مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية - العدد الثاني (من أول فبراير إلى آخر مايو سنة 1957) - صـ 679

(71)
جلسة 9 من مارس سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 95 لسنة 3 القضائية

( أ ) قرار إداري - تعريفه - ترتيبه لأعباء مالية على الخزانة - وجوب أن يعتمد المال اللازم حتى يصبح القرار جائزاً قانوناً - إذا وضح من ظاهر الاعتماد أنه قصد أن يكون نفاذه من تاريخ سابق لتسوية حالات سابقة تعين نفاذه على هذا الوجه.
(ب) إنصاف - رفع مرتبات خدم المساجد ومؤذنيها إلى 3 ج شهرياً - عدم اعتماد المبلغ اللازم لذلك في ميزانية وزارة الأوقاف - فتح الاعتماد المالي بعد ذلك بالمرسوم بقانون رقم 90 لسنة 1952 - زيادة مرتباتهم اعتباراً من 7/ 2/ 1952 بالنسبة لمن عينوا قبل يناير سنة 1944 واعتباراً من 1/ 1/ 1953 لمن عينوا بعد يناير سنة 1944.
(جـ) عقد الصلح - تعريفه - عدم جواز الطعن في الصلح بسبب الغلط في فهم القانون - المادة 556 مدني - الأخذ بهذه القاعدة في المجال الإداري في شأن الحقوق المالية التي لا تمس مراكز لائحية.
(د) خدم المساجد ومؤذنوها - قرار مجلس الوزراء في 8/ 12/ 1954 في شأن التصالح معهم في صدد مطالبتهم المالية المتعلقة بالإنصاف - إبرام الصلح إعمالاً لهذا القرار - عدم إمكان التعلل منه بدعوى الغلط في فهم القانون.
(هـ) خدم المساجد ومؤذنوها - تسوية حالاتهم بالتطبيق لقرار مجلس الوزراء في 8/ 12/ 1954 منوطة بقبولهم أو عرض قبولهم التصالح على أساسه - عند تخلف هذا الشرط يكون الرجع إلى حكم القانون أصلاً وهو عدم استحقاق الفروق إلا من 7/ 2/ 1952 أو 1/ 1/ 1953.
1 - إن القرار الإداري باعتباره إفصاح الجهة الإدارية المختصة في الشكل الذي يتطلبه القانون عن إرادة ملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني معين يكون ممكناً وجائزاً قانوناً ابتغاء مصلحة عامة - إن القرار الإداري بهذه المثابة لا يتولد عنه أثره حالاً ومباشرة إلا إذا كان ممكناً وجائزاً قانوناً أو متى أصبح كذلك. فإذا كان القرار من شأنه أن يرتب أعباء مالية على الخزانة العامة، وجب لكي يصبح جائزاً وممكناً قانوناً أن يعتمد المال اللازم لمواجهة تلك الأعباء من الجهة المختصة بحسب الأوضاع الدستورية، فإذا كان مجلس الوزراء يملك وحده بمقتضى هذه الأوضاع تقرير الاعتماد فيكفي أن يصدر القرار منه بفتح الاعتماد. أما إذا كان تقريره يستلزم موافقة هيئة نيابية وجب على السلطة التنفيذية استئذان تلك الهيئة، وفي الحالين تكون الإفادة من القرار التنظيمي العام في حدود أغراضه، وبحسب تخصيص الاعتماد الذي فتح من أجله، وما إذا كان يهدف إلى تسوية حالات معينة من يوم تقريره فقط أو تسوية هذه الحالات عن مدة سابقة عليه. فإذا كان ظاهر الاعتماد أنه لا يفيد منه الموظف إلا من تاريخ تقريره فيعمل بذلك من التاريخ المذكور، أما إذا كان واضحاً أنه قصد أن يكون نفاذه من تاريخ سابق لتسوية حالات سابقة - كحالات الإنصاف - تعين نفاذه على هذا الوجه.
2 - على أثر صدور قواعد الإنصاف في 30 من يناير سنة 1944 صدر القانونان رقما 118 و144، الأول بفتح اعتماد إضافي قدره 750.000 ج في ميزانية السنة المالية 1943/ 1944 قيمة تكاليف الإنصاف عن المدة من 30 من يناير لغاية آخر إبريل سنة 1944، والثاني يربط ميزانية الدولة للسنة المالية 1944/ 1945، وقد رصد بالقسم 35 من جدول المصروفات المرافق لهذا القانون مبلغ ثلاثة ملايين من الجنيهات لإصلاح كادر الموظفين، إلا أن وزارة الأوقاف لم تعتمد في ميزانيتها - وهي مستقلة - أي مبلغ لتسوية حالة خدم المساجد ومؤذنيها لرفع مرتباتهم إلى ثلاثة جنيهات شهرياً باعتبارهم من الخدم الخارجيين عن هيئة العمال؛ ومن ثم فما كان يمكن تطبيق قرارات الإنصاف في حقهم لعدم فتح الاعتماد اللازم لهذا الغرض في ميزانية الوزارة المستقلة بذاتها. واستمر الحال كذلك إلى أن صدر المرسوم بقانون رقم 90 لسنة 1952 بفتح اعتماد إضافي في ميزانية وزارة الأوقاف للسنة المالية 1951/ 1952، ناصاً في مادته الأولى على أن "يفتح في ميزانية وزارة الأوقاف (الأوقاف الخيرية) للسنة المالية 1951/ 1952 اعتماد إضافي قدره 15000 ج بالقسم 2 (المساجد) باب 1 ماهيات وأجر ومرتبات وذلك لسد التجاوز المنتظر حصوله في الباب المذكور، ويؤخذ هذا الاعتماد الإضافي من زيادة إيرادات الأوقاف الخيرية على مصروفاتها في السنة المالية المذكورة". كما وضعت الوزارة ميزانيتها الجديدة على أساس رفع جميع مرتبات الخدم والمؤذنين ممن التحقوا بالخدمة بعد صدور قواعد الإنصاف في 30 من يناير سنة 1944 إلى ثلاثة جنيهات شهرياً. واعتباراً من 7 من فبراير سنة 1952 وأول يناير سنة 1953 رفعت مرتبات خدم المساجد ومؤذنيها من التاريخ الأول لمن عينوا قبل يناير سنة 1944 ومن التاريخ الثاني بالنسبة للمعينين بعد ذلك، دون صرف فروق عن الماضي لعدم سبق فتح الاعتماد المالي اللازم لمواجهة هذه التكاليف.
