مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية - العدد الثاني (من أول فبراير إلى آخر مايو سنة 1957) - صـ 924

(96)
جلسة 13 من إبريل سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 1654 لسنة 2 القضائية

( أ ) تقادم - انقطاع مدته - طلب المساعدة القضائية لا يقطع مدة التقادم في مجال القانون الخاص.
(ب) تقادم - في مجال القانون العام يقوم الطلب أو التظلم الموجه من الموظف إلى الإدارة مقام المطالبة القضائية في قطع مدة التقادم - طلب المساعدة القضائية يقطع مدة التقادم في هذا المقام - حجة ذلك.
(جـ) تقادم - انقطاع مدته بطلب المساعدة القضائية - عدم سريان التقادم أو الميعاد حتى تاريخ صدور القرار في طلب المساعدة القضائية، سواء بالقبول أو الرفض، ثم حساب الميعاد من هذا التاريخ.
(د) موظف - تعيينه تحت الاختبار - المادة 19 من قانون نظام موظفي الدولة - مصير التعيين رهين بتحقق شرط اللياقة للنهوض بأعباء الوظيفة العامة - فصله إذا تخلف الشرط خلال فترة الاختبار - المرجع في تقدير الصلاحية هو إلى الوقت الذي يتم فيه وزنها والحكم عليها.
1 - الرأي الغالب في مجال القانون الخاص أن الطلب الذي يقدم إلى لجنة المساعدة القضائية للإعفاء من رسوم الدعوى ولتعيين محام لا يرقى إلى مرتبة الإجراء القاطع للتقادم.
2 - لئن كان مفاد النصوص المدنية أن المطالبة التي تقطع التقادم هي المطالبة القضائية دون غيرها، إلا أن مقتضيات النظام الإداري قد مالت بالقضاء الإداري إلى تقرير قاعدة أكثر تيسيراً في علاقة الحكومة بموظفيها بمراعاة طبيعة هذه العلاقة والتدرج الرياسي الذي تقوم عليه، وأن المفروض في السلطة الرياسية إنصاف الموظف بتطبيق القانون في أمره تطبيقاً صحيحاً حتى ينصرف إلى عمله هادئ البال دون الالتجاء إلى القضاء؛ فقرروا أنه يقوم مقام المطالبة القضائية في قطع التقادم الطلب أو التظلم الذي يوجهه الموظف إلى السلطة المختصة متمسكاً فيه بحقه طالباً أداءه، وليس من شك في أن هذا يصدق من باب أولى على طلب المساعدة القضائية للدعوى التي يزمع صاحب الشأن رفعها على الإدارة؛ إذ هو أقوى في معنى الاستمساك بالحق والمطالبة بأدائه وأمعن في طلب الانتصاف من مجرد الطلب أو التظلم الذي يقدمه الموظف إلى الجهة الإدارية، بل هو في الحق يجمع بين طبيعة التظلم الإداري من حيث الإفصاح بالشكوى من التصرف الإداري وبين طبيعة التظلم القضائي من حيث الاتجاه إلى القضاء طلباً للانتصاف؛ إذ لم يمنعه عن إقامة الدعوى رأساً سوى عجزه عن أداء الرسوم التي يطلب إعفاءه منها وسوى عجزه عن توكيل محام، فلا أقل، والحالة هذه، من أن يترتب على طلب المساعدة القضائية نفس الأثر المترتب على مجرد الطلب أو التظلم الإداري من حيث قطع التقادم أو قطع ميعاد رفع دعوى الإلغاء، خصوصاً وأن طلب المساعدة القضائية يبلغ للإدارة، وبهذا التبليغ يتصل علمها بتظلم صاحب الشأن فتستطيع أن تنصفه إن رأت أنه على حق، وذلك بغير حاجة إلى الاستمرار في الإجراءات القضائية، فتنتهي المنازعة في مراحلها الأولى، ويتحقق بذلك نفس الغرض المقصود من التظلم الإداري، أما إذا لم تر ذلك وقبل الطلب، فإن الأمر ينتهي في المآل إلى إقامة الدعوى.
