مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية - العدد الثاني (من أول فبراير إلى آخر مايو سنة 1957) - صـ 1037

(106)
جلسة 11 من مايو سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 599 لسنة 2 القضائية

قواعد الإنصاف - اقتصار أثرها على من عين من ذوي المؤهلات حتى 9/ 12/ 1944 دون المعينين بعد هذا التاريخ.
إن قواعد الإنصاف الصادر بها قرار مجلس الوزراء في 30 من يناير سنة 1944 إنما استهدفت إنصاف حملة المؤهلات الدراسية من الموظفين الذين كانوا فى خدمة الحكومة فعلاً وقت صدور هذه القواعد، فوضعوا بمقتضاها في درجات شخصية بعد حصر عددهم وتقدير الاعتمادات المالية اللازمة لهذا الغرض، ولما كان تنفيذ ذلك قد استغرق فترة من الزمن عين خلالها موظفون على مقتضى القواعد التي كان معمولاً بها قبل صدور قواعد الإنصاف ولم يشملهم هذا الإنصاف، فقد أصدرت وزارة المالية كتابها الدوري رقم 239 - 1/ 302 في 9 من ديسمبر سنة 1944 بسريان قواعد الإنصاف على هؤلاء تحقيقاً للمساواة بينهم وبين زملائهم الذين تناولهم الإنصاف ممن كانوا في الخدمة وقت صدور القواعد الخاصة به. أما من يعينون بعد هذا التاريخ فقد اشتراط لجواز تعيينهم وجود درجات في الميزانية تتفق ومؤهلاتهم حسب ما هو وارد بقواعد الإنصاف، وأن يكون الخصم بماهياتهم على ربط هذه الدرجات بالميزانية المختصة، وذلك تنفيذاً للنهي الوارد في قرار مجلس الوزراء عن تعيين ذوي المؤهلات مستقبلاً في غير الدرجات المقررة لمؤهلاتهم. وقد فرقت القرارات اللاحقة في الحكم بين من عين من ذوي المؤهلات قبل 9 من ديسمبر سنة 1944 ومن عين بعد هذا التاريخ، وذلك على أساس التأكيد بأن قواعد الإنصاف إنما يقتصر أثرها على من عين من الموظفين ذوي المؤهلات الدراسية حتى التاريخ المذكور فحسب. ومن ثم فإن من عين بعد هذا التاريخ لا يفيد فقط من القواعد المشار إليها.


إجراءات الطعن

في 26 من فبراير سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 599 لسنة 2 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارات الصحة العمومية والشئون البلدية والقروية والأوقاف بجلسة أول يناير سنة 1956 في الدعوى رقم 2890 لسنة 1 القضائية (محاكم) المقامة من محمد العزب المليجي ضد وزارة الشئون البلدية والقروية، القاضي: "باستحقاق المدعي لأن تسوى حالته طبقاً لقواعد الإنصاف بالدرجة الثامنة بمرتب قدره 500 م و6 ج من بدء التعيين، وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه، "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى، وإلزام المدعي بالمصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الشئون البلدية والقروية في 21 من مايو سنة 1956 وإلى المطعون عليه في 23 منه، وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 13 من إبريل سنة 1957. وقد أودع المطعون عليه سكرتيرية المحكمة في 21 من يونيه سنة 1956 مذكرة بملاحظاته دفع فيها بعدم قبول الطعن شكلاً لرفعه بعد الميعاد، وطلب في الموضوع تأييد الحكم المطعون فيه. مع إلزام الحكومة بالمصروفات، وبمقابل أتعاب المحاماة في كلتا الحالتين. ولم تقدم الحكومة مذكرات ما بملاحظاتها في الميعاد القانوني. وفي 17 من مارس سنة 1957 أبلغ الطرفان بميعاد الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم. وفي 21 من إبريل سنة 1957 أودع المطعون عليه مذكرة ثانية بملاحظاته صمم فيها على طلباته.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
عن الدفع بعدم قبول الطعن:
من حيث إن هذا الدفع يقوم على أن الطعن الحالي رفع إلى هذه المحكمة بعد فوات الميعاد القانوني وذلك بإعلانه بعد مضي أكثر من ستين يوماً من تاريخ صدور الحكم المطعون فيه، وهو الميعاد المنصوص عليه في المادة 15 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة. ومن ثم فإن الطعن يكون غير مقبول شكلاً.
