مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية - العدد الثاني (من أول فبراير إلى آخر مايو سنة 1957) - صـ 832

(85)
جلسة 6 من إبريل سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 1470 لسنة 2 القضائية

موظف - تعريفه - خفير لحراسة المزروعات بوزارة الأوقاف وعلاقته بها عقدية - عدم خضوعه للقواعد التنظيمية في شأن الموظفين والمستخدمين - عدم سريان قواعد الإنصاف عليه - خروج دعواه في هذا الصدد عن اختصاص القضاء الإداري.
إن صفة الموظف العام لا تقوم بالشخص ولا تجري عليه بالتالي أحكام الوظيفة العامة فيخضع لنظمها ويفيد من مزاياها إلا إذا كان معيناً بصفة مستقرة غير عارضة للمساهمة في عمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو السلطات الإدارية بالطريق المباشر. فإذا كان الثابت أن العلاقة بين وزارة الأوقاف وبين المطعون عليه (الذي يعمل كخفير لحراسة المزروعات) ليست علاقة لائحية بين موظف عام وجهة حكومية تدخل في نطاق روابط القانون العام وتحكمها القواعد التنظيمية العامة الصادرة في هذا الشأن، بل هي علاقة تعاقدية بين أجير وصاحب عمل, أساسها عقد مدني بحت تعهد المطعون عليه بمقتضاه بأن يقوم بخدمة معينة غير متفرغ لها، لقاء أجر معلوم تحدد مقداره ضوابط مرسومة، وتساهم كل من الوزارة ومستأجري أطيانها في دفعه مناصفة بينهما، ويؤخذ من حصيلة هذا الإيراد فحسب دون ما عداها وبقدر ما تسمح به، بعد أن كان يتحمل به كله من قبل هؤلاء المستأجرون وحدهم، فإنه يعتبر بهذه المثابة من الأجراء لحساب وقف خاص ومن ماله، ولا يعدو أن يكون نشاط الوزارة بالنسبة إليه في علاقتها مع الغير كنشاط الأفراد في مجالات القانون الخاص، وليس بسلطة عامة مما يدخل في نطاق القانون العام؛ ومن ثم فإن القواعد التنظيمية الصادرة في شأن الموظفين والمستخدمين لا تسري في حقه ولا يخضع لها تحديد أجره. ولما كانت قواعد الإنصاف الصادرة في سنة 1944 إنما شرعت ليفيد منها الموظفون العموميون، وكان اختصاص اللجان القضائية والقضاء الإداري عامة في منازعات التسوية مقصوراً على ما تعلق منها بالموظفين العموميين أو ورثتهم دون من عداهم، وكان المطعون عليه من غير طائفة هؤلاء الموظفين، فإنه يتعين الحكم بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى.


إجراءات الطعن

في 15 من مايو سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1470 لسنة 2 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الرابعة "أ" - الدائرة الثانية) بجلسة 19 من مارس سنة 1956 في الدعوى رقم 8222 لسنة 8 القضائية المقامة من وزارة الأوقاف ضد كل من: 1 - عبد المولى علي نصر 2 - محمود الليثي، القاضي "برفض الدعوى، وألزمت الوزارة المصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه وقرار اللجنة القضائية والقضاء بعدم اختصاص اللجنة القضائية بنظر التظلمين. وإلزام كل من المتظلمين المصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الأوقاف في 11 من يوليه سنة 1956، وإلى المطعون عليه الأول في 28 منه، وإلى المطعون عليه الثاني في 2 من أغسطس سنة 1956، وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 29 من ديسمبر سنة 1956. وقد انقضت المواعيد القانونية دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته. وفي 13 من نوفمبر سنة 1956 أبلغ الطرفان بميعاد الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم بعد أن أعادت الدعوى للمرافعة لجلسة 9 من مارس سنة 1957 لاستيفاء البيانات المفصلة بمحضر الجلسة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المطعون عليهما رفعا إلى اللجنة القضائية لوزارة الأوقاف التظلمين رقمي 1798، 1800 لسنة 1 القضائية بعريضتين أودعاهما سكرتيرية اللجنة في 25 من يوليه سنة 1953، ذكرا فيهما أن الأول خولي مصارف بمنطقة زراعة أوريجة التابعة لتفتيش كفر الشيخ، وأن الثاني خولي زراعة