يمكن التوسع فيها؛ لأنه يترتب عليها بطلان الحكم، ومن المسلم أنه لا بطلان إلا بنص.
ومن حيث إن السيد وزير الأشغال لم يكن خصماً أصيلاً في الدعوى وإنما اختصم كنائب عن الدولة بوصفه وزيراً لإحدى الوزارات، فالخصومة - والحالة هذه - إنما انعقدت بين المدعي وبين الدولة، لا بين المدعي وبين الوزير بصفته الشخصية؛ إذ لم يطلب الحكم عليه بأي إلزام أو شيء بهذه الصفة الأخيرة، كما أن الخصومة انصبت على طلب إلغاء قرار إداري صدر في شأن تسيير مرفق عام من مرافق الدولة يقوم الوزير على إدارته بوصفه وزيراً. فموضوع الدعوى هو اختصام القرار الإداري في ذاته ووزنه بميزان القانون، فيلغى القرار إذا شابه عيب من العيوب المنصوص عليها في المادة الثالثة من القانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة والمادة الثامنة من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيمه، وهي عدم الاختصاص أو وجود عيب في الشكل أو مخالفة القوانين واللوائح أو الخطأ في تطبيقها وتأويلها أو إساءة استعمال السلطة، ويكون حصيناً من الإلغاء إذا لم ينطو على عيب أو أكثر من تلك العيوب. والخصومة عينية بالنسبة إلى القرار، بمعنى أن الحكم الصادر بالإلغاء يكون حجة على الكافة طبقاً للمادة التاسعة من القانون الأول والمادة 17 من القانون الثاني. فلا وجه - والحالة هذه - لما يثيره المدعي من أنه نسب إلى الوزير في الدعوى إساءة استعمال السلطة، زعماً بأنه كان مدفوعاً في تصرفه مع المدعي بعوامل وأغراض شخصية؛ لأن الطعن في القرار الإداري بعيب إساءة استعمال السلطة لا يقلب الخصومة في شأنه إلى خصومة شخصية بين الطاعن والوزير، ما دام لم يطلب الحكم عليه بإلزام أو شيء بهذه الصفة. أما ما يثيره المدعي من أن الطعن في القرار بعيب إساءة استعمال السلطة قد يعرض الوزير لمساءلته شخصياً عن التعويض مستقبلاً في دعوى أخرى، فتكون له مصلحة شخصية في دعوى الإلغاء، فمردود بأن الفقرة الرابعة من المادة 313 من قانون المرافعات المدنية والتجارية التي استظهرت مثل هذه الحالة أي حالة وجود مصلحة للقريب أو الصهر في الدعوى ولو لم يكن خصماً فيها، فإن تلك الفقرة لا تجعل القاضي ممنوعاً من سماعها غير صالح لنظرها إلا "إذا كان له أو لزوجته أو أحد أقاربه أو أصهاره على عمود النسب أو لمن يكون هو وكيلاً عنه أو وصيّاً أو قيّماً عليه مصلحة في الدعوى القائمة". فيجب لكي تكون القرابة أو المصاهرة في هذه الحالة مانعة للقاضي من سماع الدعوى تجعله غير صالح لنظرها أن تكون على عمود النسب، أي قرابة أو مصاهرة مباشرة، دون قرابة أو مصاهرة الحواشي. والقرابة المباشرة هي الصلة ما بين الفروع والأصول طبقاً للمادة 35 من القانون المدني، ولكي تكون المصاهرة مباشرة يجب أن يكون أقارب أحد الزوجين معتبرين في نفس هذه القرابة بالنسبة إلى الزوج الآخر، وذلك طبقاً للمادة 36 من القانون المذكور؛ وعلى ذلك فالأقارب الأصهار على عمود النسب هم بالنسبة إلى القاضي ولده ووالده (أباً أو أماً) وولد زوجه وزوج ولده ووالد زوجته وزوج والده، وإن علوا أو نزلوا.
ومن حيث إنه يبين من كل ما تقدم أنه لم يقم بالسيد المستشار الإمام الخريبي أي مانع يجعله غير صالح لنظر الدعوى، وإنما قام هذا المانع بالسيد المستشار بدوي إبراهيم حمودة، فامتنع عن نظر الدعوى طبقاً للفقرة الخامسة من المادة 313 من قانون المرافعات، لأنه هو الذي أقام الطعن وقت أن كان يعمل رئيساً لهيئة مفوضي الدولة، كما أنه بتنحيه لم يبق سوى خمسة وهو العدد اللازم لتشكيل المحكمة لإمكان الفصل في الدعوى؛ ومن ثم تكون الدعوى الحالية على غير أساس سليم من القانون ويتعين رفضها مع إلزام المدعي بالمصروفات الخاصة بها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدفع بعدم قبول الدعوى، وبقبولها، وبرفضها موضوعاً، وألزمت المدعي بالمصروفات الخاصة بها.