مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية - العدد الثاني (من أول فبراير إلى آخر مايو سنة 1957) - صـ 791

(80)
جلسة 30 من مارس سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 1652 لسنة 2 القضائية

( أ ) جنسية - الجنسية المصرية، بوصفها رابطة سياسية وقانونية بين فرد ودولة، ظلت غير محددة المعالم من الوجهة الدولية حتى صدرت التشريعات التي تنظمها - المرسوم بقانون الصادر في 26/ 5/ 1926 كان أول محاولة تشريعية صميمة لتنظيم الجنسية المصرية - بقاؤه غير نافذ لظروف سياسية - المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929.
(ب) جنسية - المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 - نصوصه المتعلقة بجنسية المصريين الأصلاء تنسحب إلى الماضي - انطواؤه على نصوص تستحدث الجنسية المصرية لأشخاص كانوا أجانب - الفقرة الرابعة من المادة السادسة تنظم جنسية من نوع خاص أساسها الميلاد المضاعف في مصر المقترن بظروف أخرى - عدم سريان هذا النص إلا على من ولد في مصر في فترة سريان ذلك القانون - أساس ذلك.
1 - إنه ولئن كانت الجنسية المصرية ترتبط في واقع وجودها بالدولة المصرية ذاتها الممتد إلى فجر التاريخ، إذ لا تنشأ دولة دون شعب ينتمي إليها ويتصف بجنسيتها، إلا أنها - بوصفها رابطة سياسية وقانونية بين فرد ودولة - ظلت غير محددة المعالم من الوجهة الدولية إلى أن صدرت التشريعات التي تنظمها. وكانت القوانين المختلفة السابقة على ذلك والتي استهدفت بيان صفة الرعوية المحلية لم تعالج الجنسية المصرية مباشرة بتنظيم أسسها، بل اكتفت ببيان الشروط التي استلزمها تطبيقها لتحقيق الغاية المقصودة منها، وهي شروط كانت تختلف باختلاف الغرض من هذه القوانين، وكانت يد المشرع المصري مقيدة بأغلال الامتيازات الأجنبية، وكانت أول محاولة تشريعية صميمة لتنظيم الجنسية المصرية هي المرسوم بقانون الصادر في 26 من مايو سنة 1926، وقد بقى معطلاً غير نافذ للظروف السياسية التي لابسته، ثم صدر المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929.
2 - يبين من تصفح نصوص المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 أن منها ما يقرر جنسية المصريين الصميمين الأصلاء، وهذه الجنسية بطبيعة الحال تنسحب إلى الماضي، ومنها ما استحدث الجنسية المصرية لأشخاص كانوا أجانب، ومن ذلك الفقرة الرابعة من المادة السادسة من المرسوم بقانون سالف الذكر، وهي جنسية من نوع خاص أساسها الميلاد المضاعف في مصر المقترن بظروف أخرى، ولقد كانت جنسية استثنائية - على خلاف الأصل - لاعتبارات خاصة وأغراض معينة في عهد كانت تخضع فيه مصر لنظام الامتيازات الأجنبية، وكان اختصاص قضائها الوطني مقيداً يخرج من سلطانه كل أجنبي، فكان الاتجاه دائماً إلى التحرر من هذه الأغلال، فلما زالت الاعتبارات التي دعت إلى إنشاء هذا النوع الاستثنائي من الجنسية لم يورد القانون رقم 160 لسنة 1950 ولا القانون رقم 391 لسنة 1956 النص الذي كان قد أنشأها في قانون سنة 1929؛ ولذلك لا يجوز التوسع في تفسير هذا النص الملغي، بل يجب تفسيره في أضيق الحدود. وعلى مقتضى ما تقدم، فإن النص المذكور لا ينطبق إلا على من ولد في مصر في الفترة من 10 من مارس سنة 1929 لغاية 17 من سبتمبر سنة 1950 التي كانت المجال الزمني لتطبيقه؛ ذلك أن هذه الجنسية كانت مركزاً قانونياً يترتب بدوره على واقعة قانونية هي ميلاد الشخص في مصر مقترناً بالظروف الأخرى، فيلزم أن تتم تلك الواقعة في ظل النص القانوني الذي رتب عليها هذا الأثر، ولا يجوز سحب هذا النص على واقعة ميلاد تمت في غير المجال الزمني لتطبيقه، وإلا كان ذلك تطبيقاً له بأثر رجعي، ولا يجوز أن تقاس هذه الحالة الاستثنائية على حالة المصريين الأصلاء الصميمين، الذين تعتبر القوانين الخاصة بالجنسية المصرية مقررة في الواقع لجنسيتهم المصرية في الماضي، وليست محدثة لها، أما الفقرة الرابعة من المادة السادسة من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 الخاص بالجنسية المصرية، فلا يسري حكمها إلا في المستقبل ولا يصدق هذا الحكم إلا بالنسبة لمن تمت في حقه الواقعة القانونية التي تترتب عليها هذه الجنسية، وهي الميلاد بمصر مقترناً بالظروف الأخرى في الفترة من 10 من مارس سنة 1929 لغاية 17 من سبتمبر سنة 1950، أي في المجال الزمني لتطبيقها.