3 - إن المادة 556 من القانون المدني رددت أصلاً عاماً يقوم على طبيعة التصالح باعتباره تنازلاً من كل من الطرفين على وجه التقابل عن جزء من ادعاءاته إذ نصت على أنه "لا يجوز الطعن في الصلح بسبب الغلط في القانون". ومرد ذلك - على ما ورد بالمذكرة الإيضاحية لتلك المادة - إلى "أن المتصالحين كانا وهما في معرض المناقشة في حقوقهما يستطيعان التثبت من حكم القانون فيما قام بينهما من نزاع على هذه الحقوق، بل المفروض أنهما تثبتاً من هذا الأمر، فلا يسمع من أحد منهما بعد ذلك أنه غلط في فهم القانون" ويتعين الأخذ بهذا الأصل الطبعي في المجال الإداري في شأن الحقوق المالية لذوي الشأن ما دامت لا تمس مراكزهم اللائحية.
4 - في 8 من ديسمبر سنة 1954 أصدر مجلس الوزراء قراراً بشأن التصالح مع الخدم والمؤذنين بالمساجد، وافق فيه على التصالح مع جميع الخدم والمؤذنين حسب الشروط التي وافق عليها ممثلوه، يستوي في ذلك من رفعوا تظلمات أو قضايا إلى اللجان القضائية والمحاكم الإدارية وحكم فيها أو لم يرفعوا هذه القضايا، ومن كانوا في الخدمة في سنة 1944 أو بعدها مع صرف إعانة غلاء لهم جميعاً على أساس المرتب الجديد وقدره 3 ج شهرياً. وبناء على ذلك دبرت وزارة الأوقاف من ميزانيتها مبلغ 250.000 ج لتنفيذ هذا الصلح، وحررت مع من قبل التصالح من الخدم والمؤذنين عقود صلح تضمنت الشروط السالف ذكرها. ومن ثم فليس للوزارة التعلل بعدم أحقية المتصالح معهم لما تم التصالح عليه بسبب عدم فتح الاعتماد المالي لإنصاف المؤذين والخدم إلا في 20 من يونيه سنة 1952 إثر الحكم الصادر لصالحهم في 7 من فبراير سنة 1952؛ ذلك أن مثل هذه العلة هي ضرب من ضروب الادعاء بالغلط في فهم القانون الذي نصت المادة 556 من القانون المدني على عدم جواز الدفع به. على أن مجلس الوزراء حين قرر قاعدة التصالح - على الوجه الذي قرره - كان يملك ابتداء وبمقتضى سلطته العامة تقرير قواعد تنظيمية عامة منشئة لمزايا جديدة قد يفيد منها من لم يكن يفيد من قواعد سابقة، وبهذه السلطة أصدر قرارات الإنصاف والتنسيق والتيسير وغيرها، فلا تملك وزارة الأوقاف بعد ذلك أن تمتنع عن تنفيذ قرار أصدره مجلس الوزراء وخصص له الاعتماد اللازم وهو يملك بحكم الأوضاع الدستورية تقريره.
5 - إن مناط الإفادة من قرار مجلس الوزراء الصادر في 8/ 12/ 1954 هو أن يقبل خادم المسجد أو المؤذن التصالح مع الوزارة بالشروط التي عينها القرار أو يعرض قبوله لذلك، سواء في غير دعوى أقيمت أو في أي مرحلة أو درجة من درجات التقاضي في دعوى أقيمت فعلاً، فإن لم يتم شيء من ذلك فلا محل للإفادة من القرار المذكور، كما أن الصلح بطبيعته يقوم على تنازل كل من الطرفين على وجه التقابل عن بعض ادعاءاته حسماً للنزاع بصرف النظر عن حكم القانون أصلاً في هذه الادعاءات، ومن أجل ذلك لا يجوز دفع الصلح بالغلط في القانون. أما إذا لم يتم الصلح أو لم يعرض الخادم أو المؤذن التصالح على الوزارة فلا محل لتطبيق قرار مجلس الوزراء سالف الذكر، بل يكون المرجع في ادعاءات الطرفين إلى حكم القانون أصلاً، وهو عدم استحقاق الفروق إلا من 7 من فبراير سنة 1952 بالنسبة لمن عينوا قبل يناير سنة 1944 ومن أول يناير سنة 1953 بالنسبة لمن عينوا بعد هذا التاريخ.


