مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية - العدد الثاني (من أول فبراير إلى آخر مايو سنة 1957) - صـ 960

(99)
جلسة 20 من إبريل سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 1695 لسنة 2 القضائية

( أ ) إجازة - حرمان الموظف الذي لا يعود إلى عمله بغير مبرر بعد انتهاء إجازته من مرتبه مدة غيابه - المادة 62 من قانون الموظفين - إصدار تعليمات تقضي بوجوب أن يتقدم الموظف بعذره في نفس يوم تغيبه وقبل بدء العمل وإلا اعتبر غيابه بدون عذر ويخصم من مرتبه - اعتبار هذه التعليمات تطبيقاً سليماً للمادة سالفة الذكر.
(ب) إجازة عارضة - منح الموظف إجازة عارضة - تغيبه بعد انتهائها بدون إذن بزعم أنه كان مريضاً - عدم قبول الإدارة لهذا العذر وخصم مرتبه عن مدة غيابه الأخير - صحيح قانوناً.
1 - إن المادة 62 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة تنص على أن كل موظف لا يعود إلى عمله بغير مبرر بعد انتهاء مدة إجازته مباشرة يحرم من مرتبه عن مدة غيابه ابتداء من اليوم التالي لليوم الذي انتهت فيه الإجازة مع عدم الإخلال بالمحاكمة التأديبية. ومع ذلك يجوز لوكيل الوزارة أن يقرر عدم حرمانه من مرتبه عن مدة التأخير متى كانت هذه المدة تقل عن خمسة عشر يوماً إذا أبدى الموظف أسباباً معقولة تبرر هذا الغياب. وتحسب المدة المتجاوز عنها من نوع الإجازة السابقة، وتأخذ حكمها فيما يتعلق بالمرتب حسب الأحوال. وهذه المادة تقوم على حكمة تشريعية يستوجبها حسن سير العمل في الدولاب الحكومي، مردها أصل طبعي هو أن يحرم الموظف الذي لا يعود إلى عمله بغير مبرر بعد انتهاء إجازته من مرتبه مدة غيابه؛ لأن الأصل أن الأجر مقابل العمل، فإذا تغيب الموظف بدون مبرر فلا حق له في الأجر وهذا مع عدم الإخلال بالمحاكمة التأديبية بسبب إهماله في أداء واجبه لتغيبه عن عمله بدون مبرر. ومن ثم إذا أصدرت وزارة التربية والتعليم نشرة جاء بها أنه "لوحظ أن بعضاً من المدرسين والموظفين بالمدارس يتغيبون عن مدارسهم دون اعتذار، وإذا ما سئلوا عن ذلك بعد عودتهم اعتذروا بالمرض أو بأسباب أخرى. ولما كانت التعليمات تقتضي أن يتقدموا باعتذارهم في نفس اليوم الذي يتغيبون فيه وقبل بدء العمل بالمدرسة ليتسنى لها تدبير الموقف المترتب على تغيبهم، فلهذا قررت الوزارة اعتبار كل تغيب من هذا القبيل تغيباً بدون عذر ويخصم اليوم أو الأيام التي يتغيبها السادة المدرسون والموظفون من ماهياتهم". فإن مضمون هذه النشرة المذكورة لا يخرج عن كونه تطبيقاً لهذا الأصل الطبعي الذي رددته المادة 62 المشار إليها.
2 - إذا كان الثابت أن المدعي قد منح إجازة عارضة يوم الخميس 31 من ديسمبر سنة 1953 بناء على طلب سابق منه، ثم تغيب عن عمله يوم السبت 2 من يناير سنة 1954 دون إخطار أو اعتذار عن عدم إمكانه أداء عمله في ذلك اليوم، طبقاً لما تقضي به التعليمات، ولما عاد في اليوم التالي تعلل بأنه كان مريضاً يوم 2 من يناير، ولم يتيسر له الاتصال بالمدرسة ليخطرها بمرضه، فلم تقبل المنطقة التعليمية هذا العذر، واعتبرته غياباً بدون إذن وقررت خصم مرتب هذا اليوم من ماهيته، فلا تثريب على الإدارة فيما فعلت.


