مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية - العدد الثاني (من أول فبراير إلى آخر مايو سنة 1957) - صـ 720

(75)
جلسة 16 من مارس سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 1693 لسنة 2 القضائية

( أ ) دفع بعدم القبول - قبول أو عدم قبول الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا - تعلقه بالنظام العام.
(ب) محكمة إدارية عليا - الطعن أمامها - تأسيسه على أن الحكم المطعون فيه قضى بما لم يطلبه الخصم وهي إحدى حالات التماس إعادة النظر - جوازه - أساس ذلك.
(ج) مهندس - ترقية إلى مساعد مدير أعمال - القواعد المتبعة في ذلك - القانون رقم 134 لسنة 1953.
(د) لجنة شئون الموظفين - اختصاصها بالتعقيب على تقدير كفايات الموظفين في حدود المادة 31 من قانون الموظفين، والنظر في ترقية الموظفين لغاية الدرجة الأولى بما في ذلك الترقية بالاختيار - إذا باشرت الجهة اختصاصها الأول وصار تقديرها نهائياً فليس لها عند مباشرة اختصاصها الثاني أن تعدل عن تقديريها الأول لدرجة الكفاية إلى تقدير آخر.
(هـ) لجنة شئون الموظفين - القول بأنها لا تملك سوى تسجيل تقدير الكفاية كما هو إذا لم يبد المدير المحلي فرئيس المصلحة أية ملاحظات على تقدير الرئيس المباشر - في غير محله - مهمتها التعقيب الجدي قبل وضع التقدير النهائي إذا قامت لديها أسباب مبررة لذلك وإلا سجلت تقدير الرؤساء عند انعدام ما يستوجب التعقيب.
1 - إن قبول أو عدم الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا هو أمر يتصل بالنظام العام، مما يتعين معه التصدي للدفع والبت فيه، ولو تنازل مقدمه عنه.
2 - إن الحكم المطعون فيه، إذ قضى بما لم يطلبه صاحب الشأن، إنما أقام قضاءه بذلك على قاعدة قانونية خاطئة مما يجيز الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا طبقاً لأضاع المادة 15 من قانون مجلس الدولة، استناداً إلى خطئه في تطبيق القاعدة المشار إليها. هذا إلى أن المراكز القانونية في مجال القانون العام إنما تستمد من قواعد تنظيمية مردها إلى القوانين واللوائح التي يتعين على القاضي الإداري إنزال حكمها على الوجه الصحيح في المنازعة المطروحة عليه؛ ومن ثم يتعين رفض الدفع المؤسس على القول بأن الحكم المطعون فيه وقد قضى للمدعي بأكثر مما طلبه، فما كان يجوز الطعن فيه إلا بطريق التماس إعادة النظر بالتطبيق للمادة 417 من قانون المرافعات المدنية والتجارية التي أحالت إليها المادة 16 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة.
3 - إن القانون رقم 134 لسنة 1953 في شأن الأقدمية والترقية بين الموظفين الفنيين بمصلحتي الري والمباني الأميرية بوزارة الأشغال العمومية نص في المادة الأولى منه على أنه "استثناء من أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 في شأن الترقية وترتيب الأقدمية في الدرجات، تكون الترقيات وترتيب الأقدمية في وظائف الكادر الفني العالي بمصلحتي الري والمباني الأميرية بوزارة الأشغال العمومية على أساس أقدمية الترقية إلى الوظائف المبينة بالجدول المرافق، وفقاً للترتيب الوارد به". كما نص في مادته الثانية على أنه "مع مراعاة أحكام المادة 38 من القانون المشار إليه تكون الترقية بالاختيار من وظيفة إلى أخرى تعلوها في الأهمية في حدود الدرجة المالية ذاتها". وقد قسم الجدول المرافق للقانون المذكور الدرجة الرابعة بمصلحة الري إلى وظيفتين هما: ( أ ) مساعد مدير أعمال ووكيل هندسة، (ب) مهندس. ونص على أن تعتبر الوظائف المدرجة أمام ( أ ) أعلى من الوظائف المدرجة أمام (ب). وقد كان الباعث على إصدار هذا القانون حرص الشارع على مصلحة العمل وتقديره لما ينطوي عليه من أهمية بمصلحتي الري والمباني الأميرية بوزارة الأشغال العمومية، نظراً إلى ما تتطلبه إدارة المرافق العامة للدولة من وجوب مراعاة الدقة في اختيار المهندسين الذين تتوافر فيهم الصلاحية للقيام بأعباء الوظائف الرئيسية بهاتين المصلحتين بغض النظر عن الاعتبارات الأخرى، وهي صلاحية لا يقتصر مداها على كفاية الموظف في عمله الفني كمهندس فحسب، بل تقوم على عناصر وصفات عدة من بينها الكفاية؛ ذلك أن هذه الكفاية قد لا تنهض بذاتها دليلاً قاطعاً على الصلاحية للاضطلاع بمهام وظيفة كوظيفة مساعد مدير أعمال بمصلحة الري التي تعد أولى مدارج الوظائف الرئيسية بتلك المصلحة وعصب الأعمال الفنية وأعمال المقاولين المالية بها. ومن أجل هذا رأى الشارع أن تكون الترقية بالتلقيب إلى وظائف الري المختلفة تبعاً لتدرجها في الأهمية بطريق الاختيار، وذلك في حدود الدرجة المالية ذاتها، وأن تكون هذه الترقية إلى الوظيفة سابقة على الترقية إلى الدرجة المالية وأساساً لها.