3 - إن الأمر المترتب على طلب المساعدة القضائية (من حيث قطع التقادم أو ميعاد دعوى الإلغاء) يظل قائماً ويقف سريان التقادم أو الميعاد لحين صدور القرار في الطلب سواء بالقبول أو الرفض؛ إذ أن نظر الطلب قد يستغرق زمناً يطول أو يقصر بحسب الظروف وحسبما تراه الجهة القضائية التي تنظر الطلب تحضيراً له حتى يصبح مهيأ للفصل فيه، شأنه في ذلك شأن أية إجراءات اتخذت أمام أية جهة قضائية وكان من شأنها أن تقطع التقادم أو سريان الميعاد؛ إذ يقف هذا السريان طالما كان الأمر بيد الجهة القضائية المختصة بنظره، ولكن إذا ما صدر القرار، وجب رفع الدعوى خلال الميعاد القانوني محسوباً من تاريخ صدوره، فإن كانت دعوى إلغاء تعين أن يكون خلال الستين يوماً التالية.
4 - نصت الفقرة الثالثة من المادة 19 من قانون نظام موظفي الدولة على أن يكون التعيين في الوظائف التي أشارت إليها "تحت الاختبار لمدة سنة على الأقل وسنتين على الأكثر، فإن لم يتم الموظف مدة الاختبار على ما يرام فصل من وظيفته". واللياقة للنهوض بأعباء الوظيفة العامة هي شرط الصلاحية للبقاء فيها، وهو شرط مقرر للمصلحة العامة ويجري إعماله طوال فترة الاختبار؛ ومن ثم فإن مصير تعيين الموظف يكون رهيناً بتحقق هذا الشرط، فإذا اتضح عدم لياقته قبل انقضاء هذه الفترة ساغ فصله. ولا يعد الفصل في هذه الحالة من قبيل الفصل التأديبي لانتفاء هذه الصفة عنه، ولا من قبيل أسباب انتهاء خدمة الموظف أو المستخدم لخروجه من عداد هذه الأسباب، بل يقع نتيجة لتخلف شرط من الشروط المعلق عليها مصير التعيين. وإذ كانت صلاحية الموظف تتخصص بالزمان وبنوع العمل المسند إليه، فإن المرجع في تقديرها هو إلى الوقت الذي يتم فيه وزنها والحكم عليها، دون اعتداد بما قد يكون من أمرها في الماضي؛ لأن الصلاحية ليست صفة لازمة، بل قد تزايل صاحبها، وقد تختلف باختلاف نوع العمل المنظور إلى الصلاحية فيه؛ ومن ثم فلا عبرة بما قدمه المدعي للتدليل على صلاحيته لعمله في الماضي ما دامت التقارير عن عمله الذي عين فيه أخيراً تحت الاختبار قد أثبتت عدم لياقته لهذا العمل.


إجراءات الطعن

في 5 من يوليه سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1654 لسنة 2 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لشئون القصر الجمهوري ورياسة مجلس الوزراء ووزارات الداخلية والخارجية والعدل بجلسة 6 من مايو سنة 1956 في الدعوى رقم 664 لسنة 2 القضائية المقامة من محمد تاج أحمد هندي ضد الجامع الأزهر، القاضي: "بعدم قبول الدعوى وألزمت المدعي المصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى المحكمة الإدارية للفصل فيها من جديد". وقد أعلن هذا الطعن إلى الجامع الأزهر في 4 من أغسطس سنة 1956 وإلى المطعون لصالحه في 6 منه، وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 12 من يناير سنة 1957. وقد أودع المطعون لصالحه مذكرة بملاحظاته طلب فيها "الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه، وذلك مع إلزام الجامع الأزهر المصروفات". ولم يقدم الجامع الأزهر مذكرة ما. وفي 25 من نوفمبر سنة 1956 أبلغ الطرفان بميعاد الجلسة التي عينت لنظر الطعن، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة 9 من فبراير سنة 1957، وبهذه الجلسة قررت إعادة القضية للمرافعة لجلسة 16 من مارس سنة 1957، ثم أرجأت النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
