مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية - العدد الثاني (من أول فبراير إلى آخر مايو سنة 1957) - صـ 738

(76)
جلسة 23 من مارس سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 1702 لسنة 2 القضائية

( أ ) استقالة - وقوعها تحت تأثير الغلط في فهم القانون من جانب الإدارة ومقدم الاستقالة - زوال عيب فساد الرضا - لا وجه للتمسك بعد ذلك بهذا العيب.
(ب) استقالة - عملية تقديم الاستقالة وقبولها ليست عملية تعاقدية، بل هي عملية إدارية - انتهاء الخدمة بقرار إداري بقبول الاستقالة - وجوب أن يصدر طلب الاستقالة وقرار قبولها برضاء صحيح - انطباق الحكم المقرر في المادة 124 مدني - تطبيق القضاء الإداري لهذا النص لا باعتباره ملزماً بتطبيقه، بل بحسبانه مقرراً لأصل طبعي هو وجوب تنفيذ العقود والالتزامات بحسن نية.
(جـ) استقالة - تقديمها مع النص فيها على وجوب الإسراع في صرف مكافأة الخدمة أو المبلغ المستحق في صندوق الادخار أيهما أكبر - عدم اعتبار هذه العبارة شرطاً تعلق عليه الاستقالة قبولاً أو رفضاً.
1 - إذا كان الثابت أن الموظف والإدارة، حين تقديم الاستقالة وحين قبولها، قد وقع كلاهما تحت تأثير الغلط في فهم القانون، باعتقاد أن الموظف مقدم الاستقالة كان ممن يفيدون من قرار مجلس الوزراء الصادر في 16 من ديسمبر سنة 1953، الذي كان يشترط للإفادة من أحكامه أن يكون للموظف المستقيل مدة خدمة محسوبة في المعاش تبلغ خمس عشرة سنة، وإن الإدارة قد قامت بعد ذلك بما يحقق ما طلبه الموظف وأمثاله في استقالاتهم من حيث صرف المبالغ المستحقة لهم في صندوق الادخار كاملة بما في ذلك حصة الحكومة، فليس ثمة ما يوجب إلغاء القرار الصادر بقبول الاستقالة بحجة أن تقديم طلبها والقرار بقبولها كلاهما قد وقع تحت تأثير الغلط في فهم القانون، ومرد ذلك إلى أصل طبعي يتعلق بزوال عيب فساد الرضا بسبب الغلط رددته المادة 124 من القانون المدني، حيث نصت على أنه "ليس لمن وقع في غلط أن يتمسك به على وجه يتعارض مع ما يقضي به حسن النية، ويبقى بالأخص ملزماً بالعقد الذي قصد إبرامه إذا أظهر الطرف الآخر استعداده لتنفيذ هذا العقد".
2 - لئن كان تقديم الاستقالة وقبولها ليس عملية تعاقدية تنتهي بها خدمة الموظف، بل هي عملية إدارية، يثيرها الموظف بطلب الاستقالة، وتنتهي الخدمة بالقرار الإداري الصادر بقبول هذا الطلب الذي هو سبب هذا القرار، إلا أنه لما كان طلب الاستقالة هو مظهر من مظاهر إرادة الموظف في اعتزال الخدمة، والقرار بقبول هذا الطلب هو بدوره مظهر من مظاهر إرادة الرئيس الإداري في قبول هذا الطلب وإحداث الأثر القانوني المترتب على الاستقالة، كان لزاماً أن يصدر طلب الاستقالة وقرار قبولها برضاء صحيح يفسده ما يفسد الرضا من عيوب، كما يزيل هذه العيوب أو يسقط الحق في التمسك بها ما يقضي به القانون في هذا الخصوص، كما يجب التنبيه إلى أنه بالرغم من أن القضاء الإداري غير ملزم بتطبيق المادة 124 من القانون المدني إلا أنه يجب إنزال الحكم على مقتضاه؛ لأن هذا المقتضى يرتد إلى أصل طبعي هو وجوب تنفيذ العقود والالتزامات بحسن نية، ما دام الثابت أن تمسك المدعي بالغلط الذي وقع فيه ووقعت فيه الإدارة يتعارض مع ما يقضي به حسن النية.
3 - إذا ثبت أن الموظف قدم استقالته ونص فيها على وجوب صرف مكافأته عن مدة خدمته أو المبلغ المستحق له في صندوق الادخار أيهما أكبر وذلك "بمجرد تركه الوظيفة"، فإن هذه العبارة لا تعتبر شرطاً تعلق عليه الاستقالة قبولاً أو رفضاً، وإنما هي لا تعدو أن تكون استنهاضاً للهمة في سرعة إتمام الصرف.