ومن حيث إن المادة 15 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة نصت على أن الطعن الذي يقدمه رئيس هيئة مفوضي الدولة إلى المحكمة الإدارية العليا في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري أو المحاكم الإدارية في الأحوال التي بينتها هذه المادة يرفع خلال ستين يوماً من تاريخ صدور الحكم. وقد رسمت المادة 20 من القانون المشار إليه إجراءً معيناً خاصاً بنظام رفع الطلبات أمام القضاء الإداري، وهو وضع لا تصدق عليه أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية؛ إذ نصت على أن هذا الإجراء هو إيداع عريضة الطلب سكرتيرية المحكمة المختصة، وبه تنعقد المنازعة أو يرفع الطعن، ويكونان مقامين في الميعاد القانوني متى تم الإيداع خلال هذا الميعاد. أما إعلان عريضة الطلب أو الطعن ومرفقاتها بعد ذلك إلى الجهة الإدارية وإلى ذوي الشأن فليس ركناً من أركان إقامة المنازعة الإدارية أو رفع الطعن أو شرطاً لصحتهما، وإنما هو إجراء مستقل لا يقوم به أحد طرفي المنازعة أو رئيس هيئة مفوضي الدولة، بل تتولاه سكرتيرية المحكمة من تلقاء ذاتها، والمقصود منه هو إبلاغ الطرف الآخر أو ذوي الشأن بإقامة المنازعة الإدارية برفع الطعن، ودعوتهم جميعاً لتقديم مذكراتهم ومستنداتهم في المواعيد المقررة بطريق الإيداع في سكرتيرية المحكمة، وذلك تحضيراً للدعوى وتهيئة للطعن لكي يكونا صالحين للمرافعة، فإذا تمت هذه المرحلة عين تاريخ الجلسة التي تنظر فيها المنازعة أو الطعن، وتولت سكرتيرية المحكمة تبليغ تاريخ هذه الجلسة إلى ذوي الشأن، كل ذلك طبقاً للإجراءات والأوضاع التي نص عليها قانون مجلس الدولة، وهي تتميز بأن دور المحكمة في تحريكها والسير فيها هو دور إيجابي وليس سلبياً معقوداً زمامه برغبة الخصوم أو هيئة المفوضين. ومن ثم فإن الطعن يكون مقبولاً ما دام إيداع صحيفته سكرتيرية المحكمة قد تم في الميعاد القانوني بقطع النظر عن التاريخ الذي يتم فيه إعلانه إلى ذوي الشأن؛ إذ أن هذا الإعلان، كما سلف القول، هو إجراء مستقل بذاته له أغراضه وله آثاره، وهي إعلام ذوي الشأن بقيام الطعن وإيذانهم بافتتاح المواعيد القانونية لتقديم مذكراتهم ومستنداتهم خلالها كل في دوره، وذلك بطريق إيداعها سكرتيرية المحكمة [(1)].