( أ ) عن قبول الدعوى:
من حيث إن الحكم المطعون فيه - الصادر من المحكمة الإدارية لشئون القصر الجمهوري ورياسة مجلس الوزراء ووزارات الداخلية والخارجية والعدل بجلسة 6 من مايو سنة 1956 في الدعوى رقم 664 لسنة 2 القضائية المقامة من محمد تاج أحمد هندي ضد الجامع الأزهر بعريضة مودعة سكرتيرية المحكمة في 13 من أغسطس سنة 1955 بطلب الحكم بإلغاء القرار الصادر من فضيلة شيخ الجامع الأزهر في 15 من فبراير سنة 1955 بفصل المدعي من الخدمة مع إلزام فضيلته بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، والقاضي بعدم قبول الدعوى وبإلزام المدعي بالمصروفات - قد أقام قضاءه على أن المدعي تظلم من قرار فصله إلى فضيلة شيخ الأزهر في 19 من فبراير سنة 1955، فلما لم يسفر تظلمه عن نتيجة تقدم في 28 من مارس سنة 1955 بطلب إلى لجنة المساعدة القضائية لإعفائه من رسوم دعوى يقيمها ضد الجامع الأزهر، وقد قيد هذا الطلب تحت رقم 909 لسنة 2 القضائية ثم قدم تظلماً ثانياً إلى شيخ الجامع الأزهر في 29 من إبريل سنة 1955، وبجلسة 21 من يوليه سنة 1955 أصدرت لجنة المساعدة القضائية قرارها بقبول الطلب. وقد أقام دعواه بمقتضى هذا القرار بصحيفة أودعها سكرتيرية المحكمة في 13 من أغسطس سنة 1955 طلب فيها الحكم بإلغاء القرار الصادر بفصله. ولما كان طلب المعافاة من الرسوم القضائية ليس له من أثر في قطع مدة سقوط دعوى الإلغاء، فإنه يتعين عدم الاعتداد بالطلب المقدم من المدعي كسبب من أسباب قطع مدة سقوط هذه الدعوى؛ ذلك أن ميعاد الستين يوماً المقررة لرفع دعوى الإلغاء إنما قصد به استقرار المراكز القانونية بسرعة الفصل في الطعون التي توجه إلى القرار الإداري المنشئ لهذه المراكز. ولما لم يكن ثمة قيد زمني للفصل في طلب المعافاة، وقد تطول إجراءاته فتظل المراكز القانونية معلقة؛ فإن في ترتيب الأثر القاطع لمدة سقوط دعوى الإلغاء على طلب المعافاة تفويتاً للقصد الذي حدا بالمشرع إلى تحديد ميعاد الستين يوماً لرفع الدعوى المذكورة. والثابت أن القرار المطعون فيه صدر في 15 من فبراير سنة 1955 وأن المدعي علم به على الأقل في تاريخ تقديم تظلمه الأول في 19 من فبراير سنة 1955. وقد ردت الجهة الإدارية برفض هذا التظلم في مذكرتها التي علم بها المدعي في جلسة 16 من مايو سنة 1955 التي كانت محددة لنظر طلب المعافاة، وهو التاريخ الذي ينتهي فيه انقطاع مدة سقوط الحق في رفع الدعوى، بحيث كان يتعين عليه رفعها خلال الستين يوماً التالية، أي في أجل غايته 16 من يوليه سنة 1955، ولما كان لم يرفع دعواه إلا في 13 من أغسطس سنة 1955، فإنها تكون غير مقبولة لرفعها بعد الميعاد القانوني.
