مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية - العدد الثاني (من أول فبراير إلى آخر مايو سنة 1957) - صـ 975

(101)
جلسة 27 من إبريل سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 1565 لسنة 2 القضائية

( أ ) طعن - تقديمه للمحكمة الإدارية العليا مقصوراً على ما قضى به الحكم المطعون فيه في شقه الخاص بالتعويض دون شقه الخاص بالإلغاء - حق المحكمة العليا في أن تتصدى للشق الأخير - أساس ذلك.
(ب) فصل غير تأديبي - المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1951 - عدم مخالفته للدستور.
(جـ) فصل غير تأديبي - تقرير حق مجلس الوزراء في ذلك في ظل قانون تظلم موظفي الدولة وفي ظل الأوامر العالية والقوانين السابقة عليه - وجوب أن يتم الفصل لاعتبارات أساسها المصلحة العامة ولأسباب جدية قائمة بالموظف.
(د) فصل غير تأديبي - المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 - تقريره مبدأ كان مقرراً في ظل الأوضاع السابقة على صدوره - استحداثه ضمانات للموظف.
(هـ) دعوى الإلغاء - تحريم رفعها طبقاً لنص المادة 7 من المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 - دستورية هذا النص - القول بمخالفة هذا النص لمبدأ المساواة أمام القانون - في غير محله - دليل ذلك.
(و) فصل غير تأديبي - عدم جواز الطعن بإلغاء أو وقف تنفيذ القرارات التي تصدر في ظل المرسوم بقانون رقم 181 سنة 1952 واستناداً إليه - عدم التفرقة في ذلك بين من طبق هذا المرسوم بقانون في حقه تطبيقاً صحيحاً ومن لم يطبق هكذا في حقه - سريان هذه القاعدة ولو كانت المخالفة أو الانحراف مسندين إلى لجنة التطهير ذاتها أو إلى مصدر القرار.
(ز) مسئولية - وجوب توافر الخطأ والضرر وعلاقة السببية - إذا صدر القرار الإداري مطابقاً للقانون فلا تسأل الإدارة عن نتائجه مهما كانت جسامة الضرر - دليل ذلك.
(ح) موظف - فصله استناداً إلى المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 - وجوب قيام القرار على سبب مبرر له قانوناً - حدود رقابة القضاء الإداري لهذا الركن للفصل في دعوى التعويض.
(ط) فصل غير تأديبي - المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 - الشوائب أو الشبهات تكفي لإصدار قرار بالفصل - لا ضرورة لثبوت الوقائع على وجه يقيني قاطع.
(ى) فصل غير تأديبي - المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 - رقابة القضاء الإداري لتوافر الشوائب والشبهات التي تأسس عليها قرار الفصل - ليس للقضاء أن يستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما قام لدى الإدارة من دلائل وقرائن في خصوص قيام أو عدم قيام الحالة الواقعية المكونة لركن السبب، أو أن يتدخل في تقدير خطورته وما يمكن أن يترتب من آثار - رقابة القضاء الإداري تجد حدها في التحقق من أن نتيجة القرار مستمدة في أصول موجودة أم لا، ومستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً وقانوناً من عدمه.
1 - إذا قصر رئيس هيئة مفوضي الدولة طعنه على ما قضى به الحكم المطعون فيه في شقه الخاص بالتعويض، ولم يثر المنازعة في شقه الخاص بالإلغاء، فإن هذا لا يمنح المحكمة العليا من البحث في حكم القانون الصحيح بالنسبة إلى هذا الشق الأخير؛ لتعلق الأمر بمشروعية القرار الإداري المطعون فيه، ولا سيما إذا كان الشقان مرتبطين أحدهما بالآخر ارتباطاً جوهرياً، وكانا فرعين ينبعان من أصل مشترك ونتيجتين مترتبتين على أساس قانوني واحد.
2 - إن المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 الخاص بفصل الموظفين بغير الطريق التأديبي هو قانون صادر من سلطة تملك التشريع في البلاد، وقد دعت إلى إصداره حكمة تتصل بمصلحة عليا هي ضرورة تطهير الأداة الحكومية مما شابها من أدران رعاية للصالح العام، ومتى قامت تلك الحكمة فإن ما يصدر على هديها من تشريعات يتسم بالشرعية ما دامت الغاية منها هي حماية المجتمع وصون مصالحه. وقد اعتنق الدستور المصري نظرية الضرورة في عدة مواطن، ولم تتخلف التشريعات المدنية والجنائية بل وأحكام القضاء عن تقرير ما للضرورة من مقتضيات. وإذا كانت الحكمة التي تدعو إلى إصدار تشريع كتشريع التطهير هي حكمة عادية تبرره في ظروف طبيعية، فإنها تكون كذلك من باب أولى في ظروف إصلاح شامل.
3 - إن حق مجلس الوزراء في فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي هو حق أصيل يستند في أساسه إلى الأوامر العالية والقوانين المتتابعة التي تناولت النص عليه. وقد رددته المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة بالنص على أن من أسباب انتهاء خدمة الموظف العزل أو الإحالة إلى المعاش بقرار تأديبي، وكذلك الفصل بمرسوم أو أمر جمهوري أو بقرار خاص من مجلس الوزراء. وثبوت هذا الحق لمجلس الوزراء معناه تفرد الحكومة، وهي التي عينت الموظف، بتقدير صلاحيته للنهوض بأعباء الوظيفة العامة والاستمرار في تولي عملها. بيد أن هذا الحق لا يكون مشروعاً إلا إذا وقع الفصل لاعتبارات أساسها المصلحة العامة، واستند إلى أسباب جدية قائمة بذات الموظف.
4 - إن المشرع لم يستحدث في المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 حقاً لم يكن قائماً من قبل، وكل ما فعله أنه قرر للموظف ضمانات لم تكن ثابتة له من قبل من حيث عرض أمره على لجان التطهير، كما رتب له حقوقاً مالية من حيث تسوية معاشه.
5 - إن ما نصت عليه المادة السابعة من المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 من عدم جواز الطعن بإلغاء أو وقف تنفيذ القرارات الصادرة بالتطبيق لأحكامه، وإن جاء استثناء من الاختصاص المقرر للقضاء الإداري، إلا أنه لا تثريب على المشرع إذا ما لجأ إلى تقريره مراعاة للصالح العام. وما دام المنع من الطعن الذي قررته هذه المادة قد اتسم بطابع العمومية والتجريد فلا وجه للنعي عليه بعدم دستوريته بحجة إخلاله بمبدأ المساواة أمام القانون؛ ذلك أن هذا القانون لا ينطوي على مصادرة مطلقة بدون تعويض عادل أو تحريم لاقتضائها في أية صورة، بل ينظم استعمالها ولا يفرق في هذا الشأن بين أفراد طائفة من الموظفين تماثلت مراكزهم القانونية واتحدت خصائصها. وقد كانت المحاكم المصرية قبل إنشاء مجلس الدولة ممنوعة من التعرض للقرارات الإدارية بالإلغاء أو وقف التنفيذ أو التعديل أو التأويل، وكان اختصاصها مقصوراً على نظر دعوى التعويض عن الأضرار الناشئة عن هذه القرارات، فإذا استحدث قانون مجلس الدولة دعوى الإلغاء فليس ما يمنع دستورياً من تعطيل هذا التشريع جزئياً في وقت ما ولفترة محدودة إذا ما اقتضت المصلحة العامة ذلك، ولا سيما أن ولاية الإلغاء التي للقضاء الإداري حالياً ليست ولاية عامة كاملة بل محددة بالنص.
6 - إن المادة السابعة من المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 أغلقت باب الطعن بالإلغاء أو وقف التنفيذ بالنسبة إلى القرارات التي تصدر في ظل هذا المرسوم بقانون واستناداً إليه. لا فرق في ذلك بين من طبق في حقه تطبيقاً صحيحاً ومن لم يطبق هكذا في حقه، وأياً كانت طبيعة المخالفة القانونية أو نوع الانحراف في تحصيل الواقع أو في عرضه، سواء كان هذا المأخذ مسنداً إلى لجنة التطهير ذاتها أو إلى مصدر القرار؛ لأن الغرض من المنع هو سد باب المنازعة في العودة إلى خدمة الحكومة عن طريق الطعن بالإلغاء أو وقف التنفيذ، استقراراً للدولاب الحكومي.
7 - إن مسئولية الإدارة عن القرارات الإدارية منوطة بأن يكون القرار معيباً وأن يترتب عليه ضرر وأن تقوم علاقة سببية بين عدم مشروعية القرار - أي بين خطأ الإدارة - وبين الضرر الذي أصاب الفرد. فإذا كان القرار الإداري سليماً مطابقاً للقانون فلا تسأل الإدارة عن نتائجه مهما بلغت جسامة الضرر الذي يلحق الفرد من تنفيذه؛ فقد نصت المادة الثامنة من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة في فقرتها التاسعة على أنه: "ويشترط في الطلبات المنصوص عليها في البنود (ثالثاً) و(رابعاً) و(خامساً) و(سادساً) أن يكون مرجع الطعن عدم الاختصاص أو وجوب عيب في الشكل أو مخالفة القوانين أو اللوائح أو الخطأ في تطبيقها وتأويلها أو إساءة استعمال السلطة". وقد تناول البند (خامساً) من هذه البنود "الطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات الإدارية الصادرة بإحالتهم إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم من غير الطريق التأديبي". كما نصت المادة التاسعة من القانون المذكور على أن: "يفصل مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيره في طلبات التعويض عن القرارات المنصوص عليها في المادة السابقة إذا رفعت إليها بصفة أصلية أو تبعية". وكان هذا هو الحكم الذي تضمنته المادتان الثالثة والرابعة من القانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة، وكذلك المادة 18 من قانون نظام القضاء رقم 147 لسنة 1949 التي نصت في البند (2) منها على اختصاص المحاكم العادية بالفصل "في دعاوى المسئولية المدنية المرفوعة على الحكومة بسبب إجراءات إدارية وقعت مخالفة للقوانين واللوائح". وواضح من هذه النصوص أن المشرع قد جعل مناط مسئولية الإدارة عن القرارات الإدارية التي تسبب أضراراً للغير هو وقوع عيب في هذه القرارات من العيوب المنصوص عليها قانوناً، فإذا انتفى هذا العيب فلا مسئولية على الإدارة مهما ترتب على القرار من أثر أضر بالأفراد.