إجراءات الطعن

في 29 من ديسمبر سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الرابعة ب) بجلسة 29 من أكتوبر سنة 1956 في الدعوى رقم 1720 لسنة 9 القضائية المقامة من وزارة الأوقاف ضد محمد محيي الدين محمد خليل، القاضي "بإلغاء قرار اللجنة القضائية المطعون فيه ورفض التظلم وألزمت المدعى عليه بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استندت عليها في عريضة طعنه - الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلغاء قرار اللجنة القضائية والقضاء باستحقاق المطعون ضده الفروق الناتجة من تطبيق قرار مجلس الوزراء الصادر في 8 من ديسمبر سنة 1954 على حالته مع إلزامه المصروفات المناسبة". وقد أعلن هذا الطعن للمطعون لصالحه في 9 من فبراير سنة 1957 وللحكومة في 12 منه. ولم يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته، وقد أبلغا في 31 من يناير سنة 1957 بميعاد الجلسة، وفيها سمعت المحكمة إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل، حسبما يبين من أوراق الطعن، في أن المطعون عليه قدم تظلماً إلى اللجنة القضائية لوزارة الأوقاف قيد برقم 603 لسنة 2 القضائية قال فيه إنه عين في سنة 1946 في وظيفة خادم دورة مياه مسجد بمرتب قدره جنيه ولم يبلغ مرتبه ثلاثة جنيهات إلا في أغسطس سنة 1952، ولذلك فهو يطلب تسوية حالته على هذا الأساس من تاريخ دخوله الخدمة بالتطبيق لقواعد الإنصاف وصرف الفروق المالية المستحقة له. وردت وزارة الأوقاف على ذلك - على ما ورد بقرار اللجنة - بأن المتظلم التحق بالخدمة بالمرتب المقرر للوظيفة وقدره جنيه عدّل إلى 250 م و1 ج من أول أغسطس سنة 1948. ثم رفعت الوزارة بعد ذلك رواتب خدمة ومؤذني المساجد إلى ثلاثة جنيهات اعتباراً من 7 من فبراير سنة 1952 وذلك لمن كان منهم بالخدمة قبل 30 من يناير سنة 1944، واعتباراً من أول يناير سنة 1953 لمن عين بعد 30 من يناير سنة 1944. وبجلسة 31 من ديسمبر سنة 1953 قررت اللجنة "استحقاق المتظلم تطبيق قواعد إنصاف 30 من يناير سنة 1944 على حالته باعتباره من الخدمة الخارجين عن هيئة العمال برفع مرتبه إلى ثلاثة جنيهات شهرياً من تاريخ دخوله الخدمة وما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق المستحقة من ذلك التاريخ أو من تاريخ العمل بقواعد الإنصاف أيهما ألحق". وبصحيفة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري طعنت وزارة الأوقاف في قرار اللجنة القضائية المشار إليه طالبة إلغاءه، وأسست طعنها على أن القضاء الإداري قد استقر على أن التسويات طبقاً لقواعد الإنصاف مقصورة الأثر على طائفة معينة من الموظفين الموجودين بالخدمة قبل 9 من ديسمبر سنة 1944، وعلى أنه يشترط فيمن يطبق عليه قواعد الإنصاف من خدم المساجد شروط الاستخدام بالأزهر والانقطاع لعمل الوظيفة، وهذان الشرطان غير متوافرين في المطعون ضده. وقد حصل خلال فترة تحضير الدعوى أن تم الصلح بين وزارة الأوقاف والمتظلم، وأودعت الوزارة محضر الصلح. وفي الجلسة التي عينت لنظر الدعوى حضر مندوب الوزارة وقرر بأن الوزارة "تدفع الصلح الذي بينها وبين المتظلم بالخطأ؛ إذ أن هذا الصلح وقع تحت خطأ الوزارة في تطبيق أحكام المحاكم الإدارية وتنفيذ قرارات اللجان القضائية، وقد أظهر هذا الخطأ حكم المحكمة الإدارية العليا. ولذلك تدفع الوزارة الصلح بالخطأ وتطلب إلغاء قرار اللجنة القضائية المطعون فيه". وبجلسة 29 من أكتوبر سنة 1956 حكمت المحكمة "بإلغاء قرار اللجنة القضائية المطعون فيه ورفض التظلم وألزمت المدعى عليه بالمصروفات". وأقامت المحكمة قضاءها على أن "المطعون عليه عين بعد 9 من ديسمبر سنة 1944؛ ومن ثم فإنه - وفقاً لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - لا يفيد من قواعد الإنصاف..."