إجراءات الطعن

في 27 من يوليه سنة 1956 أودع رئيس هيئة المفوضين طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثانية) بجلسة 30 من مايو سنة 1956 في الدعوى رقم 4402 سنة 8 ق المرفوعة من السيد/ محمد منصور أحمد ضد وزارة التجارة والصناعة، القاضي "برفض الدعوى، وإلزام المدعي بالمصروفات" وطلب رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن، الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلغاء القرار المطعون فيه، وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الحكومة بالمصروفات". وقد أعلن الطعن للحكومة في 26 من أغسطس سنة 1956 وللمدعي في 27 من أغسطس سنة 1956، وعين لنظره جلسة 23 من فبراير سنة 1957، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من الملاحظات على النحو المبين بمحضر الجلسة، ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل، حسبما يبين من الأوراق، في أن المدعي أقام الدعوى رقم 4402 سنة 8 ق أمام محكمة القضاء الإداري بصحيفة أودعت سكرتيرية المحكمة في 22 من فبراير سنة 1954، طالباً "الحكم باعتبار استقالة المدعي كأن لم تكن، وإلغاء قرار مجلس الوزراء الصادر في 30 من ديسمبر سنة 1953 بقبول اعتزاله الخدمة بناء على طلبه، وإعادته إليها في نفس الدرجة والوظيفة التي كان يشغلها، مع احتفاظه بجميع حقوقه التي كانت له عند إخلاء طرفه من حيث أقدميته في الدرجة واستحقاقه للعلاوات الدورية وغير ذلك". وقال بياناً لذلك إنه كان يشغل وظيفة مدير إدارة الغرف الصناعية والتشريع بمصلحة الصناعة في الدرجة الرابعة الفنية، وفي 26 من ديسمبر سنة 1953 قدم استقالته للإفادة من قرارات مجلس الوزراء الصادرة في 16 من ديسمبر سنة 1953 بتيسير خروج الموظفين من الخدمة، وسبب استقالته برغبته في الاشتغال بالمحاماة. ولما كانت طبيعة العمل بالمحاماة تستدعي في بدايته تكاليف كثيرة لإعداد المكتب، ولما كان المدعي من الموظفين غير المثبتين، فقد أراد أن يستغل مبلغ المكافأة أو المبلغ المستحق له في صندوق الادخار أيهما أكبر لإعداد مكتبه بمجرد اعتزاله الخدمة. ونظراً إلى أن المدعي يعلم بطء الإجراءات الحكومية في صرف المكافآت، ولما كان تأخير الصرف سيترتب عليه تأخير اشتغاله بالمحاماة؛ فقد علق المدعي قبول استقالته على تحقيق شرط صرف المكافأة المستحقة له بمجرد تركه الخدمة. وقد صدر بعد ذلك قرار مجلس الوزراء في 30 من ديسمبر سنة 1953 بقبول الاستقالة، إلا أنه لم تصرف إليه المكافأة بمجرد ترك الخدمة وهو ما كان يخشاه وعلق قبول استقالته على تحقيقه، فأنذر وزير التجارة والصناعة في 18 من يناير سنة 1954 بأنه إذا لم تحقق الوزارة الشرط وتصرف المكافأة المستحقة له خلال مدة أقصاها 15 من فبراير سنة 1954 فتعتبر الاستقالة كأن لم تكن. ولما كان الموعد المذكور قد انقضى دون أن تصرف إليه المكافأة فيحق له اعتبار الاستقالة كأن لم تكن، يضاف إلى ذلك أن الفقرة الأخيرة من المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 تقضي بأن الاستقالة المقترنة بأي قيد أو المعلقة على أي شرط تعتبر كأن لم تكن؛ ومن ثم تكون الاستقالة بتعليقها على الشرط سالف الذكر تعتبر كأن لم تكن. وقد ردت الحكومة على الدعوى بأن "شعبة الرأي المختصة شاطرت مصلحة التشريع الرأي في أن ما اشترطه المدعي من صرف مكافأته أو استحقاقه في صندوق الادخار أيهما أكبر لا يعتبر شرطاً علق عليه اعتزال الخدمة، بل يعتبر ترديداً للمزايا التي قررها مجلس الوزراء لمن يعتزلون الخدمة في المهلة التي حددها القانون". وبجلسة 30 من مايو سنة 1956 حكمت المحكمة "برفض الدعوى، وألزمت المدعي المصروفات"، وأقامت قضاءها على أنه "في 16 من ديسمبر سنة 1953 صدر قرار من مجلس الوزراء يرخص للموظفين من الدرجة الرابعة فأعلى الذين يتقدمون باستقالاتهم اعتزال الخدمة مع صرف مرتب سنتين وحفظ حقهم في الحصول على الأموال المدخرة لحسابهم كاملة، وقد جاء من بين الشروط الواجب توافرها في الموظف المستقيل أن تكون مدة خدمته المحسوبة في صندوق الادخار خمس عشرة سنة على الأقل بصرف النظر عن السن، على أن يكون قد بلغ سن الخمسين على الأقل بصرف النظر عن مدة الخدمة"، وأنه "في 19 من يناير سنة 1955 صدر قرار مجلس الوزراء بصرف الأموال المدخرة المستحقة للموظفين الذين تركوا الخدمة تطبيقاً لأحكام قرار