ومن حيث إنه في 5 من يوليه سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة عريضة طعن في هذا الحكم طلب فيها "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى المحكمة الإدارية للفصل فيها من جديد". واستند في أسباب طعنه إلى أن العيب الذي أصاب الحكم المطعون فيه هو التزامه النصوص المدنية، مع أنه ليس ثمة ما يوجب تطبيق هذه النصوص على المنازعة الإدارية التي تختلف في طبيعتها عن المنازعة الخاصة التي وضع القانون المدني في الأصل ليحكمها. ولما كانت القواعد الإدارية قد سكتت عن بيان أثر طلب المعافاة على المواعيد المقررة بها؛ فلا مندوحة للقضاء الإداري بحكم طبيعة وظيفته من استكمال هذه الأحكام بما يحقق الغرض الذي استهدفه المشرع من تقرير هذه الوسيلة كإجراء يقوم مقام الرسوم في رفع الدعوى؛ وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد خالف القانون، وتكون قد قامت به إحدى حالات الطعن في الأحكام أمام المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إن المطعون لصالحه أودع سكرتيرية المحكمة مذكرة بملاحظاته نعى فيها على الحكم المطعون فيه أخذه بأحكام القانون المدني في تحديد الآثار القانونية المترتبة على طلب المعافاة أمام جهات القضاء الإداري. وأضاف أنه إذا كان التظلم الإداري معتبراً سبباً من أسباب قطع التقادم، فليس يقبل ألا يكون كذلك التظلم إلى جهة القضاء الإداري. وإذا كان القانون رقم 165 لسنة 1955 قد أوجب التظلم في صدد قرارات معينة فليس من شأن هذا إهدار أثر طلب المعافاة، ولا سيما أن التظلم الوجوبي مقصور على نسبة محدودة من القرارات الإدارية هي تلك الصادرة في شأن الموظفين العموميين. ولما كان طلب المعافاة أقرب إلى الإجراءات القضائية منه إلى التظلم الإداري، وكان من حق الإدارة أن تسحب قراراتها في الميعاد المقرر للطعن بالإلغاء، ولا يزال للتظلم مكانه؛ فإنه يكون مجافياً للتفسير السليم ألا تترتب على طلب المعافاة آثار قانونية. على أن إشارة القانون رقم 165 لسنة 1955 إلى نظام الإعفاء وتحديد جهة الاختصاص فيه لا يمكن أن يكون القصد منه سوى أن يعتبر الفقر قوة قاهرة قاطعة للتقادم أو مانعة من السقوط. والقول بغير ذلك معناه أن المشرع أراد إيهام المعوزين، فدفعهم إلى أن يسلكوا هذا السبيل ثم رتب على مسلكهم سقوط حقوقهم. وخلص من هذا إلى طلب "الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه، وذلك مع إلزام الجامع الأزهر المصروفات".
ومن حيث إنه ولئن كانت المادة 383 من القانون المدني تنص على أنه "ينقطع التقادم بالمطالبة القضائية ولو رفعت الدعوى إلى محكمة غير مختصة، وبالتنبيه وبالحجز وبالطلب الذي يتقدم به الدائن لقبول حقه في تفليس أو في توزيع وبأي عمل يقوم به الدائن للتمسك بحقه أثناء السير في إحدى الدعاوى"، وكان الرأي الغالب في مجال القانون الخاص أن الطلب الذي يقدم إلى لجنة المساعدة القضائية للإعفاء من رسوم الدعوى ولتعيين محام لا يرقى إلى مرتبة الإجراء القاطع للتقادم - إلا أنه يجب التنبيه إلى ما سبق أن قررته هذه المحكمة من أن روابط القانون العام تختلف في طبيعتها عن روابط القانون الخاص، وأن قواعد القانون المدني قد وضعت لتحكم روابط القانون الخاص، ولا تطبق وجوباً على روابط القانون العام إلا إذا وجد نص يقضي بذلك، فإن لم يوجد فلا يلتزم القضاء الإداري بتطبيق القواعد المدنية حتماً وكما هي، وإنما تكون له حريته واستقلاله في ابتداع الحلول المناسبة للروابط القانونية التي تنشأ في مجال القانون العام بما يتلاءم مع طبيعتها، وبما يكون أوفق لحسن سير المرافق العامة. وعلى هدى ذلك سبق أن قررت هذه المحكمة