، وأن "قواعد الإنصاف الصادر بها قرار مجلس الوزراء في 30 من يناير سنة 1944 ما كان يمكن قانوناً أن يتولد أثرها حالاً ومباشرة بمجرد صدورها وإنما بفتح الاعتماد المالي المخصص لهذا الغرض من الجهة التي تملكه، وإذ كان الاعتماد المالي المخصص لمواجهة أعباء إنصاف خدم المساجد لم يفتح إلا في 7 من فبراير سنة 1952 لمن عينوا قبل 30 من يناير سنة 1944 وفي أول يناير سنة 1953 في ميزانية 1952/ 1953 بالنسبة لمن يعينون بعد ذلك، فإنه من هذا التاريخ فقط تصبح قواعد الإنصاف بالنسبة لهذه الطائفة جائزة وممكنة قانوناً ومنتجة لآثارها. ولما كانت هذه القواعد قد وضعت قاعدة تنظيمية عامة فإنه ليس لجهة الإدارة الحق في المنح أو المنع، ويكون عمل الإدارة مقصوراً على مجرد تنفيذ الوضع أو المركز الفردي الذي نشأ عن القاعدة القانونية أو على تسجيله وشهره، وهذه القرارات إنما تصدر عن سلطة الإدارة المقيدة. ولما كان الاتفاق الذي عقد بين الطرفين قد تم بالمخالفة لقواعد الإنصاف التي لم تصبح بالنسبة لهذه الطائفة جائزة وممكنة قانوناً إلا بعد فتح الاعتماد المالي المخصص لمواجهة أعباء إنصافهم في 7 من فبراير سنة 1952، فيكون الاتفاق على صرف فروق لهذه الطائفة أياً كان مقداره عن المدة السابقة على هذا التاريخ - يكون مخالفاً للقانون. ولما كان عمل الإدارة في هذا الاتفاق يصدر عن سلطة مقيدة وهي وجوب حصول الاتفاق وفقاً للقانون، فإن لجهة الإدارة الحق في الرجوع فيه في أي وقت، وقد عدلت عنه فعلاً أمام جهة القضاء قبل اعتماده", وأن "مجلس الوزراء إذ فوض وزارة الأوقاف بقراره الصادر في 8 من ديسمبر سنة 1954 في التصالح مع هذه الطائفة، إنما أجاز لها إجراء الصلح في حدود ما يجيزه القانون لهم من حقوق، وكان يعني أن تصرف لهم نصف الفروق عن المدة من 30 من يناير سنة 1944 لمن كان القانون يعطيه الحق في كامل الفروق من هذا التاريخ. أما وقد ثبت أن حقوق هذه الطائفة في صرف الفروق لم تتولد إلا من تاريخ فتح الاعتماد المالي في 7 من فبراير سنة 1952 وأول يناير سنة 1953 فإن الوزارة باتفاقها معهم على صرف نصف الفروق من 30 من يناير سنة 1944 تكون قد خرجت عن حدود التفويض الصادر لها في هذا الشأن ويحق لها الرجوع فيه". وأنه "لا وجه للتحدي بانتهاء الخصومة استناداً إلى الصلح المبدئي بين الطرفين بعد إذ عادت الوزارة وعدلت عن اعتماد هذا الصلح أمام المحكمة لما تكشّف لها خطؤها في تطبيق القانون. ومن المسلم أن لصاحب الشأن في المنازعة أن يعدل عن صلح وقع فيه تحت تأثير الخطأ، وله خصوصاً في المنازعة الإدارية أن يطلب اعتبار الخصومة ما زالت قائمة ويطلب إلى المحكمة إنزال حكم القانون فيها"، وأنه "لكل ما تقدم يكون طلب المطعون ضده اقتضاء الفروق المالية عن المدة السابقة على التاريخ الذي تمت فيه الموافقة على الاعتماد المالي الذي فتح لمواجهة أعباء إنصاف خدم المساجد ومؤذنيها لا يقوم على أساس سليم من القانون".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن قرار مجلس الوزراء الصادر في 8 من ديسمبر سنة 1954 لم يتضمن أي ذكر للتاريخين اللذين فتح فيهما الاعتماد المالي بميزانية الوزارة حتى يقال إن هذين التاريخين يرسمان الحدود القانونية التي يمكن للوزارة أن تتصالح في نطاقها؛ إذ مثل هذا القول من شأنه أن يجعل قرار مجلس الوزراء لا غاية له، طالما أنه قد ربط تفويضه الوزارة في التصالح بحدود القواعد العامة التي تقضي بأن قواعد الإنصاف لا تنتج آثارها بالنسبة لخدم المساجد ومؤذنيها إلا من 7 من فبراير سنة 1952 أو أول يناير سنة 1953 حسب الأحوال. هذا فضلاً عن أن هذا القيد الذي فرضه الحكم المطعون فيه على قرار مجلس الوزراء وبالتالي على التفويض، لا يستقيم مع الأحكام الصريحة التي وضعها القرار ولا مع فتح الاعتماد المالي لتنفيذه. وأن الثابت أن وزارة الأوقاف دبرت فتح اعتماد مقداره خمسة وعشرون ألف جنيه لتنفيذ قرار مجلس الوزراء المشار إليه، وبذلك نشأت قاعدة تنظيمية عامة جديدة تنتج آثارها حالاً ومباشرة. ومؤدى هذه الآثار إنصاف خدم المساجد ومؤذنيها برفع رواتبهم الشهرية من جنيهين إلى ثلاثة جنيهات، وصرف نصف الفروق من تاريخ صدور قواعد الإنصاف لمن التحقوا بالخدمة قبل 30 من يناير سنة 1944 حتى 7 من فبراير سنة 1952 وصرف نصف هذه الفروق لمن عينوا بعد 30 من يناير سنة 1944 من تاريخ التعيين حتى أول يناير سنة 1953. وهذه القاعدة التنظيمية العامة تعدل القواعد السابقة عليها، والتي نظمت ذات المجال. وإذ كان الأمر كذلك فإن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون.