8 - إن القرار الصادر بفصل الموظف استناداً إلى المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 يجب - كأي قرار إداري آخر - أن يقوم على سببه المبرر له قانوناً، وهو قيام حالة واقعية أو قانونية تسوغ صدور هذا القرار. فإذا انعدم هذا السبب أو كان غير صحيح أو منتزعاً من غير أصول موجودة في الأوراق أو كان غير مستخلص استخلاصاً سائغاً من أصول ثابتة تفضي إلى النتيجة التي يتطلبها القانون، أو كان تكييف الوقائع - على فرض وجودها مادياً - لا يؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها القرار، كان القرار فاقداً لركن من أركانه هو ركن السبب ووقع معيباً مخالفاً للقانون وحق التعويض عنه، إذا توافرت باقي الشروط اللازمة لاستحقاق التعويض. أما إذا كانت النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول ثابتة تنتجها مادياً وقانوناً فإن القرار يكون قد قام على سببه وبريء من العيب وجاء مطابقاً للقانون؛ ومن ثم فلا يكون هنالك محل للتعويض عنه.
9 - عمد المشرع في المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952، وهو بسبيل تطهير الأداة الحكومية من أدران الفساد وإعادة تنظيمها لإقامة الحكم على أسس قويمة سليمة، إلى الاكتفاء بالشوائب أو الشبهات القوية خلافاً للأصل العام في التأثيم؛ إذا أجاز صراحة فصل الموظف استناداً إلى أحكام المرسوم بقانون المشار إليه متى علقت به شوائب أو شبهات، ولم يقيد ذلك إلا بأن تكون هذه الشوائب أو الشبهات قوية أي جدية، دون أن يتطلب أن تكون الوقائع المنسوبة إلى الموظف ثابتة في حقه على وجه يقيني قاطع، أو أن تكون في ذاتها قاطعة في خروجه على كرامة الوظيفة أو على مقتضيات النزاهة أو الشرف أو حسن السمعة؛ ذلك أن المادة الأولى من المرسوم بقانون المتقدم ذكره قد فرقت بين طائفتين من الموظفين: طائفة الموظفين غير الصالحين للعمل؛ وهم غير القادرين على أداء الوظيفة، أو القادرون غير المنتجين، أو القادرون المنتجون الذين لا يلائمهم العهد الجديد. وطائفة الموظفين الذين تعلق بهم شوائب أو شبهات قوية تمس كرامة الوظيفة أو النزاهة أو الشرف أو حسن السمعة، وهؤلاء لا يشترط أن تقوم بهم أسباب عدم الصلاحية السابقة، بل يتعلق الأمر بسلوكهم المرتبط بالوظيفة أو المنعكس عليها. وقد ذهب المشرع في الحرص على كرامة الوظيفة وطهارة السمعة ونظافة الحكم ونزاهته إلى إقصاء الموظف الذي تعلق به شوائب أو شبهات عبر عنها بأنها "تمس" هذه الأمور مجرد مساس وإن لم تنل منها أو تخل بها بالفعل، واجتزأ في سبيل تحقيق هذه الغاية عن الدليل القاطع بمجرد الشوائب أو الشبهات القوية. وإذ كان منزهاً عن إيراد المترادفات ولم يجمع بين الشوائب والشبهات بل ذكرهما على سبيل البدل، فإن مدلول كل منهما يختلف عن الآخر. وقيام أيهما يكفي لإنزال حكم النص. وإذا كانت طبيعة الشبهات لا ترقى إلى مرتبة الدليل الحاسم ولا تخلو من الشك فإن الشوائب أضعف دلالة وأدنى مرتبة من ذلك، ومع ذلك فقد اعتد بها المشرع ورتب عليها أثراً قانونياً حاسماً في شأن مصير الموظف الذي تعلق به. وفي ضوء التفسير المعبر عن قصد الشارع يتعين بحث حالة الموظف المفصول بالتطبيق لحكم الشق الثاني من المادة الأولى من المرسوم بالقانون رقم 181 لسنة 1952.
10 - إذا ثبت أن الإدارة قد فصلت الموظف في ظل أحكام المرسوم بقانون رقم 181 سنة 1952 استناداً إلى ما علق به من شوائب أو شبهات فإن رقابة القضاء الإداري القانونية لقيام السبب المسوغ لفصل الموظف هو تعلق الشوائب أو الشبهات به، والتحقق من مدى مطابقة أو عدم مطابقة هذا السبب للقانون، وهذا لا يعني أن يحل القضاء الإداري نفسه محل الجهة الإدارية المختصة فيما هو متروك لتقديرها ووزنها فيستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما قام لدى الإدارة من دلائل وبيانات وقرائن أحوال إثباتاً أو نفياً في خصوص قيام أو عدم قيام الحالة الواقعية التي تكون ركن السبب، أو أن يتدخل في تقدير خطورة هذا السبب وما يمكن ترتيبه عليه من آثار، بل إن الإدارة حرة في تقدير تلك الدلائل والبيانات وقرائن الأحوال، تأخذها دليلاً إذا اقتنعت بها وتطرحها إذا تطرق الشك إلى وجدانها، كما أنها حرة في تقدير خطورة السبب وتقدير مدى ما ترتبه عليه من أثر. ولا هيمنة للقضاء الإداري على ما تكون منه الإدارة عقيدتها واقتناعها في شيء من هذا، وإنما الرقابة التي للقضاء المذكور في ذلك تجد حدها الطبعي - كرقابة قانونية - في التحقق مما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار مستمدة من أصول موجودة أو غير موجودة، وما إذا كانت هذه النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانوناً أم لا. ويتوقف على وجود هذه الأصول أو عدم وجودها، وعلى سلامة استخلاص النتيجة التي انتهى إليها القرار من هذه الأصول أو فسادها، وعلى صحة تكييف الوقائع بفرض وجودها مادياً أو خطئها - يتوقف على هذا كله قيام ركن السبب في القرار الإداري ومطابقته للقانون أو فقدان هذا الركن ومخالفة القرار للقانون.


إجراءات الطعن

في 21 من يونيه سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1565 لسنة 2 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثانية) بجلسة 25 من إبريل سنة 1956 في الدعوى رقم 661 لسنة 7 القضائية المقامة من الدكتور علي عبد الواحد وافي ضد وزارة التربية والتعليم وجامعة القاهرة، القاضي: "بعدم قبول الدعوى بالنسبة لطلب الإلغاء، وبرفضها بالنسبة لطلب التعويض، وألزمت المدعي بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين، للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه، "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض طلب التعويض وإعادة القضية إلى محكمة القضاء الإداري للفصل مجدداً في موضوع طلب التعويض". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة التربية والتعليم في 6 من أغسطس سنة 1956 وإلى كل من جامعة القاهرة والمطعون لصالحه في 13 منه. وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 2 من فبراير سنة 1957. وقد أودع المطعون لصالحه سكرتيرية المحكمة في 8 من سبتمبر سنة 1956 مذكرة بملاحظاته انتهى فيها إلى طلب "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به بالنسبة لطلب الإلغاء وطلب التعويض كليهما. والحكم أصلياً بإلغاء القرار الصادر من مجلس الوزراء في 17 من ديسمبر سنة 1952 بفصل المدعي من الخدمة مع تعويض قدره خمسة آلاف جنيه. ومن باب الاحتياط الكلي بإلزام المدعي عليهما أن يدفعا له مبلغ ثلاثين ألفاً من الجنيهات، مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". ولم تقدم الجهة الإدارية مذكرات ما في الميعاد القانوني. وفي 2 من يناير سنة 1957 أبلغ الطرفان بميعاد الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
( أ ) عن عدم قبول الدعوى بالنسبة إلى طلب الإلغاء:
من حيث إن المطعون لصالحه أقام الدعوى رقم 661 لسنة 7 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 18 من فبراير سنة 1953 طلب فيها "الحكم أصلياً بإلغاء القرار الصادر من مجلس الوزراء في 17 من ديسمبر سنة 1952 بفصل المدعي من الخدمة مع تعويض قدره 5000 ج (خمسة آلاف جنيه). ومن باب الاحتياط الكلي الحكم بإلزام المعلن إليهما (وزارة التربية والتعليم وجامعة القاهرة) بأن يدفعا إلى المدعي مبلغ 30000 ج (ثلاثين ألفاً من الجنيهات)، مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". واستند في طلبه الأصلي الخاص بإلغاء قرار مجلس الوزراء الصادر بفصله من الخدمة إلى عدم دستورية المادة السابعة من المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 الخاص بفصل الموظفين بغير الطريق التأديبي لمخالفتها للأصول العامة، والمبادئ الدستورية العليا التي كفلت حق التقاضي بما لا يجوز حظره بتشريع عادي؛ إذ قضت هذه المادة بعدم جواز سماع دعوى الإلغاء عن القرارات الصادرة بالتطبيق لأحكام المرسوم بقانون المشار إليه. هذا إلى أن القرار المطعون فيه بوجه خاص غير جدير بأية حماية بقطع النظر عن المبادئ السابقة؛ لأنه بني على تغيير للحقائق وتزوير للوثائق مما يجعله في حكم العدم، ولا سيما أن هذا التغيير والتزوير لم يرتكبهما المتآمرون من خصومه فحسب بل اشتركت معهم في ذلك لجنة التطهير ذاتها. كما أن السببين اللذين تقرر فصله من أجلهما بعيدان