مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية - العدد الثاني (من أول فبراير إلى آخر مايو سنة 1957) - صـ 861

(89)
جلسة 6 من إبريل سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 1573 لسنة 2 القضائية

( أ ) قرار تأديبي - وجوب توافره على ركن السبب - حرية الإدارة في تقدير الخطورة الناجمة عن المخالفة التأديبية وما يناسبها من جزاء - عدم خضوع اقتناعها أو تقديرها في ذلك لرقابة القضاء الإداري.
(ب) قرار تأديبي - مواجهة الموظف عند التحقيق بوصف أشد للفعل المنسوب إليه - العدول عنه إلى وصف أخف - لا إخلال بحق الدفاع ما دام الموظف يعلم من التحقيق الوقائع موضوع المؤاخذة في جملتها ويبدي دفاعه فيها غير مجزأ.
1 - إن سبب القرار التأديبي بوجه عام هو إخلال الموظف بواجبات وظيفته إيجاباً أو سلباً أو إتيانه عملاً من الأعمال المحرمة عليه، فكل موظف يخالف الواجبات التي تنص عليها القوانين أو القواعد التنظيمية العامة أو أوامر الرؤساء الصادرة في حدود القانون، أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته التي يجب أن يقوم بها بنفسه إذا كان ذلك منوطاً به، أو يقصر في تأديتها بما تتطلبه من حيطة ودقة وأمانة، إنما يرتكب ذنباً إدارياً يسوغ تأديبه، وهذا الذنب هو سبب القرار التأديبي؛ فتتجه إرادة الإدارة لإنشاء أثر قانوني في حقه هو توقيع جزاء عليه، بحسب الشكل والأوضاع المقررة قانوناً وفي حدود النصاب المقرر، ومتى انتهت الإدارة - بحسب فهمها الصحيح للعناصر التي استخلصت منها قيام هذا الذنب - إلى تكوين اقتناعها بأن مسلك الموظف كان معيباً أو أن الفعل الذي أتاه أو التقصير الذي وقع منه كان غير سليم أو مخالفاً لما يقضي القانون أو الواجب باتباعه في هذا الشأن، كانت لها حرية تقدير الخطورة الناجمة عن ذلك وتقدير ما يناسبها من جزاء تأديبي دون أن يخضع اقتناعها، أو تقديرها في ذلك لرقابة القضاء الإداري.
2 - إذا واجهت الإدارة الموظف في التحقيق بوصف الفعل أو الأفعال المنسوبة إليه بالوصف المكون للذنب الأشد فلا تثريب عليها في أن تعدل هذا الوصف أو تنزل بالعقوبة التأديبية إلى الوصف أو الجزاء الأخف متى قام لديها من الاعتبارات ما يبرر ذلك، دون أن ينطوي هذا على إخلال بحق الدفاع أو يعد خروجاً على الأحكام التي تضمنها الفصل السابع من الباب الأول من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، أو لائحته التنفيذية ما دام الموظف يعلم من التحقيق الذي يجرى معه بالوقائع موضوع المؤاخذة في جملتها ويبدي دفاعه فيها غير مجزأ، ولا سيما إذا كانت هذه الوقائع مرتبطة ببعضها، أو تكون في الوقت ذاته أكثر من ذنب تأديبي واحد أو يكون كل منها ذنباً على حدة.