ومن حيث إنه سبق لهذه المحكمة أن قررت أن القرار الإداري - باعتباره إفصاح الجهة الإدارية المختصة في الشكل الذي يتطلبه القانون عن إرادة ملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني معين يكون ممكناً وجائزاً ابتغاء مصلحة عامة - أن القرار الإداري بهذه المثابة لا يتولد عنه أثره حالاً ومباشرة إلا إذا كان ذلك ممكناً وجائزاً قانوناً، أو متى أصبح كذلك. فإذا كان القرار من شأنه أن يرتب أعباء مالية على الخزانة العامة، وجب لكي يصبح جائزاً وممكناً قانوناً أن يعتمد المال اللازم لمواجهة تلك الأعباء من الجهة المختصة بحسب الأوضاع الدستورية، فإذا كان مجلس الوزراء يملك وحده بمقتضى هذه الأوضاع تقرير الاعتماد فيكفي أن يصدر القرار منه بفتح الاعتماد، أما إذا كان تقريره يستلزم موافقة هيئة نيابية وجب على السلطة التنفيذية استئذان تلك الهيئة، وفي الحالين تكون الإفادة من القرار التنظيمي العام في حدود أغراضه، وبحسب تخصيص الاعتماد الذي فتح من أجله، وما إذا كان يهدف إلى تسوية حالات معينة من يوم تقريره فقط أو تسوية هذه الحالات عن مدة سابقة عليه. فإذا كان ظاهر الاعتماد أنه لا يفيد منه الموظف إلا من تاريخ تقريره فيعمل بذلك من التاريخ المذكور، أما إذا كان واضحاً أنه قصد أن يكون نفاذه من تاريخ سابق لتسوية حالات سابقة - كحالات الإنصاف - تعين نفاذه على هذا الوجه.
ومن حيث إنه على إثر صدور قواعد الإنصاف في 30 من يناير سنة 1944 صدر القانونان رقما 118 و144، الأول بفتح اعتماد إضافي قدره 750.000 ج في ميزانية السنة المالية 1943/ 1944 قيمة تكاليف الإنصاف عن المدة من 30 يناير لغاية آخر إبريل سنة 1944، والثاني بربط ميزانية الدولة للسنة المالية 1944/ 1945، وقد رصد بالقسم 35 من جدول المصروفات المرافق لهذا القانون مبلغ ثلاثة ملايين من الجنيهات لإصلاح كادر الموظفين، إلا أن وزارة الأوقاف لم تعتمد في ميزانيتها - وهي مستقلة - أي مبلغ لتسوية حالة خدم المساجد ومؤذنيها لرفع مرتباتهم إلى ثلاثة جنيهات شهرياً باعتبارهم من الخدم الخارجين عن هيئة العمال؛ ومن ثم فما كان يمكن تطبيق قرارات الإنصاف في حقهم لعدم فتح الاعتماد اللازم لهذا الغرض في ميزانية الوزارة المستقلة بذاتها. واستمر الحال كذلك إلى أن صدر في 7 من فبراير سنة 1952 حكم من محكمة القضاء الإداري في القضية رقم 11 لسنة 1950 يقضي باستحقاق خدم المساجد ومؤذنيها الذين تقل مرتباتهم عن ثلاثة جنيهات شهرياً تطبيق قواعد الإنصاف عليهم باعتبارهم من الخدم الخارجين عن هيئة العمال وبرفع مرتباتهم إلى 3 ج شهرياً، فتقدمت وزارة الأوقاف إلى مجلس الوزراء بمذكرة مؤرخة 8 من يونيه سنة 1952 أشارت فيها إلى الحكم السالف الذكر، وإلى أن تكاليف تنفيذه من تاريخ صدوره حتى آخر يونيه سنة 1952 مبلغ 15000 جنيه ثم قالت "وحيث إن هذه المصروفات طارئة ولم تكن موضع تقدير الوزارة عند وضع ميزانية الدولة المالية 1951/ 1952 للأوقاف الخيرية قسم 2 باب 1 "ماهيات المساجد"؛ لهذا فإن الأمر يستدعي فتح اعتماد إضافي بها نظير الزيادة المتوقعة في الإيرادات بما يسوي من المعلي بالأمانات بحساب "صندوق النذور بالمساجد". وحيث إن هذه المصروفات حتمية وتقضي الضرورة باستصدار اعتماد إضافي بها غيبة البرلمان، لهذا أتشرف برفع الأمر إلى المجلس رجاء التفضل بالموافقة على استصدار المرسوم بقانون المرافق استناداً للمادة 41 من الدستور بفتح اعتماد إضافي قدره 15000 ج في ميزانية الأوقاف (الأوقاف الخيرية) عن السنة المالية 1951/ 1952 بالقسم 2 باب "ماهيات المساجد"، نظير زيادة إيرادات هذه الأوقاف على مصروفاتها في السنة المالية المذكورة". وقد وافق مجلس الوزراء على هذه المذكرة وصدر المرسوم بقانون رقم 90 لسنة 1952 بفتح اعتماد إضافي في ميزانية وزارة الأوقاف للسنة المالية 1951/ 1952, ناصاً في مادته الأولى على أن "يفتح في ميزانية وزارة الأوقاف (الأوقاف الخيرية) للسنة المالية 1951/ 1952 اعتماد إضافي قدره 15000 ج بالقسم 2 (المساجد) باب 1 ماهيات وأجر ومرتبات وذلك لسد التجاوز المنتظر حصوله في الباب المذكور، ويؤخذ هذا الاعتماد الإضافي من زيادة إيرادات الأوقاف الخيرية على مصروفاتها في السنة المالية المذكورة، كما وضعت الوزارة ميزانيتها الجديدة على أساس رفع جميع مرتبات الخدم والمؤذنين ممن التحقوا بالخدمة بعد صدور قواعد الإنصاف في 30 من يناير سنة 1944 إلى ثلاثة جنيهات شهرياً. واعتباراً من 7 من فبراير سنة 1952 وأول يناير سنة 1953 رفعت مرتبات خدم المساجد ومؤذنيها من التاريخ الأول لمن عينوا قبل يناير سنة 1944 ومن التاريخ الثاني بالنسبة للمعينين بعد ذلك، دون صرف فروق عن الماضي لعدم سبق فتح الاعتماد المالي اللازم لمواجهة هذه التكاليف. وعلى هدى هذه المبادئ والأسس أقامت هذه المحكمة قضاءها في الطعن رقم 154 سنة 2 ق. الذي لم يتمسك فيه أحد بأنه قد تم تصالح على أساس قرار مجلس الوزراء الصادر في 8 من ديسمبر سنة 1954 أو عرض قبوله للصلح، فقضت بإلغاء الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة الأوقاف في 4 من ديسمبر سنة 1955، القاضي "باستحقاق مورث المدعية (خادم مسجد) لأن تسوى حالته برفع راتبه إلى ثلاثة جنيهات شهرياً وفق قواعد الإنصاف الصادرة في 30 من يناير سنة 1944 باعتباره من الخدمة الخارجين عن هيئة العمال وما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق المالية الناتجة عن هذه التسوية إلى ورثته من 30 من يناير سنة 1944 حتى 6 من فبراير سنة 1952..." وذكرت في حيثيات حكمها أنه لما كانت الوزارة قد طبقت قواعد الإنصاف في حق مورث المدعية اعتباراً من 7 من فبراير سنة 1952؛ فمن ثم يكون الحكم الطعون فيه إذ قضى بصرف الفروق المالية لمورث المدعية من 30 من يناير سنة 1944 إلى 6 من فبراير سنة 1952 قد خالف القانون؛ إذ لم يكن قد فتح الاعتماد اللازم لذلك.