بالمنطقة ذاتها، وأن أجرهما لا يوازي أجر أمثالهما من موظفي وزارة الزراعة، ولذا فإنهما يطلبان تسوية حالتهما بزيادة مرتبهما ومساواتهما بالخدمة السايرة في باقي وزارات الحكومة ومصالحها بعد إذ كانا يعملان بأحد التفاتيش التابعة لديوان الأوقاف الخصوصية الملكية وأصبحا تابعين لوزارة الأوقاف اعتباراً من أول أغسطس سنة 1952, ولما لم تعقب الوزارة على هذين التظلمين برد ما فقد أصدرت اللجنة القضائية قرارها بجلسة 11 من نوفمبر سنة 1953 "باستحقاق كل من المتظلمين لمرتب 3 ج تطبيقاً لقواعد الإنصاف المقررة للخدمة الخارجين عن هيئة العمال, وما يترتب على ذلك من آثار، وصرف الفروق اعتباراً من أول أغسطس سنة 1952". واستندت في ذلك إلى أن قضاءها قد استقر على وجوب تسوية حالة المستخدمين والعمال المنقولين من ديوان الأوقاف الملكية إلى وزارة الأوقاف منذ دخولهم الخدمة بالديوان حسب القواعد المقررة في شأن مستخدمي وعمال الحكومة ومنها قواعد إنصاف الخدمة الخارجين عن هيئة العمال الصادرة في سنة 1944 والتي تقضي برفع مرتب كل منهم إلى ثلاثة جنيهات شهرياً مع ما يترتب على ذلك من آثار، على ألا تصرف الفروق إلا من أول أغسطس سنة 1952 طبقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 24 من أغسطس سنة 1952. وقد طعنت وزارة الأوقاف في هذا القرار أمام محكمة القضاء الإداري بالدعوى رقم 8222 لسنة 8 القضائية بعريضة أودعتها سكرتيرية المحكمة في 30 من مايو سنة 1954، طلبت فيها الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وبإلغاء قرار اللجنة القضائية المطعون فيه والقاضي بأحقية المطعون ضدهما في تسوية حالتهما تطبيقاً لقواعد الإنصاف مع صرف الفروق المستحقة وما يترتب على ذلك من آثار، وذلك كله مع إلزام المطعون ضدهما بالمصروفات وأتعاب المحاماة"؛ وبنت طعنها على أن ماهيات خفراء الزراعات أمثال المتظلمين محدودة على أساس العمل الذي يقومون به والذي لا يستلزم منهم التفرغ له، فهم يزاولون أعمال الزراعة إما في أرض مملوكة أو في أرض مستأجرة، كما أنهم يخصمون بماهياتهم على بند حراسة المحاصيل وهو غير مقسم إلى وظائف. وأضافت في مذكرتها المؤرخة 5 من فبراير سنة 1956 أن خفراء حراسة الحاصلات أمثال المتظلمين لا يعدون مستخدمين خارجين عن الهيئة، وأن ما يتقاضونه من مرتبات شهرية يعتبر كأجر عمل؛ ولذا فإنهم لا يخضعون للقوانين واللوائح الخاصة بموظفي الدولة ولا يجوز تطبيق قواعد الإنصاف الصادرة في 30 من يناير سنة 1944 عليهم. وبجلسة 19 من مارس سنة 1956 قضت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الرابعة "أ" - الدائرة الثانية) "برفض الدعوى، وألزمت الوزارة المصروفات"؛ وأقامت قضاءها على ذات الأسباب التي بني عليها قرار اللجنة القضائية. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 15 من مايو سنة 1956. واستند في أسباب طعنه إلى أنه يبين من ميزانية وزارة الأوقاف عن السنة المالية 1952/ 1953 التي بدأت فيها علاقة المطعون عليهما بالوزارة أن المذكورين إنما يتقاضيان أجرهما من اعتماد حراسة المحاصيل الزراعية غير المقسم إلى وظائف، وأن علاقتهما بالوزارة إنما هي علاقة تعاقدية وليست لائحية؛ إذ أنهما يعملان كأجيرين بصفة عارضة غير دائمة ويحكمها عقد إجارة الأشخاص؛ ومن ثم فإنهما لا يعتبران من المستخدمين الخارجين عن الهيئة، ولا تسري في حقهما القواعد اللائحية المنظمة لأوضاع هؤلاء المستخدمين, وينبني على هذا أن طلباتهما كانت تخرج عن اختصاص اللجنة القضائية. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد خالف القانون، وقامت به حالة من حالات الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا. وانتهى السيد رئيس هيئة المفوضين من هذا إلى طلب "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وقرار اللجنة القضائية والقضاء بعدم اختصاص اللجنة القضائية بنظر التظلمين، وإلزام كل من المتظلمين المصروفات".
