أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 35 - صـ 456

جلسة 24 من إبريل سنة 1984

برياسة السيد المستشار/ فوزي أحمد المملوك نائب رئيس المحكمة. وعضوية السادة المستشارين/ عبد الرحيم نافع وحسن غلاب ومحمد أحمد حسن والصاوي يوسف سليمان.

(102)
الطعن رقم 5803 لسنة 53 قضائية

(1) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات "شهود". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
وزن أقوال الشهود. موضوعي.
مفاد الأخذ بأقوال شاهد؟
عدم التزام المحكمة بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها.
تناقض. الشهود وتضاربهم. لا يعيب المحكمة. شرط ذلك.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز أمام النقض.
(2) دفوع "الدفع باستحالة الرؤية". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم " تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الدفع باستحالة الرؤية. موضوعي.
(3) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات "شهود" "خبرة". قتل عمد. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
مثال لعدم وجود تعارض بين الدليلين القولي والفني في جناية قتل عمد. تجزئة أقوال الشاهد. حق لمحكمة الموضوع.
(4) حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الخطأ في الإسناد الذي يعيب الحكم. ماهيته؟.
مثال لخطأ في الإسناد لا يعيب الحكم.
(5) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". إثبات "بوجه عام".
إطراح المحكمة الدفاع غير المنتج. بما يسوغه. بعد وضوح الواقعة لديها. لا إخلال بحق الدفاع.
عدم قبول النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منه.
(6) سبق إصرار. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
تقدير توافر ظرف سبق الإصرار. موضوعي.
(7) إجراءات "إجراءات المحاكمة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". دعوى جنائية. محكمة الجنايات "الإجراءات أمامها" "نظرها الدعوى والحكم فيها". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". محضر الجلسة. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
انتهاء دفاع الطاعنين واختتامهم المرافعة بإحدى الجلسات، ثم قيام المحكمة بتعديل وصف التهمة بالنسبة لمتهم آخر في الدعوى - ليس من بين الطاعنين - وتأجيلها نظر الدعوى لاستكمال مرافعة هذا المتهم لجلسة أخرى استمعت فيها إلى دفاعه، ثم أصدرت حكمها المطعون فيه بعد ذلك. لا بطلان، ولا إخلال بحق الدفاع.
إدعاء الطاعنين أن قرار المحكمة بتأجيل الدعوى لجلسة أخرى كان تالياً لقرار أصدرته بإقفال باب المرافعة وإصدار الحكم بعد المداولة. مع أن الثابت بمحضر الجلسة تعديل المحكمة وصف التهمة بالنسبة لمتهم آخر وتأجيلها نظر الدعوى للجلسة التالية. غير جائز. ولا يجوز دحض ذلك إلا بالطعن بالتزوير.
(8) حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
متى يبطل التناقض الحكم؟
(9) عقوبة. "العقوبة المبررة". ضرب. ضرب أفضى إلى موت. سبق إصرار. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "المصلحة في الطعن".
عدم جدوى النعي على الحكم في صدد جريمة ضرب مجردة من ظرف سبق الإصرار. متى آخذ المتهم بجريمة. الضرب المفضي إلى الموت مع سبق الإصرار التي ثبتت في حقه. وأوقع عليه عقوبتها بحسبانها العقوبة الأشد.
1 - لما كان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهاداتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه وهي متى أخذت بشهاداتهم فإن ذلك يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكان من المقرر أن الأحكام لا تلتزم بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها وأن المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إن تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به منها بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه، وإذ كان تناقض الشهود وتضاربهم في أقوالهم أو مع أقوال غيرهم لا يعيب الحكم ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه - كما هو الحال في الطعن الماثل - فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن لا يعدو في حقيقته أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير محكمة الموضوع للأدلة القائمة في الدعوى وهو من إطلاقاتها التي لا تجوز مصادرتها فيها لدى محكمة النقض.
2 - لما كان الدفع باستحالة الرؤية من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب في الأصل من المحكمة رداً صريحاً ما دام الرد مستفاداً ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي يوردها الحكم، فإن ما ينعاه الطاعنان من ذلك يكون في غير محله.