إجراءات الطعن

في 5 من يوليه سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الأولى) بجلسة 8 من مايو سنة 1956 في الدعوى رقم 4362 لسنة 8 القضائية المقامة من صالح عبده صالح الشهير بعبد الحكيم والسيدة عزيزة عبده صالح ضد السيد وزير الداخلية والسيد مدير إدارة الجوازات والجنسية، القاضي "برفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند عليها في عريضة طعنه "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلغاء القرار المطعون فيه، وإلزام الحكومة المصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى الحكومة في 11 من أغسطس سنة 1956، وإلى المدعيين في 5 من سبتمبر سنة 1956. وعين لنظره جلسة 9 من فبراير سنة 1957، لم يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته، وقد أبلغا في أول يناير سنة 1957 بميعاد الجلسة، وفيها سمعت المحكمة إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل، حسبما يبين من أوراق الطعن، في أن المدعيين أقاما الدعوى رقم 4362 لسنة 8 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري بصحيفة أودعاها سكرتيرية المحكمة في 21 من فبراير سنة 1954، ذكرا فيها أنه صدر حكم على المدعي الأول بالحبس في جنحة مخدرات، وبعد أن استوفى عقوبته فوجئ باعتقاله لترحيله خارج القطر بدعوى أنه فرنسي، ولكن هذا الادعاء غير صحيح؛ لأنه مصري الجنسية بحكم القانون وفقاً للفقرة الرابعة من المادة السادسة من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929، التي تنص على أنه "يعتبر مصرياً من ولد في القطر المصري لأب أجنبي ولد هو أيضاً فيه إذا كان هذا الأجنبي ينتمي بجنسيته لغالبية السكان في بلد لغته العربية أو دينه الإسلام". وأنه لما كان الثابت أن المدعي الأول ولد في مصر في 27 من فبراير سنة 1920 ووالده أيضاً مولود في مصر في 14 من يونيه سنة 1884، وجده كذلك مولود في مصر وينتمي بجنسه ودينه إلى بلاد المغرب وهو جزائري، فإنه يعتبر مصرياً بحكم القانون ولا يجوز إبعاده. ويضيف المدعي أنه تواترت معاملة الإدارة له على أنه مصري، فاقترع في 17 من إبريل سنة 1939 وبعد الكشف عليه أبقى تحت طلب إدارة الجيش المرابط، كما تواترت معاملة الإدارة لأشقائه وأفراد أسرته على أنهم مصريون، وقد اقترع شقيقه في إبريل سنة 1952 وأعفي من الخدمة العسكرية بسب ضعف في الإبصار، وبذلك يكون إبعاد المدعي الأول على أساس أنه أجنبي أمراً مخالفاً للقانون فضلاً عن أن إبعاده يجعل عيشه أمراً مستحيلاً؛ إذ أنه متزوج من سيدتين مصريتين وله منهما ثمانية أولاد. وانتهى المدعيان إلى أن المادة السادسة بفقراتها الأربعة منظمة لحالات المولودين قبل قانون الجنسية، وأن كل شخص تتوافر فيه شروطها يعتبر مصرياً بغض النظر عن ولادته في تاريخ سابق أو لاحق لنشر قانون الجنسية. وخلص المدعيان إلى طلب الحكم بوقف تنفيذ القرار الصادر بإبعاد المدعي الأول من البلاد، وبإلغاء هذا القرار، مع إلزام الحكومة بالمصروفات ردت الحكومة على ذلك بأن المدعي الأول جزائري الأصل فرنسي الرعوية، وسبق أن حكم عليه بالحبس سنتين مع الشغل وبغرامة قدرها 400 ج في القضية رقم 16 جنح مخدرات الدرب الأحمر سنة 1950، وبعد تنفيذ العقوبة عرض موضوعه على اللجنة الاستشارية للإبعاد تطبيقاً لنص المادة 15 من المرسوم بقانون رقم 74 لسنة 1952 وصدر بإبعاده في 2 من يوليه سنة 1953. وردت الحكومة على دعوى المدعي بأنه مصري الجنسية بالتطبيق للفقرة الرابعة من المادة السادسة من القانون رقم 19 لسنة 1929 