عن الحقيقة وتنفيهما المستندات التي كانت تحت نظر اللجنة. وقد دفعت الحكومة بعدم سماع الدعوى سواء بالنسبة إلى طلب الإلغاء أو إلى طلب التعويض استناداً إلى ما نصت عليه المادة السابعة من المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 من أنه استثناء من أحكام المادتين 3 و10 من قانون مجلس الدولة لا يجوز الطعن بإلغاء أو وقف تنفيذ القرارات الصادرة بالتطبيق لأحكام هذا القانون. ولما كان قرار فصل المدعي قد صدر بالتطبيق لأحكام المرسوم بقانون المشار إليه فليس يجديه أن يتصدى لأسباب الفصل بالتعقيب عليها في هذا المجال. وبجلسة 25 من إبريل سنة 1956 قضت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثانية) بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى طلب الإلغاء، وأقامت قضاءها في خصوص هذا الطلب على أن القواعد الدستورية سواء ما ورد منها في دستور يناير سنة 1956 في المادة 11 منه أو في دستور سنة 1923 الملغي في المادة 9 منه قضت بعدم جواز المساس بالحقوق المالية الخاصة للأفراد بتشريع عادي إلا في حدود ضيقة وبعد دفع تعويض عادل. ومن ثم وجب أن تتاح لهم وسيلة المطالبة القضائية للحصول على تلك الحقوق إذا كانت محل نزاع أو عدوان، إلا أن الأمر في دعوى إلغاء القرارات الإدارية يختلف عن ذلك؛ لتباين طبيعة هذه الدعوى عن الدعوى المقررة للأفراد لحماية مصالحهم الخاصة؛ ذلك أن دعوى الإلغاء إنما تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة بقطع النظر عما عسى أن يتحقق من مصالح خاصة للأفراد، فهي أشبه بالدعوى العمومية وإن كان الذي يحركها ليس هيئة عامة، بل هو صاحب المصلحة من الأفراد؛ وآية ذلك أن القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة أسند في المادة 15 منه سلطة الطعن في أحكام محكمة القضاء الإداري أو المحاكم الإدارية أمام المحكمة الإدارية العليا إلى رئيس هيئة مفوضي الدولة دون ذوي الشأن، كما قضى في المادة 17 منه بأن الأحكام الصادرة في دعوى الإلغاء تكون حجة على الكافة خلافاً للأحكام التي تصدر في الدعاوى الأخرى والتي تقتصر حجيتها على من كان طرفاً فيها، ومفاد هذا أن زمام دعوى الإلغاء هو بيد المشرع العادي الذي هو أقدر على رعاية المصلحة العامة، فإذا ما حظر هذه الدعوى بالنسبة إلى بعض القرارات الإدارية وقع تصرفه سليماً. ولهذا فإن الدفع بعدم دستورية المادة 7 من المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 يكون فاقد الأساس خليقاً بالرفض، وكذلك الحال بالنسبة إلى الدفع المقدم من الحكومة بعدم جواز سماع دعوى التعويض استناداً إلى المادة المذكورة. وبعريضة مودعة سكرتيرية هذه المحكمة في 21 من يونيه سنة 1956 طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في حكم محكمة القضاء الإداري آنف الذكر قاصراً طعنه على الشق الثاني من هذا الحكم الذي قضى برفض الدعوى بالنسبة إلى طلب التعويض دون الشق الأول الذي قضى بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى طلب الإلغاء. وقد أودع المدعي سكرتيرية المحكمة في 8 من سبتمبر سنة 1956 مذكرة بملاحظاته ردد فيها دفاعه السابق فيما يتعلق بطلب الإلغاء، وقال إن القرار المطعون فيه هو في حكم العدم ويتعين إلغاؤه حتى مع التسليم بمشروعية المادة السابعة من قانون التطهير؛ ذلك أن الشارع قد ذهب إلى أن يعصم قرارات الفصل من الطعن فيها بالإلغاء مراعاة لوجه ما من وجوه المصلحة العامة، إلا أنه لا يمكن أن يسبغ هذه العصمة إلا على القرارات الصحيحة السليمة التي تصدر بالتطبيق لأحكام القانون، أو على الأقل التي تبني على اجتهاد من جانب المحققين وإن أخطئوا في اجتهادهم هذا، لا على القرارات التي تقوم على تزييف وتزوير من جانب المحققين أو على إخلال متعمد بأحكام القانون؛ إذ لا يعقل أن يكون الشارع قد قصد إلى حماية البطلان الذي يجعل القرار في حكم العدم، ولا يمكن أن يكون في حماية أمور كهذه مراعاة لمصلحة عامة. بل إن الشارع لا يعتد بالأحكام النهائية التي تبنى على الغش والتزوير إذ يجيز الطعن فيها بالتماس إعادة النظر، وهذا ما يجب أن يكون عليه الحال بالنسبة إلى القرارات الإدارية التي لا ترقى إلى مرتبة الأحكام، بل الأحكام النهائية. وخلص المدعي من هذا إلى أن القرار المطعون فيه ليس له عاصم من الإلغاء، وأن الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى طلب إلغائه مجاف للقانون؛ لعدم انطباق السبب الذي ارتكن إليه على خصوصية الدعوى. وطلب الحكم أصلياً بإلغاء القرار الصادر من مجلس الوزراء في 17 من ديسمبر سنة 1952 بفصله من الخدمة. وأعاد ترديد هذا في مذكرته المودعة في 21 من فبراير سنة 1957.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة استقر على أن الطعن أمامها في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري أو المحاكم الإدارية طبقاً للمادة 15 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة يفتح الباب أمام تلك المحكمة لتزن الحكم المطعون فيه بميزان القانون وزناً مناطه استظهار ما إذا كانت قد قامت به حالة أو أكثر من الأحوال التي تعيبه والمنصوص عليها في المادة سالفة الذكر، فتلغيه ثم تنزل حكم القانون في المنازعة، أم أنه لم تقم به أية حالة من تلك الأحوال وكان صائباً في قضائه فتبقى عليه وترفض الطعن. ولما كانت تلك المادة إذ ناطت برئيس هيئة المفوضين وحده، سواء من تلقاء نفسه أم بناء على طلب ذوي الشأن إن رأى هو وجهاً لذلك، حق الطعن أمام المحكمة العليا في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري أو المحاكم الإدارية. قد أقامت ذلك على حكمة تشريعية تتعلق بالمصلحة العامة كشفت عنها المذكرة الإيضاحية للقانون المشار إليه باعتبار أن رأي هيئة المفوضين تتمثل فيه الحيدة لصالح القانون وحده الذي يجب أن تكون كلمته هي العليا، فإنه يتفرع عن ذلك أن لهذه الهيئة أن تتقدم بطلبات أو أسباب جديدة غير تلك التي أبدتها في عريضة الطعن ما دامت ترى في ذلك وجه المصلحة العامة بإنزال حكم القانون على هذا الوجه الصحيح في المنازعة الإدارية. كما أن للمحكمة العليا أن تنزل حكم القانون على هذا الوجه غير مقيدة بطلبات الهيئة أو الأسباب التي تبديها ما دام المرد في ذلك هو إلى مبدأ الشرعية نزولاً على سيادة القانون في روابط القانون العام التي تختلف في طبيعتها عن روابط القانون الخاص. فليس لمحكمة القضاء الإداري أو للمحاكم الإدارية في رقابتها للقرارات الإدارية سلطة قطعية تقصر عنها سلطة المحكمة العليا؛ ذلك أن رقابة محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية على القرارات الإدارية هي رقابة قانونية تسلطها عليها لتتعرف مدى مشروعيتها من حيث مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون. وهذا بدوره هو موضوع الرقابة القانونية التي للمحكمة الإدارية العليا على أحكام القضاء الإداري [(1)]. ومن ثم فإذا قصر رئيس هيئة مفوضي الدولة طعنه على ما قضى به الحكم المطعون فيه في شقه الخاص بالتعويض ولم يثر المنازعة في شقه الخاص بالإلغاء فإن هذا لا يمنع المحكمة العليا من البحث في حكم القانون الصحيح بالنسبة إلى هذا الشق الأخير؛ لتعلق الأمر بمشروعية أو عدم مشروعية القرار الصادر بفصل المدعي، ولا سيما إذا كان الشقان مرتبطين أحدهما بالآخر ارتباطاً جوهرياً، وكانا فرعين ينبعان من أصل مشترك ونتيجتين مترتبتين على أساس قانوني واحد.