ومن حيث إنه لما كانت وزارة الأوقاف قد اكتفت برفع مرتبات هذه الطائفة إلى ثلاثة جنيهات دون صرف فروق عن الماضي كما سبق البيان، فقد لجأ أفراد هذه الطائفة إلى القضاء الإداري طالبين تطبيق قواعد الإنصاف عليهم وصرف الفروق المالية المترتبة على ذلك، فقضي لهم بطلباتهم دون استظهار ما إذا كان فتح الاعتماد لهذا الغرض ومدى الإفادة منه بحسب تخصيصه، فاستطلع رأي ديوان الموظفين في هذا الشأن فأشار في 14 من نوفمبر سنة 1954 بما يأتي: "1 - إن أحكام الدوائر المجتمعة لمحكمة القضاء الإداري تقضي بقصر الإنصاف على المعينين قبل 9 من ديسمبر سنة 1944. 2 - فيما يختص بمن يحق لهم الانتفاع بقواعد الإنصاف فإنه ليس هناك مانع من أن تتفق الوزارة معهم على ما تجمع لهم من أموال في ذمة الحكومة لأنها دين مدني، وذلك بشرط عدم المساس بالمركز اللائحي لهم من حيث المرتب والعلاوات "فتقدمت وزارة الأوقاف إلى مجلس الوزراء بمذكرة في ديسمبر سنة 1954 ورد بها ما يأتي: كانت وزارة الأوقاف تعين مؤذني المساجد وخدمها التابعين لها بماهيات شهرية تتراوح بين 1 ج و500 م و1 ج و750 م و1 ج و2 ج شهرياً. ولما صدرت قواعد الإنصاف المبينة أحكامها بالكتاب الدوري المؤرخ 6 من سبتمبر سنة 1944 ملف رقم 234 - 1/ 302، والتي تقضي برفع ماهيات الخدمة الخارجين عن هيئة العمال إلى 3 ج شهرياً لم تطبق وزارة الأوقاف قواعد الإنصاف على المؤذنين والخدمة الخارجين عن هيئة العمال الذين يعملون بمساجدها على أساس أن لهم وضعاً خاصاً يختلف عن الخدمة الخارجين عن هيئة العمال بالوزارات والمصالح الأخرى. ولهذا فقد رفع المدعو محمد عبد الوهاب أحد المؤذنين (بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن باقي خدمة المساجد ومؤذنيها باعتباره رئيساً لاتحادهم) دعوى أمام محكمة القضاء الإداري، وطلب فهيا تطبيق قواعد الإنصاف عليهم برفع ماهياتهم إلى 3 ج شهرياً من تاريخ تنفيذ قواعد الإنصاف وصرف فروق المرتب، وقضت محكمة القضاء الإداري بأحقيته في رفع مرتبه إلى 3 ج شهرياً من 25 من فبراير سنة 1946 تاريخ تعيينه بالوزارة. وعلى إثر هذا الحكم قامت الوزارة برفع ماهيات جميع مؤذني وخدمة المساجد إلى 3 ج شهرياً ابتداء من أول يناير سنة 1953، أي بعد اعتماد ميزانية السنة المالية 1952/ 1953، ولكن لم تصرف لهم فروق ماهيات عن الماضي، على أساس أن صرف فروق الماهيات يكلف الوزارة مبالغ لا تقل عن 500.000 ج، حيث إن عدد هؤلاء الخدمة بلغ حوالي الخمسة آلاف بين مؤذن وخادم، وهذا المبلغ يرهق ميزانية الوزارة، ولهذا فقد تقدم عدد كبير بتظلمات للجان القضائية التي قضت لهم جميعاً بصرف فروق الإنصاف من تاريخ التعيين حتى تاريخ رفع ماهياتهم إلى 3 ج شهرياً. إلا أنه بالنسبة لأن قواعد الإنصاف لا تنطبق إلا على الخدمة والمؤذنين الذين كانوا في الخدمة قبل 9 من ديسمبر سنة 1944، فقد استأنفت الوزارة جميع قرارات اللجان القضائية أمام محكمة القضاء الإداري ولم يبت فيها للآن. ولما كانت الوزارة راغبة في إنهاء هذا الوضع صلحاً حسب الوضع الآتي الذي وافق عليه ممثلوهم: 1 - أن تقوم الوزارة بصرف نصف الفروق التي تستحق لكل منهم نتيجة تطبيق قواعد الإنصاف من تاريخ صدورها أو من تاريخ التحاقهم بالخدمة، على أن يكون الصرف على أقساط شهرية بواقع جنيه واحد شهرياً يصرف مع المرتب الشهري إلى أن ينتهي المبلغ المستحق. 