بقولها إن نص هذه المادة بفقراتها الأربعة لا تنسحب على الماضي، بل تطبق فقط على من يولد في مصر بعد العمل بقانون الجنسية أي ابتداء من 10 من مارس سنة 1929 تاريخ صدور هذا القانون، أما جنسية الأشخاص الموجودين فعلاً وقت نشره فقد نظمها هذا القانون في المواد الخمسة الأولى، ويؤيد ذلك ما ذهب إليه رئيس الوفد المصري في مؤتمر مونتريه في خطابه إلى رئيس الوفد الفرنسي في المؤتمر المذكور من أن الحكومة المصرية لا تنوي تطبيق التشريعات الخاصة بالجنسية أو ما يجري مجراها إلا على من ولد أو يولد في القطر المصري بتاريخ لاحق على 27 من مارس سنة 1929. ونظراً لأن المدعي ولد في سنة 1920 فلا يمكن اعتباره داخلاً في الجنسية المصرية طبقاً للفقرة الرابعة من المادة السادسة من القانون المشار إليه. وانتهت الحكومة إلى أن قرار الإبعاد قد صدر صحيحاً متفقاً مع القانون؛ ذلك أن المدعي خطر على الأمن العام لاتجاره في المخدرات وسبق الحكم عليه نهائياً في ذلك، وطلبت رفض الدعوى، وإلزام المدعي بالمصروفات. وبجلسة 26 من مايو سنة 1954 قضت المحكمة برفض طلب وقف التنفيذ. وبجلسة 8 من مايو سنة 1956 أصدرت المحكمة حكمها برفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات؛ وأقامت قضاءها على أن الأصل في التشريعات التي تنظم الجنسية المصرية أن تكتسب هذه الجنسية بحق الدم، وأن الجنسية تلحق بالشخص من يوم ولادته، فالولد الذي يولد لأجنبي يكون أجنبياً، ولكن هذه التشريعات أوردت بعض أحوال على خلاف هذا الأصل تكتسب فيها الجنسية المصرية على أساس حق الإقليم منها الحكم الوارد في الفقرة الرابعة من المادة السادسة سالفة الذكر.... وطبيعة هذا الحكم الاستثنائي تقتضي عدم التوسع فيه أو القياس عليه، فلا يعمل به إلا من تاريخ نفاذ القانون الذي أورده، ولا يطبق إلا على من يولد بعد نفاذ هذا القانون في 10 من مارس سنة 1929، أما المولودون قبل هذا التاريخ فقد تحددت جنسيتهم ومراكزهم القانونية المتعلقة بهذه الناحية في ظل القواعد السارية وقتئذ، وخصص لهم المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 سالف الذكر مواده الخمس الأولى لتنظيم حالاتهم. وأنه لما كان لا نزاع في أن المدعي مولود في سنة 1920 لأب أجنبي فإنه لا يفيد من حكم هذا النص الاستثنائي، لأن جنسية والده الأجنبي لحقته والتصقت به وأصبح أجنبياً من يوم ميلاده. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 5 من يوليه سنة 1956، طلب فيها "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإلغاء القرار المطعون فيه، وإلزام الحكومة المصروفات"؛ وبني هذا الطعن على أن نص الفقرة الرابعة من المادة السادسة من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 يفرض الجنسية المصرية الأصلية بناء على علاقة الإقليم على الأشخاص الذين تتوافر فيهم شروط هذا النص، وليس فيه أي قيد يجعله مقصوراً على الذين يولدون بعد العمل بالمرسوم بقانون سالف الذكر، بل هو نص مطلق استعمل عبارة "من ولد" وهي بالغة الدلالة على أن المشرع قد قصد أيضاً من ولدوا قبل العمل بهذا المرسوم بقانون، وأنه لما كان لا نزاع في أن المدعي قد ولد في مصر، وأن والده - بل جده - قد ولد في مصر أيضاً، وأن الوالد ينتمي بجنسه إلى غالبية السكان بالجزائر وهو بلد لغته العربية ودينه الإسلام، فإن شروط الفقرة الرابعة من المادة السادسة المشار إليها تكون قد توافرت فيه ويتعين اعتباره مصرياً بحكم النص المذكور، ويكون الحكم المطعون فيه إذ ذهب غير هذا المذهب قد وقع مخالفاً للقانون.