إجراءات الطعن

في 21 من يونيه سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1573 لسنة 2 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارات الصحة والشئون البلدية والقروية والأوقاف بجلسة 28 من إبريل سنة 1956 في الدعوى رقم 33 لسنة 3 القضائية المقامة من أمين السيد عبد الغني ضد وزارة الشئون البلدية والقروية، القاضي "بإلغاء القرار الصادر في 24 من يناير سنة 1954 بإنذار المدعي"، وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين، للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه، "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض الدعوى وإلزام رافعها المصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الشئون البلدية والقروية في 10 من سبتمبر سنة 1956. وإلى المطعون عليه في 15 منه، وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 16 من مارس سنة 1957. وقد انقضت المواعيد القانونية دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته. وفي 27 من فبراير سنة 1957 أبلغ الطرفان بميعاد الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما، يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون عليه قدم إلى اللجنة القضائية لوزارة الأشغال العمومية تظلماً بعريضة أودعها سكرتيرية اللجنة في 6 من مارس سنة 1954 ذكر فيها أنه يشغل وظيفة كاتب بتفتيش مباني الشرق بالزقازيق، وأن أعمال الصيانة والترميمات لمنطقة الدقهلية لعام 53/ 1954 طرحت في مناقصة عامة، وبعد إجراء اللازم نحو هذه المناقصة كالمتبع اعتمدت من السيد مدير المباني العام في 21 من يونيه سنة 1953، ووردت المستندات للتفتيش بمقتضاها. وفي 16 من يوليه سنة 1953 تلقى التفتيش إنذاراً قضائياً من المقاول بهجت سليمان يتضرر فيه من استبعاد عطائه نتيجة لتلاعب حدث في عطاء المقاول محمد مختار منصور، وعلى أثر ذلك أمر السيد مدير المباني العام بإجراء تحقيق في أمر هذا التلاعب، وعلى الرغم من أن هذا التحقيق لم يسفر عن إدانة أحد فقد قرر سيادته إنذار المتظلم؛ ولذا فإنه يطلب إلغاء هذا القرار الصادر بإنذاره. وأضاف في مذكرة له أنه تقدم في المناقصة المشار إليها عطاء باسم محمد مختار منصور عن منطقة الدقهلية بفئتين فئة بناقص 10% بالمداد الأسود ومفقطة بالمداد ذاته، وفئة بناقض 5.5% بالمداد الأخضر ومفقطة بالمداد ذاته، والفئة الثانية أسفل الأولى. وقد نوقش مندوب المقاول بجلسة فتح المظاريف عن المقصود بوضع هاتين الفئتين فلم يتمكن من تعليل هذا التناقض. ثم عرض هذا العطاء في اليوم التالي على السيد المفتش الذي لاحظ تلاعب المقاول، بيد أن الأمر انتهى باعتماد السيد مدير المباني العام للمناقصة في 21 من يونيه سنة 1953. وقد حدث تغيير بالشطب بالمداد في فئة ناقص 10% في العطاء المذكور، ولكن هذا الشطب قد تم بعيداً عن التفتيش في الفترة ما بين استلام المفتش للمناقصة واعتماد المدير العام لها. بيد أن التحقيق الذي أجري في هذا الموضوع لم يتوصل إلى إجلاء الحقيقة ولم يسفر عن إدانة شخص معين من موظفي التفتيش بارتكاب الشطب. ومع ذلك فقد رأى السيد مدير المباني العام توجيه إنذار إلى المتظلم لأنه ذكر في التحقيق أنه يخرج أحياناً من مكتبه ويترك العطاءات بين يدي زملائه الذي يشتركون معه في العمل وفي المسئولية، وأسس هذا الإنذار على تهاونه في عمله مع أنه لا دليل على أنه ترك عطاءات هذه المناقصة بالذات لأحد من زملائه. وسواء تركها أم لم يتركها، فإن هذا الشطب لم يحدث بمكتب العقود؛ إذ أن هذه العطاءات سلمت إلى السيد المفتش سليمة خالية من التلاعب. وقد ردت الوزارة على هذا التظلم بأن السيد الوكيل الدائم لوزارة الأشغال وافق في 24 من يناير سنة 1954 على إنذار المتظلم للشطب الذي حدث في مناقصة أعمال الصيانة والترميمات الاعتيادية لمنطقة الدقهلية لعام 53/ 1954، وذلك بناءً على ما جاء في التحقيق الذي أجرته اللجنة المشكلة لهذا الغرض من اعترافه بترك أوراق المناقصات على مكتبه وخروجه من غرفته، الأمر الذي يسهل