4 - لما كانت المواد 38 و39 و40 و41 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة قد نظمت الترقيات وحددت نسب ما تجب فيه الترقية بالأقدمية وما يجوز أن تكون فيه الترقية بالاختيار بالشروط المبينة فيها، فقد نظم الشارع في المواد 29 و30 و31 و32 من القانون المذكور كيفية تقدير كفاية الموظفين بالقيود والشروط التي عينها. وهذا أمر كان لا بد منه حتى تنضبط الترقيات على مقتضى ما قصده في المواد المشار إليها. ويجب التنبيه إلى أن لجنة شئون الموظفين تقوم بمهمة مزدوجة في هذا المجال وفي ذلك، فهي تعقب على تقدير الكفايات في الحدود وبالشروط التي عينها الشارع في المادة 31 من القانون، كما تقوم بمهمة النظر في ترقية الموظفين لغاية الدرجة الأولى بما في ذلك الترقية بالاختيار في الحدود التي نظمتها المادة 28 من القانون سالف الذكر. وغني عن البيان أن اللجنة إذا باشرت سلطاتها في المجال الأول وانتهت إلى رأي في التقدير أصبح هذا التقدير نهائياً طبقاً للمادة 31، فلا يجوز عند النظر في الترقية طبقاً للمادة 28 أن تطرح تقديرها النهائي الذي انتهت إليه في درجة كفاية الموظف وتقدره تقديراً جديداً تبني عليه اقتراحها في الترقية.
5 - إن المادة 31 من القانون رقم 210 لسنة 1951 المعدلة بالقانون رقم 579 لسنة 1953 نصت على أن "يقدم التقرير السنوي السري عن الموظف من رئيسه المباشر، ثم يعرض على المدير المحلي للإدارة فرئيس المصلحة لإبداء ملاحظاتهما، ثم يعرض بعد ذلك على لجنة شئون الموظفين لتسجيل التقدير إذا لم تؤثر الملاحظات في الدرجة العامة لتقدير الكفاية، وإلا فيكون للجنة تقدير درجة الكفاية التي يستحقها الموظف ويكون تقديرها نهائياً". والقول بأنه إذا لم يبد المدير المحلي فرئيس المصلحة أية ملاحظات على تقدير الرئيس المباشر فلا تملك لجنة شئون الموظفين سوى تسجيل التقدير كما هو دون نظر فيه أو تعقيب عليه ولو بانت لها أسباب جدية تقتضي مراجعة الرؤساء في تقديراتهم - هذا القول لا يتفق مع روح القانون وقصد الشارع في ضوء المصلحة العامة؛ ذلك أنه قد تقوم لدى اللجنة أسباب تقطع في عدم صحة تقديرات الرؤساء المذكورين أو أسباب جديدة ما كانت تحت نظرهم ولو أنهم تبينوها لما انتهوا إلى ما انتهوا إليه من تقدير. كما أنه إذا كان الموظفون يتبعون مصالح أو رؤساء عدة بينما تنتظمهم وحدة واحدة في الترقية فيجب أن توزن كفايتهم بميزان واحد تحقيقاً للمساواة بينهم جميعاً حتى لا تتأثر بذلك ترقياتهم، الأمر الذي لا يتأتى إلا إذا كان التعقيب النهائي على جميع التقديرات وإن تعددت مصادرها منوطاً بلجنة تضبط الميزان بينهم جميعاً وهي لجنة شئون الموظفين، وإلا لأفضى الأمر إلى وضع شاذ تتأثر به مصلحة الموظفين من جهة والمصلحة العامة من جهة أخرى. وكل أولئك قاطع في الدلالة على أن مهمة اللجنة حتى في هذه الصورة ليست مجرد تسجيل مادي للتقديرات الصادرة من الرؤساء ولو بان للجنة من الأسباب ما يقتضي مراجعتها، وإنما مهمتها التعقيب الجدي قبل وضع التقدير النهائي إذا قامت لديها مثل هذه الأسباب، وإلا سجلت تقدير الرؤساء ما دام ليس ثمة ما يستوجب مراجعته والتعقيب عليه.


إجراءات الطعن

في 28 من يوليه سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1693 لسنة 2 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة) بجلسة 31 من مايو سنة 1956 في الدعوى رقم 7483 لسنة 8 القضائية المقامة من المهندس رياض ميخائيل متى ضد وزارة الأشغال العمومية، القاضي "بإلغاء القرار 1082 الصادر في 23 من مارس سنة 1954 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية لوظيفة مساعد مدير أعمال من الدرجة الثالثة وما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الحكومة بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين، للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه، الحكم "بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية لوظيفة مساعد مدير أعمال من الدرجة الثالثة، والقضاء بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية لوظيفة مساعد مدير أعمال من الدرجة الرابعة". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الأشغال العمومية في 13 من أغسطس سنة 1956 وإلى المطعون عليه في 19 منه. وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 16 من فبراير سنة 1957. وقد أودع المطعون عليه في 11 من أكتوبر سنة 1956 مذكرة بملاحظاته دفع فيها بعدم قبول الطعن، ولم تقدم الجهة الإدارية مذكرات ما. وفي 3 من يناير سنة 1957 أبلغ الطرفان بميعاد الجلسة التي عينت لنظر الطعن، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة وقرر المطعون عليه تنازله عن الدفع بعدم قبول الطعن. ثم أرجأت النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
( أ ) عن الدفع بعدم قبول الطعن:
من حيث إن مبنى هذا الدفع أن الحكم الطعون فيه وقد قضى للمدعي بأكثر مما طلبه فما كان يجوز الطعن فيه إلا بطريق التماس إعادة النظر بالتطبيق للمادة 417 من قانون المرافعات المدنية والتجارية التي أحالت إليها المادة 16 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة.