3 - لما كان الحكم قد حصل أقوال.... في أنه بينما كان يجالس... أقبل عليهما المتهمون الثلاثة الأول فضربه الثالث بسكين على رأسه بينما ضرب كل من المتهمين الأول والثاني - الطاعنان - المجني عليه.... ضربة واحدة بسكين كبيرة، بما مفاده أن المجني عليه قد ضرب مرتين فقط وهو الأمر الذي يتفق وما خلص إليه تقرير الصفة التشريحية حسبما يسلم به الطاعنان في وجه النعي ومن ثم فإن النعي بالتعارض بين الدليلين القولي والفني لا يكون له محل. ولا يغير من ذلك ما ورد بأسباب الطعن من أن الشاهد المشار إليه قرر في تحقيق النيابة العامة أن الطاعنين اعتديا على المجني عليه في ثلاثة مواضع إذ أن هذا القول - بفرض صحته - مردود بما هو مقرر من حق محكمة الموضوع في تجزئة أقوال الشاهد والأخذ منها بما تطمئن إليه وإطراح ما عداه.
4 - لما كان من المقرر أن الخطأ في الإسناد هو الذي يقع فيما هو مؤثر في عقيدة المحكمة التي خلصت إليها، وكان ما يثيره الطاعنان من خطأ الحكم إذ حصل أقوال الشاهدة.... في أن ملاحقة والد المجني عليه للطاعن الثاني كانت إثر مصرع المجني عليه بينما جرت أقوالها في التحقيق بأن ذلك كان فور الاعتداء على نجله الآخر وقبل معرفته بمصرع المجني عليه، فإنه بفرض صحته قد ورد بشأن أقوال لم تكن قوام جوهر الواقعة التي اعتنقها الحكم ولم يكن لها أثر في منطق الحكم وسلامة استدلاله على مقارفة الطاعنين للجرائم التي دانهما بها، ومن ثم تضحى دعوى الخطأ في الإسناد غير مقبولة.
5 - لما كان الحكم قد استخلص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدان المحكمة على أن الطاعنين هما المعتديان أولاً وأخيراً على المجني عليه ودلل على ثبوت هذه الصورة تدليلاً سائغاً، وكان من المقرر أنه وإن كان القانون قد أوجب سماع ما يبديه المتهم من أوجه الدفاع وتحقيقه، إلا أنه متى كانت المحكمة قد وضحت لديها الواقعة أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى فإن لها أن تعرض عنه ولا تثريب عليها إن هي أغفلت الرد عليه، ولما كان البين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعنين لم يطلبا من المحكمة إجراء تحقيق في خصوص ما يثيرانه - من سبق اعتداء المجني عليه على الطاعن الأول، فلا يقبل منهما - من بعد النعي عليهما قعودها عن إجراء تحقيق أمسكا عن طلبه ولم تر هي من جانبها حاجة لإجرائه.
6 - لما كان من المقرر أن البحث في توافر سبق الإصرار من إطلاقات قاضي الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلاً مع ذلك الاستنتاج، وكان ما ساقه الحكم فيما تقدم سائغاً وكافياً لاستظهار توافر سبق الإصرار في حق الطاعنين، فإن منعاهما بالإخلال بحق الدفاع والفساد في الاستدلال في هذا الصدد تكون على غير أساس.
7 - لما كان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنين حضرا بها جميعاً وأن المدافعين عنهما استوفيا دفاعهما وانتهيا إلى طلب البراءة، وكان الثابت بمحضر جلسة 7 من إبريل سنة 1983 - التي حضرها الطاعنان واستكمل المدافع عن الطاعن الأول مرافعته مختتماً إياها بطلب براءته واحتياطياً استعمال الرأفة - أن المحكمة قررت تعديل وصف التهمة بالنسبة إلى أحد المتهمين الآخرين في الدعوى وتأجيل نظر الدعوى لاستكمال المرافعة بالنسبة إلى هذا المتهم لجلسة 3 من مايو سنة 1983 حيث استمعت المحكمة إلى شهادة... في واقعة اعتداء المتهم الآخر عليه ثم أبدى المدافع عن هذا المتهم دفاعه وبعد ذلك أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه. وإذ كان البين من ذلك أن استمرار نظر الدعوى - بجلسة 3 من مايو سنة 1983 - إنما كان مقصوراً على ما هو مسند إلى غير الطاعنين من اتهام وبعد أن استوفت كافة إجراءات محاكمة الطاعنين فيما هو منسوب إليهما، فإن دعوى البطلان في الإجراءات والإخلال بحق الدفاع في هذا الخصوص تكون في غير محلها. أما ما ذهب إليه الطاعنان من أن قرار المحكمة بالتأجيل لجلسة 3 من مايو سنة 1983 كان تالياً لقرار أصدرته بجلسة 7 من إبريل سنة 1983 بإقفال باب المرافعة وإصدار الحكم بعد المداولة، فمردود بما سبق بيانه من أن جلسة 7 من إبريل سنة 1983 اختتمت بتعديل وصف التهمة بالنسبة إلى متهم آخر وتأجيل نظر الدعوى للجلسة التالية الأمر الذي لا يجوز دحضه إلا بالطعن بالتزوير وهو ما لم يفعله الطاعنان.
