أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 31 - صـ 442

جلسة 24 من مارس سنة 1980

برياسة السيد المستشار/ عادل برهان نور نائب رئيس المحكمة؛ وعضوية السادة المستشارين: مصطفى جميل مرسي، وفوزي المملوك، وفوزي أسعد؛ وهاشم قراعة.

(81)
الطعن رقم 308 لسنة 50 القضائية

(1) اختلاس أموال أميرية. تزوير. "أوراق رسمية". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب" "بيانات حكم الإدانة". إثبات "بوجه عام". "خبرة".
مثال لتسبيب سائغ لحكم بالإدانة. في واقعة اختلاس أموال أميرية. وتزوير. مؤاخذة الطاعن عن القدر الذي تيقنت المحكمة من اختلاسه. تعويلاً على ما جزم به أعضاء لجنة الجرد. من ارتكابه فعل الاختلاس. وعلى تقدير خبير الدعوى لقيمة المال المختلس. لا تناقض.
(2) اختلاس أموال أميرية. إثبات "بوجه عام". "خبرة". اشتراك. مسئولية جنائية نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير آراء الخبراء. موضوعي.
متى يكون النعي على ما خلص إليه الحكم أخذاً بما جزم به الخبير. جدلاً موضوعياً؟ النعي بمساهمة آخرين في ارتكاب الجريمة. لا يجدي. ما دام لم يكن ليحول دون مساءلة الطاعن عن الجريمة المسندة إليه.
(3) اختلاس أموال أميرية. جريمة. "أركانها".
رد مقابل المال المتصرف فيه. لا يؤثر في قيام جريمة الاختلاس.
(4) إثبات "بوجه عام". اختلاس أموال أميرية. جريمة. "أركانها".
التدليل على وقوع الاختلاس. وإثبات تصرف الطاعن في الأدوية المسلمة إليه بسبب وظيفته. على اعتبار أنها مملوكة له. كفايته بياناً لجناية الاختلاس.
(5) إثبات "بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". اختلاس أموال أميرية.
لا محل للنعي على الحكم. متى كان لم يتخذ من عجز سابق. دليلاً على مقارفة الطاعن جريمة الاختلاس التي دانه بها.
1 - متى بين الحكم المطعون فيه واقعة الدعوى.... وساق الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها مستمدة من أقوال أعضاء اللجنة الإدارية التي شكلت لفحص أعمال الطاعن ومما جاء بتقرير الخبير المعين في الدعوى ومن أقوال الطاعن بالتحقيقات وأورد مؤدى كل منها في بيان واف كما استند الحكم إلى ما أسفر عنه اطلاع المحكمة على الاستمارات 111 ع ح والدفتر 118 ع ح بالوحدات الطبية التي ثبت وجود اختلاس بها وأورده في بيان تفصيلي تضمن حصراً لكافة الأدوية والمهمات الطبية التي توصل الطاعن إلى اختلاسها مع بيان الكمية المختلسة من كل صنف على حدة وذلك بما يتفق والحصر الذي أجراه خبير الدعوى بعد مقارنة بيانات صرف الأدوية التي أثبتها الطاعن بالدفتر 118 ع ح على البيانات التي أثبتها في أصول الاستمارات 111 ع ح وصورها التي حررها الطاعن جميعها وانتهى - بعد أن أفصح عن اطمئنانه لأدلة الثبوت التي ساقها - إلى مؤاخذة الطاعن عن اختلاسه للأدوية والمهمات الطبية المشار إليها والتي قدرها الخبير بمبلغ 562 ج و808 م وعن التزوير في الاستمارات والدفتر المشار إليهما والذي أتاه الطاعن ستراً للاختلاس، وعرض الحكم لدفاع الطاعن المشار إليه في وجه الطعن ورد عليه...... ثم خلص الحكم إلى معاقبة الطاعن عملاً بمواد الاتهام وتوقيع عقوبة واحدة عليه هي العقوبة المقررة لأشد الجريمتين اللتين دانه بهما للارتباط عملاً بالمادة 32/ 2 من قانون العقوبات، وكان البين مما أورده الحكم المطعون فيه سواء في بيانه لواقعة الدعوى أو في تحصيله لأدلة الثبوت - أنه إنما آخذ الطاعن عن اختلاسه ما قيمته 562 جنيهاً و808 مليمات من الأدوية والمهمات الطبية فقط باعتبار أن هذا هو القدر الذي تيقنت المحكمة من اختلاسه وفقاً لما ظهر من تمحيصها لأعمال الخبير ومراجعة أعماله بنفسها باطلاعها على استمارات الصرف ودفتر العهدة الخاصة بالطاعن وحصر الأصناف التي أدرجها الطاعن بالزيادة في أصول الاستمارات وفي الدفتر ستراً لاختلاسه بما يدل على أن المحكمة واجهت عناصر الدعوى وألمت بها واعتبرت الواقعة التي آخذت الطاعن عنها في حكم الحقيقة الثابتة لديها، وعول الحكم المطعون فيه على شهادة أعضاء لجنة الجرد وتقرير الخبير دون تناقض إذ بين في مدوناته أنه إنما قصد الاجتزاء من أقوال أعضاء اللجنة على القدر الذي جزموا به وهو ارتكاب الطاعن لفعل الاختلاس دون أن يعول في تقدير قيمة المال المختلس على تقديرهم باعتباره تقديراً مبدئياً غير دقيق وأفصح صراحة عن أخذه بتقدير خبير الدعوى في هذا الشأن، فإنه لا محل لما ينعاه الطاعن على الحكم من دعوى التناقض.