أنه ولئن كان مفاد النصوص المدنية أن المطالبة التي تقطع التقادم هي المطالبة القضائية دون غيرها، إلا أن مقتضيات النظام الإداري قد مالت بالقضاء الإداري إلى تقرير قاعدة أكثر تيسيراً في علاقة الحكومة بموظفيها بمراعاة طبيعة هذه العلاقة والتدرج الرياسي الذي تقوم عليه، وأن المفروض في السلطة الرياسية إنصاف الموظف بتطبيق القانون في أمره تطبيقاً صحيحاً حتى ينصرف إلى عمله هادئ البال دون الالتجاء إلى القضاء؛ فقرروا أنه يقوم مقام المطالبة القضائية في قطع التقادم الطلب أو التظلم الذي يوجهه الموظف إلى السلطة المختصة متمسكاً فيه بحقه طالباً أداءه. وليس من شك في أن هذا يصدق من باب أولى على طلب المساعدة القضائية للدعوى التي يزمع صاحب الشأن رفعها على الإدارة؛ إذ هو أقوى في معنى الاستمساك بالحق والمطالبة بأدائه، وأمعن في طلب الانتصاف من مجرد الطلب أو التظلم الذي يقدمه الموظف إلى الجهة الإدارية، بل هو في الحق يجمع بين طبيعة التظلم الإداري من حيث الإفصاح بالشكوى من التصرف الإداري، وبين طبيعة التظلم القضائي من حيث الاتجاه إلى القضاء طلباً للانتصاف؛ إذ لم يمنعه عن إقامة الدعوى رأساً سوى عجزه عن أداء الرسوم التي يطلب إعفاءه منها وسوى عجزه عن توكيل محام، فلا أقل - والحالة هذه - من أن يترتب على طلب المساعدة القضائية نفس الأثر المترتب على مجرد الطلب أو التظلم الإداري من حيث قطع التقادم أو قطع ميعاد رفع دعوى الإلغاء، هذا ومما تجدر الإشارة إليه أن طلب المساعدة القضائية يبلغ للإدارة، وبهذا التبليغ يتصل علمها بتظلم صاحب الشأن فتستطيع أن تنصفه إن رأت أنه على حق وذلك بغير حاجة إلى الاستمرار في الإجراءات القضائية، فتنتهي المنازعة في مراحلها الأولى، ويتحقق بذلك نفس الغرض المقصود من التظلم الإداري، أما إذا لم تر ذلك وقبل الطلب، فإن الأمر ينتهي في المآل إلى إقامة الدعوى. وغني عن البيان أن الأثر المترتب على طلب المساعدة القضائية، من حيث قطع التقادم أو ميعاد دعوى الإلغاء. يظل قائماً، ويقف سريان التقادم أو الميعاد لحين صدور القرار في الطلب سواء بالقبول أو الرفض؛ إذ أن نظر الطلب قد يستغرق زمناً يطول أو يقصر بحسب الظروف وحسبما تراه الجهة القضائية التي تنظر الطلب. تحضيراً له حتى يصبح مهيأ للفصل فيه، شأنه في ذلك شأن أية إجراءات اتخذت أمام أية جهة قضائية وكان من شأنها أن تقطع التقادم أو سريان الميعاد؛ إذ يقف هذا السريان طالما كان الأمر بيد الجهة القضائية المختصة بنظره. ولكن إذا ما صدر القرار وجب رفع الدعوى خلال الميعاد القانوني محسوباً من تاريخ صدوره، فإن كانت دعوى إلغاء، تعين أن يكون خلال الستين يوماً التالية.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن القرار المطعون فيه صدر في 15 من فبراير سنة 1955، فتظلم منه المدعي لفضيلة شيخ الجامع الأزهر في 19 من فبراير سنة 1955 وفي 29 من إبريل سنة 1955، ثم قدم طلب المساعدة القضائية إلى محكمة القضاء الإداري في 28 من مارس سنة 1955، أي قبل العمل بأحكام القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة، الذي جعل التظلم من مثل هذا القرار وانتظار الميعاد المقرر للفصل فيه وجوبياً. وقد أحيل طلب المدعي إلى المحكمة الإدارية المختصة فصدر قرار لجنة المساعدة القضائية في 21 من يوليه سنة 1955، ثم رفع دعواه أمام المحكمة المذكورة بإيداع صحيفتها في 13 من أغسطس سنة 1955، أي خلال الستين يوماً؛ ومن ثم تكون دعواه مقبولة لرفعها في الميعاد القانوني، ويكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه متعيناً إلغاؤه.
(ب) عن الموضوع:
ومن حيث إن الدعوى صالحة للفصل فيها.
