أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 35 - صـ 483

جلسة 26 من إبريل سنة 1984

برياسة السيد المستشار/ الدكتور إبراهيم علي صالح نائب رئيس المحكمة. وعضوية السادة المستشارين/ محمد يونس ثابت نائب رئيس المحكمة ومحمد نجيب صالح وعوض جادو وطلعت الاكيابى.

(106)
الطعن رقم 6978 لسنة 53 القضائية

(1) نيابة عامة "سلطتها في تحريك الدعوى". دعوى جنائية "قيود تحريكها". بلاغ كاذب. ارتباط.
القيد على حرية النيابة في تحريك الدعوى الجنائية. اقتصاره على الجريمة التي حددها القانون دون سواها ولو ارتبطت بها.
(2) بلاغ كاذب. دعوى جنائية "تحريكها".
عدم توقف تحريك الدعوى الجنائية. في جريمة البلاغ الكاذب. على شكوى المجني عليه أو وكيله.
(3) بلاغ كاذب. جريمة "أركانها". قصد جنائي. حكم "بياناته".
مناط المسئولية في جريمة البلاغ الكاذب أن يكون المبلغ عالماً علماً يقينياً لا يداخله شك في أن الواقعة المبلغ بها كاذبة وأن المبلغ ضده برئ منها وأن ينتوي السوء والإضرار بمن أبلغ في حقه.
(4) محكمة استئنافية. استئناف "نظره والحكم فيه".
دعوى مدنية.
عدم تقيد المحكمة الاستئنافية عند نظرها الاستئناف المقام من المدعي المدني بالحكم الصادر في الشق الجنائي ولو كان حائزاً لقوة الأمر المقضي. أساس ذلك؟
(5) استئناف "تصدي". "نظر الدعوى والحكم فيها". دعوى مدنية. نقض "نظر الطعن والحكم فيه".
الحكم الابتدائي بعدم قبول الدعوى المدنية. يوجب على المحكمة الاستئنافية عند القضاء بإلغائه. إعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة للفصل في موضوعها. أساس ذلك؟
1 - من المقرر أن القيد الوارد على حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية إنما هو استثناء ينبغي عدم التوسع في تفسيره وقصره في أضيق نطاق على الجريمة التي خصها القانون بضرورة تقديم الشكوى دون سواها ولو كانت مرتبطة بها.
2 - جريمة البلاغ الكاذب المعاقب عليها بنص المادة 305 من قانون العقوبات ليست إحدى الجرائم التي عددت حصراً في المادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية والتي يتوقف رفع الدعوى الجنائية فيها على شكوى المجني عليه أو من وكيله الخاص.
3 - لما كان من المقرر أن الركن الأساسي في جريمة البلاغ الكاذب هو تعمد الكذب في التبليغ وهذا يقتضي أن يكون المبلغ عالماً يقيناً لا يداخله أي شك في أن الواقعة التي أبلغ بها كاذبة وأن المبلغ ضده بريء منها، كما يشترط لتوافر القصد الجنائي في تلك الجريمة أن يكون الجاني قد أقدم على تقديم البلاغ منتوياً السوء والإضرار بمن أبلغ في حقه مما يتعين معه أن يعنى الحكم القاضي بالإدانة في هذه الجريمة ببيان هذا القصد بعنصريه.
4 - من المقرر أن للمحكمة الاستئنافية وهي تفصل في الاستئناف المرفوع من المدعي بالحقوق المدنية فيما يتعلق بحقوقه المدنية أن تتعرض لواقعة الدعوى وأن تناقشها بكامل حريتها كما كانت مطروحة أمام محكمة أول درجة ما دامت الدعويان المدنية والجنائية كانتا مرفوعتين أمام محكمة أول درجة، وما دام المدعي بالحقوق المدنية قد استمر في السير في دعواه المدنية المؤسسة على ذات الواقعة ولا يؤثر في هذا الأمر كون الحكم الصادر في الدعوى الجنائية قد أصبح نهائياً وحائزاً لقوة الشيء المحكوم فيه إذ لا يكون ملزماً للمحكمة وهي تفصل في الاستئناف المرفوع عن الدعوى المدنية وحدها في ذلك أن الدعويين وإن كانتا ناشئتين عن سبب واحد إلا أن الموضوع في إحداهما يختلف عنه في الأخرى، مما لا يمكن معه التمسك بحجية الحكم الجنائي.
5 - لما كان الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدفع بعدم قبول الدعوى، فقد كان يتعين عليه إعادة القضية إلى محكمة أول درجة للفصل في موضوعها حتى لا تفوت إحدى درجتي التقاضي على المتهم، وذلك طبقاً لنص المادة 419 / 2 من قانون الإجراءات الجنائية. لما كان ذلك كذلك فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة أول درجة للفصل في موضوع الدعوى.