التلاعب في هذه الأوراق، حتى لا يعود إلى مثل ذلك مستقبلاً. وقد أحيل هذا التظلم إلى المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال العمومية والحربية التي حلت محل اللجنة القضائية والتي قضت بجلسة 20 من يونيه سنة 1955 بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وبإحالتها إلى المحكمة الإدارية المختصة، وهي المحكمة الإدارية لوزارات الصحة والشئون البلدية والقروية والأوقاف حيث قيدت برقم 33 لسنة 3 القضائية بجدولها، وذلك بعد إذ سلخت مصلحة المباني التي يتبعها المدعي من وزارة الأشغال العمومية وضمت إلى وزارة الشئون البلدية والقروية. وبجلسة 28 من إبريل سنة 1956 قضت المحكمة الإدارية المذكورة "بإلغاء القرار الصادر في 24 من يناير سنة 1954 بإنذار المدعي"، وأقامت قضاءها على أن رئيس اللجنة التي تولت التحقيق في حادث التلاعب في العطاءات الخاصة بمناقصة أعمال الصيانة والترميمات الاعتيادية لمنطقة الدقهلية لعام 53/ 1954، أوضح في تقريره المؤرخ 9 في أكتوبر سنة 1954 أن الشطب في إحدى فئتي عطاء المقاول محمد مختار منصور قد وقع في الفترة من 7 من يونيه سنة 1953 إلى 10 منه، وأنه من غير الممكن تحديد الشخص الذي قام بهذا الشطب. وإذا كان من المستبعد حصوله من المدعي إلا أنه من غير المستبعد أن يكون صاحب المصلحة وهو المقاول قد فعل ذلك بنفسه أو بوساطة الغير منتهزاً فرصة وجود العطاءات على مكتب المدعي وتغيب هذا الأخير عن مكتبه كما هو ثابت بمحضر التحقيق الذي أجري يوم 8 من أغسطس سنة 1953. وقد انتهى التحقيق إلى حصر حدوث الشطب في فترة تغيب المدعي من غرفة مكتبه. واقترح المحقق إنذار المذكور لاعترافه بأنه يترك أحياناً أوراق المناقصات على مكتبه ويخرج من غرفته وهذا مما يسهل التلاعب فيها حتى لا يعود إلى ذلك مرة أخرى. وإذا كان من المقررة أن التحقيق الذي يجرى في شأن واقعة معينة يتناول كذلك كل ما يعرض أثناءه من وقائع أخرى تنطوي على مخالفات أو خروج على مقتضى الواجب، ولو لم تتصل بالواقعة الأصلية، ولو كان الذي ارتكبها موظف غير الموظف الذي يحقق معه، إلا أنه من المتعين في جميع الأحوال أن يواجه الموظف المقصر بالتهمة المنسوبة إليه ويمكن من إبداء دفاعه فيها. ولما كان المدعي لم يواجه في التحقيق الذي أجري معه في 8 من أغسطس سنة 1953 بتهمة الإهمال، ولم يناقش فيها، أو يمكن من إبداء دفاعه بصددها، فلا تجوز مساءلته عن عبارة شاردة وردت في التحقيق وهي منقطعة الصلة بالوقائع محل التحقيق، هذا فضلاً عن أن التهمة المسندة إليه لم تستخلص استخلاصاً سائغاً من التحقيق الذي أجري معه؛ ومن ثم يكون جزاء الإنذار الذي وقع عليه قد فقد سنده القانوني وشابه عيب مخالفة القانون. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 21 من يونيه سنة 1956 واستند في أسباب طعنه إلى ثمة تزويراً لا شك فيه قد وقع في عطاء المقاول محمد مختار منصور المتعلق بالمناقصة محل التحقيق، وإذا كان التحقيق لم يكشف عن فاعل هذا التزوير أو الشركاء فيه، فلا شبهة في أن التلاعب في عطاء المقاول المذكور قد تم في غفلة من المدعي المنوط به حفظ الأوراق الخاصة بالمناقصة، وذلك لإهماله الأكيد في المحافظة عليها من أن تمتد إليها يد العبث بعد فض مظاريفها واستغلاق باب التعديل فيها، الأمر الذي يعد في ذاته سبباً مبرراً لمجازاته. فإذا ترفقت الإدارة به واكتفت بإنذاره عن هذا الإهمال، كان قرارها في هذا الشأن سليماً لا غبار عليه، ولا يصح مع قيام السبب الذي أوحى بإصدار القرار على هذا النحو، التمحل بشكليات ثابت أنها استوفيت تماماً في التحقيق، وهي فضلاً عن ذلك شكليات غير جوهرية لا تؤثر في سلامة الإجراءات أو في النتيجة التي انتهت إليها؛ وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد خالف القانون وقامت به إحدى حالات الطعن في الأحكام أمام المحكمة الإدارية العليا. وخلص السيد رئيس هيئة المفوضين من هذا إلى طلب "قبول الطعن شكلاًً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض الدعوى وإلزام رافعها بالمصروفات".