ومن حيث إن المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 الخاص بفصل الموظفين بغير الطريق التأديبي هو قانون صادر من سلطة تملك التشريع في البلاد، وقد دعت إلى إصداره حكمة تتصل بمصلحة عليا هي ضرورة تطهير الأداة الحكومية مما شابها من أدران، رعاية للصالح العام. ومتى قامت تلك الحكمة فإن ما يصدر على هديها من تشريعات يتسم بالشرعية ما دامت الغاية منها هي حماية المجتمع وصون مصالحه. وقد اعتنق الدستور المصري نظرية الضرورة في عدة مواطن. ولم تتخلف التشريعات المدنية والجنائية بل وأحكام القضاء عن تقرير ما للضرورة من مقتضيات. وإذا كانت الحكمة التي تدعو إلى إصدار تشريع كتشريع التطهير هي حكمة عادية تبرره في ظروف طبيعية، فإنها تكون كذلك من باب أولى في ظروف إصلاح شامل. وليس شك في أن حق مجلس الوزراء في فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي هو حق أصيل يستند في أساسه إلى الأوامر العالية والقوانين المتتابعة التي تناولت النص عليه. وقد رددته المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة بالنص على أن من أسباب انتهاء خدمة الموظف العزل أو الإحالة إلى المعاش بقرار تأديبي، وكذلك الفصل بمرسوم أو أمر جمهوري أو بقرار خاص من مجلس الوزراء. وثبوت هذا الحق لمجلس الوزراء معناه تفرد الحكومة، وهي التي عينت الموظف، بتقدير صلاحيته للنهوض بأعباء الوظيفة العامة والاستمرار في تولي عملها، بيد أن هذا الحق لا يكون مشروعاً إلا إذا وقع الفصل لاعتبارات أساسها المصلحة العامة واستند إلى أسباب جدية قائمة بذات الموظف. ومن هذا يبين أن المشرع لم يستحدث في المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 حقاً لم يكن قائماً من قبل، وكل ما فعله أنه قرر للموظف ضمانات لم تكن ثابتة له من قبل من حيث عرض أمره على لجان التطهير، كما رتب له حقوقاً مالية من حيث تسوية معاشه. أما ما نصت عليه المادة السابعة من المرسوم بقانون المشار إليه من عدم جواز الطعن بإلغاء أو وقف تنفيذ القرارات الصادرة بالتطبيق لأحكامه، فإنه وإن جاء استثناء من الاختصاص المقرر للقضاء الإداري، إلا أنه لا تثريب على المشرع إذا ما لجأ إلى تقريره مراعاة للصالح العام. وما دام المنع من الطعن الذي قررته هذه المادة قد اتسم بطابع العمومية والتجريد فلا وجه للنعي عليه بعدم دستوريته بحجة إخلاله بمبدأ المساواة أمام القانون؛ ذلك أن هذا القانون لا ينطوي على مصادرة مطلقة للحقوق بدون تعويض عادل أو تحريم لاقتضائها في أية صورة، بل ينظم استعمالها ولا يفرق في هذا الشأن بين أفراد طائفة من الموظفين تماثلت مراكزهم القانونية واتحدت خصائصها. وقد كانت المحاكم المصرية قبل إنشاء مجلس الدولة ممنوعة من التعرض للقرارات الإدارية بالإلغاء أو وقف التنفيذ أو التعديل أو التأويل، وكان اختصاصها مقصوراً على نظر دعوى التعويض عن الأضرار الناشئة عن هذه القرارات. فإذا استحدث قانون مجلس الدولة دعوى الإلغاء فليس ما يمنع دستورياً من تعطيل هذا التشريع جزئياً في وقت ما ولفترة محدودة إذا ما اقتضت المصلحة العامة ذلك. ولا سيما أن ولاية الإلغاء التي للقضاء الإداري حالياً ليست ولاية عامة كاملة بل محددة بالنص. ولا وجه للتحدي بأن مناط إعمال المادة السابعة من المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 هو أن يكون قرار الفصل قد صدر بالمطابقة لأحكام هذا المرسوم بقانون، أي بتطبيقه تطبيقاً صحيحاً لا يشوبه خطأ؛ ذلك أن الأخذ بهذا القول يجعل المنع الوارد في هذه المادة من قبيل اللغو؛ إذ يقوم على تأويل غير صحيح لغرض الشارع من عدم جواز الطعن بالإلغاء، وهو تأويل لو أخذ به لصارت كل القرارات التي لم يطبق فيها المرسوم بقانون المشار إليه تطبيقاً صحيحاً هدفاً للطعن، ولاستوت في ذلك مع سائر القرارات الإدارية التي لم يرد في شأنها منع من الطعن، ولكان الحكم بعدم جواز الطعن بالإلغاء مجرد صيغة أخرى من الحكم برفض الدعوى، فلا يحكم بعدم جواز الطعن بالإلغاء إلا فيما ترفض فيه الدعوى [(2)]. وغني عن البيان أن هذا التأويل يخرج عن قصد الشارع كما كشفت عن ذلك المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون سالف الذكر؛ ذلك أن الشارع رأى للغاية التي استهدفها من إصدار هذا التشريع، ولكي لا يظل الجهاز الحكومي قلقاً غير مستقر أن يجعل قرارات الفصل التي تصدر بالاستناد إليه بمنأى عن أي طعن من حيث الإلغاء أو وقف التنفيذ، ما دامت قد صدرت في ظل سريان أحكامه وفي الفترة المحددة لنفاذه، ولو شابها عيب من العيوب التي كانت تجيز طلب الإلغاء تطبيقاً لقانون مجلس الدولة، فأورد نص المادة السابعة المتقدم ذكرها, وبذلك أغلق باب الطعن بالإلغاء أو وقف التنفيذ بالنسبة إلى القرارات التي تصدر في ظل المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 واستناداً إليه، لا فرق في ذلك بين من طبق في حقه تطبيقاً صحيحاً ومن لم يطبق هكذا في حقه، وأياً كانت طبيعة المخالفة القانونية أو نوع الانحراف في تحصيل الواقع أو في عرضه، سواء كان هذا المأخذ مسنداً إلى لجنة التطهير ذاتها أو إلى مصدر القرار، لأن الغرض من المنع - كما سلف القول - هو سد باب المنازعة في العودة إلى خدمة الحكومة عن طريق الطعن بالإلغاء أو وقف التنفيذ، استقراراً للدولاب الحكومي. ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد صادف الصواب فيما قضى به من عدم قبول الدعوى بالنسبة إلى طلب الإلغاء. على أن الشارع لم يمنع سماع طلب التعويض عن قرارات الفصل من الخدمة الصادرة عملاً بالمرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 كما فعل بالنسبة إلى طلب إلغائها أو وقف تنفيذها، فبقيت ولاية القضاء الإداري كاملة بالنسبة لطلب التعويض عن هذه القرارات، شأنها في ذلك شأن القرارات الإدارية الأخرى. فحسب الموظف المفصول استناداً إلى ذلك المرسوم بقانون أن ينصف بطريق التعويض إن كان لذلك وجه، وكان قرار فصله مخالفاً للقانون.
(ب) عن طلب التعويض.
من حيث إن المدعي طلب في صحيفة دعواه أمام محكمة القضاء الإداري الحكم له من باب الاحتياط الكلي بإلزام وزارة التربية والتعليم وجامعة القاهرة بأن تدفعا له مبلغ 30000 ج (ثلاثين ألفاً من الجنيهات)، مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. واستند في طلبه هذا إلى أن القرار الصادر من مجلس الوزراء في 17 من ديسمبر سنة 1952 بفصله من الخدمة كرئيس لقسم الاجتماع ووكيل لكية الآداب بجامعة القاهرة والمبلغ إليه في 4 من يناير سنة 1953 قد وقع باطلاً لمجافاته لأحكام القانون وجاء نتيجة لمؤامرة دبرت ضده من خصومه الموتورين منه والحاقدين عليه من أساتذة الكلية ومن استعانوا بهم من صنائعهم من الطلبة والطالبات الذين قدموا ضده - بناء على ما أوعز به إليهم - العديد من الشكاوى تحمل الأكاذيب والمفتريات، حتى إذا أنشئت لجان التطهير لاحت لهم فرصة التشفي فدفعوا به إلى الوقوف أمامها موقف المسيء. ومن أسف أن التحقيق الذي أجرته معه لجنة التطهير قد تنكب الأسس السلمية وجانب النزاهة، بل عن المحقق نفسه التجأ إلى التحريف وسلك مسلكاً يؤدي إلى طمس الحقيقة ونصرة الباطل وتحقيق أغراض الكائدين. وقد أعيد التحقيق على يد هيئة مراقبة الأداة الحكومية بمجلس قيادة الثورة فثبتت لها براءته من جميع ما نسب إليه، كما كشفت عما اشتمل عليه التحقيق الأول من انحراف وتزييف وإخفاء متعمد لأدلة البراءة وصد عن الاستماع إلى كلمة الحق وصوت الدفاع. ومن ثم فإنه يحق له المطالبة بتعويض كامل عن جميع الأضرار المادية والأدبية التي لحقته من جراء قرار فصله.
ومن حيث إن الحكومة ردت على ذلك بأن لجنة التطهير الخاصة بالجامعة تلقت شكاوى ضد المدعي من ثلاثة مصادر، أولها من خمسة عشر أستاذاً من أعضاء هيئة التدريس بكلية الآداب، وثانيها من الطالبات، وثالثها من الخريجين. وقد اتفقت هذه الشكاوى جميعاً على توجيه نفس الاتهامات إليه، وهي أنه يحاول الاتصال بالطالبات اتصالاً مريباً فمن قبلت تودده آثرها بعطفه، ومن صدته اضطهدها وحاول السخرية منها. وأنه يضطهد طلبة قسم الفلسفة فيتعمد في تصحيح أوراق الامتحان التحريري في مادة الاجتماع أن يعطي طلبة قسم الفلسفة درجة منخفضة جداً، ويرجع ذلك إلى انفصال قسم الاجتماع عن قسم الفلسفة بعد أن كانا قسماً واحداً. وقد قامت لجنة التطهير - وهي لجنة محايدة ليس من بين أعضائها من يمت بصلة إلى مقدمي الشكاوى - بما فرضه عليها القانون على أكمل وجه فسمعت أقوال الشاكين جميعاً ومن يتصلون بالموضوع من أساتذة وطلبة وطالبات وخريجين فأجمعوا على عدم صلاحيته لأن يكون أستاذاً بالجامعة؛ لما يحوطه من شبهات قوية تمس كرامة الوظيفة، كما حققت دفاعه بكل ما وسعها من جهد، وانتهت من هذا كله إلى أن المصلحة العامة تقتضي تنحيه عن وظيفته وتوجب إقصاءه عنها لتصرفاته التي تجرده من الصلاحية لها. وقد عرض الأمر على الوزير المختص ثم على مجلس الوزراء فأصدر المجلس قراره بفصل المدعي استناداً إلى أحكام المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952. أما تقرير هيئة مراقبة الأداة الحكومية المقدم بعد صدور قرار الفصل فإنه صادر من جهة لا ولاية لها قانوناً في مثل هذا الموضوع الذي تختص به لجنة التطهير دون سواها؛ ومن ثم فإنه يكون عديم الأثر ويتعين استبعاده، ولا سيما أن قرار الفصل نهائي لا يجوز الرجوع فيه أو سحبه حتى من الجهة التي أصدرته.