8 - من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر فلا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة.
9 - لما كان الحكم المطعون فيه - على ما سلف بيانه - قد بين واقعة الدعوى وأورد على صورتها حسبما استقرت في وجدان المحكمة أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها من مساءلة الطاعنين عن جريمة الضرب المفضي إلى الموت مع سبق الإصرار، فإنه لا تكون للطاعن الأول - من بعد - مصلحة في تعييب الحكم إذ دانه عن واقعة ضربه... مجردة من ظرف سبق الإصرار، ما دام الحكم قد أعمل حكم المادة 32 من قانون العقوبات وأوقع عليه عقوبة واحدة عن الجرائم الثلاث التي دانه بها هي المقررة لجريمة الضرب المفضي إلى الموت مع سبق الإصرار باعتبارها الجريمة ذات العقوبة الأشد، ومن ثم يكون ما ينعاه الطاعنان في هذا الشأن غير مقبول.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين.....، .....، .....، ......، .....، ........ في قضية الجناية.... بأنهم بدائرة المحلة الكبرى محافظة الغربية.
أولاً: الأول والثاني: قتلا..... عمداً مع سبق الإصرار بأن بيتا النية على قتله وأعدا لذلك آلات حادة وتوجها إلى المكان الذي أيقنا وجوده فيه وما أن ظفرا به حتى انهال عليه الثاني بالضرب بساطور والأول بسكين قاصدين من ذلك قتله فأحدثا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته.
ثانياً: الثالث: شرع في قتل.... عمداً مع سبق الإصرار بأنه بيت النية على قتله وأعد لذلك آلة حادة (سكين) وما أن ظفر به حتى انهال عليه بالضرب بها قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابات المبينة بالتقرير الطبي المرفق وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو مداركة المجني عليه بالعلاج.
ثالثاً: المتهمون جميعاً: أتلفوا عمداً الأشياء المبينة وصفاً وقيمة بالأوراق والمملوكة لـ..... بأن توجهوا إلى كشك مقهاه حاملين آلات حادة وأتلفوا الأخشاب المكون منها وبعض المقاعد وقد نشأ عن ذلك جعل حياة الناس وأمنهم في خطر.
رابعاً: الأول: ضرب..... فأحدث به الإصابات المبينة بالتقرير الطبي المرفق والتي تقرر لعلاجها مدة لا تقل عن عشرين يوماً.
خامساً: الثالث: ضرب..... فأحدث به الإصابات المبينة بالتقرير الطبي المرفق والتي تقرر لعلاجها مدة لا تزيد عن عشرين يوماً.
سادساً: الأول والرابع: ضرباً.....فأحدثا بها الإصابات المبينة بالتقرير الطبي المرفق والتي تقرر لعلاجها مدة لا تزيد عن عشرين يوماً.
سابعا: المتهم الخامس: ضرب..... فأحدث به الإصابات المبينة بالتقرير الطبي المرفق والتي تقرر لعلاجها مدة لا تقل عن عشرين يوماً. وأحالتهم لمحكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقاً لمواد الاتهام.
وادعى.... مدنياً قبل المتهمين بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت.
ومحكمة جنايات طنطا قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام 231، 236/ 1، 2، 242/ 1، 3، 361/ 1، 2 من قانون العقوبات مع إعمال المادة 32/ 2 من ذات القانون بمعاقبة:
أولاً:....... بالأشغال الشاقة لمدة خمسة عشر عاماً عن التهمة الأولى والثالثة والرابعة وببراءته من التهمة السادسة.
ثانياً: بمعاقبة...... بالأشغال الشاقة لمدة خمسة عشر عاماً عما أسند إليه.