ومن حيث إنه يؤخذ مما تقدم أن النقطة القانونية مثار النزاع تنحصر فيما إذا كان المدعي الأول يعتبر مصرياً بالتطبيق لحكم الفقرة الرابعة من المادة السادسة من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 بشأن الجنسية المصرية ولو أنه مولود قبل 10 من مارس سنة 1929 تاريخ العمل بهذا المرسوم بقانون، وذلك على أساس أن حكم هذه الفقرة ينسحب في الماضي على كل من ولد في مصر وتحققت فيه سائر الشروط الأخرى، أم أنه لا يعتبر كذلك ولا يصدق حكمها إلا على من يولد بعد التاريخ المذكور ممن تتوافر فيهم الشروط التي نصت عليها الفقرة المشار إليها؟
ومن حيث إن الحكم الذي تضمنته الفقرة المذكورة قد استحدثه المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 بشأن الجنسية المصرية ونصها "يعتبر مصرياً.... (4) من ولد في القطر المصري لأب أجنبي ولد هو أيضاً فيه إذا كان هذا الأجنبي ينتمي بجنسه لغالبية السكان في بلد لغته العربية أو دينه الإسلام". وقد ألغيت هذه الفقرة بالقانون رقم 160 لسنة 1950 الذي أصبح معمولاً به منذ نشره في الجريدة الرسمية من 18 من سبتمبر سنة 1950.
ومن حيث إن القانون بوجه عام يحكم الوقائع والمراكز القانونية التي تتم تحت سلطانه، أي في الفترة ما بين تاريخ العمل به وإلغائه، وهذا هو مجال تطبيقه الزمني، فيسري القانون الجديد بأثره المباشر على الوقائع والمراكز القانونية التي تقع أو تتم بعد نفاذه، ولا يسري بأثر رجعي على الوقائع والمراكز القانونية التي تقع أو تتم قبل نفاذه إلا بنص خاص يقرر الأثر الرجعي، ومن ناحية أخرى لا يسري القانون القديم على الوقائع والمراكز القانونية التي تقع أو تتم بعد إلغائه إلا إذا مد العمل به بالنص، وهذا كله يصدق على الوقائع والمراكز القانونية من حيث تكوينها، أما الآثار المستقبلة المترتبة عليها فتخضع للقانون الجديد بحكم أثره المباشر، وبالنسبة لآثار التصرفات القانونية فتظل خاضعة للقانون القديم حتى ما تولد منها بعد العمل بالقانون الجديد.
ومن حيث إنه ولئن كانت الجنسية المصرية ترتبط في واقع وجودها بالدولة المصرية ذاتها الممتد إلى فجر التاريخ؛ إذ لا تنشأ دولة دون شعب ينتمي إليها ويتصف بجنسيتها، إلا أنها، بوصفها رابطة سياسية وقانونية بين فرد ودولة، ظلت غير محددة المعالم من الوجهة الدولية إلى أن صدرت التشريعات التي تنظمها، وكانت القوانين المختلفة السابقة على ذلك، والتي استهدفت بيان صفة الرعوية المحلية، لم تعالج الجنسية المصرية مباشرة بتنظيم أسسها بل اكتفت ببيان الشروط التي استلزمها تطبيقها لتحقيق الغاية المقصودة منها، وهي شروط كانت تختلف باختلاف الغرض من هذه القوانين، وكانت يد المشرع المصري مقيدة بأغلال الامتيازات الأجنبية، وكانت أول محاولة تشريعية صميمة لتنظيم الجنسية المصرية هي المرسوم بقانون الصادر في 26 من مايو سنة 1926، وقد بقى معطلاً غير نافذ للظروف السياسية التي لابسته، ثم صدر المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929. ويبين من تصفح نصوصه أن منها ما يقرر جنسية المصريين الصميمين الأصلاء، وهذه الجنسية بطبيعة الحال تنسحب إلى الماضي، ومنها ما استحدث الجنسية المصرية لأشخاص كانوا أجانب، ومن ذلك الفقرة الرابعة من المادة السادسة من المرسوم بقانون سالف الذكر، وهي جنسية من نوع خاص أساسها الميلاد المضاعف في مصر المقترن بظروف أخرى، ولقد كانت جنسية استثنائية على خلاف الأصل لاعتبارات خاصة وأغراض معينة في عهد كانت تخضع فيه مصر لنظام الامتيازات الأجنبية، وكان اختصاص قضائها الوطني مقيداً يخرج من سلطانه كل أجنبي، فكان الاتجاه دائماً إلى التحرر من هذه الأغلال، فلما زالت الاعتبارات التي دعت إلى إنشاء هذا النوع الاستثنائي من الجنسية، ولم يورد القانون رقم 160 لسنة 1950 ولا القانون رقم 391 لسنة 1956 النص الذي كان أنشأها في قانون سنة 1929، ولذلك لا يجوز التوسع في تفسير هذا النص الملغي، بل يجب تفسيره في أضيق الحدود.