ومن حيث إن محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثانية) أصدرت حكمها بجلسة 25 من إبريل سنة 1956 برفض الدعوى بالنسبة لطلب التعويض مع إلزام المدعي بالمصروفات؛ وأقامت قضاءها على أن محل التعويض أن يكون القرار القاضي بالفصل قد صدر بغير مسوغ أو لأسباب غير صحيحة أو مشوباً بسوء استعمال السلطة، في حين أن الثابت في الأوراق أن السبب الذي استند إليه قرار الفصل هو أن المدعي قد علقت به شوائب وشبهات قوية تمس السمعة والشرف والنزاهة كأستاذ في الجامعة آخذاً بما ورد في تقرير لجنة فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي بجامعة القاهرة. وقد دللت اللجنة على إدانته في تهمة محاولة الاتصال بالطالبات اتصالاً مريباً، (أولاً): بشكوى الآنسة إنعام الصغير - وهي طالبة لبنانية تخرجت في كلية الآداب عام 1946 - التي تقدمت بها إلى عميد الكلية تتهم فيها المدعي أنه حاول تقبيلها في غرفة رئيس القسم، وأنه عاود الكرة على الرغم من أنها صدته، الأمر الذي جعلها تخشى اضطهاده لها في تقدير إجابتها في مادة علم الاجتماع. وقد كان من أثر هذه الشكوى أن قرر مجلس الجامعة نقله إلى كلية دار العلوم ثم أعيد إلى كلية الآداب بعد ذلك. وقد دفع المدعي هذا الاتهام بأن الشاكية وقد رسبت في مادة علم الاجتماع وتعرضت بذلك لفصلها من بعثة كلية المقاصد ببيروت أرادت أن تثير حول رسوبها شكاً يمكن أن ينقذها مما يتهدد مستقبلها من خطر، وأن شكواها صادفت هوى في نفس عميد الكلية الذي يضمن له الحق، ولكن إعادة تصحيح ورقة إجابتها والرجوع إلى الدرجة التي منحتها عن أعمال السنة أثبتا عدم صحة ادعائها. أما نقله إلى كلية دار العلوم فكان لتدعيم هذه الكلية في الظاهر وللانتقام منه في الباطن لوجود خصومة بينه وبين عميد كلية الآداب. (ثانياً) بشكوى الآنسة سميحة زكي عبد الرحمن التي تضررت من أنه حاول التودد إليها فلما ابتعدت عنه سعى إلى الانتقام منها والسخرية بها أمام زميلاتها بعبارات كانت تسبب إحراجها. وكانت أقواله وحركاته تتضمن في بعض الأحيان خدشاً لحيائها، وبسبب معاملتها له ونفورها منه اضطهدها في الامتحان وأصر على رسوبها في مادة الاجتماع في لجنة الجبر. وقد رد المدعي على ذلك بأن شكوى هذه الطالبة يحوطها الغموض وأنها إنما استهدفت بها إثارة الشبهة حول رسوبها وأنه لم يضطهدها قط. (ثالثاً) بشكوى السيدة فاطمة النبوية عبد العزيز التي قررت أن المدعي طلب منها وهو منفرد بها أثناء عرضها بحثاً لها عليه أن تحضر دروس الماجستير في المساء فلم تستمع إليه ولم تجب طلبه، وأنها توقعت بعد إذ سمعت بحادثة إنعام الصغير أنه إنما عرض عليها ذلك ليفعل بها مثل ما فعل مع هذه الأخيرة، فلما رفضت الحضور عمل على رسوبها في مادة الاجتماع. وقد عزا المدعي هذه الشكوى إلى رغبة الشاكية بعد رسوبها في مادة الاجتماع في أن يعاد تصحيح إجابتها، وإلى حنقها عليه بسبب ضبطه إياها مع طالب بحجرة المكتبة في وضع مريب وإسدائه النصح لها بالابتعاد عن مثل هذه الشبهات والعناية بمحاضراتها. (رابعاً) بشكوى السيدة نرجس بطرس حنا التي شهدت أمام لجنة التطهير بأن المدعي كان قد طلب منها وهي طالبة بالسنة الثالثة أن تحضر إليه في حجرته الخاصة هي وبعض زميلاتها للتعرف عليهن، ولكنها امتنعت عن تلبية طلبه بناء على مشورة زوجها كما اعتذرت عن عدم حضور حفلاته أو السفر معه في الرحلات التي كان ينظمها, الأمر الذي كان مدعاة لاضطهاده إياها في الامتحان والذي جعلها موضع سخريته في الدرس أمام زميلاتها؛ وزملائها إذ كان يتعمد إحراجها بالعبارات التي يوجهها إليها فضلاً عن محاولته إرسابها في الدور الثاني لولا تدخل العميد. وقد عقب المدعي على ذلك بأن الكلية قد حققت شكوى هذه الطالبة فاتضح لها عدم جديتها ولما ووجهت بهذه الحقيقة لم يسعها إلا الاعتذار عما بدر منها وطلبت سحب شكواها. وأضاف أنه يطلب مجموعات من الطلبة والطالبات تتألف من 15 طالباً وطالبة للتعرف على اتجاهاتهم وهو ما يجب على الأستاذ الجامعي، وأن الشاكية لم تكن موضع سخرية؛ إذ اعتاد على مفاجأة الطلبة بأسئلة لتعرف مدى قدرتهم على الفهم والتطبيق فكانت إجاباتها تدل على الغباء والجهل وعدم الانتباه، فضلاً عن إفراطها في التبرج والزينة في صورة لا تليق بطالبة، حتى لقد رفض قبولها بقسم الاجتماع عندما رآها لأول مرة لولا رجاء العميد. (خامساً) بشكوى الآنسة فتحية حسين التي نسبت إلى المدعي اضطهادها في الامتحان لكونها محافظة لا تتصل به ولا تتودد إليه ولا تزوره في حجرته، ومن أجل هذا رسبت في مادة الاجتماع في الدورين الأول والثاني. وقد قرر المدعي أن هذه الطالبة كانت موضع عطفه لنقص قواها العقلية، وأنها رسبت في مواد أخرى كثيرة، وإنما قدمت شكواها أملاً في إعادة تصحيح ورقة إجابتها مدفوعة إلى ذلك بإيعاز من بعض خصومه (سادساً) بأقوال الشهود من زملاء المدعي من الأساتذة. وقد رد على هذه الأقوال بوجود ضغائن بينه ويبنهم لأسباب أورد ذكرها. أما عن التهمة الثانية الخاصة بمحاباة المدعي طلبه قسم الاجتماع واضطهاده طلبة قسم الفلسفة فقد جاء في حيثيات لجنة التطهير أن رئيس لجنة رصد الدرجات بالسنة الرابعة في سنة 1951 شهد بأنه لاحظ انخفاض مستوى درجات طلبة قسم الفلسفة في مادة الاجتماع فأبلغ العميد بذلك، ولما وصلت هذه الملاحظة إلى علم المدعي عمد إلى رفع درجات الطلبة أنفسهم في الامتحان الشفوي. وقد قام دفاعه على أن كثرة عدد الراسبين في مادة الاجتماع من طلبة قسم الفلسفة وانخفاض مستواهم في الامتحان التحريري ليس دليلاً على عدم عدالة الممتحن، بل هو من الأمور العادية، خاصة وأن نسبة النجاح كانت 50% وأن التفاوت بين مستوى التقديرات في الامتحانين التحريري والشفوي أمر طبيعي لاختلاف المقاييس في كل الامتحانين. ولا غرابة في تفوق طلبة قسم الاجتماع على طلبة قسم الفلسفة في علم الاجتماع؛ إذ هو علم أساسي في القسم الأول دون الثاني. واستطردت المحكمة إلى أن المشرع وهو بصدد تطهير الأداة الحكومية وإعادة تنظيمها على أسس جديدة لم يشترط لفصل الموظف أن تكون الوقائع المنسوبة إليه ثابتة في حقه على وجه قاطع وإنما رأى الاكتفاء في هذا المقام بما قد يعلق به من شوائب أو شبهات قوية تمس كرامة الوظيفة أو الشرف أو حسن السمعة، وأن هذه الحالة قائمة بالمدعي بسبب تعدد الشكاوى المقدمة في حقه واتحاد موضوعها تقريباً؛ إذ العبرة في الحديث عن حسن السمعة هي بما تثيره الشائعات من وقائع وإن لم يقم عليها دليل قاطع إلا أنها في ذاتها تكون عناصر الشبهة القوية. وقد شهد بسوء سمعة المدعي أعضاء هيئة التدريس الذين هم زملاؤه على النحو الواضح من التحقيقات التي أجرتها لجنة التطهير وهي لجنة محايدة لا صلة لها بأحد ممن شهدوا ضده. كما أنه نقل في سنة 1946 على إثر شكوى الآنسة إنعام الصغير إلى كلية دار العلوم، ثم أعيد ثانية إلى كلية الآداب بعد مدة وجيزة وكان لذلك كله دوى بالغ الأثر في اجتماعات الجامعة العربية على ما شهد به البعض أمام لجنة التطهير. ولا شك أن الأستاذ الجامعي يجب علاوة على تمتعه بحسن السمعة أن يكون محل ثقة أولياء أمور الطلبة والطالبات، وكذا محل الثقة في تقدير درجات الامتحانات. ولما كان ما نسب إلى المدعي يستند إلى أصول صحيحة ثابتة بالأوراق فإن فصله بالتطبيق لأحكام المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 يكون قد وقع صحيحاً وتكون دعواه بالنسبة إلى طلب التعويض غير قائمة على أساس سليم من القانون حقيقة بالرفض.
ومن حيث إن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعن في الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 21 من يونيه سنة 1956 طالباً "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض طلب التعويض، وإعادة القضية إلى محكمة القضاء الإداري للفصل مجدداً في موضوع طلب التعويض". وبنى طعنه على الأسباب الآتية:
أولاً - لم ترد أسباب الحكم على تقرير هيئة مراقبة الأداة الحكومية بمجلس قيادة الثورة مع أنه دفاع جوهري للمدعي, وقد ضم هذا التقرير إلى أوراق الدعوى بناء على قرار من المحكمة.
ويبين منه أنه انتهى إلى أن المدعي مثل للمربي الفاضل والجامعي المثالي والعالم المتمكن، المتمسك بالحق الشديد فيه، المحب للنظام، وأنه يجب إجراء تحيق نزيه يرد إليه حقه المسلوب وكرامته التي تعرضت للمهانة وأن يعاد إلى منصبه السابق وكيلاً لكلية الآداب. وعدم تمحيص هذا الدفاع الجوهري يكون قصوراً يعيب الحكم ويبطله.
ثانياً - ذهبت أسباب الحكم إلى أنه على الرغم مما قام به المدعي من تحليل وقائع كل شكوى عل حدة فإن تعدد الشكاوى واتحاد موضوعها هو دليل قوي في حد ذاته على توافر الشبهة التي تعلق بسلوكه، وأنه ليس يغير من ذلك ما اتضح من أنه لم يحاب أو يضطهد أحداً في الدرجات. وهذا قصور يعيب الحكم ويبطله ما دام سياق الأسباب لا يؤدي إلى توافر الشبهة القوية التي قالت بها المحكمة.
ثالثاً - صرفت أسباب الحكم النظر عما سجلته من وجود خصومة بين المدعي والشهود بمقولة إن العبرة بما هو معروف عنه من ميول تؤيدها الوقائع، على حين أن هذه الوقائع قوامها الشكاوى التي سلمت المحكمة بتحليل المدعي لكل منها على حدة؛ ومن ثم فإن الحكم يصبح غير محمول على أسباب تبرره، وفي هذا قصور يعيبه ويبطله. وبذلك تكون قد قامت به الحالة الثانية من أحوال الطعن في الأحكام أمام المحكمة الإدارية العليا المنصوص عليها في المادة 15 من قانون مجلس الدولة.
