مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية - العدد الثاني (من أول فبراير إلى آخر مايو سنة 1957) - صـ 664

(70)
جلسة 9 من مارس سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 1651 لسنة 2 القضائية

( أ ) فصل بغير الطريق التأديبي - المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 - اقتراحات لجان التطهير ليست هي القرارات الإدارية ذات الصفة التنفيذية، بل هي مجرد مرحلة تمهيدية لازمة قبل صدور القرار الإداري من السلطة المختصة.
(ب) لجنة التطهير - اقتراحها نقل الموظف بدلاً من فصله - مثل هذا الاقتراح لا يبطل قرار النقل إن صدر ممن يملكه بعد تقديره لهذه الملاءمة - دليل ذلك.
(جـ) موظف - نقله - شروط ذلك - المادة 47 من قانون الموظفين - نقل موظف بالسلك الدبلوماسي إلى مثل درجته بالكادر الإداري قبل صدور القانون رقم 166 لسنة 1954 - جوازه.
(د) سلك دبلوماسي وقنصلي - التعيين فيهما بطريق الترقية لا يكون إلا من الوظيفة التي تسبقها مباشرة في السلك ذاته لا من سلك آخر.
1 - إن اقتراحات اللجان المشكلة بالوزارات والمصالح، طبقاً للفقرة الثانية من المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 في شأن فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي، ليست هي القرارات الإدارية ذات الصفة التنفيذية، أي ليست هي التي تنشئ بذاتها المركز القانوني، بل إن عملها بحسب المرسوم بقانون المشار إليه هو مرحلة تمهيدية لا بد منها، وموافقتها السابقة على الفصل لازمة قبل صدور القرار الإداري بذلك ممن يملكه قانوناً، وإنما هذا القرار هو الذي ينشىء المركز القانوني بالفصل إذا رأت الجهة المختصة بإصدار قرار الفصل - بالتطبيق للمرسوم بقانون سالف الذكر - الأخذ باقتراح اللجنة، كما أن لتلك الجهة ألا تأخذ باقتراحها وتبقي الموظف.
2 - لا تثريب على لجنة التطهير المشكلة إعمالاً للمرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 إن رأت، بعد استظهار حالة الموظف، أنه لا يستحق الفصل، وإنما تستوجب المصلحة العامة نقله إلى عمل آخر - لا تثريب عليها إذا أبدت ذلك، ولا يعتبر إبداؤها لمثل هذا الاقتراح مبطلاً للقرار الإداري بالنقل إذا صدر ممن يملكه بعد تقديره لهذه الملاءمة في ضوء ما اقترحته اللجنة، ما دامت الجهة التي أصدرت قرار النقل تملك ذلك قانوناً بناء على ما تقدره هي، أياً كان المصدر الذي استقت منه العناصر التي كشفت لها هذه الملاءمة، وسواء أكان ماضي عمل الموظف ومدى صلاحيته له بحسب تقدير رؤسائه له، أم على ضوء ما تسفر عنه تحقيقات عادية أجريت معه، أم على هدى ما بان للجنة المشار إليها من بحث حالته، أم غير ذلك من المصادر التي قد تستظهرها الجهة المختصة بإصدار قرار النقل؛ لأنها غير مقيدة بأن يكون تقديرها مستمداً من مصدر بذاته، وليست ممنوعة قانوناً من أن تستنير ببحث اللجنة المذكورة أو بغيرها عند وزنها لمناسبات إصدار قرار النقل.
3 - نصت المادة 47 من قانون نظام موظفي الدولة على جواز نقل الموظف من إدارة إلى أخرى، ومن مصلحة أو وزارة إلى مصلحة أو وزارة أخرى، على ألا يكون هذا النقل من وظيفة إلى أخرى درجتها أقل من درجته. ولما كان الثابت أن المدعي إنما نقل من الدرجة الرابعة الإدارية في السلك السياسي إلى مثيلتها، وهي الدرجة الرابعة الإدارية بديوان الوزارة، وذلك قبل صدور القانون رقم 166 لسنة 1954 الخاص بنظام السلكين السياسي والقنصلي، فإن هذا النقل يكون قد وقع صحيحاً في حدود الرخصة المخولة للإدارة بالقانون المعمول به وقتئذ، ما دام النقل ليس حاصلاً إلى درجة أدنى، ولا يعد بهذه المثابة منطوياً على تنزيل في الوظيفة أو جزاء تأديبي؛ إذ أن ما يتطلبه المشرع هو تماثل الدرجة فحسب. وإذا كان المرسوم بقانون رقم 42 لسنة 1953 بوضع استثناء وقتي من بعض أحكام المادة 47 سالفة الذكر، قد أجاز - في الفترة من تاريخ العمل به في 22 من يناير سنة 1953 حتى آخر فبراير سنة 1953، وهي التي تم خلالها نقل المدعي - أن ينقل الموظف من وظيفة فنية عالية أو إدارية إلى وظيفة فنية متوسطة أو كتابية من الدرجة ذاتها، مقراً بذلك التنزيل في الوظيفة مع الإبقاء على الدرجة فقط، فإن النقل من وظيفة إدارية في السلك السياسي إلى وظيفة إدارية مثلها، ومن الدرجة ذاتها بديوان الوزارة دون تنزيل، يكون جائزاً من باب أولى؛ إذ يتضح من ميزانية وزارة الخارجية أن الدرجات المخصصة لوظائف السلك السياسي قبل القانون رقم 166 لسنة 1954 هي درجات إدارية، وكذلك الدرجات المخصصة للوظائف الإدارية الأخرى بالوزارة.