الوقائع

أقام المدعي بالحقوق المدنية دعواه بالطريق المباشر أمام محكمة جنح الدقي ضد الطاعن بوصف أنه أبلغ ضده كذباً جهة عمله بأنه يستغل عمال الشركة لصالحه وأنه قام بسرقة خزان مياه وطلب عقابه بالمادة 305 من قانون العقوبات وإلزامه بأن يدفع له مبلغ 51 جنيه على سبيل التعويض المؤقت.
والمحكمة المذكورة قضت بعدم قبول الدعوى لرفعها بالمخالفة لأحكام المادة 3/ 2 من قانون الإجراءات.
استأنف المدعي بالحقوق المدنية.
ومحكمة الجيزة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع وبإجماع الآراء بإلغاء الحكم المستأنف بشأن الدعوى المدنية وإلزام المدعى عليه بالحق المدني بدفع مبلغ 51 جنيه على سبيل التعويض المؤقت للمدعي بالحق المدني.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى في الدعوى المدنية بإلزامه بالتعويض عن جريمة البلاغ الكاذب المسندة إليه قد شابه القصور في التسبيب، ذلك بأنه لم يدلل على علمه بكذب البلاغ المقدم منه وقصده الإضرار بالمدعي بالحقوق المدنية مما يعيبه بما يوجب نقضه.
وحيث إن الثابت من الإطلاع على الأوراق أن محكمة أول درجة كانت قد قضت بعدم قبول الدعوى لرفعها بالمخالفة لأحكام المادة 3/ 2 من قانون الإجراءات الجنائية لمضي أكثر من ثلاثة أشهر على تحريك الدعوى الجنائية من وقت علم المدعي بالحقوق المدنية بجريمة البلاغ الكاذب التي كان الطاعن قد أسندها إليه. وإذ استأنف المدعي بالحقوق المدنية، فقد قضت محكمة ثان درجة بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به بعدم قبول الدعوى وبقبولها على سند من القول بأن جريمة البلاغ الكاذب ليست من الجرائم التي عددت حصراً في المادة الثالثة سالفة الذكر والتي يتوقف رفع الدعوى الجنائية فيها على شكوى المجني عليه أو من وكيله الخاص. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القيد الوارد على حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية إنما هو استثناء ينبغي عدم التوسع في تفسيره وقصره في أضيق نطاق على الجريمة التي خصها القانون بضرورة تقديم الشكوى دون سواها ولو كانت مرتبطة بها، وكانت جريمة البلاغ الكاذب المعاقب عليها بنص المادة 305 من قانون العقوبات ليست إحدى الجرائم التي عددت حصراً في المادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية والتي يتوقف رفع الدعوى الجنائية فيها على شكوى المجني عليه أو من وكيله الخاص. وكان الحكم المطعون فيه قد اعتنق هذا النظر فإنه يكون قد صادف صحيح القانون. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن للمحكمة الاستئنافية وهي تفصل في الاستئناف المرفوع من المدعي بالحقوق المدنية فيما يتعلق بحقوقه المدنية أن تتعرض لواقعة الدعوى وأن تناقشها بكامل حريتها كما كانت مطروحة أمام محكمة أول درجة ما دامت الدعويان المدنية والجنائية كانتا مرفوعتين أمام محكمة أول درجة، وما دام المدعي بالحقوق المدنية قد استمر في السير في دعواه المدنية المؤسسة على ذات الواقعة ولا يؤثر في هذا الأمر كون الحكم الصادر في الدعوى الجنائية قد أصبح نهائياً وحائزاً لقوة الشيء المحكوم فيه إذ لا يكون ملزماً للمحكمة وهي تفصل في الاستئناف المرفوع عن الدعوى المدنية وحدها ذلك أن الدعويين وإن كانتا ناشئتين عن سبب واحد إلا أن الموضوع في إحداهما يختلف عنه في الأخرى، مما لا يمكن معه التمسك بحجية الحكم الجنائي. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الركن الأساسي في جريمة البلاغ الكاذب هو تعمد الكذب في التبليغ وهذا يقتضي أن يكون المبلغ عالماً علماً يقينياً لا يداخله أي شك في أن الواقعة التي أبلغ بها كاذبة وأن المبلغ ضده بريء منها، كما يشترط لتوافر القصد الجنائي في تلك الجريمة أن يكون الجاني قد أقدم على تقديم البلاغ منتوياً السوء والإضرار بمن بلغ في حقه مما يتعين معه أن يعني الحكم القاضي بالإدانة في هذه الجريمة ببيان هذا القصد بعنصريه، وكان الحكم المطعون فيه وإن تعرض لموضوع الدعوى، إلا أنه اقتصر على مجرد القول بعدم صحة بلاغ الطاعن ضد المدعي بالحقوق المدنية دون أن يدلل على علمه بكذب الواقعة التي أبلغ بها ويستظهر قصد الإضرار بالمبلغ في حقه بدليل ينتجه عقلاً. هذا إلى أنه لما كان الحكم إذ قضى بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدفع بعدم قبول الدعوى، فقد كان يتعين عليه إعادة القضية إلى محكمة أول درجة للفصل في موضوعها حتى لا تفوت إحدى درجتي التقاضي على المتهم، وذلك طبقاً لنص المادة 419/ 2 من قانون الإجراءات الجنائية. لما كان ذلك كذلك فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة أول درجة للفصل في موضوع الدعوى مع إلزام المطعون ضده المصاريف المدنية دون حاجة لبحث سائر أوجه الطعن.