ومن حيث إن المدعي أقام هذه المنازعة قائلاً إنه التحق في أول مارس سنة 1952 بمعهد بني سويف الديني الأهلي مدرساً للعلوم الرياضية، وعندما ضم هذا المعهد إلى الجامع الأزهر في سنة 1954 استغنى عن خدماته بحجة أنه لم يعين من قبل الأزهر على الرغم من أن المعهد المذكور كان تحت الإشراف الفني لهذا الأخير. فلما تشكي لديوان الموظفين رأى الديوان وجوب معاملته بأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة؛ وبناء على هذا أعاد الأزهر تعيينه في معهد ملوى الديني اعتباراً من 10 من يناير سنة 1955، بيد أنه عاد فقرر إخلاء طرفه في 15 من فبراير سنة 1955 استناداً إلى تقرير وضعه عنه السيد مراقب العلوم المساعد في 12 من يناير سنة 1955 أي بعد تعيينه بيوم واحد. وقد وقع هذا القرار مخالفاً للقانون؛ لأن مجرد وضع موظف على اعتماد لا يجعله قابلاً للفصل في أية لحظة؛ ذلك أن المصرف المالي الذي يرصد لمرتب الوظيفة لا يمكن أن يؤثر في المركز القانوني للموظف، فالموظف المعين على اعتماد يتمتع بكافة الضمانات المكفولة في قانون التوظف. ولم يذهب الأزهر إلى أن سبب الفصل هو نفاد الاعتماد المالي، بل استند في تبرير هذا الفصل إلى تقرير يبخس كفاية المدعي وخلقه، وهو أمر يخضع التحقق منه لرقابة المحكمة، وقد وضع هذا التقرير ولم يمض على تعيين المذكور في معهد ملوى سوى يوم واحد، وانصب على مسائل خلقية ونفسية مع أن التقارير السابقة تشهد بصلاحيته وامتيازه. وأضاف المدعي في مذكرتين له بعد ذلك أنه يعتبر على أسوأ الظروف مستخدماً خارجاً عن الهيئة، وأن وضعه على اعتماد لا يمكن أن ينفي عنه هذه الصفة؛ ومن ثم فإن فصله يجب أن يستند إلى الأحكام الواردة في الباب الثاني من قانون التوظف، أي إما أن يكون فصلاً تأديبياً لجريمة تأديبية ارتكبها أو فصلاً بسبب إلغاء الوظيفة أي انتهاء الاعتماد، ولم يقم به أي من هذين السببين. هذا إلى أن سلطة الإدارة في فصل الموظفين المؤقتين مقيدة بناء على قرار مجلس الوزراء الصادر في 31 من ديسمبر سنة 1953 بألا يكون هذا الفصل إلا في حالة سوء السلوك الشديد، وقد عجز الأزهر عن تقديم الدليل على ذلك. وإنما السبب الحقيقي في الفصل هو رغبة شيخ معهد ملوى في تعيين شخص آخر محله تعسفاً منه في استعمال سلطته. وخلص المدعي من هذا إلى طلب الحكم بإلغاء القرار الصادر في 15 من فبراير سنة 1955 بفصله من الخدمة، مع إلزام الجامع الأزهر بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
ومن حيث إن الجامع الأزهر رد على هذه الدعوى بأن المدعي تقدم في 27 من نوفمبر سنة 1954 بطلب استخدام التمس فيه تعيينه مدرساً في المعاهد الحرة بوصفه حاصلاً على دبلوم المدارس الصناعية الثانوية (صناعة سبك المعادن) في سنة 1952. وبناء على اقتراح السيد مراقب العلوم بالأزهر مكن المذكور في 5 من يناير سنة 1955 من العمل مدرساً للرياضة بمعهد ملوى، ووافق فضيلة شيخ الجامع الأزهر على تعيينه مدرساً للرياضة بالمعهد المشار إليه بمكافأة قدرها 500 م و7 ج شهرياً على بند إعانة المعاهد الحرة من تاريخ مباشرته العمل. ثم صدر قرار فضيلته رقم 26 في 9 من يناير سنة 1955 بتعيينه. وقد قدم السيد