4 - إن التعيين في وظائف السلكين الدبلوماسي والقنصلي بطريق الترقية لا يكون - طبقاً لحكم المادة 7 من القانون رقم 166 لسنة 1954 - إلا من الوظيفة التي تسبقها مباشرة في السلك ذاته لا في سلك آخر. فإذا ثبت أن المدعي وقت إجراء الحركة المطعون فيها كان موظفاً بالدرجة الرابعة الإدارية فعينته الوزارة في وظيفة سكرتير ثان المخصص لها الدرجة الرابعة في السلك السياسي، أي في الوظيفة المقابلة، فإنها ما كانت تملك تعيينه في وظيفة أعلى؛ لأن مثل هذا التعيين يتضمن ترقية لموظف في السلك الإداري إلى درجة أعلى في السلك السياسي، وهو ما لا يجوز.


إجراءات الطعن

في أول يوليه سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيدت بجدولها تحت رقم 1651 لسنة 2 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة) بجلسة 3 من مايو سنة 1956 في الدعوى رقم 912 لسنة 7 القضائية المقامة من أمين محمد أحمد سوكة ضد وزارة الخارجية، القاضي "1 - بإثبات تنازل المدعي عن التظلم رقم 2601 لسنة 2 القضائية وألزمته بمصروفاته. 2 - برفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين، للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه، "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية بالأقدمية المطلقة إلى درجة سكرتير أول أو قنصل عام من الدرجة الثانية، وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الحكومة المصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الخارجية في 28 من أغسطس سنة 1956، وإلى المطعون لصالحه في 29 منه، وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 9 من فبراير سنة 1957. وقد أودع المطعون لصالحه في 10 من أكتوبر سنة 1956 و13 من فبراير سنة 1957 مذكرتين بملاحظاته انتهى فيها إلى طلب الحكم بقبول الطعن، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية بالأقدمية المطلقة إلى درجة سكرتير أول أو قنصل عام من الدرجة الثانية، وما يترتب على ذلك من آثار، مع إلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. ولم تقدم الحكومة مذكرة ما بملاحظاتها. وفي 2 من يناير سنة 1957 أبلغ الطرفان بميعاد الجلسة التي عينت لنظر الطعن. وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق الحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون لصالحه أقام الدعوى رقم 912 لسنة 7 القضائية ضد وزارة الخارجية أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 24 من مارس سنة 1953، ذكر فيها أنه حصل على إجازة الحقوق عم 1937 والتحق بخدمة وزارة الخارجية في 20 من أكتوبر سنة 1938، وظل يتدرج في وظائفها حتى عين في 18 من أغسطس سنة 1948 في وظيفة ملحق أول بالسلك السياسي. وفي 14 من نوفمبر سنة 1949 و15 من نوفمبر سنة 1950 صدرت أوامر ملكية بالترقية إلى وظائف السكرتيرين الثوالث والقناصل دون أن تشمله، بدعوى أن أقدميته لا تؤهله لهذه الترقية، فأقام أمام محكمة القضاء الإداري الدعوى رقم 628 لسنة 5 القضائية ضد وزارة الخارجية طالباً فيها إلغاء الأوامر الملكية المذكورة فيما تضمنته من تركه في الترقية إلى وظيفة سكرتير ثالث أو قنصل المماثلة لها. وقد قضي في هذه الدعوى لصالحه، وتنفيذاً لهذا الحكم صدر أمر ملكي في أكتوبر سنة 1952 بتعيينه سكرتيراً ثالثاً اعتباراً من 14 من نوفمبر سنة 1949 وترقيته إلى الدرجة الرابعة الفنية. وقد عين بالسفارة المصرية بروما وعهد إليه القيام بأعمال القنصل العام، وأثناء ذلك كتب تقريراً ضد أحد الإيطاليين لوضعه في قائمة غير المرغوب فيهم لنشاطه ضد مصر، فأثار هذا التقرير ثائرة الأستاذ عبد الرحمن حقي الذي كان قد أوصى بتعيين هذا الإيطالي أستاذاً بكلية الآداب بجامعة القاهرة، فحقد على المدعي. وما أن ألفت لجان التطهير حتى عمل على تقديمه إليها بحجة عدم لياقته لوظائف السلك