ومن حيث إن انطباق قواعد الإنصاف الصادر بها قرار مجلس الوزراء في 30 من يناير سنة 1944 في حق المطعون عليهما - إن كان لذلك محل - يتوقف على التكييف القانوني لطبيعة العلاقة التي تربطهما بوزارة الأوقاف بعد إذ أصبحا تابعين لها ابتداء من أول أغسطس سنة 1952، وعلى مقتضى هذه العلاقة يتحدد في الوقت ذاته اختصاص القضاء الإداري بنظر طلباتهما أو عدم اختصاصه.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المطعون عليهما كانا يعملان بتفتيش كفر الشيخ الذي كان تابعاً لديوان الأوقاف الخصوصية الملكية ثم اتبع مع باقي التفاتيش المماثلة لوزارة الأوقاف اعتباراً من أول أغسطس سنة 1952، وأن عملهما ينحصر في حراسة الحاصلات المتتابعة الناتجة من الأطيان المؤجرة من الوزارة لصغار المستأجرين وما يحجز عليه منها إدارياً ضماناً لحقوق الوزارة، وأن أجورهما تصرف على اعتماد مصروفات حراسة الحاصلات، وهو اعتماد يزيد وينقص تبعاً للمساحات المؤجرة لصغار المستأجرين في كل سنة، ولذا فإنه وارد إجمالاً في القسم 1 فرع 3 التفاتيش بند "هـ" من ميزانية الوزارة وهو غير مقسم إلى درجات ولا يتضمن وظائف لخفراء حراسة المحصولات، كما أن البند "ج" من هذا القسم من ميزانية الوزارة عن السنة المالية 1952/ 1953 وهي السنة التي بدأت في ظلها علاقة المطعون عليهما بالوزارة، وهو البند الخاص بالوظائف الخارجة عن هيئة العمال والذي أورد بياناً مفصلاً بالوظائف التي تندرج تحته ونوعها وعددها لم يشتمل على أية وظيفة لخفراء حراسة المحصولات. هذا إلى أن الوزارة كانت تحصل من المستأجرين على 5% من قيمة الأجرة السنوية للأطيان المؤجرة لهم نظير الصرف منه على مرتبات هؤلاء الخفراء، إلى أن صدر قانون الإصلاح الزراعي الذي ألزم المالك بأن يتحمل نصف مصاريف الحراسة وأن يتحمل المستأجر النصف الآخر، فصارت تحصل الآن على 2.5% من قيمة الأجرة السنوية من المستأجرين وتدفع من خزانتها ما يعادل هذه النسبة طبقاً لأحكام هذا القانون، وتدرج هذه المبالغ في بنود الإيرادات بميزانيتها كما تدرج ما يوازيها في بنود المصروفات الخاصة بحراسة الحاصلات.
ومن حث إنه يخلص مما تقدم أن عمل المطعون عليهما لا يخرج في طبيعته عن عمل أمثالهما بالدوائر والشركات الزراعية ولدى الأفراد القائمين باستغلال خاص، وهو عمل عارض يتوقف احتياج الوزارة إلى من يقوم به على مقدار المساحات المؤجرة لصغار المستأجرين وهي تتفاوت في كل سنة عنها في الأخرى, كما أنهما يتقاضيان الأجر المناسب لطبيعة عملهما هذا ومقداره، وقد كانت أجور نظرائهما من الخفراء غير موحدة في جميع الأطيان الخاضعة لإشراف الوزارة؛ إذ كانت أجرة كل منهم تقدر بحسب ظروف العمل المسند إليه وأهميته ومشقته، وكانت بذلك تتراوح بين 700 م و500 م و2 ج شهرياً، إلى أن رأت وزارة الأوقاف تحقيقاً للعدالة بينهم أن تسن لمعاملتهم من حيث تقدير أجورهم قواعد موحدة تنظم هذا الضرب من العلاقة بينها وبينهم، من مقتضاها ألا يقل أجر كل منهم عن ثلاثة جنيهات شهرياً شاملاً لجميع المزايا الإضافية بما فيها إعانة الغلاء بشرط أن تسمح الاعتمادات المدرجة بالميزانية بذلك، وعلى ألا يمنح أية زيادة من كان مجموع أجره وإعانة الغلاء المقررة له ثلاثة جنيهات فأكثر، وأصدرت بذلك كتابها الدوري في 6 من يونيه سنة 1953. وفي 27 من مارس سنة 1955 رأت تحسين حالة هؤلاء الخفراء ومشايخهم بأن رفعت أجر الخفير إلى أربعة جنيهات شاملة لإعانة الغلاء لمن كان مجموع ما يتقاضاه من أجر وإعانة غلاء أقل من هذا القدر, كما رفعت أجر شيخ الخفراء إلى خمسة جنيهات شاملة لإعانة الغلاء لمن كان مجموع أجره وإعانة الغلاء المقررة له أقل من هذا القدر وذلك اعتباراً من شهر مايو سنة 1955، وبشرط أن تسمح الاعتمادات المدرجة بالميزانية لمصروفات حراسة الحاصلات بمنح هذه الزيادة. وقد راعت الوزارة في تقدير مصروفات حراسة الحاصلات للتفاتيش التي كانت تابعة للأوقاف الملكية سابقاً وضمت إليها اعتباراً من أول أغسطس سنة 1952 ما يصرف فعلاً لهؤلاء الخفراء المعينين لحراسة حاصلات المستأجرين. وقد أسفر الحساب الختامي للسنة المالية 1952/ 1953 لبنود حراسة الحاصلات بالأوقاف الخيرية عن عدم وجود أية زيادة في المصروفات على الإيرادات، الأمر الذي يدل على أن أجور الخفراء المذكورين إنما تدفع بأكملها من حصيلة إيرادات هذه الحراسة التي يسهم بها مستأجرو أطيان الوزارة ولا تؤخذ من موارد الوزارة الأخرى الخارجة عن هذا البند.