إجراءات الطعن

في 28 من يوليه سنة 1956 أودع رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة طعناً في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم بجلسة 5 من يونيه سنة 1956 في الدعوى رقم 3019 لسنة 2 القضائية المرفوعة من السيد/ عوض مشرف الحاج ضد وزارة التربية والتعليم، والقاضي برفض الدعوى وبإلزام المدعي برسومها المقررة. وطلب رئيس هيئة المفوضين، للأسباب التي أبداها بعريضة الطعن، الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء باستحقاق المدعي لراتب اليوم المخصوم منه وإلزام الوزارة بالمصروفات. وقد أعلن الطعن للحكومة في 15 من أغسطس سنة 1956، وللمدعي في 10 من سبتمبر سنة 1956، وعين لنظره جلسة 23 من مارس سنة 1957، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات على الوجه المبين بالمحضر، وأرجئ إصدار الحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من الأوراق، تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 3019 لسنة 2 القضائية أمام المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم طلب فيها الحكم بإلغاء القرار الصادر من منطقة القاهرة الجنوبية التعليمية في 20 من يناير سنة 1954 باعتبار يوم 2 من يناير سنة 1954 إجازة بدون مرتب. وقال شرحاً لذلك إنه تغيب في ذلك لعذر طارئ، وفي يوم 2 من فبراير سنة 1954 أبلغته المدرسة التي يعمل فيها بقرار المنطقة الصادر في 20 من يناير سنة 1954 باعتبار اليوم المذكور إجازة بدون مرتب؛ لأنه لم يقدم قبل غيابه - أو في نفس اليوم الذي تغيب فيه وقبل بدء العمل الرسمي - العذر الذي يبرر هذا الغياب، وذلك بالتطبيق للنشرة الدورية التي سبق أن أبلغتها المنطقة للمدارس في 16 من ديسمبر سنة 1952. ونعى المدعي على هذا القرار مخالفته للقانون؛ ذلك لأن المادة 59 من قانون نظام موظفي الدولة عرفت الإجازة العارضة بأنها هي التي تكون لسبب طارئ لا يستطيع معه الموظف إبلاغ رؤسائه به مقدماً للترخيص له في الغياب فيه، مما يفهم منه أن القانون لا يشترط أن يكون العذر سابقاً على الغياب، بل يكون لاحقاً له، والقول بعكس ذلك ينافي ما قصده المشرع من النص على هذا النوع من الإجازات قبل النص على أنواع الإجازات الأخرى. وقد نصت المادة 28 من اللائحة التنفيذية للقانون المذكور على أنه إذا انقطع الموظف عن العمل دون ترخيص سابق لمدة تزيد على اليومين يقوم قسم المستخدمين المختص بإبلاغ وكيل الوزارة أو رئيس المصلحة للنظر في أمر الموظف. ولم يرد بهذا القانون نص على الإجازة بدون مرتب إلا في حالة استيفاء الموظف لإجازاته الاعتيادية والمرضية بعد أن يقرر القومسيون الطبي العام احتمال شفاء الموظف، ومن ثم يكون قرار المنطقة مخالفاً للقانون؛ إذ لا يمكن الاستناد إلى النشرة الدورية، وهي عمل إداري بحت، لتعطيل حكم القانون وتعديل نصوصه، ويكون قرارها بخصم يوم بمثابة جزاء وقعته المنطقة عليه دون إجراء تحقيق، الأمر الذي يخالف نص المادة 85 من قانون نظام موظفي الدولة.
وقد ردت الوزارة على ذلك بأنها إذ لاحظت أن بعض المدرسين والموظفين بمدارسها يتغيبون دون اعتذار، وإذا ما سئلوا عند عودتهم تعللوا بالمرض أو بأسباب أخرى، ولما كانت التعليمات تقضي بأن يتقدم المدرسون والموظفون ببيان العذر الذي يدعو لتغيبهم في نفس اليوم وقبل بدء الدراسة، حتى يمكن للمدرسة تدبير الموقف الناشئ عن ذلك، فقد أصدرت الوزارة نشرة قررت فيها اعتبار كل غياب من هذا القبيل بمثابة غياب بدون عذر وخصم اليوم أو الأيام التي يتقطع فيها الموظف أو المدرس من ماهيته؛ ولذلك فإن المدعي عندما منح إجازة عارضة يوم 31 من ديسمبر سنة 1953 بناء على طلب تقدم به يوم 30 منه وتغيب بعد ذلك يوم 2 من يناير سنة 1954 دون إخطار أو اعتذار عن عدم إمكانه الحضور، وتعلل بعد عودته في 3 من يناير سنة 1954 بأنه كان مريضاً في اليوم السابق، ولم يستطع الاتصال بالمدرسة سواء عن طريق التليفون أو شخص يرسله من طرفه، فقد اعتبر هذا اليوم غياباً بدون إذن، وتقرر خصم مرتب هذا اليوم من ماهيته.