السياسي، وقد بحثت اللجنة حالته فلم تأخذ عليه أي مأخذ، إلا أنه فوجئ بصدور قرار من وزير الخارجية في 10 من فبراير سنة 1953 بنقله إلى الكادر الإداري بديوان الوزارة. ولما كان هذا القرار قد وقع باطلاً فإنه يحق له طلب إلغائه: (1) لأن النقل من وظيفة في السلك السياسي إلى وظيفة في السلك الإداري يعتبر تنزيلاً في الوظيفة، وهو بهذه المثابة جزاء تأديبي لا يسوغ توقيعه إلا بقرار من السلطة التأديبية المختصة وباتباع الإجراءات والأوضاع المرسومة في القانون. (2) ولأنه يجوز الاحتجاج بأحكام القانون رقم 42 لسنة 1953؛ لأن هذا القانون يتعلق بالنقل من وظيفة فنية عالية أو إدارية إلى وظيفة فنية متوسطة أو كتابية، والمدعي قد نقل من وظيفة فنية عالية إلى وظيفة إدارية تختلف عنها في طبيعتها وأحكامها ومزاياها. (3) ولأنه ليس أدل على أن القرار المطعون فيه قد جانب حكم القانون من أن وزارة الخارجية لا تزال تعتبر المدعي في وظائف السلك السياسي؛ إذ صدر أمر ملكي في مارس سنة 1953 اشتمل على تعيين المدعي بوصفه سكرتيراً ثالثاً بالوزارة، وخلص المذكور من هذا إلى طلب "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من وزير الخارجية في 10 من فبراير سنة 1953 بنقل المدعي من وظيفة سكرتير ثالث إلى الكادر الإداري بديوان الوزارة، مع إلزام المعلن إليه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وبعريضة مودعة سكرتيرية المحكمة في 5 من ديسمبر سنة 1954 عدّل المدعي طلباته إلى "طلب إلغاء المرسوم الصادر في 15 من إبريل سنة 1954 بحركة ترقيات بين رجال السلك السياسي والقنصلي فيما تضمنه من تركه في الترقية إلى وظيفة سكرتير أول أو قنصل عام من الدرجة الثانية والحكم باستحقاقه لهذه الوظيفة منذ هذا التاريخ مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". واستند في ذلك إلى أنه في 15 من إبريل سنة 1954 صدر مرسوم بحركة ترقيات بين رجال السلك السياسي والقنصلي تضمن إعادته إلى السلك السياسي، إلا أنه بدلاً من إسناد وظيفة سكرتير أول إليه، وهي التي يستحق الترقية إليها بحسب أقدميته أسندت إليه وظيفة سكرتير ثانٍ، أي أنه أعيد إلى ذات الوظيفة التي كان يشغلها قبل نقله إلى السلك الإداري دون منحه الترقية التي يستحقها والتي فوتها عليه قرار نقله إلى السلك الإداري. وبجلسة 15 من مارس سنة 1956 قرر بأنه رقي فعلاً إلى وظيفة سكرتير أول في إبريل سنة 1955؛ ومن ثم فإن طلباته أصبحت تنحصر في تعديل أقدميته في هذه الدرجة بإرجاعها إلى 15 من إبريل سنة 1954، كما قرر بتنازله عن التظلم رقم 2601 لسنة 2 القضائية السابق رفعه منه إلى اللجنة القضائية لوزارة الخارجية، والذي أصبح لا محل له لكون الدعوى الحالية تشمل ذات الطلبات التي تناولها، وكان هذا التظلم قد أحيل إلى المحكمة الإدارية لوزارة الخارجية ثم إلى محكمة القضاء الإداري. وقد دفعت وزارة الخارجية الدعوى بأن المدعي قدم إلى لجنة التطهير لأمور نسبت إليه، فرأت اللجنة عدم إبقائه بوزارة الخارجية ونقله إلى وزارة أخرى، ولكن وزارة الخارجية أبقته في عمله رفقاً به. وعند إجراء الحركة عرضت حالته على لجنة شئون الموظفين، ولخلو ملفه السري من تقرير بعد عام 1949 قامت اللجنة بنفسها بتقدير كفايته فانتهت إلى تقديره بدرجة ضعيف وتخطيه في الترقية، وذلك بمقتضى السلطة المخولة لها بالمادتين 12 و15 من القانون رقم 166 لسنة 1954. أما نقله إلى الكادر الإداري، فقد تم بناء على قرار أصدره مجلس الوزراء في هذا الشأن أخذاً بما اقترحته اللجنة الوزارية التي عهد إليها النظر في مقترحات لجنة التطهير. ولما كان قد نقل إلى الدرجة الرابعة الإدارية وهو يشغل في السلك السياسي الدرجة الرابعة الإدارية أيضاً؛ فإن هذا النقل يكون قد تم من درجة إدارية مماثلة ولا ينطوي على تنزيل له، كما أنه يترتب عليه اعتباره موظفاً إدارياً بالديوان العام