مجلس الوزراء سالف الذكر (16 من ديسمبر سنة 1953) جاء فيه أنه بينما كانت مصلحة التأمين والادخار تقوم بصرف الأموال المدخرة كاملة إلى الموظفين الذين فصلوا من الخدمة تطبيقاً لقرار مجلس الوزراء حتى ولو كانت مدة خدمتهم المحسوبة في صندوق الادخار تقل عن خمس عشرة سنة متى كانت استقالاتهم قد أقرها مجلس الوزراء، فإن طائفة الموظفين الذين تقرر قبول استقالاتهم من الوزراء المختصين لم تصرف إليهم إلا الاشتراكات المقتطعة منهم وفوائدهم دون حصة الحكومة، وذلك بالتطبيق للأحكام العامة (المادة 16 من المرسوم بقانون رقم 316 لسنة 1952) التي تقضي بحرمان الموظف من حصة الحكومة متى استقال دون أن يكون قد بلغ سن الخمسين أو أمضى بالخدمة خمساً وعشرين سنة. وأنه لما كان هذا الإجراء يلحق ضرراً كبيراً لهذه الفئة من الموظفين، إذ تحرمهم من غير قصد من الحصة التي أدتها الحكومة لحسابهم في الصندوق، وهذه الحصة تساعد في تدبير أمر معيشتهم بعد ترك الخدمة، فقد صدر القرار رغبة من الحكومة في التسوية التامة بين جميع الموظفين وحرصاً على صالح هذه الفئة الأخيرة، وترتيباً على ذلك فقد وافق مجلس الوزراء على إقرار جميع الاستقالات التي قبلها الوزراء ولم تكن مستوفية للشروط المنصوص عليها في قرار 16 من ديسمبر سنة 1953" وأنه "لما كان قبول استقالة المدعي قد صدر بقرار من مجلس الوزراء لما سلف بيانه، فلا محل للكلام فيما إذا كان قرار مجلس الوزراء الصادر في 19 من يناير سنة 1955 يعتبر متمماً لقراره الصادر في 16 من ديسمبر سنة 1953 كما تقول المدعى عليها أو أنه يعتبر القرار الصادر بقبول استقالة المدعي كما يقول مفوض الدولة؛ ذلك لأن قرار مجلس الوزراء الصادر في 19 من يناير سنة 1955 ما صدر إلا للتسوية في المعاملة بين من أقر الوزير المختص قبول استقالتهم من الموظفين وبين من صدر قرار الموافقة على اعتزالهم الخدمة من مجلس الوزراء". وأن "سياسة الحكومة التي كانت تقضي بتيسير اعتزال الخدمة لبعض الموظفين تستشف كذلك من القانون رقم 632 لسنة 1953 الصادر في 20 من ديسمبر سنة 1953 بتعديل المادة 16 من المرسوم بقانون رقم 316 لسنة 1952 الخاص بإنشاء صندوق الادخار، وذلك بإضافة فقرة أخيرة إليها بأنه يجوز لمجلس الوزراء بقواعد عامة يضعها الترخيص للموظف المستقيل قبل انقضاء المدد المنصوص عليها أن يؤدي إليه المبالغ التي سددتها الخزانة العامة لحسابه مع الفوائد". ثم استطرد الحكم فقال إن المشرع قد هدف إلى تسهيل اعتزال الخدمة لمن يرغب من موظفي الدرجة الرابعة فما فوق، وإن مجلس الوزراء "قد استعمل الرخصة المخولة له بقانون المعاشات الملكية في منح معاشات استثنائية من جهة والتنازل من جهة أخرى عن حق الحكومة في صندوق المعاشات تحرراً منه من الشروط التي كان من الواجب في الأصل توافرها فيمن يستفيد من هؤلاء الموظفين سواء في المعاش أو في المكافأة وذلك تمشياً كما تقدم نحو الهدف الذي قصده"، وأنه ما دام "أن المدعي قدم استقالته في 26 من ديسمبر سنة 1953 وانتهت علاقته الحكومية في 30 من ديسمبر سنة 1953 بصدور قرار مجلس الوزراء بالموافقة عليها، فلا محل للكلام عن القرارات اللاحقة التي اتخذها مجلس الوزراء والتي لا تبدل من الأمر شيئاً... لا فرق في أن تأتي هذه الموافقة قبل أو بعد اعتزال الخدمة ما دام القانون لم يشترط ميعاداً لذلك"، وأنه "من جهة أخرى فإن تضمين الاستقالة صرف المكافأة بمجرد ترك الخدمة لا يعتبر شرطاً من الشروط المفسدة للاستقالة وفقاً لأحكام قانون موظفي الدولة؛ إذ أن ذلك لا يعدو أن يكون إفصاحاً من جانب الموظف عن رغبته في سرعة تسوية معاشه أو مكافأته... وفي خصوصية هذه الدعوى فإنه لم يثبت تأخير جهة الإدارة، بل على العكس من ذلك فإن الأمر قد استدعى بالنسبة للمدعي ولغيره تدخل مجلس الوزراء". ومن حيث إن الطعن يقوم على أن القول بأن مجلس الوزراء عدل عن شرط مدة الخدمة الذي اشترطه في قرار 16 من ديسمبر سنة 1953 بقرار عام آخر أصدره في صورة قرارات فردية جديدة، يخالف المادة 16 من المرسوم بقانون رقم 316 لسنة 1952 التي اشترطت صدور قاعدة عامة من مجلس الوزراء وأخرجت الحالات الفردية الخاصة بموظف أو موظفين معينين بذواتهم؛ ومن ثم فلا يجوز اعتبار اطراد مجلس الوزراء على هذه المخالفة بمثابة قاعدة عامة؛ لأنه يشترط لتولد القاعدة العامة بهذه الكيفية ألا تكون مخالفة لنص قانوني.