ومن حيث إنه على مقتضى ما تقدم، فإن النص المذكور لا ينطبق إلا على من ولد في مصر في الفترة من 10 من مارس سنة 1929 لغاية 17 من سبتمبر سنة 1950 التي كانت المجال الزمني لتطبيقه؛ ذلك أن هذه الجنسية كانت مركزاً قانونياً يترتب بدوره على واقعة قانونية هي ميلاد الشخص في مصر مقترناً بالظروف الأخرى، فيلزم أن تتم تلك الواقعة في ظل النص القانوني الذي رتب عليها هذا الأثر، ولا يجوز سحب هذا النص على واقعة ميلاد تمت في غير المجال الزمني لتطبيقه، وإلا كان ذلك تطبيقاً له بأثر رجعي، ولا يجوز أن تقاس هذه الحالة الاستثنائية على حالة المصريين الأصلاء الصميمين الذين تعتبر القوانين الخاصة بالجنسية المصرية مقررة في الواقع لجنسيتهم المصرية في الماضي، وليست محدثة لها، أما الفقرة الرابعة من المادة السادسة من القانون رقم 19 لسنة 1929 الخاص بالجنسية المصرية، فلا يسري حكمها إلا في المستقبل، ولا يصدق هذا الحكم إلا بالنسبة لمن تمت في حقه الواقعة القانونية التي تترتب عليها هذه الجنسية، وهي الميلاد بمصر مقترناً بالظروف الأخرى في الفترة من 10 من مارس سنة 1929 لغاية 17 من سبتمبر سنة 1950، أي في المجال الزمني لتطبيقها حسبما سلف إيضاحه.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المدعي الأول مولود في القاهرة في 27 من فبراير سنة 1920 أي قبل 10 من مارس سنة 1929 لأب أجنبي ولد هو أيضاً في مصر، وأنه جزائري الأصل فرنسي الرعوية ومقيد بسجلات الجزائريين بالقنصلية الفرنسية تحت رقم 507، ولم يتنازل عن جنسيته الأصلية في الميعاد القانوني خلال سنة من بلوغه سن الرشد طبقاً لحكم المادة السابعة من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 بعد تقرير اختياره الجنسية المصرية، ولم يحصل على موافقة الدولة التي ينتمي إليها على مثل هذا التنازل طبقاً لتشريعها، وهو أمر لا يملك الانفراد به لعدم توقفه على محض إرادته دون رضاء هذه الدولة التي يدين لها بالولاء، ولأن القانون يستلزمه لحكمة عملية هي منع ازدواج الجنسية. وبناء على هذا فإنه لا يعد مصرياً وفقاً لحكم الفقرة الرابعة من المادة السادسة ولا لحكم المادة السابعة من المرسوم بقانونه الخاص بالجنسية المصرية آنف الذكر، بل يظل معتبراً أجنبياً؛ ومن ثم يكون قد وقع صحيحاً ومطابقاً للقانون القرار الصادر من وزير الداخلية في 2 من يوليه سنة 1953 بإبعاده من الأراضي المصرية بناء على حكم المادة 15 من المرسوم بقانون رقم 74 لسنة 1952 في شأن جوازات السفر وإقامة الأجانب، واستناداً إلى قرار اللجنة الاستشارية للأبعاد المنصوص عليها في المادة 16 من المرسوم بقانون المذكور الصادر بجلستها المنعقدة في 24 من يونيه سنة 1953، بعد إذ ثبت أن في وجوده في مصر خطراً على الأمن لاشتغاله بالاتجار في المواد المخدرة وإدانته في ذلك بحكم من القضاء صادر في القضية رقم 16 جنح مخدرات الدرب الأحمر سنة 1950، وهو حكم قضى بحبسه لمدة سنتين وبغرامة قدرها 400 ج لاتجاره في المخدرات، وقد أصبح نهائياً ونفذ عليه.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق في قضائه، ويكون الطعن في غير محله متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.