ومن حيث إن المدعي أودع سكرتيرية المحكمة في 8 من سبتمبر سنة 1956 مذكرة بملاحظاته طلب فيها من باب الاحتياط الكلي إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به بالنسبة إلى طلب التعويض والقضاء بإلزام الحكومة بأن تدفع له مبلغ ثلاثين ألفاً من الجنيهات مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وقال تبريراً لذلك إن صلابته في الحق وكشفه قبيل فترة التطهير عن مخالفات ارتكبها بعض أعضاء هيئة التدريس خلقاً له خصوماً أقوياء هم الذين تزعموا المؤامرات التي دبرت ضده أثناء التطهير؛ من ذلك حادث الطبيب سيد عفت الذي رجاه أن يحابي ابنته في علم الاجتماع ويزيد درجاتها، فقد أوجد هذا الحادث خصومة بينه وبين ثلاثة من أساتذة كلية الآداب جاملوا هذا الطبيب في شئون امتحان ابنته على حساب الحق والنزاهة وثبتت إدانتهم، ولكن بعض ذوي النفوذ في الجامعة وقتذاك تحايلوا للتستر عليهم حتى اكتفى بتوجيه لوم شفوي إلى البعض منهم دون تقديمهم للمحاكمة التأديبية، وهؤلاء هم الذين تولوا أكبر قسط من المؤامرة التي حيكت ضده وتقدموا بشكاوى تتضمن مفتريات أخذت بها لجنة التطهير. ومن ذلك أيضاً حادث الدكتور إسماعيل معتوق المدرس بكلية الآداب الذي قدم في سنة 1952 إلى مجلس التأديب فحكم المجلس بتنزيله وكان المدعي عضواً فيه ونسب إليه أنه هو الذي وجه المجلس إلى الحكم بهذه العقوبة الأمر الذي أوغر صدر هذا المدرس وجعله يشترك ضده في مؤامرة التطهير. وثمة حادث الشيخ أمين الخولي الأستاذ بكلية الآداب سابقاً الذي اشتد النزاع بينه وبين إدارة الكلية التي كان المدعي وكيلاً لها، وقد عرض النزاع على مجلس الكلية في سنة 1952 مع تقرير قدمه الأستاذ المذكور بوقائع ثبت عدم صحتها في جملتها وتفاصيلها، فأصدر المجلس بإيحاء المدعي قراراً بذلك أبلغه إلى الأستاذ الخولي الذي ثارت حفيظته وظل يتربص الدوائر حتى إذا لاح التطهير انضم إلى الكائدين وتقدم إلى لجنة التطهير بشكوى ملفقة ضد المدعي أخذت بها اللجنة. وقد تعاون مع هؤلاء الخصوم الخمسة متآمر سادس هو أنور الحلبي المتخرج في قسم الفلسفة وهو موتور من المدعي؛ لأنه رفض قبوله بقسم الماجستير. واتفق الجميع فيما بينهم على الأسلوب الذي يتبعونه في التقدم بشكاواهم لإضفاء مسحة الجدية عليها. كما قدمت شكوى من خمسة عشر عضواً من أعضاء هيئة التدريس، بيد أن هذه الشكوى ليست ضد المدعي بالذات، بل ذكر فيها مقدموها أنهم يرون تنحية عميد الكلية ووكيلها وآخرين عن وظائفهم الإدارية مؤقتاً أثناء فترة التطهير وقد سار التحقيق في لجنة التطهير سيراً عوجاً يؤدي إلى طمس الحقيقة وإلباس الباطل ثوب الحق وتحقيق أغراض المتآمرين، حتى انتهى بصدور القرار بفصل المدعي. وقد تقدم هذا الأخير عقب ذلك إلى مجلس قيادة الثورة وأولياء الأمور بشكاوى عهد بتحقيقها إلى هيئة مراقبة الأداة الحكومية التي انتهت إلى براءته من جميع ما نسب إليه، وأثبتت ذلك في تقريرها الذي تنكر الحكومة قيمته بدعوى أنه صادر من جهة غير مختصة. ومهما يكن من أمر هذا التقرير فإنه لا أساس للمتهمتين اللتين أسندتهما لجنة التطهير إلى المدعي. أما التهمة الأولى وهي اضطهاده لطلبة قسم الفلسفة فإن استدلال اللجنة عليها فاسد، لأن نجاح 50% فقط من مجموع الطلبة شيء لا يجاوز المألوف في كلية الآداب ولا يدل بذاته على الاضطهاد، ولأنه ليس بلازم أن تتفق درجات التحريري ودرجات الشفوي لاختلاف النواحي العقلية التي يقيسها كل من الامتحانين وتفاوت ظروفهما وفرص النجاح فيهما. كما أنه لا وجه للاعتداد برأي أستاذ اللغات الشرقية وهو من ألد خصوم المدعي في مادة علم الاجتماع التي لا صلة له بها مطلقاً. وأما التهمة الثانية وهي تودده للمطالبات فإن اللجنة قد جانبت الصواب في أخذها بالدليلين اللذين أيدت بهما هذه التهمة. ويتعلق الدليل الأول بثلاث شكاوى لثلاث طالبات في سنة 1946، 1951، 1952، وحقيقة الأمر أن الشكوى الأولى قدمت من طالبة لبنانية كانت تدرس على نفقة كلية المقاصد ببيروت التي حددت لها في مصر مدة تنتهي بامتحان الدور الأول سنة 1946. ولكن الطالبة رسبت في مادة علم الاجتماعي في هذا الدور، وكان رسوبها سيعرضها لفصلها من البعثة، فسولت لها نفسها أن تتقدم بهذه الشكوى لتنقذ مستقبلها بإثارة الشك حول رسوبها. وعلى الرغم من ترحيب العميد بهذه الشكوى للنيل من المدعي فإن مجلس الجامعة أصدر قراراً ينطوي على نفي هذه التهمة نفياً قاطعاً. أما الشكوى الثانية فقد أوعز بها خصوم المدعي إلى طالبة راسبة إلى أن التحقيق أسفر عن كذبها فلم يسع الشاكية إلا الاعتذار وطلب سحب شكواها. وأما الشكوى الثالثة فقد تقدمت بها طالبة تعاني نقصاً في قواها العقلية أثناء فترة التطهير بناء على إملاء خصوم المدعي الذين منوها بإعادة النظر في إجابتها، وقد تبين من التحقيق أنها شكوى كيدية مملاة، فلم يكن من المطالبة إلا أن سحبتها ومزقتها، ثم عادت وتقدمت بها ثانية إلى لجنة التطهير. وقد أبدى المدعي دفاعه في هذه الشكاوى أمام لجنة التطهير وطلب إليها تحقيقه. كما قدمت الكلية إلى اللجنة المستندات والوثائق الرسمية التي لديها والتي تقطع بنزاهة المدعي وتلفيق التهم، وجاءت شهادة العميد نفسه مؤيدة لذلك كله، ولكن اللجنة تجاهلت جميع ما قدم لها وجميع ما ورد على لسان العميد مما يثبت بطلان الشكاوى وفسادها، ولم تجب المدعي إلى ما طلبه من سماع شهود من الطلبة وأعضاء هيئة التدريس وإعادة تصحيح أوراق الشاكيات، وإنما أثبتت في تقريرها إلى مجلس الوزراء مفتريات خصوم المدعي وأخفت عن المجلس جميع الحقائق الرسمية وحرفت الكلم عن مواضعه ومسخت أقوال الشهود لتنتزع منها دليلاً على الإدانة ولجأت إلى ضروب من التزييف ألبست بها الباطل ثوب الحق. وأما الدليل الثاني الذي استندت إليه لجنة التطهير في تهمة التودد إلى الطالبات فهو شهادة خصوم المدعي الخمسة المبينة على السماع وهي لا تصلح دليل إثبات لقيامها على تناقل غامض غير محدد المصدر ولا مبين الوقائع، فضلاً عن صدورها من ألد الخصام. ومع ذلك فقد اعتنقتها اللجنة وأنزلتها منزلة التقديس وأبت أن تسمع أقوال الشهود العدول الذين يظاهرون المدعي ويؤيدون براءته. وقد انتقل المدعي في مذكرته بعد ذلك إلى مناقشة الحكم المطعون فيه، فأخذ عليه أموراً ثلاثة هي: (1) بطلان الأسباب التي اعتمد عليها. (2) انطواؤه على تناقض ظاهر وكون مقدماته لا تؤدي إلى النتيجة التي رتبها عليها. (3) إغفاله إغفالاً تاماً لكثير من العناصر الهامة في القضية. أما عن (الوجه الأول) فليس بصحيح أن شكاوى الطالبات في حق المدعي قد تعددت لدرجة تبعت على الريبة، إذ أنها لم تجاوز ثلاث شكاوى كيدية قدمت خلال مدة خدمته في التعليم الجامعي التي بلغت زهاء ربع قرن، وهذا أمر طبيعي يقع عادة عقب كل امتحان. كما أن هذه الشكاوى لم تتحد في موضوعها بل جاءت متضاربة متناقضة تحمل في طياتها دليل بطلانها ولا اتفاق بينها إلا في الباعث على تلفيق ما اشتملت عليه. وكونها قدمت من طالبات في المرحلة النهائية من الدراسة بالجامعة لا يبرئها حتماً من الكذب. وليس بصحيح كذلك ما ذكره الحكم من أن زملاء المدعي من أعضاء هيئة التدريس, شهدوا بسوء سمعته؛ إذ أن عدد من شهد بذلك هم خمسة فقط من هؤلاء الأعضاء البالغ عددهم مائة وخمسون. ولو أنه كان سيء السمعة حقاً لما انتخب وكيلاً لكلية الآداب وعضواً بلجنة الترقيات عدة سنوات ثم عضواً بمجلس الجامعة. أما نقله إلى كلية دار العلوم وعودته بعد فترة قصيرة إلى كلية الآداب فقد أولته المحكمة تأويلاً خاطئاً. وقد شرع القانون لفصل الموظفين طريقين: الطريق التأديبي ويشترط للفصل بمقتضاه ثبوت التهمة بالدليل القاطع، والطريق الإداري ولا يشترط فيه أن يكون القرار مسبباً. وقد سلك المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 في فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي سبيلاً خاصاً في مدة حددها. فلا يقع الفصل إلا للأسباب التي نص عليها، ويلزم أن يكون قرار الفصل مشتملاً على سببه. وإذا كان القانون لم يشترط قيام الدليل القاطع على صحة ما نسب إلى الموظف فإنه يستلزم أن تعلق به شبهات قوية تمس كرامة الوظيفة أو النزاهة أو الشرف أو حسن السمعة، ولا تتحقق هذه الشبهات إلا إذا قامت على صحتها قرائن تقرب من الدليل اليقيني وإن لم تكن قاطعة لتسجيل الإدانة أمام الهيئات التأديبية العادية. فإذا ما تخاذلت هذه القرائن فلا وزن لها، ومن باب أولى إذا ما قام الدليل على بطلانها, وهذا هو حال الشكاوى التي قدمت في حق المدعي. أما من (الوجه الثاني) فإنه على الرغم من أن المحكمة سلمت بأن المدعي حلل وقائع كل شكوى ورد عليها فإنها خلصت من ذلك إلى أن هذه الوقائع في ذاتها تكون عناصر الشبهة القوية وهذا تناقض ظاهر؛ إذ أن الأمور الباطلة لا تنتج أثراً صحيحاً. هذا إلى أن المحكمة أثبتت أن المدعي لم يحاب أو يضطهد أحداً في الدرجات، وبذا انهارت إحدى التهمتين اللتين فصل من أجلهما وهي تهمة الاضطهاد، كما انهارت دعامة التهمة الثانية لارتكازها على الأولى, ولا يتأتى مع هذا القول بأن ذلك لم يغير شيئاً من الاتهام. كما أن المحكمة سجلت عدم صحة الشكاوى التي قدمت ضد المدعي ومع ذلك رتبت حكمها عليها دون أن تناقش التحقيقات التي أجرتها الجهات الرسمية في صددها، وكذلك عولت على شهادة شهود أقرت بوجود خصومة ثابتة بينهم وبين المدعي وأغفلت التعليق على أقوال من شهدوا لصالحه ومنهم العميد. وأما عن (الوجه الثالث) فإن الحكم المطعون فيه لم يناقش تقرير هيئة مراقبة الأداة الحكومية ولم يرد على شيء مما جاء به، كما لم يرد على دفاع المدعي الوارد بمذكراته تعقيباً على تقرير السيد المفوض، ولم يحاول تفنيد السبب الرئيسي الذي بنى عليه المدعي طعنه أو تجريح الوثائق التي استند إليها في مذكراته وأخصها كتاب وزير المعارف والرئيس الأعلى للجامعة في شأن شكوى الطالبة إنعام الصغير الذي يتضمن نفياً صريحاً لأهم تهمة ألصقت بالمدعي وفصل بسببها من وظيفته. وقد أودع المدعي سكرتيرية المحكمة في 21 من فبراير سنة 1957 مذكرة ردد فيها دفاعه السابق وأعاد فيها مناقشة التهمتين اللتين أسندتهما إليه لجنة التطهير للتدليل على أن اللجنة افترت عليه وأنها ضللت بمجلس الوزراء الأمر الذي كشفت عنه هيئة مراقبة الأداة الحكومية، وانتهى من ذلك إلى التصميم على طلباته.