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بأن القرار التأديبي - شأنه شأن أي قرار إداري آخر - يجب أن يقوم على سبب يبرر تدخل الإدارة لإحداث أثر قانوني في حق الموظف هو توقيع الجزاء للغاية التي استهدفها القانون وهي الحرص على حسن سير العمل. ولا يكون ثمة سبب للقرار إلا إذا قامت حالة واقعية أو قانونية تسوغ التدخل، وللقضاء الإداري في حدود رقابته القانونية أن يراقب صحة قيام هذه الوقائع وصحة تكييفها القانوني، إلا أن للإدارة حرية تقدير أهمية هذه الحالة والخطورة الناجمة عنها وتقدير الجزاء الذي تراه مناسباً في خروج النصاب القانوني المقرر. ورقابة القضاء الإداري لصحة الحالة الواقعية أو القانونية التي تكون ركن السبب لا تعني أن يحل القضاء الإداري نفسه محل السلطات التأديبية المختصة فيما هو متروك لتقديرها ووزنها فيستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما يقوم لدى السلطات التأديبية المختصة من دلائل وبيانات وقرائن أحوال إثباتاً أو نفياً في خصوص قيام أو عدم قيام الحالة الواقعية أو القانونية المشار إليها، بل إن هذه السلطات حرة في تقدير تلك الدلائل والبيانات وقرائن الأحوال، تأخذها دليلاً إذا توافر في ضميرها الاقتناع بها وتطرحها إذا تطرق الشك فيها إلى وجدانها. وإنما الرقابة التي للقضاء الإداري في هذا المجال تجد حدها الطبعي - كرقابة قانونية - في التحقق مما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار التأديبي في هذا الخصوص مستمدة من أصول موجودة في عيون الأوراق أو أثبتتها السلطات المذكورة وليس لها وجود، وما إذا كانت تلك النتيجة قد استخلصت استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانونياً، فإذا كانت منتزعة من غير أصول موجودة أو كانت مستخلصة من أصول لا تنتجها أو كان تكييف الوقائع على فرض وجودها مادياً لا يفضي إلى النتيجة التي يتطلبها القانون، كان القرار فاقداً لركن من أركانه هو ركن السبب ووقع مخالفاً للقانون. أما إذا كانت النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانونياً؛ فإن القرار يكون قد قام على سببه ويكون مطابقاً للقانون. وسبب القرار التأديبي بوجه عام هو إخلال الموظف بواجبات وظيفته إيجاباً أو سلباً أو إتيانه عملاً من الأعمال المحرمة عليه، فكل موظف يخالف الواجبات التي تنص عليها القوانين أو القواعد التنظيمية العامة أو أوامر الرؤساء الصادرة في حدود القانون أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته التي يجب أن يقوم بها بنفسه إذا كان ذلك منوطاً به، أو يقصر في تأديتها بما تتطلبه من حيطة ودقة وأمانة، إنما يرتكب ذنباً إدارياً يسوغ تأديبه، وهذا الذنب هو سبب القرار التأديبي؛ فتتجه إرادة الإدارة لإنشاء أثر قانوني في حقه هو توقيع جزاء عليه، بحسب الشكل والأوضاع المقررة قانوناً وفي حدود النصاب المقرر. ومتى انتهت الإدارة بحسب فهمها الصحيح للعناصر التي استخلصت منها قيام هذا الذنب إلى تكوين اقتناعها بأن مسلك الموظف كان معيباً أو أن الفعل أتاه أو التقصير الذي وقع منه كان غير سليم أو مخالفاً