ومن حيث إنه ولئن كان المدعي قد تنازل عن هذا الدفع، إلا أنه لما كان متعلقاً بقبول أو عدم قبول الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا - وهو أمر يتصل بالنظام العام - مما يتعين معه التصدي للدفع والبت فيه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه إذ قضى بما لم يطلبه صاحب الشأن إنما أقام قضاءه بذلك على قاعدة قانونية خاطئة، مما يجيز الطعن فيه طبقاً لأحكام المادة 15 من قانون مجلس الدولة استناداً إلى خطئه في تطبيق القاعدة المشار إليها. هذا إلى أن المراكز القانونية في مجال القانون العام إنما تستمد من قواعد تنظيمية مردها إلى القوانين واللوائح التي يتعين على القاضي الإداري إنزال حكمها على الوجه الصحيح في المنازعة المطروحة عليه.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
(ب) عن الموضوع:
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 7483 لسنة 8 القضائية ضد وزارة الأشغال العمومية أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 13 من مايو سنة 1954، ذكر فيها أنه تخرج في كلية الهندسة بجامعة القاهرة في سنة 1937، والتحق إثر تخرجه بوزارة الأشغال العمومية في وظيفة مهندس بمصلحة الري في الدرجة السادسة الفنية، ثم رقي إلى الدرجة الخامسة الفنية في أكتوبر سنة 1946 وإلى الدرجة الرابعة الفنية في يناير سنة 1952، وقد جاءت تقاريره السنوية عن السنوات الخمس الأخيرة ابتداء من سنة 1950 أن صفاته وكفايته 100% مع التوصية بترقيته. وعلى الرغم من كفايته النادرة وحياته الوظيفية الغزيرة الإنتاج وما بذله خلالها من جهد وإخلاص في أداء عمله فقد تخطى في الترقية إلى وظيفة مساعد مدير أعمال. وإذا كانت الترقية تتم بالاختيار فإن للاختيار أصولاً وضوابط تخضع لرقابة المحكمة في تطبيقها وتحري استيفاءها وتوافرها، هذا إلى أن الوزارة خرجت بالنسبة إلى بعض من رقوا على القاعدة التنظيمية التي وضعها وزير الأشغال بقراره الصادر في 5 من سبتمبر سنة 1953، وهي ألا يرقى إلى وظيفة مساعد مدير أعمال إلا المهندس الذي عمل فعلاً مهندس مركز، إذ رقت أشخاصاً لم يسبق لهم العمل مهندسي مراكز، وخلص من هذا إلى طلب "الحكم بإلغاء القرار الصادر من وزير الأشغال العمومية في 18 من مارس سنة 1954 بإجراء حركة ترقيات بين مهندسي مصلحة الري فيما تضمنه من تخطي الطالب في الترقية إلى وظيفة مساعد مدير أعمال مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". ونعى على هذا القرار مجافاته للقانون وصدوره مشوباً بسوء استعمال السلطة.
ومن حيث إن وزارة الأشغال دفعت الدعوى بأن تخطيها للمدعي في الترقية بالقرار المطعون فيه إنما سببه هو عدم صلاحيته للقيام بأعباء وظيفة مساعد مدير أعمال من الدرجة الرابعة، التي هي أول السلم في الوظائف الرئيسية بمصلحة الري وعصب الأعمال الفنية وأعمال المقاولين المالية. وأنها إذ استصدرت القانون رقم 134 لسنة 1953 الخاص بتنظيم الترقيات وترتيب الأقدمية بين مهندسي مصلحتي الري والمباني إنما استهدفت بذلك صالح العمل، لما تتطلبه إدارة المرافق العامة للدولة من مراعاة الدقة في اختيار المهندسين الذين يصلحون للقيام بأعباء الوظائف الرئيسية بغض النظر عن الاعتبارات الأخرى. ذلك أن كفاءة الموظف في عمله كمهندس ري ليست دليلاً قاطعاً على صلاحيته للقيام بأعباء وظيفة مساعد مدير أعمال. ولذا فإن لجان شئون الموظفين درجت على ألا ترشح لشغل هذه الوظيفة إلا من تثق في صلاحيته وأهليته لها، مستهدية في ذلك إلى جانب تقاريرهم السنوية وملفات خدمتهم بما لدى أعضائها من معلومات لمسوها بحكم ظروف العمل التي تجمعهم بالمرشحين. أما القاعدة التي تضمنها قرار وزير الأشغال رقم 241/ 53 الصادر في 2 من أكتوبر سنة 1953 فلم توضع إلا لتحديد الأسس التي تسير عليها لجنة شئون الموظفين في ترشيحاتها لوظائف مساعدي مديري الأعمال بقدر الإمكان. فإذا تبين لها أن بعض المهندسين الذين لم يعملوا بالمراكز هم أكثر صلاحية لشغل وظيفة مساعد مدير أعمال من مهندسي المراكز فليس ما يمنعها من ترقيتهم إلى هذه الوظيفة، إذ العبرة في شغلها بالصلاحية قبل أي اعتبار آخر. أما ما يستند إليه المدعي من حصوله في التقرير السري المحرر عنه لعام 1954 على درجة كفاية مجموعها 100% فمخالف للواقع. ذلك أن لجنة شئون موظفي مصلحة الري استعرضت في جلساتها