ثالثاً: بإلزام.... و..... متضامنين بأن يؤديا إلى المدعي بالحق المدني مبلغاً وقدره قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت وألزمتهما متضامنين المصاريف المدنية. ومبلغ ثلاثين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة. وذلك على اعتبار أن الواقعة موضوع التهمة الأولى ضرب أفضى إلى موت.
فطعن المحكوم عليهما (الطاعنان) في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين بجريمتي الضرب المفضي إلى الموت مع سبق الإصرار, والإتلاف ودان الطاعن الأول بجريمة الضرب العمد باستعمال أداة، فقد شابه القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع ومخالفة الثابت في الأوراق والفساد في الاستدلال والبطلان في الإجراءات والتناقض. ذلك بأنه عول على أقوال الشهود رغم تضاربها وتعدد رواياتهم في شأن ما إذا كان الاعتداء على المجني عليه الأول قد وقع من الطاعنين معاً أم من أحدهما فحسب، واستند إلى أقوال... و.... دون أن يبرر مؤداها في بيان كاف. كما أعرض بغير رد عما تمسك به الدفاع من استحالة الرؤية في مكان الحادث عند وقوعه وحصل أقوال الشاهد.... بأنه شاهد كلاً من الطاعنين يضرب المجني عليه مرة واحدة في حين جرت أقواله بالتحقيق على أن الطاعن الثاني ضرب المجني عليه على رأسه مرة واحدة بينما ضربه الطاعن الأول مرة على عينه وأخرى على ظهره دون أن يعرض لما أثاره الدفاع من تعارض بين الدليلين القولي المتمثل فيما قرره.... من إصابة المجني عليه في ثلاثة مواضع، والفني المتمثل فيما تضمنه التقرير الطبي من وجود إصابتين فحسب بالمجني عليه كما حصل الحكم أقوال الشاهدة..... على أنها شاهدت والد المجني عليه يعدو خلف الطاعن الثاني إثر مقتل نجله على حين أنها قررت بالتحقيق أو عَدْوَ والد المجني عليه كان في أعقاب الاعتداء على نجله الآخر.... وقبل علمه بمقتل نجله المجني عليه. وفضلاً عن ذلك فقد تمسك المدافع عن الطاعنين بأن المجني عليه هو البادئ بالعدوان بدلالة ما أثبت بمحضر تحقيق النيابة العامة من وجود إصابات بالطاعن الأول غير أن المحكمة لم تحقق هذا الدفاع رغم جوهريته وأثره في إثبات أو نفي ظرف سبق الإصرار الذي استظهره الحكم بما لا يصلح للتدليل عليه بٍأن اتخذ من مجرد مضي نحو أربع ساعات بين اعتداء المجني عليه...... على الطاعن الأول وبين اعتداء الأخير عليه ما يكفي لتوافر هذا الظرف وذلك على الرغم من أن حقيقة الواقعة كما تكشف عنها مدونات الحكم تنبئ عن تلاحق الأحداث بصورة لا يمكن معها اكتمال العناصر اللازمة لتوافر سبق الإصرار من هدوء وروية وإعمال الفكر. هذا إلى أن المحكمة بعد أن سمعت الدعوى وقررت إقفال باب المرافعة وإصدار الحكم بعد المداولة، عادت ونبهت متهماً آخر في الدعوى إلى تعديل أجرته في وصف التهمة المسندة إليه، وأجلت الدعوى, بناء على طلب هذا المتهم، لجلسة أخرى لحضور محاميه, حيث استمعت المحكمة - بهذه الجلسة الأخيرة وفي غيبة المدافع عن الطاعنين - إلى أقوال أحد الشهود فيما هو مسند إلى ذلك المتهم غير أن هذا الشاهد أشار في أقواله إلى ما يمس الطاعن الثاني إذ شهد بتواجده مع ذلك المتهم عند الاعتداء على المجني عليه, الأمر الذي كان يوجب عدم السير في نظر الدعوى في غيبة المدافع عن الطاعنين، وألا يغير من ذلك عدم استناد الحكم إلى أقوال هذا الشاهد ذلك أن حضور المدافع مع المتهم بجناية من الإجراءات الجوهرية التي يتعين مراعاتها لذاتها. وأخيراً فإن الحكم بعد أن حصل الواقعة بما يفيد توافر سبق الإصرار في حق الطاعنين وتدبيرها للاعتداء على المجني عليه ومن والاه، عاد فدان الطاعن الأول عن واقعة اعتدائه على..... مجردة من سبق إصرار على الرغم من أن هذا المجني عليه كان بصحبة المجني عليه الآخر عند وقوع الاعتداء بما كان يتحتم معه على الحكم - تمشياً مع منطقه في تصوير الحادث وكيفية وقوعه والتدبير لارتكابه - أن يعمل إثر