مراقب العلوم المساعد في 12 من فبراير سنة 1955 تقريراً عن حالته أوضح به أن من عادته التواني عن حضور دروسه وأن غالباً لا يدخل فصله إلا إذا نبه أن لديه درساً على الرغم من وجود جدول معه وأنه ضعيف النفس إلى حد بعيد، واقترح السيد المراقب فصله حرصاً على صالح التعليم وسمعة مدرسي الأزهر. وبناء على هذا التقرير وافق فضيلة شيخ الأزهر في 14 من فبراير سنة 1955 على فصله وأصدر قراراً رقم 124 في 15 من فبراير سنة 1955 بفصله من الخدمة اعتباراً من ذلك التاريخ. ولما كان المذكور معيناً بمكافأة شهرية على بند إعانة المعاهد الحرة؛ فإنه لا يخضع لأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة في نظام التعيين أو التأديب أو الفصل؛ ذلك أنه إنما عين تعييناً مؤقتاً بمكافأة تتوقف على مقدار الاعتماد المدرج بالميزانية، ولهذا يمكن الاستغناء عنه إذا ما ثبت عدم صلاحيته.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أنه بعد أن تسلم المدعي عمله في 11 من يناير سنة 1955 بمعهد ملوى عقب تعيينه مدرساً للرياضة بالمعهد المذكور كتب مراقب العلوم المساعد في 12 من فبراير سنة 1955 تقريراً عنه ذكر فيه أنه زار المعهد في 8 من فبراير سنة 1955 وبناء على رغبة مشيخة الأزهر في تعرف حالته استفسر عنه من فضيلة شيخ المعهد فأجابه من جهة التدريس أن "من عادته التواني عن حضور دروسه وغالباً لا يدخل فصله إلا إذا نبه أن لديه درساً على الرغم من وجود جدول معه، وهو معني بشكليات لا تفيد طلبته في قليل أو كثير، وعنايته بها مضيعة لوقت الطلبة ولاستفادتهم من دروسهم. وضرب لذلك مثلاً هو تحتيمه على كل طالب إحضار "كشكول" كبير يخططه الطالب خطوطاً معينة بألوان معينة، وفي انتظار إحضار الطالب للكشكول وللأقلام الملونة وللمداد ذي اللون الخاص يشير سيادته على الطلبة في عمل تمريناتهم وحلول مسائلهم في أوراق أو كراسات إضافية. وعلى الرغم من أن غالبية الطلبة لم تحضر ما طلبه الأستاذ لأنها أشياء تكلفهم ما ليس في طاقتهم؛ فإن حضرته لم يضع حداً أو نهاية لهذا الموضوع وما زال ينتظر وما زالت الطلبة تسوف ولن تستجيب، ولا يعلم مدى هذا الانتظار إلا الله". كما أوضح من جهة الحالة الاجتماعية أن "الأستاذ ضعيف النفس إلى حد بعيد، يتعب فضيلة شيخ المعهد وزملاءه بسوء تصرفه وعدم إدراكه لمبادئ الذوق. ويتظاهر دائماً بالفقر والحاجة، وتحت هذا المظهر يسيء إلى زملائه ويثقل عليهم". وأضاف المراقب في تقريره قوله "ولقد استفسرت من حضرات مدرسي المعهد جميعاً فوافقوا فضيلة الشيخ على شهادته في الأستاذ، ثم لما ناقشته في الموضوع أيقنت أن جميع حضراتهم على صواب، ورأيي أن الأستاذ المذكور لن يفلح فيه توجيه. فاعتقادي أنه مصاب بضعف تفكير". وقد عقب السيد مراقب العلوم بالأزهر على هذا التقرير في 14 من فبراير سنة 1955، وهو الذي سبق أن اقترح في 5 من يناير سنة 1955 تمكين المدعي من العمل، بعبارة "حرصاً على صالح التعليم وسمعة مدرسي الأزهر أقترح فصل الأستاذ المذكور". فوافق على ذلك فضيلة شيخ الجامع الأزهر في التاريخ ذاته، ثم أصدر قراره رقم 124 بفصل المدعي اعتباراً من يوم 15 من فبراير سنة 1955 "لصالح العمل".