المنعقدة في 13 و14 و15 من مارس سنة 1954 التقارير السرية الموضوعة لعام 1954 عن مهندسي هذه المصلحة. وعندما بلغت الجزء الخاص بالإدارة العامة للخزانات التي يتبعها المدعي لاحظت أن ثمة فارقاً كبيراً بين الأساس الذي روعي في تفاتيش الري الأخرى. وبمناقشة رئيس المصلحة صاحب الرأي الأخير في تقارير عام 1954 عن مهندسي الإدارة العامة للخزانات - ومن ضمنها التقرير الخاص بالمدعي - ذكر أنه لم يكن له رأي خاص في تقدير الدرجات الواردة بهذه التقارير، إنما اقتصر عمله فيها على اعتماد التقدير الذي وضعه الرئيس المباشر. ولذا رأت اللجنة علاجاً لهذا الموقف، وتوحيداً لمقاييس التقدير بين مختلف مهندسي مصلحة الري أن تضع التقدير النهائي لتقارير مهندسي الخزانات بنفسها، معتمدة في ذلك على معرفة أعضائها أحوال المهندسين. وقد قدرت درجة كفاية المدعي بما يبلغ في مجموعه 80%، وهي درجة تقل كثيراً عمن اختيروا للترقية إلى وظيفة مساعد مدير أعمال في الحركة المطعون فيها، وهم يفضلونه في مجموع درجات كفايتهم التي حصلوا عليها في التقارير السرية لعام 1954. على أن المدعي لم يشأ بعد تركه في الترقية في الحركة المطعون فيها أن يبرهن على جدارته بالقيام بأعباء مثل هذه الوظيفة الرئيسية؛ إذ لجأ إلى التمرد والعصيان وإثارة الفوضى في صفوف المهندسين، وقام هو ونفر ممن اعتادوا الشغب بإرسال برقيات إلى جهات مختلفة تضمنت قذفاً في حق المسئولين في الوزارة وطعناً في تصرفاتهم بلهجة نابية، ولما طلبوا للتحقيق معهم امتنعوا عن الإجابة وأصروا على موقفهم هذا، ثم أخذوا يحرضون المهندسين في سائر المديريات على الخروج على النظام والقانون، مما اضطر الوزارة إلى مجازاتهم بخصم خمسة عشر يوماً من راتب كل منهم ومن بينهم المدعي. وقد لجأ هذا الأخير وزملاؤه إلى إقامة الدعوى رقم 7819 لسنة 8 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري مطالبين بإلغاء هذا الجزاء، ولكن المحكمة أصدرت حكمها بجلسة 24 من فبراير سنة 1955 برفض هذه الدعوى وبإلزام المدعين بالمصرفات. وهذا المسلك المعيب من جانب المدعي يؤيد وجهة نظر لجنة شئون الموظفين في تركه في الترقية إلى وظيفة مساعد مدير أعمال التي تتطلب في شاغلها - علاوة على مقدرته الفنية - أن يكون محمود السيرة.
ومن حيث إن رد المدعي على دفاع الوزارة يتحصل - حسبما جاء في مذكراته - في أن الترقية بالاختيار ليست متروكة لهوى الرؤساء، بل تخضع لضوابط يتعين على الإدارة التزامها، وأن التقارير السنوية للموظف هي العمدة في ذلك. وإذا كان القانون رقم 134 لسنة 1953 قد جعل ترقية المهندسين بالاختيار فإنما قصد بذلك الاختيار الذي يجد حدوده وضوابطه في القواعد الموضوعة لذلك، أما مقاييس درجة الكفاية فيرجع فيها إلى أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة. وليس يسوغ للجنة شئون الموظفين أن تبني الاختيار للترقية على علمها الشخصي وتطرح التقارير لمجافاة ذلك القانون. أما قولها بأنها خفضت درجة كفاية المدعي من 100% إلى 80% فدفاع متأخر مصطنع نسجت خيوطه خدمة للرد على الدعوى؛ بدليل خلوه من التاريخ المثبت لحصوله قبل إجراء الترقية المطعون فيها على خلاف التقديرات الأخرى. وهو دفاع مردود بأن اللجنة لا تملك تعديل تقدير الرؤساء وإهدار ما حواه ملف خدمة المدعي من دلائل التفوق والامتياز وتوصيات الرؤساء بترقية على وجه الاستثناء، ما لم يبد رئيس المصلحة ملاحظات تؤثر في الدرجة العامة لهذا التقدير، وذلك طبقاً لنص المادة 31 من قانون نظام موظفي الدولة المعدلة بالقانون رقم 579 لسنة 1953. فإذا لم تكن ثمة ملاحظات فليس للجنة سوى تسجيل التقدير المذكور أي التصديق عليه، والحال أن رئيس المصلحة قد اعتمد التقدير الخاص بالمدعي ولم يبد أية ملاحظات عليه؛ وعلى هذا فإن درجة كفاية المدعي تكون 100% حسب القانون، ولا يؤثر فيها التخفيض الذي لجأت إليه شئون الموظفين دون وجه حق، على أن تقدير درجة الكفاية بـ 80% يجعل الموظف في درجة جيد ولا يجيز تركه في الترقية بالاختيار؛ إذ يتعين إعمال الأقدمية في هذه الحالة بين الحائزين على درجة جيد، باعتبار أن الأقدمية هي المميز الأصلي والأساس الطبعي للترقية. أما الجزاء الذي وقع على المدعي بخصم خمسة عشر يوماً من راتبه فليس له أي أثر في وضعه السابق على حركة الترقيات المطعون فيها؛ لكونه قد تم في تاريخ لاحق لهذه الحركة.