توافر سبق الإصرار عن واقعة الاعتداء على..... أيضاً. كل ذلك يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية التي دان الطاعنين بها, وأورد على ثبوتها في حقها أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهاداتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه وهي متى أخذت بشهاداتهم فإن ذلك يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكان من المقرر أن الأحكام لا تلتزم بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها وأن المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إن تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به منها بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه، وإذ كان تناقض الشهود وتضاربهم في أقوالهم أو مع أقوال غيرهم لا يعيب الحكم ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه - كما هو الحال في الطعن الماثل - فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن لا يعدو في حقيقته أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير محكمة الموضوع للأدلة القائمة في الدعوى وهو من إطلاقاتها التي لا تجوز مصادرتها فيها لدى محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الدفع باستحالة الرؤية من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب في الأصل من المحكمة رداً صريحاً ما دام الرد مستفاداً ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي يوردها الحكم، فإن ما ينعاه الطاعنان من ذلك يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان الحكم قد حصل أقوال.... في أنه بينما كان يجالس... أقبل عليهما المتهمون الثلاثة الأول فضربه الثالث بسكين على رأسه بينما ضرب كل من المتهمين الأول والثاني - الطاعنان - المجني عليه.... ضربة واحدة بسكين كبيرة، بما مفاده أن المجني عليه قد ضرب مرتين فقط وهو الأمر الذي يتفق وما خلص إليه تقرير الصفة التشريحية حسبما يسلم به الطاعنان في وجه النعي ومن ثم فإن النعي بالتعارض بين الدليلين القولي والفني لا يكون له محل. ولا يغير من ذلك ما ورد بأسباب الطعن من أن الشاهد المشار إليه قرر في تحقيق النيابة العامة أن الطاعنين اعتديا على المجني عليه في ثلاثة مواضع إذ أن هذا القول - بفرض صحته - مردود بما هو مقرر من حق محكمة الموضوع في تجزئة أقوال الشاهد والأخذ منها بما تطمئن إليه وإطراح ما عداه. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الخطأ في الإسناد هو الذي يقع فيما هو مؤثر في عقيدة المحكمة التي خلصت إليها، وكان ما يثيره الطاعنان من خطأ الحكم إذ حصل أقوال الشاهدة.... في أن ملاحقة والد المجني عليه الطاعن الثاني كانت إثر مصرع المجني عليه بينما جرت أقوالها في التحقيق بأن ذلك كان فور الاعتداء على نجله الآخر وقبل معرفته بمصرع المجني عليه، فإنه بفرض صحته قد ورد بشأن أقوال لم تكن قوام جوهر الواقعة التي اعتنقها الحكم ولم يكن له أثر في منطق الحكم وسلامة استدلاله على مقارفة الطاعنين للجرائم التي دانهما بها، ومن ثم تضحى دعوى الخطأ في الإسناد غير مقبولة. لما كان ذلك، وكان الحكم قد استخلص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدان المحكمة على أن الطاعنين هما المعتديان أولاً وأخيراً على المجني عليه ودلل على ثبوت هذه الصورة تدليلاً سائغاً، وكان من المقرر أنه وإن كان القانون قد أوجب سماع ما يبديه المتهم من أوجه الدفاع وتحقيقه، إلا أنه متى كانت المحكمة قد وضحت لديها الواقعة أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى فإن لها أن تعرض عنه ولا تثريب عليها إن هي أغفلت الرد عليه، ولما كان البين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعنين لم يطلبا من المحكمة إجراء تحقيق في خصوص ما يثيرانه من سبق اعتداء المجني عليه على الطاعن