ومن ناحية أخرى فإن مجلس الوزراء لم يتعمد الخروج على القاعدة التي وضعها في قراره الصادر في 16 من ديسمبر سنة 1953 وإنما حدث ذلك نتيجة خطأ الوزارات في التحقق من توافر الشروط. ولما كان المدعي قد تقدم بطلب استقالته للإفادة من المزايا المنصوص عنها في قرار مجلس الوزراء المشار إليه دون أن تتوافر فيه شروطه، فإن هذه الاستقالة تعتبر مقترنة بشرط، وبالتالي تعتبر كأن لم تكن بالتطبيق للمادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951، ويعتبر قرار قبولها مخالفاً للقانون متعيناً إلغاؤه.
ومن حيث إن المرسوم بقانون رقم 316 لسنة 1952 بإنشاء صندوق للتأمين وآخر للادخار والمعاشات لموظفي الحكومة المدنيين ينص في مادته السادسة عشرة على أن: "يكون المال المدخر الذي يؤديه الصندوق للموظف معادلاً لجملة الاشتراكات التي اقتطعت من مرتبه والمبالغ التي أدتها الخزانة العامة لحسابه وفقاً للمواد 13 و14 و15 و25 مع فائدة مركبة سعرها 3% سنوياً إلى حين الوفاء، على أن الموظف الذي يستقيل من الحكومة قبل بلوغه سن الخمسين أو قبل أن تبلغ مدة خدمته خمساً وعشرين سنة لا تؤدي إليه إلا المبالغ التي خصمت من مرتبه فقط مع فائدة مركبة سعرها 3% سنوياً. غير أن الموظفات اللاتي يستقلن بسبب الزواج ينتفعن بحكم الفقرة الأولى". وفي 4 من نوفمبر سنة 1953 أصدر مجلس الوزراء القرار الآتي: "رغبة في إفساح مجال الترقي أمام العناصر الممتازة من موظفي الحكومة وفتح باب التوظف أمام المتفوقين من خريجي الجامعات والمعاهد العلمية، قرر مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في 4 من نوفمبر سنة 1953 ضم مدة خدمة لا تتجاوز السنتين مع أداء الفرق بين المرتب والمعاش مشاهرة لموظفي الدرجة الثانية فأعلى الذين يقدمون طلباً في خلال ستين يوماً باعتزال الخدمة متى أجاز المجلس ذلك". وفي 16 من ديسمبر سنة 1953 تقدمت وزارة المالية إلى مجلس الوزراء بمذكرة في شأن قواعد تيسير اعتزال الخدمة للموظفين المشتركين في صندوق الادخار وقد جاء بهذه المذكرة ما يأتي: "تقضي المادة 16 من المرسوم بقانون رقم 316 لسنة 1952 بأن الموظف المشترك في صندوق الادخار الذي يستقيل من الحكومة قبل أن تبلغ مدة خدمته خمساً وعشرين سنة أو قبل بلوغه سن الخمسين لا يؤدى إليه إلا الأموال التي خصمت من مرتبه فقط مع فائدة مركبة سعرها 3% سنوياً. ولما كانت سياسة الحكومة تقضي بتيسير اعتزال الخدمة لبعض طوائف الموظفين تخفيفاً لأعباء الميزانية ورغبة في تشجيع الموظفين على الاشتغال بالأعمال الحرة فيتسع المجال أمام من يبقى منهم في خدمة الحكومة لتقلد أعباء الوظائف الكبرى والنهوض بالأداة الحكومية. ونظراً لأن الموظفين غير المثبتين الراغبين في اعتزال الخدمة قد يضارون من استقالتهم بسبب حرمانهم من حصة الحكومة في حالة عدم استيفائهم للشروط المنصوص عليها في المادة 16 المشار إليها، لذلك فإن وزارة المالية والاقتصاد تعرض على المجلس اليوم مشروع قانون بإضافة فقرة جديدة إلى المادة 16 سالف الذكر يفوض مجلس الوزراء بمقتضاها أن يقرر حصول الموظف المستقيل من الحكومة على المبالغ التي أدتها الخزانة العامة لحسابه في صندوق الادخار مع فوائدها إذا لم يكن هذا الموظف مستوفياً للشروط التي قررتها هذه المادة. وقد قصر هذا التفويض على الحالات العامة التي تسري على طوائف معينة من الموظفين دون الحالات الفردية الخاصة بموظف أو بموظفين معينين بذاتهم. ونظراً لأن مجلس الوزراء قد أصدر قرار في 4 من نوفمبر سنة 1953 بضم مدة خدمة لا تتجاوز السنتين مع أداء الفرق بين المرتب والمعاش مشاهرة لموظفي الدرجة الثانية فأعلى الذين يقدمون