ومن حيث إن محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة) أصدرت حكمها بجلسة 31 من مايو سنة 1956 في هذه الدعوى "بإلغاء القرار 1082 الصادر في 23 من مارس سنة 1954 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية لوظيفة مساعد مدير أعمال من الدرجة الثالثة وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الحكومة بالمصروفات". وأقامت قضاءها على أن تنزيل لجنة شئون الموظفين لتقدير كفاية المدعي من 100 إلى 80 درجة أمر لا يقره ما هو ثابت في ملف خدمته من تقارير سنوية منذ سنة 1950 تنطق بكفايته وجدارته، إذ حصل فيها جميعاً على درجة جيد؛ ذلك أن القانون يوجب أن يكون تقدير الموظف مستمداً من ملف خدمته. وعلى فرض صحة تقدير اللجنة فإنه كان يتعين عليها ألا تتخطاه في الترقية بالاختيار بحجة أن من رشحتهم للترقية ممن يلونه في الأقدمية يزيدون عنه في درجات التقدير؛ إذ أن الأمر ليس مجرد درجات عددية محددة لها أثرها في الترقية، بل هو تقدير للموظف ينبئ في جملته عن حالته ودرجة كفايته ويضعه في مرتبه يحق له معها أن يرقى بالاختيار أو بالأقدمية المطلقة أو تسمح بتركه إذا انخفض تقديره عن أربعين درجة مرتين متتاليتين، وهو التحديد العددي الوحيد الذي يعتد به بنص القانون. ولا يغير من هذا النظر ما قرره وكيل الوزارة المساعد لإدارة الخزانات أمام لجنة شئون الموظفين من أنه لم يكن له رأي خاص في تقدير الدرجات الواردة في التقارير، وأن عمله اقتصر على اعتماد التقدير الذي وضعه الرئيس المباشر؛ إذ أنه هو الذي وضع التقرير الخاص بالمدعي عن سنة 1954 باعتباره رئيساً مباشراً عاماً ولم تقتصر مهمته على مجرد اعتماده، كما أنه هو نفسه الذي وضع تقرير المدعي عن سنة 1953 وأوصى فيه بترقيته إلى وظيفة مساعد مدير أعمال. أما الجزاء الذي وقع على المدعي فلا تأثير له لوقوعه بعد تاريخ صدور القرار المطعون فيه بل بسببه ونتيجة له؛ ومن ثم فما أن يحق للوزارة أن تتخطاه في الترقية إلى وظيفة مساعد مدير أعمال (من الدرجة الثالثة)، الأمر الذي يوجب إلغاء قرارها المتضمن هذا التخطي لوقوعه مشوباً بسوء استعمال السلطة والقضاء بذلك وبما يترتب عليه من آثار.
ومن حيث إن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعن في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 28 من يوليه سنة 1956، بنى فيها أسباب طعنه على المادتين الأولى والثانية من القانون رقم 134 لسنة 1953 في شأن الأقدمية والترقية بين الموظفين الفنيين بمصلحتي الري والمباني الأميرية بوزارة الأشغال العمومية، وعلي الجدول المرافق لهذا القانون الذي قسم الدرجة الرابعة بمصلحة الري إلى وظيفتين: "أ" مساعد مدير أعمال ووكيل هندسة و "ب" مهندس، ونص على أن تعتبر الوظائف المدرجة أمام "أ" أعلى من تلك المدرجة أمام "ب". ومفاد هذه النصوص أن المهندس من الدرجة الرابعة لا تجوز ترقيته مباشرة إلى الدرجة الثالثة قبل أن يرقى إلى وظيفة مساعد مدير أعمال من الدرجة الرابعة. ولما كان المدعي مهندساً من الدرجة الرابعة بمصلحة الري فإنه ما كانت تجوز ترقيته مباشرة إلى الدرجة الثالثة، بل يقتصر حقه على الترقية إلى الوظيفة التي تعلو في الأهمية وظيفة مهندس في حدود الدرجة المالية ذاتها، أي إلى وظيفة مساعد مدير أعمال من الدرجة الرابعة. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد وقع مخالفاً للقانون ويحق الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا. وانتهى السيد رئيس هيئة مفوضين من هذا إلى طلب "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية لوظيفة مساعد مدير أعمال من الدرجة الثالثة، والقضاء بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية لوظيفة مساعد مدير أعمال من الدرجة الرابعة".
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت [(1)] بأن الطعن في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري أو المحاكم الإدارية - طبقاً للمادة 15 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة بفتح الباب أمام المحكمة الإدارية العليا لتزن الحكم المطعون فيه بميزان القانون وزناً مناطه استظهار ما إذا كانت قد قامت به حالة أو أكثر من الأحوال التي تعيبه والمنصوص عليها في المادة سالفة الذكر، فتلغيه ثم تنزل حكم القانون في المنازعة، أم أنه لم تقم به أية حالة من تلك الأحوال وكان صائباً في قضائه، فتبقى عليه وترفض الطعن. كما أن لهيئة مفوضي الدولة أن تتقدم بطلبات أو أسباب جديدة غير تلك التي أبدتها في صحيفة الطعن، ما دامت ترى في ذلك وجه المصلحة العامة بإنزال حكم القانون على الوجه الصحيح في المنازعة الإدارية. وأن للمحكمة العليا أن تنزل حكم القانون على هذا الوجه غير مقيدة بطلبات الهيئة أو الأسباب التي تبديها، ما دام المرد في ذلك كله هو إلى مبدأ المشروعية، نزولاً على سيادة القانون في روابط هي من روابط القانون العام التي تختلف في طبيعتها عن روابط القانون الخاص؛ ومن ثم فإذا كان الثابت أن رئيس هيئة مفوضي الدولة قد قصر طعنه على ما قضى به الحكم المطعون فيه من إلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى وظيفة مساعد مدير أعمال من الدرجة الثالثة, وطلب القضاء بإلغاء القرار المشار إليه فيما تضمنه من تخطي المذكور في الترقية إلى وظيفة مساعد مدير أعمال من الدرجة الرابعة، فإن هذا لا يمنع المحكمة العليا من البحث في حكم القانون الصحيح في المنازعة برمتها من حيث مشروعية أو عدم مشروعية القرار الإداري المطعون فيه.