وإدراج اسمه في كشوف أقدمية الموظفين الإداريين. ومن ثم فإنه لم يكن عند صدور القرار المطعون فيه يشغل وظيفة في السلك السياسي والقنصلي الذي يختلف عن السلك الإداري، وقد استعملت الوزارة عندما عينته سكرتيراً ثانياً بالدرجة الرابعة في حركة إبريل سنة 1954 حقها المقرر في الفقرة "ب" من البند الثاني من المادة السابعة من القانون رقم 166 لسنة 1954 الخاص بنظام السلكين السياسي والقنصلي، وهي التي أجازت تعيين موظفي الكادر الإداري في السلك السياسي في الوظائف المقابلة لدرجاتهم؛ وإذ كان عند إجراء الحركة المذكورة موظفاً بالدرجة الرابعة الإدارية، فقد عينته في وظيفة سكرتير ثان درجة رابعة في السلك السياسي، ولم يكن جائزاً لها أن تعينه في وظيفة أعلا؛ لأن ذلك يعد ترقية لموظف بالسلك الإداري إلى درجة في كادر السلك السياسي. وخلصت الوزارة من هذا إلى طلب رفض دعواه لكونه لم يصبه تخط في الترقية. وبجلسة 3 من مايو سنة 1956 قضت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة): "1 - بإثبات تنازل المدعي عن التظلم رقم 2601 لسنة 2 القضائية وألزمته بمصروفاته 2 - برفض الدعوى وألزمت المدعي المصروفات". وأقامت قضاءها على أن اختصاصات لجان التطهير والقرارات التي لها أن تتخذها محددة في المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 على سبيل الحصر، وهي مقصورة على اقتراح فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي دون أي جزاء آخر أو حفظ الموضوع. وما لا تملكه هذه اللجان لا يملكه مجلس الوزراء؛ إذ أن سلطته في تطبيق المرسوم بقانون المشار إليه مقيدة بذات القيود ومحصورة في النطاق الذي وضع هذا التشريع الاستثنائي من أجله. ولما كان نقل المدعي من السلك السياسي إلى إحدى وظائف السلك الإداري ينطوي على تنزيل هو بمثابة جزاء مقنع؛ فإن قرار مجلس الوزراء الصادر في فبراير سنة 1953 بهذا النقل يكون مخالفاً للقانون ولا أثر له، ويتعين معاملة المدعي كما لو كانت خدمته مستمرة في وظائف السلك السياسي دون اعتداد بالفترة التي قضاها بالسلك الإداري قبل إعادته إلى السلك السياسي. أما بالنسبة إلى قرار 15 من إبريل سنة 1954 الذي يطلب المدعي إلغاءه فيما تضمنه من تركه في الترقية إلى وظيفة سكرتير أول بالدرجة الثالثة، فإن الثابت من الاطلاع على ملفه السري أن لجنة شئون الموظفين قدرته بدرجة ضعيف في أول فبراير سنة 1954، فلم يكن من حقه أن يرقى إلى درجة سكرتير أول من الدرجة الثالثة طبقاً للقاعدة التي وضعتها اللجنة من اتباع الأقدمية في الترقية بعد تخطي الضعيف. ولا يغير من هذا النظر ما يقوله المدعي من وجوب وجود تقريرين متتاليين بدرجة ضعيف؛ ذلك أن اللجنة وقد وجدت ملفه خالياً من أي تقرير عنه بعد سنة 1949 استعرضت حالته باعتباره منتدباً بالسلك السياسي في تلك المدة، وقدرته بدرجة ضعيف في المدة المذكورة من سنة 1950 إلى تاريخ قرارها الصادر في فبراير سنة 1954، أي عن أربع سنوات متتالية، وبذا تكون على حق في تخطيه طبقاً للقاعدة التي وضعتها والتي تتفق وخطورة الوظائف السياسية وأهميتها. ومتى تقرر أنه لا حق للمدعي في أن يرقى بقرار 15 من إبريل سنة 1954، فإنه لا يكون له حق في المطالبة بإرجاع أقدميته في وظيفة سكرتير أول إلى هذا التاريخ، وتكون دعواه بعد قصرها عليه هذا الطلب على غير أساس سليم من القانون حقيقة بالرفض. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في أول يوليه سنة 1956؛ وبنى أسباب طعنه على أنه يخلص من نصوص القانون رقم 210 لسنة 1951 أن الرئيس المباشر هو المنوط به وضع التقارير السنوية عن الموظفين الخاضعين لهذا النظام لكونه، بحكم اتصاله المباشر بمرءوسيه وإشرافه عليهم ورقابته لهم، أقدر من غيره على الحكم على مبلغ كفايتهم وتحري سلوكهم وإذا كان للجنة شئون الموظفين اختصاص في هذا الشأن باعتبارها المرجع النهائي فيه؛ فإن اختصاصها هذا لا يكون مبتدأ بوضع التقارير، وإنما هي مباشرة عن طريق الإشراف والتعقيب على تقدير الرؤساء المباشرين، ولها أن تعدل هذه التقديرات بما تراه، على أساس ما هو وارد بملف خدمة الموظف وفقاً للطريق المرسوم لذلك في القانون. فإذا أصبحت التقديرات نهائية أصبح لا مندوحة للجنة من الأخذ بها عند النظر في العلاوات والترقيات، وليس لها أن تطرحها وتعتمد على معلومات خارجية أو على آراء أعضائها الشخصية. وبذلك يتحقق التوفيق بين اعتبارات المصلحة العامة من حيث ضبط درجة كفاية الموظف وتوفير الضمانات له؛ حتى لا يكون عرضة بغير حق للتحكم والأهواء، وحتى لا يؤخذ بما لم يقم عليه دليل مستمد من أصول ثابتة في الأوراق. وبناء هذا فإن لجنة شئون الموظفين بوزارة الخارجية تكون قد خالفت القانون إذ قصدت ابتداء في اجتماعها يوم أول فبراير سنة 1954 لتقدير كفاية المدعي بدرجة ضعيف، ولا يجوز الاعتداد بتقديرها هذا الذي لا يحول دون ترقية المذكور بالأقدمية المطلقة في الحركة المطعون فيها. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد خالف القانون. وانتهى السيد رئيس هيئة المفوضين من هذا إلى طلب "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية بالأقدمية المطلقة إلى درجة سكرتير أول أو قنصل عام من الدرجة الثالثة وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الحكومة المصروفات". وقد أودع المدعي في 10 من أكتوبر سنة 1956 و13 من فبراير سنة 1957 مذكرتين بملاحظاته قال فيهما إن إعادته إلى وظائف السلك السياسي تعد سحباً للقرار الصادر بنقله إلى إحدى الوظائف الإدارية بالوزارة، وقد وقع هذا السحب في الميعاد القانوني؛ ومن ثم فإنه يعود إلى السلك الذي كان فيه بأقدميته التي كان عليها؛ وإذ كان يستحق حسب أقدميته الترقية إلى وظيفة سكرتير أول التي تركته الوزارة في الترقية إليها فقد طلب الحكم باعتبار الخصومة منتهية بالنسبة إلى طلب إلغاء قرار نقله وبإلغاء المرسوم الصادر في 15 من إبريل سنة 1954 فيما تضمنه من تركه في الترقية إلى الوظيفة المذكورة وما يترتب على ذلك من آثار. ولما كانت الوزارة قد رقته بعد ذلك إلى وظيفة سكرتير أول بالمرسوم الصادر في 20 من إبريل سنة 1955 فقد أصبحت نتيجة دعواه إرجاع أقدميته في هذه الوظيفة إلى 15 من إبريل سنة 1954 بدلاً من 20 من إبريل سنة 1955. وفي 30 من نوفمبر سنة 1955 أجرت الوزارة حركة ترقيات كان يستحق الترقية فيها حسب أقدميته الصحيحة إلى درجة مستشار، فلما تظلم إلى الوزارة من تركه في هذه الحركة أجابت بعدم ملاءمة النظر في تظلمه لعدم البت في أقدميته في وظيفة سكرتير أول، وأنه لم يرق أحد ممن يلونه في الأقدمية. وقد بني الحكم المطعون فيه على اعتماد قرار لجنة شئون الموظفين بالوزارة في تقدير درجة كفايته بضعيف، مع أنها لا تملك هذا التقدير ابتداء، كما أنه رأى صواب تركه في الترقية مع أنه لم يقدم عنه سوى تقرير واحد بدرجة ضعيف، فخالف بذلك القانون الذي يتطلب أكثر من تقرير بهذه الدرجة لإمكان تخطي الموظف في الترقية بالأقدمية وأن تكون هذه التقارير سنوية متتالية. وليس يجوز اعتبار تقرير واحد شاملاً لأربع سنوات، بل إن لجنة شئون الموظفين ذاتها لم تذكر أنها قصدت إلى تقدير كفايته عن أكثر من سنة واحدة. هذا إلى أن ثمة تقريراً عن المدعي في سنة 1953 من رئيسه المباشر قدر فيه درجة كفايته بـ 84 درجة من مائة. ولا حجة في القول بأن اللجنة قد عدلت هذا التقرير بإنقاصه إلى 48 درجة؛ لأن هذا التعديل لا يستند إلى أساس من الأوراق، فضلاً عن أنه قد تم بعد حركة الترقيات المطعون فيها، وأنه لا يعتبر بدرجة ضعيف إذ أن هذه الدرجة لا تزيد على الأربعين بحسب نص المادة 13 من القانون رقم 166 لسنة 1954، بل إن المدعي قد رقي في الحركة اللاحقة للحركة المطعون فيها دون تغير الظروف الخاصة به. وقد جانب الحكم المطعون فيه الصواب