طلباً في خلال ستين يوماً متى أجاز مجلس الوزراء ذلك، ثم أعقب ذلك بقرار في 9 من ديسمبر سنة 1953 في شأن تيسير اعتزال الخدمة للمثبتين من موظفي الدرجة الثالثة فأقل الذين يتقدمون باستقالاتهم في نفس المهلة. ونظراً لأن القرار سالف الذكر يسري على الموظفين الذين لهم حق طلب اعتزال الخدمة مع حفظ حقهم في المعاش بالتطبيق لأحكام قانون المعاشات. لذلك - ورغبة في أن يستفيد الموظفون المشتركون في صندوق الادخار بمزايا مناسبة عند تركهم الخدمة في المهلة سالفة الذكر - تقترح وزارة المالية والاقتصاد أن يرخص مجلس الوزراء لهؤلاء الموظفين في اعتزال الخدمة مع صرف مرتب سنتين وحفظ حقهم في الحصول على الأموال المدخرة لحسابهم كاملة (المبالغ التي أداها الموظف وحصة الحكومة مع فوائدها)، وذلك وفقاً للقواعد الآتية: (أولاً) - أن يتم اعتزال الخدمة بالطرق الإدارية المعتادة وبعد موافقة الوزير المختص. )ثانياً) - أن يقصر منح هذه المزايا على الموظفين الذين يتقدمون باستقالاتهم حتى أول يناير سنة 1954. (ثالثاً) - أن تكون مدة خدمة الموظف المستقيل المحسوبة في صندوق الادخار خمس عشرة سنة على الأقل بصرف النظر عن السن أو أن يكون قد بلغ سن الخمسين على الأقل بصرف النظر عن مدة الخدمة. (رابعاً) - يؤدي صندوق الادخار إلى الموظف المستقيل الأموال المدخرة كاملة محسوبة حتى تاريخ الاستقالة. (خامساً) - تصرف الوزارة أو المصلحة المختصة للموظف المستقيل مرتبه خلال سنتين من أول يناير سنة 1954 على أن يكون أداء هذا المرتب على أربعة وعشرين قسطاً شهرياً. وإذا كانت المدة الباقية على بلوغ الموظف سن التعاقد تقل عن سنتين فيقصر صرف مرتبه على هذه المدة ويبدأ حسابها من تاريخ قبول الاستقالة، وفي جميع الحالات تضاف إلى المرتب إعانة الغلاء دون ما قد يستحق من علاوات خلال المدة المضافة. (سادساً) - تسري على الدرجات التي تتخلف بالتطبيق لهذه القواعد نفس الأحكام التي يضعها مجلس الوزراء بالنسبة للدرجات التي تتخلف عن المثبتين". وقد وافق مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في 16 من ديسمبر سنة 1953 على ما جاء بهذه المذكرة. وفي 20 من ديسمبر سنة 1953 صدر ونشر القانون رقم 632 لسنة 1953 بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 316 لسنة 1952 بأن أضيفت فقرة أخيرة إلى المادة 16 من المرسوم بقانون المشار إليه نصها كالآتي. "على أنه يجوز لمجلس الوزراء بقواعد عامة يضعها الترخيص للموظف المستقيل قبل انقضاء المدة المنصوص عليها في الفقرة السابقة أن يؤدي له أيضاً المبالغ التي أدتها الخزانة العامة لحسابه مع الفائدة بسعرها المتقدم الذكر". وقد جاء المذكرة الإيضاحية للقانون سالف الذكر أنه "لما كان بعض الموظفين الذين يطلبون اعتزال الخدمة غير مثبتين وبالتالي ليس لهم الحق في المعاش وإنما يعاملون بنظام صندوق الادخار المنشأ بالمرسوم بقانون رقم 316 لسنة 1952 المعدل بالمرسوم بقانون رقم 17 لسنة 1953 وبالقانون رقم 331 لسنة 1953. ولما كانت المصلحة قد تدعو إلى وضع قواعد تيسر لهؤلاء الموظفين اعتزال الخدمة. ولما كانت المادة 16 من المرسوم بقانون المشار إليه تشترط لحصول الموظف المستقيل من الحكومة على المبالغ التي أدتها الخزانة لحسابه في صندوق الادخار مع فوائدها أن يكون قد بلغ عند الاستقالة سن الخمسين أو أمضى بالخدمة خمساً وعشرين سنة، ويسري هذا الحكم على موظفي وزارة الأوقاف بمقتضى المادة السابعة من القانون رقم 269 لسنة 1953؛ لذلك اقتضى هذا الاتجاه إعداد مشروع القانون المرافق.... وقد قصر المشروع هذا التفويض على الحالات العامة التي تسري على طوائف معينة من