ومن حيث إن القانون رقم 134 لسنة 1953 في شأن الأقدمية والترقية بين الموظفين الفنيين بمصلحتي الري والمباني الأميرية بوزارة الأشغال العمومية نص في المادة الأولى منه على أنه استثناء من أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 في شأن الترقية وترتيب الأقدمية في الدرجات، تكون الترقيات وترتيب الأقدمية في وظائف الكادر الفني العالي بمصلحتي الري والمباني الأميرية بوزارة الأشغال العمومية على أساس أقدمية الترقية إلى الوظائف المبينة بالجدول المرافق وفقاً للترتيب الوارد به. كما نص في مادته الثانية على أنه مع مراعاة أحكام المادة 38 من القانون المشار إليه تكون الترقية بالاختيار من وظيفة إلى أخرى تعلوها في الأهمية في حدود الدرجة المالية ذاتها. وقد قسم الجدول المرافق للقانون المذكور الدرجة الرابعة بمصلحة الري إلى وظيفتين هما: "أ" مساعد مدير أعمال ووكيل هندسة "ب" مهندس. ونص على أن تعتبر الوظائف المدرجة أمام، "أ" أعلى من الوظائف المدرجة أمام "ب". وقد كان الباعث على إصدار هذا القانون حرص الشارع على مصلحة العمل وتقديره لما ينطوي عليه من أهمية بمصلحتي الري والمباني الأميرية بوزارة الأشغال العمومية، نظراً إلى ما تتطلبه إدارة المرافق العامة للدولة من وجوب مراعاة الدقة في اختيار المهندسين الذين تتوافر فيهم الصلاحية للقيام بأعباء الوظائف الرئيسية بهاتين المصلحتين بغض النظر عن الاعتبارات الأخرى، وهي صلاحية لا يقتصر مداها على كفاية الموظف في عمله الفني كمهندس فحسب، بل تقوم على عناصر وصفات عدة من بينها الكفاية؛ ذلك أن هذه الكفاية قد لا تنهض بذاتها دليلاً قاطعاً على الصلاحية للاضطلاع بمهام وظيفة كوظيفة (مساعد مدير أعمال) بمصلحة الري، التي تعد أولى مدارج الوظائف الرئيسية بتلك المصلحة، وعصب الأعمال الفنية وأعمال المقاولين المالية بها. ومن أجل هذا رأى الشارع أن تكون الترقية بالتلقيب إلى وظائف الري المختلفة تبعاً لتدرجها في الأهمية بطريق الاختيار، وذلك في حدود الدرجة المالية ذاتها. وأن تكون هذه الترقية إلى الوظيفة سابقة على الترقية إلى الدرجة المالية وأساساً لها.
ومن حيث إن القرار المطعون فيه الصادر من وزارة الأشغال العمومية في 23 من مارس سنة 1954 بإجراء حركة ترقيات بين مهندسي مصلحة الري الذي تضمن تخطي المدعي في الترقية إلى وظيفة مساعد مدير أعمال من الدرجة الرابعة قد قام على الأساس المتقدم، ومناطه الاختيار الذي يرجع فيه إلى التقارير السنوية الخاصة بكل مرشح بما اشتملت عليه من شتى العناصر وفق ما انتهى إليه في شأنها قرار لجنة شئون الموظفين بالوزارة.
ومن حيث إنه لما كانت المواد 38 و39 و40 و41 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة قد نظمت الترقيات وحددت نسب ما تجب فيه الترقية بالأقدمية وما يجوز أن تكون فيه الترقية بالاختيار بالشروط المبينة فيها، فقد نظم الشارع في المواد 29 و30 و31 و32 من القانون المذكور كيفية تقدير كفاية الموظفين بالقيود والشروط التي عينها، وهذا أمر كان لا بد منه؛ حتى تنضبط الترقيات على مقتضى ما قصده في المواد المشار إليها.
ومن حيث إنه يجب التنبيه إلى أن لجنة شئون الموظفين تقوم بمهمة مزدوجة في هذا المجال وفي ذاك، فهي تعقب على تقدير الكفايات في الحدود وبالشروط التي عينها الشارع في المادة 31 من القانون، كما تقوم بمهمة النظر في ترقية الموظفين لغاية الدرجة الأولى بما في ذلك الترقية بالاختيار في الحدود التي نظمتها المادة 28 من القانون سالف الذكر. وغني عن البيان أن اللجنة إذا باشرت سلطتها في المجال الأول وانتهت إلى رأي في التقدير أصبح هذا التقدير نهائياً طبقاً للمادة 31، فلا يجوز عند النظر في الترقية طبقاً للمادة 28 أن تطرح تقديرها النهائي الذي انتهت إليه في درجة كفاية الموظف وتقدره تقديراً جديداً تبني عليه اقتراحها في الترقية، وذلك كما سبق أن قضت به هذه المحكمة. أما إذا باشرت اختصاصها في تقدير درجة الكفاية في المرحلة الخاصة بذلك طبقاً للمادة 31 فإنه يتعين البحث في مدى سلطتها في التعقيب على تقديرات الرؤساء في درجة كفاية الموظف، وهذا هو وجه مثار النزاع في هذه الدعوى.