ومن حيث إنه ثابت أن الحكم المطعون فيه صدر من المحكمة الإدارية لوزارات الصحة والشئون البلدية والقروية والأوقاف بجلسة أول يناير سنة 1956، وأن طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم قد أودعت عريضته سكرتيرية هذه المحكمة في 26 من فبراير سنة 1956، أي خلال ميعاد الستين يوماً المنصوص عليه في المادة 15 من القانون رقم 165 لسنة 1955. ومن ثم فإن هذا الطعن يكون مقبولاً شكلاً لرفعه في الميعاد القانوني، ويكون الدفع بعدم قبوله على غير أساس سليم من القانون متعيناً رفضه.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
عن الموضوع:
من حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون عليه رفع إلى اللجة القضائية لوزارة الشئون البلدية والقروية التظلم رقم 151 لسنة 2 القضائية بعريضة أودعها سكرتيرية اللجنة في 19 من أكتوبر سنة 1953، ذكر فيها أنه حصل على دبلوم المدارس الصناعية القسم الميكانيكي سنة 1937، وأنه عين بالإدارة الهندسية القروية الغربية في شهر مارس سنة 1948 في وظيفة ميكانيكي بالدرجة الثانية خارج الهيئة بمرتب قدره أربعة جنيهات شهرياً، وأنه يطلب أصلياً تسوية حالته بالتطبيق لقواعد الإنصاف الصادر بها قرار مجلس الوزراء في 30 من يناير سنة 1944، وذلك باعتباره في الدرجة الثامنة بمرتب قدره 5 و8 ج شهرياً من بدء تعيينه وما يترتب على ذلك من آثار وفروق، واحتياطياً تطبيق قواعد قانون المعادلات الدراسية رقم 371 لسنة 1953 على حالته مع إلزام الحكومة بالمصروفات، ومقابل أتعاب المحاماة في كلتا الحالتين. وقد ردت وزارة الشئون البلدية والقروية على هذا التظلم بأنه لما كان المتظلم حاصلاً على شهادة إتمام الدراسة بالمدارس الصناعية الابتدائية عام 1937، وكان قد دخل خدمة الحكومة ابتداء من أول أكتوبر سنة 1948 في وظيفة ميكانيكي عملية مياه في الدرجة الثانية سائرة بمرتب شهري قدره أربعة جنيهات، فإنه لا يفيد من قواعد الإنصاف لكونه معيناً بعد 9 من ديسمبر سنة 1944 تاريخ الانتهاء من العمل بهذه القواعد، كما لا تسري في حقه أحكام القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية لكونه غير معين على وظيفة دائمة داخل الهيئة. وقد أحيل هذا التظلم إلى المحكمة الإدارية لوزارات الصحة العمومية والشئون البلدية والقروية والأوقاف التي حلت محل اللجنة القضائية عملاً بالقانون رقم 147 لسنة 1954 وقيد برقم 2890 لسنة 1 القضائية (محاكم). وبجلسة أول يناير سنة 1956 قضت المحكمة المذكورة "باستحقاق المدعي لأن تسوى حالته طبقاً لقواعد الإنصاف بالدرجة الثامنة بمرتب قدره 500 م و6 ج من بدء التعيين، وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية"؛ وأقامت قضاءها على أن قواعد الإنصاف جاءت عامة مطلقة وغير مقيدة بأي قيد زمني سواء بالنسبة إلى المعينين قبل صدورها أو إلى من يعينون بعد ذلك. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 26 من فبراير سنة 1956 طلب فيها، للأسباب التي استند إليها، "قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى، وبإلزام المدعي المصروفات"؛ وأسس طعنه على أن قانون المعادلات الدراسية رقم 371 لسنة 1953 قد أنهى العمل بقواعد الإنصاف تصفية للأوضاع الشاذة القديمة بما لا يستساغ معه إحياء هذه القواعد التي قضى عليها التنظيم الجديد وحل محلها، ولما كان المطعون عليه من المستخدمين الخارجين عن الهيئة، فإنه لا يفيد من أحكام قانون المعادلات المشار إليه. وقد أودع المطعون عليه مذكرتين بملاحظاته ردد فيهما أسانيده السابقة وما ورد بالحكم المطعون فيه من أسباب.