2 - أن يتنازل كل منهم عن النصف الباقي المستحق له طبقاً لما جاء بالبند السابق تنازلاً نهائياً لا رجوع فيه، ويقر بتنازله عن كل قرار صادر من اللجنة القضائية أو حكم من المحكمة الإدارية أو من مجلس الدولة تقريراً لهذا الحق، كما يتعهد بعدم الالتجاء إلى المحكمة الإدارية للحصول على مثل هذا الحكم إذا كان لم يحصل على حكم بعد، وسواء كان قد دخل الخدمة قبل سنة 1944 أو بعدها، حتى تستقر الأوضاع ويتفرغوا لأعمالهم، حيث إن هذا الاتفاق سيترتب عليه دفع نصف المبالغ المستحقة لهم على أقساط شهرية في مدة أربع سنوات مما لا يرهق الميزانية. ولما استطلعت الوزارة رأي ديوان الموظفين في ذلك أفاد بكتابه رقم 210 - 5/ 25 في 14 من نوفمبر سنة 1954 بما يأتي: 1 - إن أحكام الدوائر المجتمعة لمحكمة القضاء الإداري تقضي بقصر الإنصاف على المعينين قبل 9 من ديسمبر سنة 1944. 2 - فيما يختص بمن يحق لهم الانتفاع بقواعد الإنصاف فإنه ليس هناك مانع من أن تتفق الوزارة معهم على ما تجمع لهم من أموال في ذمة الحكومة لأنها دين مدني، وذلك بشرط عدم المساس بالمركز اللائحي لهم من حيث المرتب والعلاوات. ولما كانت الوزارة ترى وضع حد لهذا الإشكال لكثرة عدد القضايا التي تزيد على الألفين، لذلك فإني أرفع الأمر لهيئة المجلس رجاء التفضل بالموافقة على التصالح مع جميع الخدم والمؤذنين حسب الشروط المتقدمة، ويكون هذا التصالح مع جميع المؤذنين والخدم الذين رفعوا تظلمات أو قضايا إلى اللجان القضائية والمحاكم الإدارية وحكم فيها أو لم يرفعوا هذه القضايا سواء ممن كانوا في الخدمة في سنة 1944 أو بعدها، حتى يمكن أن تستريح من هذه الأوضاع الشائكة، مع صرف إعانة غلاء لهم جميعاً على أساس المرتب الجديد وقدره 3 ج شهرياً. وبجلسة 8 من ديسمبر سنة 1954 أصدر مجلس الوزراء القرار الآتي: "قرار بشأن التصالح مع الخدم والمؤذنين بالمساجد. بناء على مذكرة وزارة الأوقاف وافق مجلس الوزراء على ما يأتي: التصالح مع جميع الخدم والمؤذنين حسب الشروط التي وافق عليها ممثلوهم، ويكون التصالح مع جميع المؤذنين والخدم الذين رفعوا تظلمات أو قضايا إلى اللجان القضائية والمحاكم الإدارية وحكم فيها أو لم يرفعوا هذه القضايا، سواء ممن كانوا في الخدمة في سنة 1944 أو بعدها، مع صرف إعانة غلاء لهم جميعاً على أساس المرتب الجديد وقدره 3 ج شهرياً". وبناء على ذلك دبرت وزارة الأوقاف من ميزانيتها مبلغ 250.000 ج لتنفيذ هذا الصلح، وحررت مع من قبل التصالح من الخدم والمؤذنين عقود صلح تضمنت الشروط السالف ذكرها، وكان المدعي من بين من حررت معهم الوزارة عقد صلح.
ومن حيث إن مثار هذه المنازعة هو ما إذا كان يجوز لوزارة الأوقاف أن تدفع ببطلان الصلح الذي تم مع المدعي بمقولة إنه "وقع تحت خطأ الوزارة في تطبيق أحكام المحاكم الإدارية وتنفيذ قرارات اللجان القضائية"، ومتى يجوز لخدم المساجد ومؤذنيها الإفادة من قرار مجلس الوزراء الصادر في 8 من ديسمبر سنة 1954.