الموظفين فأخرج بذلك الحالات الفردية الخاصة بموظف أو بموظفين معينين بذاتهم....". وفي 19 من يناير سنة 1955 وافق مجلس الوزراء على مذكرة وزارة المالية التالية: "في 16 من ديسمبر سنة 1953 قرر مجلس الوزراء الموافقة على مذكرة وزارة المالية والاقتصاد بشأن قواعد اعتزال الخدمة للموظفين المشتركين في صندوق الادخار مع صرف مرتب سنتين وحفظ حقهم في الحصول على الأموال المدخرة لحسابهم كاملة، وقد كان من بين هذه القواعد ما يأتي: ( أ ) أن يتم اعتزال الخدمة بالطرق الإدارية المعتادة وبعد موافقة الوزير المختص. (ب) أن يقصر منح هذه المزايا على الموظفين الذين يتقدمون باستقالاتهم حتى 3 من يناير سنة 1954. (ج) أن تكون مدة خدمة الموظف المستقيل المحسوبة في صندوق الادخار خمس عشرة سنة على الأقل بصرف النظر عن السن أو أن يكون قد بلغ الخمسين على الأقل بصرف النظر عن مدة الخدمة. ونظراً لأن إدارات المستخدمين في الوزارات والمصالح المختلفة قد خلطت بين المدد المحسوبة في صندوق الادخار ومدد الخدمة بشكل عام نظراً لإدخال مدد خدمة لم تكن - طبقاً للقواعد المعمول بها - لتعتبر ضمن مدد الخدمة المحسوبة في صندوق الادخار، لذلك فقد تقرر في بعض الوزارات فصل عدد من الموظفين الذين قدموا استقالاتهم تطبيقاً لقرار مجلس الوزراء سالف الذكر ممن لا يتوافر فيهم الشرط الخاص بمدة الخدمة المحسوبة في صندوق الادخار. وقد تبين من فحص ملفات الخدمة الخاصة بهؤلاء الموظفين أن مجلس الوزراء أقر قبول استقالات بعضهم بينما قبل الوزراء المختصون البعض الآخرين بالرغم من عدم استيفائها لشرط مدة الخدمة ودون إقرار مجلس الوزراء لهذه الاستقالات. وباستطلاع رأي مجلس الدولة في مدى أحقية الموظفين المستقيلين المشار إليهم في الفقرة السابقة في الحصول على الأموال المدخرة كاملة أفتى المجلس بكتابة رقم 91 - 3/ 93 (2371) المؤرخ 30 من مايو سنة 1954 بأن قرارات مجلس الوزراء بقبول استقالات الموظفين حتى ولو لم تكن مستوفاة للقواعد المبينة في قرار 16 من ديسمبر سنة 1953 واجبة النفاذ إذ تعتبر هذه القرارات الفردية الجديدة قاعدة عامة سار عليها مجلس الوزراء في تقرير قبول استقالات بعض الموظفين دون أن تكون لهم مدة خدمة محسوبة في صندوق الادخار تجاوز الخمس عشرة سنة. ولذلك قامت مصلحة التأمين والادخار بصرف الأموال المدخرة كاملة إلى الموظفين الذين فصلوا من الخدمة تطبيقاً لقرار مجلس الوزراء حتى ولو كانت مدة خدمتهم المحسوبة في صندوق الادخار تقل عن خمسة عشر عاماً متى كانت استقالاتهم قد أقرها مجلس الوزراء. أما الموظفون الذين تقرر قبول استقالاتهم من الوزراء المختصين فلم تصرف إليهم إلا الاشتراكات المقتطعة منهم وفوائدها دون حصة الحكومة، وذلك تطبيقاً للأحكام العامة (المادة 16 من المرسوم بقانون رقم 316 لسنة 1952) التي تقضي بحرمان الموظف من حصة الحكومة متى استقال دون أن يكون قد بلغ سن الخمسين أو أمضى بالخدمة خمساً وعشرين سنة. ولما كان هذا الإجراء يلحق ضرراً كبيراً بهذه الفئة من الموظفين إذ تحرمهم من غير قصد من الحصة التي أدتها الحكومة لحسابهم في الصندوق، وهذه الحصة تساعد في تدبير أمر معيشتهم بعد ترك الخدمة لذلك فإن وزارة المالية والاقتصاد رغبة منها في التسوية التامة بين جميع الموظفين وحرصاً على صالح هذه الفئة الأخيرة، تعرض الأمر على مجلس الوزراء للتفضل بالموافقة على إقرار جميع الاستقالات التي قبلها الوزراء ولم تكن مستوفية للشروط المنصوص عليها في قرار مجلس الوزراء الصادر في 16 من ديسمبر سنة 1953 في شأن تيسير اعتزال الموظفين للخدمة، وصرف حصة الحكومة وفوائدها في صندوق الادخار إلى الموظفين".