إذ استند إلى قاعدة قال إن لجنة شئون الموظفين قد وضعتها في حين أنها غير مقدمة في الدعوى، وهي قاعدة لا تملك اللجنة أن تخالف بها القانون الذي يستلزم للتخطي في الترقية بالأقدمية وجود تقريرين سنويين متتاليين بدرجة ضعيف. هذا إلى أن اللجنة لم تشكل تشكيلاً قانونياً صحيحاً ولم تضع تقديرات بالدرجات عن مختلف العناصر التي يتضمنها التقرير عادة، وأن ما ذكرته من أن المدعي لم توضع عنه تقارير منذ سنة 1949 غير مطابق للواقع؛ إذ قد وضع عنه تقرير في سنة 1953 وإن كانت اللجنة قد عدلته بعد الحركة المطعون فيها تعديلاً لا تملكه بعد تقرير الرؤساء المباشرين والرئيس المحلي. وخلص من هذا إلى طلب "الحكم بقبول الطعن وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية بالأقدمية المطلقة إلى درجة سكرتير أول أو قنصل عام من الدرجة الثانية وما يترتب على ذلك من آثار مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة".
ومن حيث إن المدعي سبق أن طلب الحكم باعتبار الخصومة منتهية بالنسبة إلى طلب إلغاء القرار الصادر من وزير الخارجية في 10 من فبراير سنة 1953 بنقله من وظيفة سكرتير ثالث إلى السلك الإداري بديوان الوزارة، وذلك بعد إذ أعيد إلى وظائف السلك السياسي، كما أنه رقي إلى وظيفة سكرتير أول بالمرسوم الصادر في 20 من إبريل سنة 1955، وبهذا انحصر النزاع في تحديد أقدميته في هذه الوظيفة، وما يترتب على ذلك من آثار إن كان له وجه حق فيما يطلبه من إلغاء المرسوم الصادر في 15 من إبريل سنة 1954 فيما تضمنه من تركه في الترقية إلى وظيفة سكرتير أول أو قنصل عام من الدرجة الثانية.
ومن حيث إنه يتضح من الأوراق أن المدعي كان يشغل في وزارة الخارجية وظيفة سكرتير ثالث التي عين فيها بالقرار الوزاري رقم 547 الصادر في 8 من نوفمبر سنة 1952 مع اعتبار ترقيته إلى الدرجة الرابعة الإدارية ابتداء من أول مايو سنة 1950، وأن لجنة الفصل من غير الطريق التأديبي بالوزارة أوصت بنقله إلى وزارة أخرى نظراً إلى ما استبان لها من ضعف إنتاجه وضعف شخصيته وعدم ملاءمة مظهره، وأن مجلس الوزراء أصدر بجلسته المنعقدة في 7 من يناير سنة 1953 قراراً بنقله إلى الكادر الإداري بديوان الوزارة، وذلك بناء على ما اقترحته اللجنة الوزارية التي عهد إليها النظر في مقترحات لجنة التطهير، وتنفيذاً لذلك صدر قرار وزير الخارجية رقم 117 في 10 من فبراير سنة 1953 بنقله من السلك السياسي إلى السلك الإداري بديوان الوزارة مع استمرار قيده على درجته الرابعة الفنية العالية إلى أن تخلو درجة رابعة إدارية بديوان الوزارة فينقل إليها. وفي 30 من مارس سنة 1953 صدر قرار مجلس الوزراء بتعيينه موظفاً إدارياً بديوان الوزارة؛ وتنفذ ذلك بقرار وزير الخارجية رقم 231 الصادر في إبريل سنة 1953. ثم صدر الأمر الجمهوري رقم 5 في 15 من فبراير سنة 1954 بندبه سكرتيراً ثالثاً بالوزارة، وتنفذ هذا الأمر بقرار وزير الخارجية رقم 400 الصادر في 30 من مارس سنة 1954، وتعدل لقبه إلى سكرتير ثانٍ بالدرجة الرابعة وذلك ابتداء من 20 من مارس سنة 1954. وفي 10 من إبريل سنة 1954 صدر مرسوم جمهوري تضمن تعيينه سكرتيراً ثانياً بالوزارة، وهو المرسوم الذي يطعن فيه بطلب إلغائه فيما تضمنه من تركه في الترقية إلى وظيفة سكرتير أول أو قنصل عام من الدرجة الثانية لكونه قضى بإعادته إلى ذات الوظيفة التي كان يشغلها قبل نقله إلى السلك الإداري دون منحه الترقيات التي كان يستحقها والتي فوتها عليه هذا النقل، وقد تنفذ هذا المرسوم بقرار وزير الخارجية رقم 715 الصادر في 30 من مايو سنة 1954. ثم صدر قرار مجلس الوزراء في 20 من إبريل سنة 1955 بتعيينه سكرتيراً أولاً بالوزارة، وتنفذ ذلك بالقرار الوزاري رقم 606 الصادر في 29 من مايو سنة 1955 مع ترقيته إلى الدرجة الثالثة المخصصة لوظيفته اعتباراً من تاريخ صدور قرار مجلس الوزراء المشار إليه.