ومن حيث إن القرار رقم 26 الصادر من فضيلة شيخ الجامع الأزهر في 9 من يناير سنة 1955 قضى بتعيين المدعي، وهو حاصل على دبلوم المدارس الصناعية الثانوية في سنة 1952، مدرساً للرياضة بمعهد ملوى بمكافأة قدرها 7.5 ج شهرياً على بند إعانة المعاهد الحرة باب 2 مصروفات عامة من تاريخ مباشرته العمل. وقد تم تعيين المذكور بالمكافأة الشهرية على اعتمادات هذا البند بصفة مؤقتة على غير درجة وبغير عقد وذلك تحت الاختبار؛ ومن ثم فإنه يخضع في فترة الاختبار هذه لحكم المادتين السادسة والثامنة من المرسوم الصادر في 8 من إبريل سنة 1931 بشأن لائحة استخدام المدرسين والموظفين وإجازاتهم وتأديبهم بالجامع الأزهر والمعاهد الدينية العلمية الإسلامية. وتنص المادة السادسة على أن لشيخ الجامع الأزهر سلطة تعيين المدرس أو الموظف المنتخب بعد موافقة مجلس الأزهر الأعلى في الدرجة وبالمرتب اللذين يقررهما المجلس المذكور لمدة سنة تحت الاختبار من تاريخ مباشرة العمل، ويجوز مد مدة الاختبار سنة أخرى عند الاقتضاء بموافقة المجلس الأعلى. كما تنص على أنه: "ويجوز فصل المدرس أو الموظف قبل انقضاء مدة الاختبار إذا ظهر عدم لياقته للوظيفة التي يشغلها". وتجعل لشيخ الجامع حق تثبيت المدرس أو الموظف في وظيفته بعد انقضاء مدة الاختبار وظهور قيامه بواجبه على وجه مرض، وبعد موافقة مجلس الأزهر الأعلى. أما المادة الثامنة فتجيز عند الحاجة تعيين مدرسين من غير العلماء - كالمدعي - لتدريس الحساب والجبر والهندسة والجغرافيا والتاريخ العام والتاريخ الطبيعي والرسم والكيمياء والطبيعة وتدبير الصحة والتربية الوطنية وعلم النفس بشرط أن تتوافر فيهم شروط الاستخدام في الحكومة وأن يكونوا حائزين لشهادة عليا في الفنون التي يناط بهم تدريسها، على أن يكون تعيينهم تحت الاختبار طبقاً للأوضاع المبينة في المادة السادسة المتقدم ذكرها. ولما كان لا تعارض بين هذه الأحكام في نطاق التعيين الحاصل تحت الاختبار وبين أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة الذي نصت الفقرة الثالثة من المادة 19 منه على أن يكون التعيين في الوظائف التي أشارت إليها "تحت الاختبار لمدة سنة على الأقل وسنتين على الأكثر، فإن لم يتم الموظف مدة الاختبار على ما يرام فصل من وظيفته"، وكانت اللياقة للنهوض بأعباء الوظيفة العامة هي شرط الصلاحية للبقاء فيها، وهو شرط مقرر للمصلحة العامة ويجري إعماله طوال فترة الاختبار؛ فإن مصير تعيين الموظف يكون رهيناً بتحقق هذا الشرط. فإذا اتضح عدم لياقته قبل انقضاء هذه الفترة ساغ فصله، ولا يعد الفصل في هذه الحالة من قبيل الفصل التأديبي لانتفاء هذه الصفة عنه، ولا من قبيل أسباب انتهاء خدمة الموظف أو المستخدم لخروجه من عداد هذه الأسباب، بل يقع نتيجة لتخلف شرط من الشروط المعلق عليها مصير التعيين. وإذ كانت صلاحية الموظف تتخصص بالزمان وبنوع العمل المسند إليه، فإن المرجع في تقدير هذه الصلاحية هو إلى الوقت الذي يتم فيه وزنها والحكم عليها، دون اعتداد بما قد يكون من أمرها في الماضي؛ لأن الصلاحية ليست صفة لازمة بل قد تزايل صاحبها وقد تختلف باختلاف نوع العمل المنظور إلى الصلاحية فيه. ومن ثم فلا عبرة بما قدمه المدعي من شهادات للتدليل على صلاحيته لعمله في الماضي ما دام تقرير مراقبة العلوم بالأزهر عن عمله الذي عين فيه أخيراً تحت الاختبار قد أثبت عدم لياقته لهذا العمل، وقد صدر قرار فصله بناء على هذه التقارير ممن يملك هذا الحق وهو شيخ الجامع الأزهر، وذلك لصالح العمل والتعليم وحرصاً على سمعة مدرسي الأزهر؛ ولذا فإن قرار الفصل هذا يكون قد صدر صحيحاً مطابقاً للقانون وتكون الدعوى بطلب إلغائه في غير محلها حقيقة بالرفض.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، وبقبول الدعوى وبرفضها موضوعاً، وألزمت المدعي بمصروفاتها.