ومن حيث إن المادة 31 من القانون رقم 210 لسنة 1951 المعدلة بالقانون رقم 579 لسنة 1953 نصت على أن "يقدم التقرير السنوي السري عن الموظف من رئيسه المباشر، ثم يعرض على المدير المحلي للإدارة فرئيس المصلحة لإبداء ملاحظاتهما، ثم يعرض بعد ذلك على لجنة شئون الموظفين لتسجل التقدير إذا لم تؤثر الملاحظات في الدرجة العامة لتقدير الكفاية، وإلا فيكون للجنة تقدير درجة الكفاية التي يستحقها الموظف ويكون تقديرها نهائياً". ويذهب المدعي إلى أنه إذا لم يبد المدير المحلي فرئيس المصلحة أية ملاحظات على تقدير الرئيس المباشر، فلا تملك لجنة شئون الموظفين سوى تسجيل التقدير كما هو، دون نظر فيه أو تعقيب عليه، ولو بانت لها أسباب جدية تقتضي مراجعة الرؤساء في تقديراتهم. وليس من شك في أن هذا التفسير الذي يذهب إليه المدعي لا يتفق مع روح القانون وقصد الشارع في ضوء المصلحة العامة؛ وآية ذلك أنه قد تقوم لدى اللجنة أسباب تقطع في عدم صحة تقديرات الرؤساء المذكورين، أو أسباب جديدة ما كانت تحت نظرهم، ولو أنهم تبينوها لما انتهوا إلى ما انتهوا إليه من تقدير، كما أن ثمة اعتباراً هاماً يجب مراعاته، هو أنه إذا كان الموظفون يتبعون مصالح أو رؤساء عدة بينما تنتظمهم وحدة واحدة في الترقية، فيجب أن توزن كفايتهم بميزان واحد تحقيقاً للمساواة بينهم جميعاً، حتى لا تتأثر بذلك ترقياتهم، الأمر الذي لا يتأتى إلا إذا كان التعقيب النهائي على جميع التقديرات - وإن تعددت مصادرها - منوطاً بلجنة تضبط الميزان بينهم جميعاً وهي لجنة شئون الموظفين، وإلا لأفضى الأمر إلى وضع شاذ تتأثر به مصلحة الموظفين من جهة والمصلحة العامة من جهة أخرى. وكل أولئك قاطع في الدلالة على أن مهمة اللجنة - حتى في الصورة التي يشير إليها المدعي - ليست مجرد تسجيل مادي للتقديرات الصادرة من الرؤساء ولو بان للجنة من الأسباب ما يقتضي مراجعتها، وإنما مهمتها التعقيب الجدي قبل ضع التقدير النهائي إذا قامت لديها مثل هذه الأسباب، وإلا سجلت تقدير الرؤساء ما دام ليس ثمة ما يستوجب مراجعته والتعقيب عليه.
ومن حيث إنه قد بان من محضر لجنة شئون موظفي مصلحة الري المنعقدة في 13 و14 و15 من مارس سنة 1954 - وهو الميعاد المقرر قانوناً لعرض تقارير الموظفين عليها - أن اللجنة استعرضت "التقارير السنوية السرية الموضوعة لعام 1954 وأشّر عليها جميعها السيد الرئيس بما قررته اللجنة. وعندما بلغت الجزء الخاص بالإدارة العامة للخزانات (التي يتبعها المدعي) لاحظت أن هناك فارقاً كبيراً بين الأساس الذي روعي في تقدير درجات مهندسي هذه الإدارة بالمقارنة بالأساس الذي روعي في تفاتيش العموم الأخرى. فاستدعت السيد المهندس عبد العظيم محمد إسماعيل بوصفه رئيس المصلحة الذي له الرأي الأخير في هذا التقدير لمناقشته فيما لاحظته، فقرر سيادته أنه لم يكن له رأي خاص في تقدير الدرجات الواردة بهذه التقارير، وإنما اقتصر عمله فيها على اعتماد التقدير الذي وضعه الرئيس المباشر - لذلك رأت اللجنة علاجاً لهذا الموقف وتوحيداً لمقاييس التقدير بين مختلف مهندسي مصلحة الري أن تضع التقدير النهائي لتقارير مهندسي الخزانات بمعرفتها، وهي في ذلك تعتمد على معرفة أعضائها لأحوال المهندسين". ويبين من هذا أن رئيس المصلحة المباشر أبدى أمام لجنة شئون الموظفين ملاحظة عامة تؤيد ما أدركته اللجنة من قيام فارق في أسس التقدير التي اتبعت بالنسبة إلى كل من مهندسي الإدارة العامة للخزانة ومهندسي تفاتيش عموم الري الأخرى، وتفتح الباب أمام اللجنة طبقاً لنص المادة 31 من قانون نظام موظفي الدولة لإعادة النظر في التقديرات الواردة بتقارير مهندسي الخزانات كافة، ابتغاء توحيد ضوابط التقدير والموازنة بين مختلف مهندسي مصلحة الري تحقيقاً للعدالة بينهم جميعاً في مقام الاختيار، الذي يجب أن تقوم المفاضلة فيه على أساس موحد من التقدير وعلاجاً للموقف الناجم عن المسلك السلبي لرئيس المصلحة المباشر. وإذا كان هذا هو ما جرى عليه الرئيس المذكور بإقراره أمام لجنة شئون الموظفين فلا يكون ثمة وجه للتحدي باعتماده لتقارير سنة 1954 ولا لما سبقها من تقارير أخرى، ما دام قد تبين للجنة أنه اعتمد تقارير الرؤساء المباشرين كما هي دون فحص أو مراجعة، وإنما تكون العبرة بالتقدير النهائي الذي وضعته اللجنة المشار إليها على الأسس الصحيحة التي رسمتها. وقد انتهت اللجنة إلى تقدير درجة كفاية المدعي بما بلغ في مجموعه 80%، وإذا كان هذا التقدير قد خلا من ذكر التاريخ الذي تم فيه على خلاف ما أثبتته اللجنة بتقديراتها الخاصة بالمهندسين الآخرين، فإن القرينة المستمدة مما جاء بمحضر اللجنة من أن رئيسها قد أشّر على التقارير جميعها بما قررته اللجنة تنهض بذاتها كافية للدلالة على وقوع التقدير الخاص بالمدعي في فترة انعقاد اللجنة ما بين 13 و15 من مارس سنة 1954، أي قبل إجراء حركة الترقيات المطعون فيها. وآية ذلك أن تخطي المدعي في الترقية في هذه الحركة إلى وظيفة مساعد مدير أعمال، إنما استندت فيه اللجنة إلى هذا التقدير، الأمر الذي يؤيد قيامه من قبل. ولا يقدح في صحة هذه الواقعة وقوع سهو في ذكر تاريخ حصولها، وهو سهو ما كان أيسر اجتنابه لو اقترن بتعمد الاصطناع؛ ومن ثم فإن التقدير المذكور يكون حجة بصحة ما تضمنه وبصحة التاريخ المسند إليه.