ومن حيث إنه في 26 من ديسمبر سنة 1953 قدم المدعي إلى السيد وزير التجارة والصناعة كتاباً استهله باستعراض حالته الوظيفية ثم قال "وخشية من ضياع حياتي في عمل مضن بلا ضمان لمستقبلي، لذلك أوثر الأعمال الحرة والعودة إلى عالم المحاماة... ولما كان هذا العهد الجديد المبارك قد شجع مشكوراً الموظفين للأعمال الحرة بأن منحهم الامتيازات المنصوص عليها في قرارات مجلس الوزراء الصادرة في 4 من نوفمبر سنة 1953 و9 و16 من ديسمبر سنة 1953 وذلك في حالة اعتزالهم الخدمة؛ لذلك ألتمس من سيادتكم التفضل بالموافقة على قبول استقالتي من وظيفتي تطبيقاً لقرارات مجلس الوزراء سالفة الذكر بشرط صرف مكافأتي عن مدة خدمتي أو المبلغ المستحق في صندوق الادخار أيهما أكبر وذلك بمجرد تركي الوظيفة، مع صرف مرتبي مع إعانة الغلاء خلال مدة العامين التاليين من تاريخ إخلاء طرفي من العمل الحكومي". وقد أشّرت إدارة المستخدمين على هذا الكتاب بعد حساب تاريخ ميلاده وتاريخ دخوله الخدمة بأن "سيادته ينطبق عليه قرار مجلس الوزراء الصادر في 16 من ديسمبر سنة 1953". وقد وافق مجلس الوزراء في 30 من ديسمبر سنة 1953 على قبول هذه الاستقالة. وفي 18 من يناير سنة 1954 أنذر المدعي الوزارة بأنه "علق قبول استقالته على تحقيق شرطين: الأول صرف مكافأته عن مدة خدمته أو المبلغ المستحق له في صندوق الادخار أيهما أكبر وذلك بمجرد ترك الخدمة، والثاني صرف مرتبه مع إعانة الغلاء خلال العامين التاليين من تاريخ إخلاء طرفه....". ولما كانت "الوزارة لم تصرف إليه حتى الآن مكافأته وهو الأمر الذي كان يخشاه لذلك علق قبول استقالته على تحقيق الشرط الأول"؛ لذلك فإنه "يمنح الوزارة مدة أخرى أقصاها 15 من فبراير سنة 1954 لإمكان تسوية مكافأته وإلا فتعتبر الوزارة قد أخلت بتحقيق الشرط الأول، وبالتالي فستعتبر الاستقالة كأن لم تكن..." وفي 22 من فبراير سنة 1954 أقام الدعوى رقم 4402 سنة 8 ق أمام محكمة القضاء الإداري. وقد تبين أن تأخير المبلغ المستحق للمدعي في صندوق الادخار يرجع إلى أن مدة خدمته المحسوبة في صندوق الادخار تقل عن خمسة عشر عاماً فلم يكن ليفيد - والحالة هذه - من قرار 16 من ديسمبر سنة 1953؛ ومن ثم أحيل الموضوع إلى شعبة الرأي المختصة لإبداء رأيها، فردت في 30 من مايو سنة 1954 "بأنه ولو أن قرار مجلس الوزراء الصادر في 16 من ديسمبر سنة 1953 قد وضع قاعدة عامة تسري على طوائف معينة من الموظفين منها أن يكون الموظف قد قضى خمس عشرة سنة محسوبة في صندوق الادخار، إلا أنه قد عدل عن هذا الشرط وذلك بقرار عام آخر أصدره في صورة قرارات فردية جديدة استقرت واعتبرت قاعدة سار عليها مجلس الوزراء في تقرير قبول استقالات بعض الموظفين دون أن تكون لهم مدد خدمة محسوبة في صندوق الادخار تجاوز الخمس عشرة سنة. وعلى هذا فالمبالغ التي سيؤديها صندوق الادخار في هذه الحالة هي المبالغ التي أدتها الخزانة لحسابه عن المدة التي أمضيت على إحدى الوظائف الدائمة أو المؤقتة ضمن الباب الأول من الميزانية العامة للدولة أو الميزانيات الأخرى التي حددتها المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 316 لسنة 1952 سواء أكانت خمس عشرة سنة أم أقل".