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بأن قواعد الإنصاف الصادر بها قرار مجلس الوزراء في 30 من يناير سنة 1944 إنما استهدفت إنصاف حملة المؤهلات الدراسية من الموظفين الذين كانوا في خدمة الحكومة فعلاً وقت صدور هذه القواعد، فوضعوا بمقتضاها في درجات شخصية بعد حصر عددهم وتقدير الاعتمادات المالية اللازمة لهذا الغرض، وأنه لما كان تنفيذ ذلك قد استغرق فترة من الزمن عين خلالها موظفون على مقتضى القواعد التي كان معمولاً بها قبل صدور قواعد الإنصاف ولم يشملهم هذا الإنصاف، فقد أصدرت وزارة المالية كتابها الدوري رقم 239 - 1/ 302 في 9 من ديسمبر سنة 1944 بسريان قواعد الإنصاف على هؤلاء تحقيقاً للمساواة بينهم وبين زملائهم الذين تناولهم الإنصاف ممن كانوا في الخدمة وقت صدور القواعد الخاصة به. أما من يعينون بعد هذا التاريخ فقد اشترط لجواز تعيينهم وجود درجات في الميزانية تتفق ومؤهلاتهم حسب ما هو وارد بقواعد الإنصاف، وأن يكون الخصم بماهياتهم على ربط هذه الدرجات بالميزانية المختصة، وذلك تنفيذاً للنهي الوارد في قرار مجلس الوزراء عن تعيين ذوي المؤهلات مستقبلاً في غير الدرجات المقررة لمؤهلاتهم. وقد فرقت القرارات اللاحقة في الحكم بين من عين من ذوي المؤهلات قبل 9 من ديسمبر سنة 1944 ومن عين بعد هذا التاريخ، وذلك على أساس التأكيد بأن قواعد الإنصاف إنما يقتصر أثرها على من عين من الموظفين ذوي المؤهلات الدراسية حتى التاريخ المذكور فحسب. ومن ثم فإن من عين بعد هذا التاريخ لا يفيد قط من القواعد المشار إليها.
ومن حيث إن المشرع أصدر في 22 من يوليه سنة 1953 القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية وعين في المادة الثانية منه الموظفين الذين يفيدون من أحكامه، ثم أصدر بعد ذلك القانون رقم 151 لسنة 1955 متضمناً تفسيراً تشريعياً للمقصود بهؤلاء الموظفين، وفي 14 من مارس سنة 1956 أصدر القانون رقم 78 لسنة 1956 محدداً مدلول ما سبق، ومستبدلاً بأحكام المادة الأولى من القانون رقم 151 لسنة 1955 الحكم الآتي: "تضاف إلى المادة 2 من القانون رقم 371 لسنة 1953 فقرة جديدة نصها كالآتي: ويقصد بالموظفين المنصوص عليهم في الفقرة السابقة الموظفون المعينون على وظائف دائمة داخل الهيئة أو على اعتمادات مقسمة إلى درجات دون الموظفين المعينين على وظائف مؤقتة والمستخدمين الخارجين عن الهيئة أو عمال اليومية". وبذلك قطع المشرع في استبعاد المستخدمين الخارجين عن الهيئة ضمن من استبعدهم من الإفادة من أحكام قانون المعادلات الدراسية.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المطعون عليه حصل على شهادة إتمام الدراسة بالمدارس الصناعية الابتدائية في سنة 1937، وأنه عين بمصلحة الشئون القروية بمجلس مديرية الغربية في وظيفة ميكانيكي عملية مياه على الباب الأول في الدرجة الثانية من (4/ 5) بماهية شهرية قدرها أربعة جنيهات اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1948، ثم تدرج بالعلاوات حتى بلغ مرتبه 700 م و4 ج في أول يوليه سنة 1955.
ومن حيث إنه لما كان المطعون عليه قد دخل في خدمة الحكومة بعد 9 من ديسمبر سنة 1944، وكان معيناً على البند 12/ 1/ 1 جـ خدمة سائرة في وظيفة من الدرجة الثانية وظائف المستخدمين الخارجين عن هيئة العمال، فإنه لا يفيد من أي من قواعد الإنصاف الصادر بها قرار مجلس الوزراء في 30 من يناير سنة 1944، أو من أحكام القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية. ومن ثم فإن الطعن يكون في محله، ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى باستحقاقه لتسوية حالته بالتطبيق لقواعد الإنصاف، قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، ويتعين الحكم بإلغائه وبرفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.


[(1)] راجع الحكم المنشور بهذه المجموعة بند 67 صفة 610.