ومن حيث إنه قد بان للمحكمة أن الوزارة جرت على اختيار خفراء حراسة الحاصلات من بين الأهالي القاطنين بالجهات التي يقومون بالحراسة فيها، وأن التفاتيش تضع في الاعتبار عند اختيار خفراء حراسة الحاصلات أن يكونوا من عائلات كبيرة ومحترمة ليكون عملهم مجدياً بقوة عصبياتهم وشخصياتهم واستقرارهم في قراهم؛ ومن ثم فإنها لا تلجأ إلى نقل هؤلاء من جهة إلى أخرى، بل إن كل تفتيش يكتفي اكتفاءً ذاتياً بما لديه من الخفراء للاعتبارات المتقدم ذكرها.
ومن حيث إن ميزانيات الوزارة المتعاقبة قد خلت من فتح أي اعتماد لإنصاف خفراء حراسة الحاصلات، وذلك منذ أن صدر قرار مجلس الوزراء في 30 من يناير سنة 1944 الذي قضى برفع مرتبات الخدمة الخارجين عن هيئة العمال إلى ثلاثة جنيهات شهرياً.
ومن حيث إن صفة الموظف العام لا تقوم بالشخص ولا تجرى عليه بالتالي أحكام الوظيفة العامة فيخضع لنظمها ويفيد من مزاياها إلا إذا كان معيناً بصفة مستقرة غير عارضة للمساهمة في عمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو السلطات الإدارية بالطريق المباشر؛ وظاهر مما سلف بيانه أن العلاقة بين الوزارة وبين المطعون عليهما ليست علاقة لائحية بين موظف عام وجهة حكومية تدخل في نطاق روابط القانون العام وتحكمها القواعد التنظيمية العامة الصادرة في هذا الشأن، بل هي علاقة تعاقدية بين أجير وصاحب عمل، أساسها عقد مدني بحت تعهد المطعون عليهما بمقتضاه بأن يقوما بخدمة معينة، غير متفرغين لها، لقاء أجر معلوم تحدد مقداره ضوابط مرسومة، وتساهم كل من الوزارة ومستأجري أطيانها في دفعه مناصفة بينهما، ويؤخذ من حصيلة هذا الإيراد فحسب دون ما عداها وبقدر ما تسمح به بعد أن كان يتحمل به كله من قبل هؤلاء المستأجرون وحدهم. فالمطعون عليهما هما بهذه المثابة من الأجراء لحسب وقف خاص ومن ماله، ولا يعدو أن يكون نشاط الوزارة بالنسبة إليه في علاقتها مع الغير كنشاط الأفراد في مجالات القانون الخاص وليس بسلطة عامة مما يدخل في نطاق القانون العام.
ومن حيث إنه متى تقرر أن المطعون عليهما لا يدخلان في عداد الموظفين العموميين ولا المستخدمين الخارجين عن هيئة العمال، فإن القواعد التنظيمية الصادرة في شأن هؤلاء الموظفين والمستخدمين لا تسري في حقهما ولا يخضع لها تحديد أجورهما، ولما كانت قواعد الإنصاف الصادرة في سنة 1944 - والتي طبقتها اللجنة القضائية في حق المذكورين وسايرها في ذلك الحكم المطعون فيه - إنما شرعت ليفيد منها الموظفون العموميون، وكان اختصاص اللجان القضائية والقضاء الإداري عامة في منازعات التسوية مقصوراً على ما تعلق منها بالموظفين العموميين أو ورثتهم دون من عداهم، وكان المطعون عليهما من غير طائفة هؤلاء الموظفين، فإن الحكم المطعون فيه إذ جارى اللجنة القضائية فيما ذهبت إليه من تطبيق قواعد الإنصاف المقررة للخدمة الخارجين عن هيئة العمال على حالة المتظلمين بوصفهما من مستخدمي الحكومة يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، ويتعين القضاء بإلغائه، وبعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى، وإلزام المدعيين بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى، وألزمت المدعيين بالمصروفات.