2 - لما كان الأصل أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات ومطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتلك التقارير شأنها في ذلك شأن سائر الأدلة لتعلق الأمر بسلطتها في تقدير الدليل، وكان الحكم المطعون فيه - على ما سلف بيانه - قد خلص إلى الجزم بما جزم به الخبير اطمئناناً منه لسلامة ما أجراه من أبحاث بعد أن تولت المحكمة بنفسها مواجهة أعماله باطلاعها على ما دونه الطاعن بدفتر العهدة وأصول وصور استمارات الصرف وبعد أن حصرت المحكمة الكميات المختلسة من كل صنف على حدة فإن منعى الطاعن في هذا الصدد يكون في حقيقته جدلاً موضوعياً في سلطة المحكمة في تقدير الدليل مما لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض. وكان الحكم المطعون فيه - على ما سلف بيانه - لم يؤاخذ الطاعن في تحديد قيمة المال المختلس على أساس تقدير أقوال أعضاء اللجنة وإنما أخذ في ذلك بتقدير الخبير فإن ما يثيره الطاعن بوجه الطعن بخصوص عدم إجراء اللجنة بحثها في ذلك على نحو دقيق لا يكون منتجاً، أما عن قوله إن تقرير اللجنة انتهى إلى وجود مسئولين آخرين معه عن الاختلاس فهو مردود بأن النعي بمساهمة آخرين في ارتكاب الجريمة لا يجدي الطاعن ما دام لم يكن ليحول دون مساءلته عن الجريمة المسندة إليه والتي دلل الحكم على مقارفته إياها تدليلاً سائغاً ومقبولاً.
3 - من المقرر أنه لا يؤثر في قيام جريمة الاختلاس رد الجاني مقابل المال الذي تصرف فيه.
4 - متى كان الحكم المطعون فيه قد دلل على وقوع الاختلاس من جانب الطاعن بناء على ما أورده من أدلة وشواهد سائغة، وأثبت في حقه أنه تصرف في الأدوية المسلمة إليه بسبب وظيفته على اعتبار أنها مملوكة له، فإن ذلك حسبه بياناً لجناية الاختلاس كما هي معرفة في القانون بركنيها المادي والمعنوي وإثباتاً لوقوعها من الطاعن ويكون نعي الطاعن على الحكم بالقصور أو الفساد في الاستدلال في هذا الخصوص غير سديد.