وفي 5 من يونيه سنة 1956 قضت المحكمة برفض الدعوى، وبإلزام المدعي برسومها المقررة؛ واستندت في قضائها إلى أن حق الموظف في الإجازة العارضة منظور إليه من الأصل المشتق منه، والقيد الوارد به ليس حقاً مطلقاً يستعمله الموظف كلما وكيف شاء، بل هو حق مقيد بحدوده وضوابطه؛ ولذلك فإن جهة الإدارة العاملة، وهي المسئولة عن حسن سير الدولاب الحكومي وصاحبة الولاية في إدارته، تملك مراقبة استعمال الموظف له بحيث إذا ما تراءى لها أنه أساء استعماله على وضع يضر بالصالح العام كان لها أن تعتبره متغيباً بدون إذن وتقرر حرمانه من مرتبه؛ لأن حق الموظف في الغياب العارض يقابله حق الإدارة في أن تراقب استعمال الموظف لهذا الحق.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن المشرع رفع في المادة 59 من القانون رقم 210 لسنة 1951 الخاص بنظام موظفي الدولة عن كاهل الموظف التزاماً مفروضاً عليه بحسب الأصل، مؤداه أنه يتعين على كل موظف أن يكون في محل عمله في الموعد القانوني المحدد، وألا يتخلف عن الحضور إلا بإذن سابق؛ ذلك لأنه راعى في منح الإجازات العارضة أن الموظف - شأنه شأن أي فرد - قد تعتريه مفاجآت لم يكن يتوقعها، فلا يجوز تكليفه بغير المستطاع، فغفر له هذا التخلف الإجباري، ولذا فإن ما تضمنته نشرة الوزارة تكليف بمستحيل، فضلاً عن أنها قد أوجبت ما لم يوجبه القانون، فتقع باطلة عديمة الأثر، مما يتعين معه الحكم باستحقاق المدعي لما خصم من راتبه. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مخالفاً، فإنه يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إن وزارة التربية والتعليم أصدرت في 16 من ديسمبر سنة 1952 نشرة عامة للمناطق التعليمية والمدارس جاء بها أنه:
"لوحظ أن بعضاً من المدرسين والموظفين بالمدارس يتغيبون عن مدارسهم دون اعتذار، وإذا ما سئلوا عن ذلك بعد عودتهم اعتذروا بالمرض أو بأسباب أخرى. ولما كانت التعليمات تقتضي أن يتقدموا باعتذارهم في نفس اليوم الذي يتغيبون فيه وقبل بدء العمل بالمدرسة، ليتسنى لها تدبير الموقف المترتب على تغيبهم، فلهذا قررت الوزارة اعتبار كل تغيب من هذا القبيل تغيباً بدون عذر ويخصم اليوم أو الأيام التي يتغيبها السادة المدرسون والموظفون من ماهياتهم".
ومن حيث إن المادة 62 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة تنص على أن كل موظف لا يعود إلى عمله بغير مبرر بعد انتهاء مدة إجازته مباشرة يحرم من مرتبه عن مدة غيابه ابتداء من اليوم التالي لليوم الذي انتهت فيه الإجازة مع عدم الإخلال بالمحاكمة التأديبية. ومع ذلك يجوز لوكيل الوزارة أن يقرر عدم حرمانه من مرتبه عن مدة التأخير متى كانت هذه المدة تقل عن خمسة عشر يوماً إذا أبدى الموظف أسباباً معقولة تبرر هذا الغياب. وتحسب المدة المتجاوز عنها من نوع الإجازة السابقة وتأخذ حكمها فيما يتعلق بالمرتب حسب الأحوال.
ومن حيث إن هذه المادة تقوم على حكمة تشريعية يستوجبها حسن سير العمل في الدولاب الحكومي، مردها أصل طبعي هو أن يحرم الموظف الذي لا يعود إلى عمله بغير مبرر بعد انتهاء إجازته من مرتبه مدة غيابه؛ لأن الأصل أن الأجر مقابل العمل، فإذا تغيب الموظف بدون مبرر فلا حق له في الأجر، وهذا مع عدم الإخلال بالمحاكمة التأديبية بسبب إهماله في أداء واجبه لتغيبه عن عمله بدون مبرر.
ومن حيث إنه، والحالة هذه، فإن مضمون النشرة المذكورة لا يخرج عن كونه تطبيقاً لهذا الأصل الطبعي الذي رددته المادة 62 المشار إليها.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المدعي قد منح إجازة عارضة يوم الخميس 31 من ديسمبر سنة 1953 بناء على طلب تقدم به في يوم 30 منه، ثم تغيب عن عمله يوم السبت 2 من يناير سنة 1954 دون إخطار أو اعتذار عن عدم إمكانه أداء عمله في ذلك اليوم، طبقاً لما تقضي به التعليمات، ولما عاد في اليوم التالي تعلل بأنه كان مريضاً يوم 2 من يناير، ولن يتيسر له الاتصال بالمدرسة ليخطرها بمرضه فلم تقبل المنطقة التعليمية هذا العذر، واعتبرته غياباً بدون إذن، وقررت خصم مرتب هذا اليوم من ماهيته، وبهذه المثابة فلا تثريب على الإدارة فيما فعلت؛ ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد صادف الصواب في النتيجة التي انتهى إليها، ويكون الطعن قد بني على غير أساس سليم من القانون متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.