ومن حيث إن تحديد المركز القانوني الصحيح للمدعي عند إعادته من السلك الإداري إلى السلك السياسي يقتضي بحث مدى صحة القرار الصادر من وزير الخارجية في 10 من فبراير سنة 1953 بنقله إلى السلك الإداري بديوان الوزارة، وأثر القرار المذكور بالنسبة إلى وضعه السابق واللاحق، وذلك على الرغم من طلب اعتبار الخصومة منتهية في خصوص هذا القرار بدعوى أن الوزارة قد سحبته ورجعت فيه خلال الميعاد القانوني، بينما تنكر الوزارة تكييفه القانوني على النحو الذي ذهب إليه المدعي، وتصر على أنه إعادة تعيين في السلك السياسي وليس سحباً لقرار النقل الأول.
ومن حيث إنه لا وجه للتحدي ببطلان قرار نقل المدعي إلى السلك الإداري بمقولة إن اللجان المشكلة بالوزارات والمصالح العامة - طبقاً للفقرة الثانية من المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 في شأن فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي - قد جاوزت اختصاصها حين اقترحت نقل المدعي من السلك السياسي إلى عمل آخر، بدعوى أنها لا تختص سوى باقتراح فصل الموظف أو إبقائه دون نقله إلى عمل آخر، أو تنزيله - لا وجه لذلك لأن اقتراحات تلك اللجان ليست هي القرارات الإدارية ذات الصفة التنفيذية، أي ليست هي التي تنشئ بذاتها المركز القانوني، بل إن عملها بحسب المرسوم بقانون المشار إليه هو مرحلة تمهيدية لا بد منها، وموافقتها السابقة على الفصل لازمة قبل صدور القرار الإداري بذلك ممن يملكه قانوناً، وإنما هذا القرار هو الذي ينشىء المركز القانوني بالفصل إذا رأت الجهة المختصة بإصدار قرار الفصل بالتطبيق للمرسوم بقانون سالف الذكر الأخذ باقتراح اللجنة. كما أن لتلك الجهة ألا تأخذ باقتراحها وتبقي الموظف. ولا تثريب على الجنة إن رأت - بعد استظهار حالة الموظف - أنه لا يستحق الفصل وإنما تستوجب المصلحة العامة نقله إلى عمل آخر - لا تثريب عليها إذا أبدت ذلك، ولا يعتبر إبداؤها لمثل هذا الاقتراح مبطلاً للقرار الإداري بالنقل إذا صدر ممن يملكه بعد تقديره لهذه الملاءمة في ضوء ما اقترحته اللجنة، ما دامت الجهة التي أصدرت قرار النقل تملك ذلك قانوناً بناء على ما تقدره هي، أياً كان المصدر الذي استقت منه العناصر التي كشفت لها هذه الملاءمة، سواء أكان ماضي عمل الموظف ومدى صلاحيته له بحسب تقدير رؤسائه له أم على ضوء ما تسفر عنه تحقيقات عادية أجريت معه أم على هدى ما بان للجنة المشار إليها من بحث حالته أم غير ذلك من المصادر التي قد تستظهرها الجهة المختصة بإصدار قرار النقل؛ لأنها غير مقيدة بأن يكون تقديرها مستمداً من مصدر بذاته، وليست ممنوعة قانوناً من أن تستنير ببحث اللجنة المذكورة أو بغيرها عند وزنها لمناسبات إصدار قرار النقل. والواقع من الأمر أن نقل المدعي من السلك السياسي إلى السلك الإداري قد تم بناء على اقتراح اللجنة الوزارية التي عهد إليها إعادة النظر في شئون موظفي وزارة الخارجية في ضوء أعمال لجنة التطهير، واستهداء بما أسفرت عنه أبحاثها وتحقيقاتها اقترحت في سبيل تحقيق المصلحة العامة نقل المدعي، وصدر القرار بعد ذلك ممن يملكه بعد تقدير هذه الملاءمة على ضوء ما تقدم.