ومن حيث إن الفقرة الثانية من المادة 40 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة كانت قبل تعديلها بالقانون رقم 579 لسنة 1953 الصادر في 30 من نوفمبر سنة 1953 تنص على أنه "أما النسبة المخصصة للترقية بالاختيار فلا يرقى إليها إلا الحائزون على درجة جيد في العامين الأخيرين من مدة وجودهم في الدرجة التي يرقون منها وتكون ترقيتهم أيضاً بالأقدمية فيما بينهم"، ثم عدلت بالقانون المذكور فأصبح نصها "أما النسبة المخصصة للترقية بالاختيار فتكون الترقية إليها حسب ترتيب درجات الكفاية في العامين الأخيرين". وقد ورد بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون أنه "رؤي من العدالة ولإحكام تقدير درجة كفاية الموظف أن يكون أساس التقدير ما يحصل عليه الموظف من الدرجات في سلوكه ومواظبته واجتهاده وغير ذلك من عناصر التقدير التي تؤهل الموظف للقيام بأعباء الوظيفة على الوجه الأكمل، باعتبار النهاية القصوى مائة درجة، إذ الأرقام الحسابية أكثر دقة في تحديد الكفاية... ولما كانت درجات الكفاية حسب النظام الجديد بالأرقام الحسابية لن يعمل بها إلا في التقارير التي ستعد في فبراير سنة 1954، فإن التقارير السنوية الحالية يظل العمل بها وبنظامها الحالي حتى آخر فبراير سنة 1954. واعتباراً من أول مارس يسري العمل في الترقية بالاختيار بالتقارير السرية السنوية التي تعد بالأرقام الحسابية وفقاً للنظام الجديد، ويكتفي بتقرير واحد طيلة العام الأول لهذه التقارير، وبعد ذلك تكون ترقية الموظفين حسب ترتيب درجات الكفاية الحاصلين عليها في العامين الأخيرين من مدة وجود الموظف في الدرجة المرقى منها، وذلك إعمالاً للقاعدة العامة الواردة في الفقرة الثانية من المادة 40". ويخلص من هذا أن المشرع كان يأخذ في بادئ الأمر في مجال الترقية بالاختيار بمعيار تقديري واسع المدى غير منضبط الحدود، إذ يتسع نطاق درجة "جيد" التي اتخذها أساساً لهذا المعيار لأن تنطوي فيها عدة مراتب متدرجة تتفاوت فيما بينها وإن انتظمتها جميعاً هذه المرتبة. ومن أجل هذا الاعتبار جعل الأقدمية هي مناط المفاضلة بين المشتركين في الحصول على درجة "جيد"، ثم رأى أن الأرقام الحسابية أكثر دقة في تحديد درجة الكفاية، وأدنى إلى إحكام التقدير في شتى عناصره من سلوك ومواظبة واجتهاد وما إلى ذلك، وأبلغ في تيسير المفاضلة عندما يدق التمييز وأهدى سبيلاً في الترجيح، فعدل عن المعيار الأول وأطرح الاعتداد بالأقدمية، وعول على ترتيب درجات الكفاية وحدها وقوامها أرقام حسابية حاسمة الدلالة في خصوص ما ارتآه. ومتى حدد المشرع ضابط المفاضلة بين المرشحين للترقية على هذا النحو من الوضوح فلا مجال للاجتهاد والتأويل خروجاً على النص الصريح [(2)].
ومن حيث إنه ولئن كان الأصل في وزن المفاضلة عند الترقية بالاختيار هو ملاءمة متروكة لتقدير الإدارة بحسب ما تراه محققاً لصالح العمل، ولا يحدها عندئذ إلا عيب إساءة استعمال السلطة إذا قام الدليل عليه، إلا أنه إذا رسم الشارع ضوابط محددة للمفاضلة بين المرشحين لترقية بالاختيار، فإن مخالفة هذه الضوابط يصم القرار بعيب مخالفة القانون. فإذا جعل المشرع العبرة في الترقية بالاختيار بترتيب درجات الكفاية، فإن الفرق في الرقم الحسابي لهذه الدرجات يكون عنصراً حاسماً في الترجيح، ولا سبيل إلى العدول عن الأخذ بهذا المعيار الحسابي في نطاق أية درجة من درجات التقدير، بمقولة إن العبرة بمرتبه التقدير لا بالدرجة العددية، لمخالفة ذلك لصريح النص [(2)].
ومن حيث إن درجة 80% التي قدرتها لجنة شئون الموظفين لكفاية المدعي هي درجة تقل عن تلك التي قدرتها لمن اختيروا للترقية إلى وظيفة مساعد مدير أعمال في الحركة المطعون فيها، إذ أنهم يفوقونه في مجموع درجات الكفاية التي حصلوا عليها في تقاريرهم لعام 1954، وهي التي تخضع لنظام الأرقام الحسابية الجديد، والتي يكتفي فيها بتقرير واحد طيلة العام الأول لتطبيق هذا النظام على نحو ما جاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون رقم 579 لسنة 1953؛ ومن ثم فإن القرار المطعون فيه يكون قد صدر مطابقاً للقانون, ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلغاء هذا القرار قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، ويتعين الحكم بإلغائه وبرفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.


[(1)] السنة الأولى من هذه المجموعة بند 67 صفحة 555.
[(2)] راجع السنة الثانية من هذه المجموعة بند 7 صفحة 69.