ومن حيث إن الشارع لم يمنع سماع طلب التعويض عن قرارات الفصل الصادرة بالتطبيق لأحكام المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 في شأن فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي كما فعل في المادة السابعة من هذا المرسوم بقانون بالنسبة إلى طلب إلغائها أو وقف تنفيذها. وبذا بقيت ولاية القضاء الإداري كاملة بالنسبة إلى طلب التعويض عن هذه القرارات، شأنها في ذلك شأن القرارات الإدارية الأخرى. بيد أن المسئولية عن ذلك منوطة بأن يكون القرار معيباً وأن يترتب عليه ضرر وأن تقوم علاقة سببه بين عدم مشروعية القرار أي بين خطأ الإدارة وبين الضرر الذي أصاب الفرد. فإذا كان القرار الإداري سليماً مطابقاً للقانون فلا تسأل الإدارية عن نتائجه مهما بلغت جسامة الضرر الذي يلحق الفرد من تنفيذه؛ فقد نصت المادة الثامنة من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة في فقرتها التاسعة على أنه "ويشترط في الطلبات المنصوص عليها في البنود (ثالثاً) و(رابعاً) و(خامساً) و(سادساً) أن يكون مرجع الطعن عدم الاختصاص أو وجود عيب في الشكل أو مخالفة القوانين أو اللوائح أو الخطأ في تطبيقها وتأويلها أو إساءة استعمال السلطة". وقد تناول البند (خامساً) من هذه البنود "الطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات الإدارية الصادرة بإحالتهم إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم من غير الطريق التأديبي". كما نصت المادة التاسعة من القانون المذكور على أن "يفصل مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيره في طلبات التعويض عن القرارات المنصوص عليها في المادة السابقة إذا رفعت إليها بصفة أصلية أو تبعية". وكان هذا هو الحكم الذي تضمنته المادتان الثالثة والرابعة من القانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة، وكذلك المادة 18 من قانون نظام القضاء رقم 147 لسنة 1949 التي نصت في البند (2) منها على اختصاص المحاكم العادية بالفصل "في دعاوى المسئولية المدنية المرفوعة على الحكومة بسبب إجراءات إدارية وقعت مخالفة للقوانين واللوائح". وواضح من هذه النصوص أن المشرع قد جعل مناط مسئولية الإدارة عن القرارات الإدارية التي تسبب أضرار للغير هو وقوع عيب في هذه القرارات من العيوب المنصوص عليها قانوناً، فإذا انتفى هذا العيب فلا مسئولية على الإدارة مهما ترتب على القرار من أثر أضر بالأفراد.
ومن حيث إن القرار الصادر بفصل الموظف استناداً إلى المرسوم بقانون 181 لسنة 1952 يجب كأي قرار إداري آخر أن يقوم على سببه المبرر له قانوناً، وهو قيام حالة واقعية أو قانونية تسوغ صدور هذا القرار. فإذا انعدم هذا السبب أو كان غير صحيح أو منتزعاً من غير أصول موجودة في الأوراق أو كان غير مستخلص استخلاصاً سائغاً من أصول ثابتة تفضي إلى النتيجة التي يتطلبها القانون، أو كان تكييف الوقائع على فرض وجودها مادياً لا يؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها القرار، كان القرار فاقداً لركن من أركانه هو ركن السبب ووقع معيباً مخالفاً للقانون وحق التعويض عنه إذا توافرت باقي الشروط اللازمة لاستحقاق التعويض. أما إذا كانت النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول ثابتة تنتجها مادياً وقانوناً فإن القرار يكون قد قام على سببه وبريء من العيب وجاء مطابقاً للقانون، ومن ثم فلا يكون هناك محل للتعويض عنه.
ومن حيث إن المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 نص في مادته الأولى على أن "يكون فصل الموظفين العامين غير الصالحين للعمل، أو الذين تعلق بهم شوائب أو شبهات قوية تمس كرامة الوظيفة أو النزاهة أو الشرف أو حسن السمعة على الوجه المبين في المواد الآتية". وقد تكلفت هذه المواد بتقرير الضمانات التي رأى المشرع أن يوفرها لإمكان تطبيق حكم المادة الأولى في حق الموظف، وذلك من حيث الأداة التي يتم بها الفصل أو الهيئة التي تتولى فحص حالة الموظف قبل الموافقة على فصله أو الآثار التي تترتب على هذا الفصل فيما يتعلق بمعاشه أو مكافأته أو المدة التي تضم إلى مدة خدمته وما يتبع ذلك من فروق مالية. وتحقيقاً للعدالة وحتى لا يؤخذ أحد بغير دليل خول المشرع في المادة الخامسة من المرسوم بقانون سالف الذكر اللجان المنوط بها النظر في أمر الموظفين أن تقوم في سبيل أداة مهمتها بسماع أقوال الموظفين والاطلاع على الملفات والأوراق وطلب البيانات التي ترى لزومها، وكذا تفويض أحد أعضائها في القيام بعمل من أعمال البحث أو التحقيق. وقد كشفت المذكرة الإيضاحية لهذا المرسوم بقانون عن الأهداف التي صدر هذا التشريع لتحقيقها بعد إذ لمس القائمون بالأمر مبلغ الفساد الذي تفشى في البلاد حتى امتد أثره إلى الأداة الحكومية وأدركوا ضرورة معالجة هذه الحالة علاجاً حاسماً سريعاً، وذلك بفصل الموظفين غير الصالحين سواء منهم غير القادر على أداء الوظيفة أو القادر غير المنتج أو القادر المنتج الذي لا يلائمه العهد الجديد، وكذلك كل من تعلق بهم شوائب أو شبهات قوية تمس كرامة الوظيفة أو النزاهة أو الشرف أو حسن السمعة. وقد عمد المشرع وهو بسبيل تطهير الأداة الحكومية من أدران الفساد وإعادة تنظيمها لإقامة الحكم على أسس قوية سليمة إلى الاكتفاء بالشوائب أو الشبهات القوية خلافاً للأصل العام في التأثيم؛ إذ أجاز صراحة فصل الموظف استناداً إلى أحكام المرسوم بقانون المشار إليه متى علقت به شوائب أو شبهات، ولم يقيد ذلك إلا بأن تكون هذه الشوائب أو الشبهات قوية أي جدية، دون أن يتطلب أن تكون الوقائع المنسوبة إلى الموظف ثابتة في حقه على وجه يقيني قاطع، أو أن تكون في ذاتها قاطعة في خروجه على كرامة الوظيفة أو على مقتضيات النزاهة أو الشرف أو حسن السمعة؛ ذلك أن المادة الأولى من المرسوم بقانون المتقدم ذكره قد فرقت بين طائفتين من الموظفين: طائفة الموظفين غير الصالحين للعمل، وهم غير القادرين على أداء الوظيفة، أو القادرون غير المنتجين، أو القادرون المنتجون الذين لا يلائمهم العهد الجديد. وطائفة الموظفين الذين بهم تعلق شوائب أو شبهات قوية تمس كرامة الوظيفة أو النزاهة أو الشرف أو حسن السمعة، وهؤلاء لا يشترط أن تقوم بهم أسباب عدم الصلاحية السابقة، بل يتعلق الأمر بسلوكهم المرتبط بالوظيفة أو المنعكس عليها. وقد ذهب المشرع في الحرص على كرامة الوظيفة وطهارة السمعة ونظافة الحكم ونزاهته إلى إقصاء الموظف الذي تعلق به شوائب أو شبهات عبر عنها بأنها "تمس" هذه الأمور مجرد مساس وإن لم تنل منها أو تخل بها بالفعل، واجتزأ في سبيل تحقيق هذه الغاية عن الدليل القاطع بمجرد الشوائب أو الشبهات القوية. وإذ كان منزهاً عن إيراد المترادفات ولم يجمع بين الشوائب والشبهات بل ذكرهم على سبيل البدل فإن مدلول كل منهما يختلف عن الآخر، وقيام أيهما يكفي لإنزال حكم النص. وإذا كانت طبيعة الشبهات أنها لا ترقى إلى مرتبة الدليل الحاسم ولا تخلو, من الشك فإن الشوائب أضعف دلالة وأدنى مرتبة من ذلك، ومع هذا فقد اعتد بها المشرع ورتب عليها أثراً قانونياً حاسماً في شأن مصير الموظف الذي تعلق به. وفي ضوء هذا التفسير المعبر عن قصد الشارع يتعين بحث حالة الموظف المفصول بالتطبيق لحكم الشق الثاني من المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952.
ومن حيث إن رقابة القضاء الإداري القانونية لقيام السبب المسوغ لفصل الموظف وهو تعلق الشوائب أو الشبهات به وفقاً لما تقدم، والتحقق من مدى مطابقة أو عدم مطابقة هذا السبب للقانون - لا تعني أن يحل القضاء الإداري نفسه محل الجهة الإدارية المختصة فيما هو متروك لتقديرها ووزنها فيستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما قام لدى الإدارة من دلائل وبيانات وقرائن أحوال إثباتاً أو نفياً في خصوص قيام أو عدم قيام الحالة الواقعية التي تكون ركن السبب، أو أن يتدخل في تقدير خطورة هذا السبب وما يمكن ترتبيه عليه من آثار، بل إن الإدارة حرة في تقدير تلك الدلائل والبيانات وقرائن الأحوال تأخذها دليلاً إذا اقتنعت بها وتطرحها إذا تطرق الشك إلى وجدانها، كما أنها حرة في تقدير خطورة السبب وتقدير مدى ما ترتبه عليه من أثر، ولا هيمنة للقضاء الإداري على ما تكون منه الإدارة عقيدتها واقتناعها في شيء من هذا، وإنما الرقابة التي للقضاء المذكور في ذلك تجد حدها الطبعي - كرقابة قانونية - في التحقق مما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار مستمدة من أصول موجودة أو غير موجودة، وما إذا كانت هذه النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانوناً أم لا. ويتوقف على وجود هذه الأصول أو عدم وجودها، وعلى سلامة استخلاص النتيجة التي انته إليها القرار من هذه الأصول أو فسادها، وعلى صحة تكييف الوقائع بفرض وجودها مادياً أو خطئها - يتوقف على هذا كله قيام ركن السبب في القرار الإداري ومطابقته للقانون أو فقدان هذا الركن ومخالفة القرار للقانون.