الأول، فلا يقبل منهما - من بعد - النعي عليهما قعودها عن إجراء تحقيق أمسكا عن طلبه ولم تر هي من جانبها حاجة لإجرائه، وإذ كان الحكم قد استظهر سبق الإصرار في حق الطاعنين بقوله: "وحيث إنه عن ظرف سبق الإصرار" "فثابت قبل المتهمين الأول والثاني (الطاعنين) من تراخيهما في رد عدوان المجني عليه" "الأول على المتهم الأول لمدة حوالي أربع ساعات كانت كافية للتروي وتدبر الأمر بدليل" "أنهما قضياها في جميع الأشياء وإعداد الأدوات بل أتيح لهما فيها الاحتكام لراعي الخير" "حين تقدم والد المجني عليه وقد انحنى في شيخوخته على يد المتهم الثاني ورأسه يقبلهما" "ويعتذر عن ذنب ابنه ويدعو المتهم إلى إصلاح ذات البين ومن تظاهر المتهم الثاني بالموافقة" "على ذلك بينما هو يضمر في نفسه العدوان ثم كانت طريقة تنفيذ ما انعقد عزم المتهمين عليه" "قرينة معززة لكل ما سبق في إثبات أن الجريمة كانت وليدة تدبر في رؤية وتصميم مما يتحقق" "به الظرف المشدد". وكان من المقرر أن البحث في توافر سبق الإصرار من إطلاقات قاضي الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلاً مع ذلك الاستنتاج، وكان ما ساقه الحكم فيما تقدم سائغاً وكافياً لاستظهار توافر سبق الإصرار في حق الطاعنين، فإن منعاهما بالإخلال بحق الدفاع والفساد في الاستدلال في هذا الصدد تكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنين حضرا بها جميعاً وأن المدافعين عنهما استوفيا دفاعهما وانتهيا إلى طلب البراءة، وكان الثابت بمحضر جلسة 7 من إبريل سنة 1983 - التي حضرها الطاعنان واستكمل المدافع عن الطاعن الأول مرافعته مختتماً إياها بطلب براءته واحتياطياً استعمال الرأفة - أن المحكمة قررت تعديل وصف التهمة بالنسبة إلى أحد المتهمين الآخرين في الدعوى وتأجيل نظر الدعوى لاستكمال المرافعة بالنسبة إلى هذا المتهم لجلسة 3 من مايو سنة 1983 حيث استمعت المحكمة إلى شهادة... في واقعة اعتداء المتهم الآخر عليه ثم أبدى المدافع عن هذا المتهم دفاعه وبعد ذلك أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه. وإذ كان البين من ذلك أن استمرار نظر الدعوى - بجلسة 3 من مايو سنة 1983 - إنما كان مقصوراً على ما هو مسند إلى غير الطاعنين من اتهام وبعد أن استوفيت كافة إجراءات محاكمة الطاعنين فيما هو منسوب إليهما، فإن دعوى البطلان في الإجراءات والإخلال بحق الدفاع في هذا الخصوص تكون في غير محلها. أما ما ذهب إليه الطاعنان من أن قرار المحكمة بالتأجيل لجلسة 3 من مايو سنة 1983 كان تالياً لقرار أصدرته بجلسة 7 من إبريل سنة 1983 بإقفال باب المرافعة وإصدار الحكم بعد المداولة، فمردود بما سبق بيانه من أن جلسة 7 من إبريل سنة 1983 اختتمت بتعديل وصف التهمة بالنسبة إلى متهم آخر وتأجيل نظر الدعوى للجلسة التالية الأمر الذي لا يجوز دحضه إلا بالطعن بالتزوير وهو ما لم يفعله الطاعنان. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر فلا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة، وكان الحكم المطعون فيه - على ما سلف بيانه - قد بين واقعة الدعوى وأورد على صورتها حسبما استقرت في وجدان المحكمة أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها من مساءلة الطاعنين عن جريمة الضرب المفضي إلى الموت مع سبق الإصرار، فإنه لا تكون للطاعن الأول - من بعد - مصلحة في تعييب الحكم إذ دانه عن واقعة ضربه... مجردة من ظرف سبق الإصرار، ما دام الحكم قد أعمل حكم المادة 32 من قانون العقوبات وأوقع عليه عقوبة واحدة عن الجرائم الثلاث التي دانه بها هي المقررة لجريمة الضرب المفضي إلى الموت مع سبق الإصرار باعتبارها الجريمة ذات العقوبة الأشد، ومن ثم يكون ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن غير مقبول. لما كان ما تقدم, فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعين الرفض موضوعاً.