ومن حيث إن نقل المدعي من السلك السياسي إلى السلك الإداري قد تم في 10 من فبراير سنة 1953، فيخضع لأحكام قانون نظام موظفي الدولة، وقد نصت المادة 47 من هذا القانون على جواز نقل الموظف من إدارة إلى أخرى ومن مصلحة أو وزارة إلى مصلحة أو وزارة أخرى، على ألا يكون هذا النقل من وظيفة إلى أخرى درجتها أقل من درجته. ولما كان الثابت أن المذكور إنما نقل من الدرجة الرابعة الإدارية في السلك السياسي إلى مثيلتها وهي الدرجة الرابعة الإدارية بديوان الوزارة؛ فإن هذا النقل يكون قد وقع صحيحاً في حدود الرخصة المخولة للإدارة بالقانون المعمول به وقتئذ ما دام النقل ليس حاصلاً إلى درجة أدنى، ولا يعد بهذه المثابة منطوياً على تنزيل في الوظيفة أو جزاء تأديبي، إذ أن ما يتطلبه المشرع هو تماثل الدرجة فحسب. وإذا كان المرسوم بقانون رقم 42 لسنة 1953 بوضع استثناء وقتي من بعض أحكام المادة 47 سالفة الذكر قد أجاز في الفترة من تاريخ العمل به في 22 من يناير سنة 1953 حتى آخر فبراير سنة 1953 - وهي التي تم خلالها نقل المدعي - أن ينقل الموظف من وظيفة فنية عالية أو إدارية إلى وظيفة فنية متوسطة أو كتابية من الدرجة ذاتها، مقراً بذلك التنزيل في الوظيفة مع الإبقاء على الدرجة فقط، فإن النقل من وظيفة إدارية في السلك السياسي إلى وظيفة إدارية مثلها ومن الدرجة ذاتها بديوان الوزارة دون تنزيل يكون جائزاً من باب أولى، إذ يتضح من ميزانية وزارة الخارجية أن الدرجات المخصصة لوظائف السلك السياسي قبل القانون رقم 166 لسنة 1954 هي درجات إدارية وكذلك الدرجات المخصصة للوظائف الإدارية الأخرى بالوزارة.
ومن حيث إنه متى كان نقل المدعي إلى وظائف السلك الإداري قد وقع صحيحاً مطابقاً للقانون، وكان تعيينه في السلك السياسي بالمرسوم المطعون فيه الصادر في 10 من إبريل سنة 1954 قد تم في ظل القانون رقم 166 لسنة 1954 الذي عمل به من 20 من مارس سنة 1954؛ فإن هذا التعيين طبقاً لنص الفقرة (ب) من البند "ثانياً" من المادة السابعة من هذا القانون ما كان يجوز إلا في الوظيفة المقابلة لوظيفته في السلك الإداري أياً كانت درجة كفايته؛ إذ أن التعيين في وظائف السلكين الدبلوماسي والقنصلي بطريق الترقية لا يكون طبقاً لحكم هذه المادة إلا من الوظيفة التي تسبقها مباشرة في السلك ذاته لا في سلك آخر. وقد كان المدعي وقت إجراء الحركة المطعون فيها موظفاً بالدرجة الرابعة الإدارية، فعينته الوزارة في وظيفة سكرتير ثانٍ المخصصة لها الدرجة الرابعة في السلك السياسي، أي في الوظيفة المقابلة؛ فإنها ما كانت تملك تعيينه في وظيفة أعلى لأن مثل هذا التعيين يتضمن ترقية لموظف في السلك الإداري إلى درجة أعلى في السلك السياسي وهو ما لا يجوز؛ ومن ثم فإن مرسوم 10 من إبريل سنة 1954 إذ قضى بتعيين المدعي سكرتيراً ثانياً بالوزارة في الدرجة الرابعة المقابلة لدرجته في السلك الإداري لا يكون قد تركه في الترقية إلى وظيفة سكرتير أول أو قنصل عام من الدرجة الثانية المخصصة لها الدرجة الثالثة في الميزانية. ولا وجه إزاء هذا للمحاجة بتقدير درجة كفايته في التقارير السنوية الخاصة به أياً كان هذا التقدير، لكونها غير منتجة في الدعوى ولا مؤثرة في المركز القانوني الذي تقرر له، ولا سيما إذا كان بحث لجنة شئون الموظفين وقرارها في شأنه قد تم في تاريخ سابق على صدور القانون رقم 166 لسنة 1954 الذي حدد الأوضاع وفقاً لما قضى به. أما أقدمية المدعي في وظيفة السلك السياسي التي أعيد إليها فتحدد طبقاً لحكم المادة 11 من القانون رقم 166 لسنة 1954 المشار إليه.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدعوى قد أصاب في النتيجة التي انتهى إليها, ويكون الطعن في غير محله متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.