ومن حيث إنه قد بان للمحكمة من الأوراق وبوجه خاص من التحقيق الذي أجرته لجنة فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي بجامعة القاهرة، ومن الشكاوى المختلفة المصادر المقدمة من فريق من أعضاء هيئة التدريس بكلية الآداب بالجامعة المذكورة وكذا من الطالبات ومن الخريجين، ومن الشواهد المتواترة العديدة التي حفلت بها هذه الأوراق والتي لا وجه للخوض في تفاصيلها وفي تقدير الدليل المستخلص منهما في مقام إعمال الرقابة القانونية التي للقضاء الإداري على القرار الصادر بفصل المدعي بالتطبيق لأحكام المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952، أنه مهما يكن من دفاع المدعي في شأن ما أسند إليه سواء فيما يتعلق بأمر محاولته الاتصال بالطالبات اتصالاً مريباً وتودده إليهن واضطهاده لمن تعرض عنه منهن وسخريته بها أو فيما يختص باضطهاده لطلبة قسم الفلسفة وتعمده خفض مستوى درجاتهم ليجعل لطلبة قسم الاجتماع التابع له حظوة وأفضلية عليهم ويحملهم وغيرهم على إيثار هذا الأخير على قسم الفلسفة، مهما يكن من أمر هذا الدفاع وإن صح في بعض نقطه فإن ثمة مغزى عاماً يستفاد من مجموع الظروف التي أحاطت بالمدعي ومن جملة العناصر التي أبرزها في حقه التحقيق الذي قامت به لجنة التطهير وهي لجنة محايدة شكلت من فضلاء ولا مطعن على تجردها من التأثر أو الهوى؛ ذلك أنه وهو الأستاذ الجامعي القائم على تدريس مادة الاجتماع، الذي تسنم في يوم ما منصب وكيل كلية الآداب، والذي كان ينبغي أن يضرب المثل العليا لكل من زملائه وطلبته على السواء، لم يستطع أن يحفظ للجو العلمي الجامعي صفاءه وترفعه عن الترهات؛ إذ اختلف بحق أو بغير حق مع زهاء خمسة عشر من زملائه أعضاء هيئة التدريس، فإذا بينه وبينهم عداوة تحيل ما كان يجب أن يسود هذه الزمرة من الإخوان من وئام وحسن تفاهم وتعاون متبادل في سبيل مصلحة التعليم العالي والخير العام إلى معركة مستعرة الأوار ترتع في ساحتها المكائد والدسائس والأحقاد إضراراً بالصالح العام. هذا إلى أنه قدمت في حقه في مختلف الأزمان شكاوى عديدة بعضها سابق على التطهير ببضع سنوات، ولا شبهة فيه للإيعاز أو التدبير بمناسبة التطهير من قبل الكائدين من خصومه وأعدائه، كما لا إيحاء فيها أو افتعال لانعدام الاتصال بين مقدميها، وقد اتحدت هذه الشكاوى في صفة أربابها وهي أنهن جميعاً من الطالبات دون الطلبة وتقاربت في موضوعها وهو تأذيهن من سلوكه إزاءهن سواء خلال الدرس أن خارجه سلوكاً عددته ماساً بالحياء وأجمعن على استنكاره لخدشه لكرامة الأنوثة، وخشيتهن من اضطهاده لهن في الامتحان لعدم استجابتهن إلى تودده. ولا ريب أن تواتر الشكاوى على هذا النحو وتماثل موضوعها وتلاحق الشائعات في أعقابها بين الأساتذة والطلبة داخل نطاق الجامعة ثم انطلاقها إلى بعض الأوساط في الخرج كل أولئك لا يخلو من دلالة لها تأثيرها في نفوس الطلبة وسمعة الكلية وكرامة التعليم الجامعي وكذا في الثقة الواجب توافرها في نتائج الامتحانات والاطمئنان إليها، كما لا يمكن أن يتجرد من مسحة من الصحة في أساسه ولا سيما أن من بين من شهدن بهذه الوقائع أمام لجنة التطهير من كن قد غادرن الكلية بعد تخرجهن فيها واشتغلن بالتدريس وبارحت نفوسهن كل شبهة في المصلحة الشخصية أو الغرض المسيطر. وقد أيد هذه الشائعات وأضاف إليها مثالب ومآخذ أخرى بعض من شهد في التحقيق أمام لجنة التطهير من زملاء المدعي أعضاء هيئة التدريس شهادة لا يجرحها زعمه بأنهم خصومة لأنها ليست الوحيدة بل هي مصداق لما شهد به غيرهم. يضاف إلى هذا فيما يتعلق باضطهاد المدعي لطلبة قسم الفلسفة ما شهد به البعض وبخاصة رئيس لجنة رصد الدرجات بالسنة الرابعة سنة 1951 من أنه لاحظ انخفاض مستوى درجات طلبة هذا القسم في مادة الاجتماع فلما أبلغ العميد ذلك عمل المدعي على رفع درجات الطلبة أنفسهم في الامتحان الشفوي إلى حد إيجاد مفارقة مستغربة بين درجات هذا الامتحان ودرجات الامتحان التحريري. هذا إلى ما شهد به آخرون من حدة المدعي مع زملائه وتعنته وولعه بالتحكم والسيطرة مع طلبته وفرض مؤلفاته عليهم. وقد انتهت لجنة فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي بجامعة القاهرة من هذا كله إلى أنه قد علقت بالمدعي شوائب وشبهات قوية تمس السمعة والشرف والنزاهة وكرامته كأستاذ في الجامعة، وأن حالته تقع تحت الفقرة الثانية من المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 وتبرر فصله. وقد صدر بذلك قرار مجلس الوزراء في 17 من ديسمبر سنة 1952. وإذا كانت هيئة مراقبة الأداة الحكومية وهي جهة لا ولاية ولا اختصاص لها في هذا الموضوع، قد حررت في 23 من مارس سنة 1953 تقريراً عكسياً بنته على تقديرها الخاص على ما استنتجته هي من اطلاعها على الأوراق لا على ما قامت به من تحقيق أو تحريات، فإن هذه الهيئة ذاتها قد عادت فعقبت على تقريرها هذا بتقرير مكمل في 26 من مايو سنة 1953 جاء فيه عن المدعي من الناحية الخلقية. "... (2) أنه أثناء وجوده بالكلية كان يقوم بتكليف بعض الطلبة بالعمل كجواسيس لحسابه على بقية الأساتذة والطلبة. ومن كان يرفض هذا كان يهدده بسقوطه في الامتحان، وغير خاف ما يمكن أن يحدثه هذا الجو بالكلية. (3) أن الأستاذ علي عبد الواحد مشهور عنه ميله نحو النساء بشكل له تأثير ضار لصالح الدراسة بالكلية. (4) أنه يقوم أثناء الرحلات بفصل الطالبات عن الطلبة بحجة حمايتهن من الطلبة، ولكن ذلك كان لأغراض شخصية. (5) أنه كانت له علاقة بطالبه متزوجة تدعي (نرجس) وقدمت شكوى ضده أمام لجنة التطهير. (6) أنه لميوله المعروفة عنه، كما سبق، كان يحاول أن يوجد علاقات استلطاف وخلافه مع طالبات من قسم الاجتماع. ويشاع أيضاً أنه كان يعطي بعضهم الامتحان، والطالبة التي كانت لا تستجيب ترسب في الامتحان. وكذلك كان يقف بالمرصاد للطلبة الذين ينافسونه في علاقته معهن. (7) نقل سيادته إلى كلية دار العلوم إثر حادث تقبيل طالبة سورية كانت تسكن في بيت الطالبات..: (9) عندما علم الطالبات بأنه توجد فكرة لإعادة الأستاذ علي عبد الواحد إلى الكلية ثرن وصعدن للإدارة للاحتجاج على ذلك. (10) قدم بعض الطالبات من السنة الثالثة بقسم الاجتماع التماساً موقعاً بعدم إعادة الأستاذ علي عبد الواحد.. (12) انقسمت كلية الآداب إلى قسمين: قسم صغير ينادي برجوع الأستاذ علي عبد الواحد وهم جميعاً من الإخوان المسلمين الموجودين بقسم الاجتماع بالكلية، وقسم آخر كبير ينادي بعدم عودته وهو مكون من الطالبات وبقية طلبة قسم الاجتماع. ويقال إنه يفرض كتبه الكثيرة على الطلبة بالكلية... لذا فإننا نرى حرصاً على الصالح العام وعلى جعل معاهد العلم فوق مستوى الشبهات، أن يظل الأستاذ المذكور بعيداً جداً عن هذه الكلية".
ومن حيث إنه يخلص من كل ما تقدم أن ثمة شوائب وشبهات قوية علقت بالمدعي تمس كرامة الوظيفة والنزاهة والشرف وحسن السمعة كأستاذ بالجامعة، وأن هذه الشوائب والشبهات مستخلصة استخلاصاً صحيحاً سائغاً من أصول تؤيدها ثابتة في عيون الأوراق، وهي كما سلف البيان تكفي في ذاتها لتطبيق حكم الشق الثاني من المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 في حقه مهما كان من أمرها؛ إذ كلما سما مركز الوظيفة كلما زاد عبء شاغلها في المحافظة على كرامتها وزادت درجة مؤاخذته لأدنى شبهة على أقل تفريط في هذا الواجب أو إخلال به؛ ومن ثم فإن القرار الصادر من مجلس الوزراء في 17 من ديسمبر سنة 1952 بفصل المذكور من الخدمة بناء على ذلك يكون قد وقع صحيحاً مطابقاً للقانون, ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدعوى بالنسبة إلى طلب التعويض قد صادف الصواب ولم يشب أسبابه أي قصور يعيبه أو يبطله، ويكون طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة بطلب إلغاء هذا الحكم فيما قضى به من رفض طلب التعويض في غير محله متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.


[(1)] راجع الأحكام السابق نشرها بالسنة الأولى من هذه المجموعة بنود 7 و11 و17 و18 و27 و44 و67.
[(2)] راجع الحكم المنشور بالسنة الأولى من هذه المجموعة بند 67 صفحة 555.