ومن حيث إن المادة 556 من القانون المدني رددت أصلاً عاماً يقوم على طبيعة التصالح باعتباره تنازلاً من كل من الطرفين على وجه التقابل عن جزء من ادعاءاته؛ إذ نصت على أنه "لا يجوز الطعن في الصلح بسبب الغلط في القانون". ومرد ذلك - على ما ورد بالمذكرة الإيضاحية لتلك المادة - إلى "أن المتصالحين كانا وهما في معرض المناقشة في حقوقهما يستطيعان التثبت من حكم القانون فيما قام بينهما من نزاع على هذه الحقوق، بل المفروض أنهما تثبتا من هذا الأمر، فلا يسمع من أحد منهما بعد ذلك أنه غلط في فهم القانون" ويتعين الأخذ بهذا الأصل الطبعي في المجال الإداري في شأن الحقوق المالية لذوي الشأن ما دامت لا تمس مراكزهم اللائحية، ومع ذلك فإن وزارة الأوقاف كانت تستهدف بالتصالح على هذا النحو تحقيق مصلحة عامة تجمع بين مصلحة الخزانة لعدم إرهاقها بصرف الفروق المالية كاملة عن مدة ماضية لم يكن قد تقرر اعتماد مالي لمواجهتها وبين مصلحة الخدم والمؤذنين لما فيه من تحسين لحالهم واستقرار لأوضاعهم حتى ينصرفوا إلى أعمالهم بنفوس مطمئنة راضية، وهي في الوقت ذاته مصلحة عامة أخرى لصالح العمل، وكانت على علم بحقيقة مركزها القانوني ومركز هذه الطائفة، وآية ذلك أنه بالرغم من أن ديوان الموظفين أشار في فتواه السالفة الذكر إلى أن قواعد الإنصاف لا تنطبق إلا على المعينين قبل 9 من ديسمبر سنة 1944، فإن الوزارة قد طلبت موافقة مجلس الوزراء على إجراء هذا الحكم على المعينين بعد ذلك التاريخ، بل وعلى من لم يقاضها أصلاً، سواء أكان في الخدمة قبل 9 من ديسمبر سنة 1944 أو بعد ذلك. وقد وافقها المجلس على ذلك ودبرت الوزارة الاعتماد المالي اللازم لمواجهة هذه التكاليف، أما التعلل بعدم أحقية المتصالح معهم لما تم التصالح عليه بسبب عدم فتح الاعتماد المالي لإنصاف المؤذنين والخدمة إلا في 20 من يونيه سنة 1952 إثر الحكم الصادر لصالحهم في 7 من فبراير سنة 1952 فلا وجه له؛ إذ أنه ضرب من ضروب الادعاء بالغلط في فهم القانون الذي نصت المادة 556 المشار إليها على عدم جواز الدفع به. على أن مجلس الوزراء حين قرر قاعدة التصالح على الوجه الذي قرره كان يملك ابتداء وبمقتضى سلطته العامة تقرير قواعد تنظيمية عامة منشئة لمزايا جديدة قد يفيد منها من لم يكن يفيد من قواعد سابقة، وبهذه السلطة أصدر قرارات الإنصاف والتنسيق والتيسير وغيرها، فلا تملك وزارة الأوقاف بعد ذلك أن تمتنع عن تنفيذ قرار أصدره مجلس الوزراء وخصص له الاعتماد اللازم وهو يملك بحكم الأوضاع الدستورية تقريره، كما أنه يجب التنبيه إلى أن مثار النزاع في الطعن رقم 154 سنة 2 ق الذي فصلت فيه هذه المحكمة بحكمها الصادر في 2 من يونيه سنة 1956 السابق الإشارة إليه يختلف عنه في الدعوى الحالية، إذ لم يكن قد تم تصالح بين المدعي وبين الوزراء ولم يعرض أحد قبول التصالح على أساس قرار مجلس الوزراء الصادر في 8 من ديسمبر سنة 1954، بل ولم يثر أي من الطرفين دفاعاً في هذا الخصوص، وغني عن البيان أن مناط الإفادة من قرار مجلس الوزراء المشار إليه هو أن يقبل خادم المسجد أو المؤذن التصالح مع الوزارة بالشروط التي عينها القرار أو يعرض قبوله لذلك، سواء في غير دعوى أقيمت أو في أي مرحلة أو درجة من درجات التقاضي في دعوى أقيمت فعلاً، فإن لم يتم شيء من ذلك فلا محل للإفادة من القرار المذكور الذي استهدف في ضمن أغراضه - كما سلف القول - وضع حد لهذه المشاكل حتى ينصرف أفراد هذه الطائفة إلى عملهم بنفوس هادئة، وهو وجه من أوجع المصلحة العامة يقتضيه صالح العمل. كما أن الصلح بطبيعته يقوم على تنازل كل من الطرفين على وجه التقابل عن بعض ادعاءاته حسماً للنزاع بصرف النظر عن حكم القانون أصلاً في هذه الادعاءات، ومن أجل ذلك لا يجوز دفع الصلح بالغلط في القانون أما إذا لم يتم الصلح أو لم يعرض الخادم أو المؤذن التصالح على الوزارة - حسبما سبق إيضاحه - فلا محل لتطبيق قرار مجلس الوزراء سالف الذكر، بل يكون المرجع في ادعاءات الطرفين إلى حكم القانون أصلاً، وهو عدم استحقاق الفروق إلا من 7 من فبراير سنة 1952 بالنسبة لمن عينوا قبل يناير سنة 1944 ومن أول يناير سنة 1953 بالنسبة لمن عينوا بعد هذا التاريخ، وذلك طبقاً لما قضت به هذه المحكمة في حكمها الصادر في 2 من يونيه سنة 1956 في الطعن رقم 154 لسنة 2 القضائية.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد وقع مخالفاً للقانون ما دام المدعي قد قبل التصالح، ويتعين إلغاء هذا الحكم، والقضاء بتسوية المنازعة على أساس ذلك الصلح الذي تم بالتطبيق لقرار مجلس الوزراء سالف الذكر.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبتسوية المنازعة على أساس الصلح الذي تم بالتطبيق لقرار مجلس الوزراء الصادر في 8 من ديسمبر سنة 1954، وأمرت بجعل المصاريف مناصفة بين الطرفين.