أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 31 - صـ 462

جلسة 27 من مارس سنة 1980

برئاسة السيد المستشار/ عثمان الزيني نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: صلاح نصار، وحسن جمعه، ومحمد عبد الخالق النادي، وحسين كامل حنفي.

(85)
الطعن رقم 1625 لسنة 49 ق

(1) محكمة الموضوع. "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى". إثبات. "بوجه عام".
عدم تقيد محكمة الموضوع في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. بدليل معين.
تساند الأدلة في المواد الجنائية. مؤداه؟
(2) قتل عمد. محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "بوجه عام". "شهود". "خبرة". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع. المجادلة في ذلك أمام محكمة النقض. غير مقبولة.
تطابق أقوال الشهود مع مضمون الدليل الفني. غير لازم. كفاية أن يكون جماع الدليل القولي كما أخذت به المحكمة غير متناقض مع الدليل الفني، تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق.
متى لا يكون عدم العثور على جثة المجني عليه مؤثراً على ثبوت القتل؟
(5) إثبات. "بوجه عام". دفوع. "الدفع ببطلان الاعتراف". إكراه. نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الدفع بصدور أقوال الطاعن بالتحقيقات. تحت تأثير إكراه. موضوعي. أثر ذلك؟
1 - الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تبين الواقعة على حقيقتها وأن ترد الحادث لصورته الصحيحة من مجموع الأدلة المطروحة عليها دون أن تتقيد في هذا التقرير بدليل بعينه أو بأقوال شهود بذواتهم، ذلك أنه لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزيئات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة وتتكون منها مجتمعة عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
2 - من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتعويل القضاء عليها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب.
3 - ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي كما أخذت به المحكمة غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق.
4 - إذا كان الحكم المطعون فيه قد بين ثبوت واقعة القتل ثبوتاً كافياً كما بين الظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها من الطاعن، وكان ما قاله بشأن استدلاله بأن الجثة للمجني عليه - سائغاً ومؤدياً إلى ما انتهى إليه، وكان الطاعن لا ينازع في أن ما أورده الحكم من أدلة الثبوت له معينه الصحيح من الأوراق، فإن ما يثيره من منازعة في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير أدلة الدعوى مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض، فضلاً عن أنه لا يقدح في ثبوت جريمة القتل عدم العثور على جثة المجني عليه.
5 - متى كان يبين من مطالعة جلسات المحاكمة أن الطاعن أو الدفاع عنه لم يثر أن أقواله بالتحقيقات صدرت تحت تأثير الإكراه، فإنه لا يكون له من بعد النعي على المحكمة قعودها عن الرد على دفاع لم يثر أمامها، ولا يقبل منه التحدي بذلك الدفاع الموضوعي لأول مرة أمام محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخرين سبق الحكم عليهم بأنهم قتلوا....... عمداً مع سبق الإصرار وذلك بأن عقدوا العزم على قتله وأعدوا لهذا الغرض آلة حادة "ساطور" ووافقوه أثناء عودته إلى مسكنه وضربوه بتلك الأداة قاصدين من ذلك قتله فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي أودت بحياته وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً لمواد الاتهام. فقرر ذلك. ومحكمة جنايات بنها قضت حضورياً عملاً بالمواد 230، 231، 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه فساد في الاستدلال وقصور في التسبيب وإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه لم يعثر على جثة المجني عليه إذ أن الجثة التي جرى تشريحها - على ما ثبت من التقرير الفني - قد اندثرت فيها كل الملامح التي تدل على شخصية القتيل غير أن الحكم استدل على أنها للمجني عليه بما لا يصلح سنداً. هذا إلى أن المدافع عن الطاعن دفع بأن الأقوال التي أدلى بها بالتحقيقات وليدة إكراه وقع عليه بيد أن الحكم لم يعرض لهذا الدفاع إيراداً ورداً، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة القتل التي دان الطاعن بها وأقام عليها في حقه أدلة مستمدة من أقوال رئيس المباحث وزوجة المجني عليه و...... وما أثبتته معاينة النيابة العامة لمكان الحادث وبما ورد بتقرير الصفة التشريحية وهي أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. وقد عرض لدفاع الطاعن القائم على التشكيك في أن الجثة للمجني عليه ورد عليه بقوله "إن الثابت من التحقيقات أن زوجة المجني عليه تعرفت عليه من جلبابه وحذائه فضلاً عما تضمنه التقرير الطبي الشرعي من أن الإصابات التي وجدت بالجثة قطعية رضية حيوية حديثة وقد مضى على الوفاة لحين إجراء العرض يوم العثور على الجثة مدة حوالي خمسة أيام وفي هذا ما يكفي للجزم بأن الجثة هي للمجني عليه، بالإضافة إلى ما تضمنته أقوال المتهم - الطاعن - في التحقيقات من أن القتيل هو فعلاً المجني عليه....... لما كان ذلك، وكان الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تبين الواقعة على حقيقتها وأن ترد الحادث لصورته الصحيحة من مجموع الأدلة المطروحة عليها دون أن تتقيد في هذا التقرير بدليل بعينه أو بأقوال شهود بذواتهم، ذلك أنه لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزيئات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة وتتكون منها مجتمعة عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه. كما أنه من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتعويل القضاء عليها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب، وأنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي كما أخذت به المحكمة غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد بين ثبوت واقعة القتل ثبوتاً كافياً كما بين الظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها من الطاعن، وكان ما قاله بشأن استدلاله بأن الجثة للمجني عليه - على ما سلف بيانه - سائغاً ومؤدياً إلى ما انتهى إليه، وكان الطاعن لا ينازع في أن ما أورده الحكم من أدلة الثبوت له معينه الصحيح من الأوراق، فإن ما يثيره من منازعة في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير أدلة الدعوى مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض، فضلاً عن أنه لا يقدح في ثبوت جريمة القتل عدم العثور على جثة المجني عليه. لما كان ذلك، وكان يبين من مطالعة جلسات المحاكمة أن الطاعن أو الدفاع عنه لم يثر أن أقواله بالتحقيقات صدرت تحت تأثير الإكراه، فإنه لا يكون له من بعد النعي على المحكمة قعودها عن الرد على دفاع لم يثر أمامها، ولا يقبل منه التحدي بذلك الدفاع الموضوعي لأول مرة أمام محكمة النقض، ويضحى منعى الطاعن في هذا الصدد ولا محل له. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.