5 - متى كان البين من الحكم المطعون فيه أنه - خلافاً لما يقول به الطاعن - لم يتخذ من إقرار الطاعن بسبق اكتشاف عجز في عهدته مقداره 38 جنيهاً دليلاً قبله على مقارفته جريمة الاختلاس التي دانه بها فإن نعي الطاعن في هذا الشأن يكون غير صحيح.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: في الفترة بين عامي 1958، 1959 (أولاً) بصفته موظفاً عمومياً "أمين مخزن الأدوية بالمجلس الإقليمي للوحدات المختصة" اختلس أموالاً أميرية (أدوية سلمت إليه بسبب وظيفته) على النحو المبين بالتحقيقات حالة كونه من الأمناء على الودائع. (ثانياً) بصفته من أرباب الوظائف العمومية "أمين المخزن سالف الذكر" ارتكب أثناء تأدية وظيفته تزويراً في محررات رسمية هي الاستمارات 111 ع ح والدفتر 118 ع ح الخاصة بالمجلس الإقليمي المذكور وذلك بتغيير تلك المحررات وبجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمه بتزويرها بأن أثبت على خلاف الحقيقة بيانات بأصول تلك الاستمارات مغايرة للبيانات المثبتة في صورها المسلمة للوحدات الصحية وكذا إثبات بيانات بالدفتر المذكور غير مطابقة لما دون بتلك الصور والأصول على النحو المبين بالتحقيقات. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، فقرر ذلك. ومحكمة جنايات المنصورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 112/ 1 - 2، 118، 119، 211 من قانون العقوبات مع تطبيق المادتين 17، 32/ 2 من القانون المذكور بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات وعزله من وظيفته وبتغريمه مبلغ خمسمائة واثنين وستين جنيهاً وثمانمائة وثمانية مليمات. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمتي اختلاس أموال أميرية وتزوير في محررات رسمية، فقد شابه التناقض والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال. وذلك بأنه عول - ضمن ما عول عليه في إدانة الطاعن - على شهادة أعضاء اللجنة الإدارية التي تولت فحص أعماله وعلى تقرير الخبير المعين في الدعوى لجرد عهدته على الرغم مما في ذلك من تناقض إذ قرر أعضاء اللجنة أنه ظهر لهم من الفحص المبدئي أن قيمة الأدوية التي اختلسها الطاعن نحو ألف جنيه في حين انتهى الخبير في تقريره إلى تقدير قيمتها بمبلغ 562 جنيهاً و808 مليمات فقط، هذا إلى أن الخبير أثبت في تقريره أنه تعذر عليه جرد عهدة الطاعن جرداً فعلياً وتعذر عليه كذلك اتباع طريق الجرد الدفتري والمستندي لعدم وجود الدفاتر والمستندات التي تحفظ بمراقبة العهد والشطب فوجد نفسه مضطراً إلى الاقتصار على مراجعة ما ورد بأصول الاستمارات التي كان الطاعن يقوم بتحريرها إثباتاً لصرف الأدوية من المخزن إلى الوحدات الطبية على ما دونه بدفتر العهدة في حين أن هذا هو ذات النهج الذي سارت عليه اللجنة الإدارية من قبل والذي عابه الخبير نفسه، كما أخذ الحكم بالنتيجة التي انتهى إليها الخبير رغم فساد المقدمة التي رتب عليها تلك النتيجة ودون أن يعني بتمحيص جميع أعمال الخبير واللجنة الإدارية وبالرغم من أن الدفاع عن الطاعن تمسك في جلسة المحاكمة بأن اللجنة لم تقم بالبحث المطلوب على الوجه الصحيح وأنها انتهت في تقريرها إلى وجود مسئولين غيره عن الاختلاس هذا إلى أنه أودع خزانة المحكمة القيمة التي قدرها الخبير لتصرف إلى الجهة المجني عليها كما قصر الحكم عن استظهار توافر أركان جريمة الاختلاس والأدلة على ثبوتها واكتفى باعتبار وجود العجز في عهدة الطاعن دليلاً على الاختلاس على الرغم من أن هذا العجز قد يكون ناشئاً عن خطأ في الحساب أو غير ذلك، وأخيراً فقد عول الحكم في إدانة الطاعن على إقراره بسبق اكتشاف عجز في عهدته قيمته 38 جنيهاً مع أن هذه الواقعة لا صلة لها بواقعة الدعوى ولم ترفع بها الدعوى الجنائية