ومن حيث إنه ظاهر من البيان السابق تفصيله أنه ولئن كان المدعي والإدارة كذلك، حين تقديم الاستقالة وحين قبولها، قد وقع كلاهما تحت تأثير الغلط في فهم القانون؛ باعتقاد أن المدعي كان ممن يفيدون من قرار مجلس الوزراء الصادر في 16 من ديسمبر سنة 1953 الذي كان يشترط للإفادة من أحكامه أن يكون للموظف المستقيل مدة خدمة محسوبة في المعاش تبلغ خمس عشرة سنة، إلا أنه وقد قامت الإدارة بعد ذلك بما يحقق ما طلبه المدعي وأمثاله في استقالاتهم من حيث صرف المبالغ المستحقة لهم في صندوق الادخار كاملة بما في ذلك حصة الحكومة، فليس ثمة ما يوجب إلغاء القرار الصادر بقبول الاستقالة بحجة أن تقديم طلبها والقرار بقبولها كلاهما قد وقع تحت تأثير الغلط في فهم القانون، ومرد ذلك إلى أصل طبعي يتعلق بزوال عيب فساد الرضا بسبب الغلط رددته المادة 124 من القانون المدني حيث نصت على أنه "ليس لمن وقع في غلط أن يتمسك به على وجه يتعارض مع ما يقضي به حسن النية، ويبقى بالأخص ملزماً بالعقد الذي قصد إبرامه إذا أظهر الطرف الآخر استعداده لتنفيذ هذا العقد". وهنا يجب التنبيه إلى أنه ولئن كان تقديم الاستقالة وقبولها ليس عملية تعاقدية تنتهي بها خدمة الموظف، بل هي عملية إدارية، يثيرها الموظف بطلب الاستقالة وتنتهي الخدمة بالقرار الإداري الصادر بقبول هذا الطلب الذي هو سبب هذا القرار، إلا أنه لما أن طلب الاستقالة هو مظهر من مظاهر إرادة الموظف في اعتزال الخدمة، والقرار بقبول هذا الطلب هو بدوره مظهر من مظاهر إرادة الرئيس الإداري في قبول هذا الطلب وإحداث الأثر القانوني المترتب على استقالة، كان لزاماً أن يصدر طلب الاستقالة وقرار قبولها برضاء صحيح يفسده ما يفسد الرضا من عيوب، كما يزيل هذه العيوب أو يسقط الحق في التمسك بها ما يقضي به القانون في هذا الخصوص. ما يجب التنبيه كذلك إلى أنه ولئن كان القضاء الإداري غير ملزم بتطبيق تلك المادة إلا أنه يجب إنزال الحكم على مقتضاها، لأن هذا المقتضى يرتد إلى أصل طبعي هو وجوب تنفيذ العقود والالتزامات بحسن نية؛ ذلك أن تمسك المدعي بالغلط الذي وقع فيه ووقعت فيه الإدارة يتعارض مع ما يقضي به حسن النية، بل إنه ليعد ضرباً من ضروب التعسف في استعمال الحق بعد إذ تبين أن الإدارة عملت من جانبها على استصدار قرار عام في 19 من يناير سنة 1955 - وذلك عدا القرارات الفردية الأخرى - من مقتضاه منح المدعي وأمثاله - من الموظفين الذي اعتزلوا الخدمة للإفادة من مزايا قرار 16 من ديسمبر سنة 1953 دون أن تتوافر فيهم شروطه - كافة المبالغ المستحقة لهم بصندوق الادخار بما في ذلك نصيب الحكومة، أي أنها عملت من جانبها على تحقيق ما استهدفه هؤلاء الموظفون من مزايا، فلا وجه بعد ذلك للتمسك بأن الاستقالة كانت تحت تأثير الغلط في فهم القانون بعد إذ حصل المدعي على كل ما كان يصبو إليه عند تقديم الاستقالة، وأصبح له أن يقتضيه من الجهات المختصة إن لم يسبق له صرفه.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بما اشترطه المدعي في استقالته من صرفه مكافأته عن مدة خدمته أو المبلغ المستحق له في صندوق الادخار أيهما أكبر، وذلك، "بمجرد تركه الوظيفة" فإن هذه العبارة لا تعتبر شرطاً تعلق عليه استقالة قبولاً أو رفضاً، وإنما هي لا تعد وأن تكون استنهاضاً للهمة في سرعة إتمام الصرف؛ ذلك أن الإدارة لم تمانع في أن يصرف المدعي ما يستحقه، وإنما يجب أن يراعي أن لهذا الصرف إجراءات وأوضاع يجب استيفاؤها قبل الصرف بحيث لا يمكن أن يتم بدونها؛ على أن تأخير الصرف في هذه الحالة بالذات إنما كان يرجع إلى قيام مانع قانوني لدى الجهة المختصة بالتنفيذ يمنعها من هذا التنفيذ على الوجه الذي قصده المدعي بحكم القوانين أو القواعد التنظيمية العامة القائمة وقتذاك مما اقتضى استصدار قرار جديد من مجلس الوزراء، وقد انتهت إجراءاته ومراحله بما يحقق ما كان يبتغيه المدعي وأمثاله.
ومن حيث إنه لذلك يكون الحكم المطعون فيه أصاب في قضائه، ويكون الطعن قد قام على غير أساس سليم من القانون.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.