لما يقضي القانون أو الواجب باتباعه في هذا الشأن، كانت لها حرية تقدير الخطورة الناجمة عن ذلك وتقدير ما يناسبها من جزاء تأديبي، دون أن يخضع اقتناعها أو تقديرها في ذلك لرقابة القضاء الإداري. وإذا واجهت الإدارة الموظف في التحقيق بوصف الفعل أو الأفعال المنسوبة إليه بالوصف المكون للذنب الأشد، فلا تثريب عليها في أن تعدل هذا الوصف أو تنزل بالعقوبة التأديبية إلى الوصف أو الجزاء الأخف متى قام لديها من الاعتبارات ما يبرر ذلك، دون أن ينطوي هذا على إخلال بحق الدفاع أو يعد خروجاً على الأحكام التي تضمنها الفصل السابع من الباب الأول من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة أو لائحته التنفيذية، ما دام الموظف يعلم من التحقيق الذي يجرى معه بالوقائع موضوع المؤاخذة في جملتها ويبدي دفاعه فيها غير مجزأ، ولا سيما إذا كانت هذه الوقائع مرتبطة ببعضها، أو تكون في الوقت ذاته أكثر من ذنب تأديبي واحد، أو يكوّن كل منها ذنباً على حدة.
ومن حيث إنه لا خلاف في أن المدعي بوصفه كاتب العقود بتفتيش مباني الشرق، الأمين على حفظ الأوراق الخاصة بالمناقصات والعطاءات، ومنها المناقصة موضوع التحقيق، كان هو محور هذا التحقيق، ولم يكن ليخفى عليه ما يدور حوله أو ليفوته إبداء دفاعه فيه، وقد أقر لدى استجوابه بأنه يترك أحياناً أوراق المناقصات على مكتبه ويخرج من الغرفة مما يسهل التلاعب فيها لكل ذي مصلحة في هذا التلاعب أو كل مأجور عليه. وقد انحصرت الشبهات في حدوث الشطب في إحدى فئتي العطاء المقدم من المقاول محمد مختار منصور خلال فترة تغيب المدعي عن غرفة مكتبه في المدة ما بين 7، 10 من يونيه سنة 1953 الأمر الذي وإن برأته الظروف المحيطة به من شبهة التواطؤ وسوء القصد لا ينزهه عن جريرة عدم الحيطة والتبصر، وهو أهون ما يمكن نسبته إلى من كان مثله ذا اتصال مباشر بالمقاولين ومندوبيهم، وتتطلب وظيفته بطبيعتها المزيد من الحرص واليقظة والعناية لصيانة ما لديه من أوراق عن أن تمتد إليها يد العبث؛ ومن ثم فإن الإنذار الموجه إليه في 24 من يناير سنة 1954 من وكيل الوزارة الدائم صاحب الاختصاص في توقيع هذا الجزاء عليه، بسبب الشطب الذي حدث في المناقصة، واعترافه بترك أوراق المناقصات على مكتبه وخروجه من غرفته، حتى لا يعود إلى مثل ذلك مستقبلاً ابتغاء وجه الصالح العام وحرصاً على ضمان سلامة أوراق المناقصات - يكون قد قام على سبب يبرره واستخلص استخلاصاً سائغاً مقبولاً من أصول ثابتة في الأوراق تؤدي مادياً وقانونياً إلى النتيجة التي انتهى إليها، ويكون الحكم المطعون فيه - إذ تطرق إلى تقدير ما قام لدى السلطة التأديبية من دلائل وبيانات متروكة لفهمها ووزنها، وعيّب استنادها إلى الدليل الذي اعتنقته واقتنعت به قولاً بأنه عبارة شاردة، وجرّح الإجراء الذي خلصت بمقتضاه إلى هذه النتيجة أخذاً بالشكل دون الجوهر مع كونه إجراءً سليماً - قد جاوز حد الرقابة القانونية وأخطأ في تأويل القانون وتطبيقه؛ ولذا يتعين القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، ورفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.