قبله، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "إن الطاعن بصفته: "مندوب صرف مجلس قروي..... مركز...... والذي يعمل أميناً لمخزن الأدوية بالمجلس الإقليمي للوحدات المجمعة..... في الفترة ما بين عامي 1958، 1959 بمحافظة....... قد اختلس أموالاً أميرية عبارة عن أدوية سلمت إليه بسبب وظيفته والبالغ قيمتها 562 جنيهاً و808 مليمات كما أنه بصفته تلك قد ارتكب في أثناء تأديته وظيفته تزويراً في محررات أميرية هي الاستمارات 111 ع ح والدفتر 118 ع ح الخاصة بالمجلس الإقليمي المذكور وذلك بتغيير تلك المحررات بجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمه بتزويرها بأن أثبت على خلاف الحقيقة بيانات بأصول تلك الاستمارات مغايرة للبيانات المثبتة في صورها المسلمة للوحدات الصحية وكذا بإثبات بيانات بالدفتر المذكور غير مطابقة لما دون بتلك الصور والأصول وقد اتبع المتهم (الطاعن) عدة طرق لتنفيذ مخططه هذا بأن: (أولاً) قيد أصنافاً بالدفتر 118 ع ح لم ترد بالاستمارات 111 ع ح. (ثانياً) قيد أصنافاً بأصل الاستمارة 111 ع ح وقيد هذه الأصناف وبنفس كمياتها بالدفتر 118 ع ح في حين أن صورة استمارة الوحدة لم تدرج بها هذه الأصناف على الإطلاق. (ثالثاً) أثبت أصنافاً بأصل الاستمارة 111 ع ح وتعديل الكمية بالأصل والصورة إلى كمية أقل والتوقيع منه أمام التصويب في حين أثبت الكمية بدفتر 118 ع ح على أساس الوارد بالأصل والصورة قبل التصويب. (رابعاً) إثبات أصناف مخصومة في الدفتر 118 ع ح عهدة المتهم مع عدم وجود أصل الاستمارة 111 ع ح الخاصة بالمتهم ولا الصورة الخاصة بالوحدة. (خامساً) أثبت بأصل الاستمارة 111 ع ح كمية من دواء معين ويقوم المتهم بالاستنزال في الدفتر 118 ع ح والاستمارة 111 لكمية أكبر من الكمية الواردة بالاستمارة وقد وقع هذا الاختلاس في وحدات..... و..... و..... و..... و..... و..... و....." وساق الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها مستمدة من أقوال أعضاء اللجنة الإدارية التي شكلت لفحص أعمال الطاعن ومما جاء بتقرير الخبير المعين في الدعوى ومن أقوال الطاعن بالتحقيقات وأورد مؤدى كل منها في بيان واف كما استند الحكم إلى ما أسفر عنه اطلاع المحكمة على الاستمارات 111 ع ح بالوحدات الطبية التي ثبت وجود اختلاس بها وأورده في بيان تفصيلي تضمن حصراً لكافة الأدوية والمهمات الطبية التي توصل الطاعن إلى اختلاسها مع بيان الكمية المختلسة من كل صنف على حدة وذلك بما يتفق والحصر الذي أجراه خبير الدعوى بعد مقارنة بيانات صرف الأدوية التي أثبتها الطاعن بالدفتر 118 ع ح على البيانات التي أثبتها في أصول الاستمارات 111 ع ح وصورها التي حررها الطاعن جميعها وانتهى - بعد أن أفصح عن اطمئنانه لأدلة الثبوت التي ساقها - إلى مؤاخذة الطاعن عن اختلاسه للأدوية والمهمات الطبية المشار إليها والتي قدرها الخبير بمبلغ 562 جنيهاً و808 مليمات وعن التزوير في الاستمارات والدفتر المشار إليهما والذي أتاه الطاعن ستراً للاختلاس، وعرض الحكم لدفاع الطاعن المشار إليه في وجه الطعن ورد عليه في قوله: "وحيث إنه عن القول بأن الخبير لم يتمكن من الاطلاع على كافة المستندات الدالة على ما في عهدة المتهم (الطاعن) من أموال فإن هذا القول مردود ذلك أن المحكمة عولت في الإدانة على ما أثبته السيد الخبير في تقريره من مستندات أطلع عليها المحكمة أما باقي المستندات التي لم يتمكن من الاطلاع عليها ولم يتمكن من حصر الكميات التي في عهدة المتهم بشأنها فإن المحكمة لم تعول عليها في الإدانة وأن المبلغ الذي ظهر في ذمة المتهم هو القدر الثابت في حقه المعول عليه وهو المبلغ الذي يمثل قيمة الأدوية الثابتة على النحو المفصل بهذا الحكم ثم خلص الحكم إلى معاقبة الطاعن عملاً بمواد الاتهام وتوقيع عقوبة واحدة عليه هي العقوبة المقررة لأشد الجريمتين اللتين دانه بهما للارتباط عملاً بالمادة 32/ 2 من قانون العقوبات، لما كان ذلك، وكان البين مما أورده الحكم المطعون فيه سواء في بيانه لواقعة الدعوى أو في تحصيله لأدلة الثبوت - أنه إنما آخذ الطاعن عن اختلاسه ما قيمته 562 جنيهاً و808 مليمات من الأدوية والمهمات الطبية فقط باعتبار أن هذا هو القدر الذي تيقنت المحكمة من اختلاسه وفقاً لما ظهر من تمحيصها لأعمال الخبير ومراجعة أعماله بنفسها باطلاعها على استمارات الصرف ودفتر العهدة الخاصة بالطاعن وحصر الأصناف التي أدرجها الطاعن بالزيادة في أصول الاستمارات وفي الدفتر ستراً لاختلاسه بما يدل على أن المحكمة واجهت عناصر الدعوى وألمت بها واعتبرت الواقعة التي آخذت الطاعن عنها في حكم الحقيقة الثابتة لديها، وعول الحكم المطعون فيه على شهادة أعضاء لجنة الجرد وتقرير الخبير دون تناقض إذ بين في مدوناته أنه إنما قصد الاجتزاء من أقوال أعضاء اللجنة على القدر الذي جزموا به وهو ارتكاب الطاعن لفعل الاختلاس دون أن يعول في تقدير قيمة المال المختلس على تقديرهم باعتباره تقديراً مبدئياً غير دقيق وأفصح صراحة عن أخذه بتقدير خبير الدعوى في هذا الشأن، فإنه لا محل لما ينعاه الطاعن على الحكم من دعوى التناقض، لما كان ذلك، وكان الأصل أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات ومطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتلك التقارير شأنها في ذلك شأن سائر الأدلة لتعلق الأمر بسلطتها في تقدير الدليل وكان الحكم المطعون فيه - على ما سلف بيانه - قد خلص إلى الجزم بما جزم به الخبير اطمئناناً منه لسلامة ما أجراه من أبحاث بعد أن تولت المحكمة بنفسها مواجهة أعماله باطلاعها على ما دونه الطاعن بدفتر العهدة وأصول وصور استمارات الصرف وبعد أن حصرت المحكمة الكميات المختلسة من كل صنف على حدة فإن منعى الطاعن في هذا الصدد يكون في حقيقته جدلاً موضوعياً في سلطة المحكمة في تقدير الدليل بما لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه - على ما سلف بيانه - لم يؤاخذ الطاعن في تحديد قيمة المال المختلس على أساس تقدير أقوال أعضاء اللجنة وإنما أخذ في ذلك بتقدير الخبير فإن ما يثيره الطاعن بوجه الطعن بخصوص عدم إجراء اللجنة بحثها في ذلك على نحو دقيق لا يكون منتجاً، أما عن قوله إن تقرير اللجنة انتهى إلى وجود مسئولين آخرين معه عن الاختلاس فهو مردود بأن النعي بمساهمة آخرين في ارتكاب الجريمة لا يجدي الطاعن ما دام لم يكن ليحول دون مساءلته عن الجريمة المسندة إليه، والتي دلل الحكم على مقارفته إياها تدليلاً سائغاً ومقبولاً، وإذ كان لا يؤثر في قيام جريمة الاختلاس رد الجاني مقابل المال الذي تصرف فيه لأن الظروف التي تعرض بعد وقوع الجريمة لا تنفي قيامها فإن نعي الطاعن بأنه أودع خزانة المحكمة قيمة المال المختلس لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على وقوع الاختلاس من جانب الطاعن بناء على ما أورده من أدلة وشواهد سائغة، وأثبت في حقه أنه تصرف في الأدوية المسلمة إليه بسبب وظيفته على اعتبار أنها مملوكة له، فإن ذلك حسبه بياناً لجناية الاختلاس كما هي معرفة في القانون بركنيها المادي والمعنوي وإثباتاً لوقوعها من الطاعن ويكون نعي الطاعن على الحكم بالقصور أو الفساد في الاستدلال في هذا الخصوص غير سديد، لما كان ذلك، وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه - خلافاً لما يقول به الطاعن - لم يتخذ من إقرار الطاعن بسبق اكتشاف عجز في عهدته مقداره 38 جنيهاً دليلاً قبله على مقارفته جريمة الاختلاس التي دانه بها فإن نعي الطاعن في هذا الشأن يكون غير صحيح. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.