أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 35 - صـ 604

جلسة 14 من يونيه 1984

برياسة السيد المستشار/ الدكتور إبراهيم علي صالح نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد يونس ثابت - نائب رئيس المحكمة ومحمد نجيب صالح وعوض جادو ومصطفى طاهر.

(134)
الطعن رقم 3062 لسنة 54 القضائية

(1) موانع العقاب "الجنون والعاهة العقلية". قتل عمد. مسئولية جنائية. إثبات "بوجه عام" "خبرة" حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". إعدام.
تقدير حالة المتهم العقلية من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة.
عدم التزام المحكمة بالالتجاء لأهل الخبرة. في هذا الشأن بعد أن وضحت لها الدعوى.
(2) قتل عمد. إثبات "بوجه عام" "شهود" "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
كفاية أن يكون جماع الدليل القولي. كما أخذت به المحكمة. غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق.
تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير. موضوعي.
(3) قتل عمد. قصد جنائي. إثبات "بوجه عام".
قصد القتل. أمر داخلي. تقدير توافره. موضوعي.
(4) قتل عمد. سرقة. اقتران. ارتباط. عقوبة "توقيعها". رابطة السببية. ظروف مشددة.
عقوبة المادة 234/ 2 عقوبات. يكفي لتطبيقها ثبوت استقلال الجريمة المقترنة عن جناية القتل وتميزها عنها وقيام المصاحبة الزمنية بينهما.
المصاحبة الزمنية أن تكون الجنايتان قد ارتكبتا في وقت واحد. أو في فترة قصيرة من الزمن تقدير ذلك. يستقل به قاضي الموضوع. توقيع العقوبة المنصوص عليها في المادة 234/ 3 عقوبات. شرطه؟
(5) حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". قتل عمد. إعدام.
- الحكم الصادر بالإعدام. ما يلزم من تسبيب لإقراره؟
1 - من المقرر أن تقرير حالة المتهم العقلية هو من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة - وهو ما لم تخطئ في تقديره - وهي غير ملزمة من بعد بالالتجاء لأهل الخبرة في هذا الشأن طالما قد وضحت لديها الدعوى.
2 - من المقرر أنه يكفي أن يكون جماع الدليل القولي - كما أخذت به المحكمة - غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق، وما دام أن المحكمة أقامت قضاءها على ما اقتنعت به مما حواه تقرير الصفة التشريحية، فإنه لا يجوز مصادرتها في عقيدتها لما هو مقرر من أن لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة. وترتيباً على ما سلف بيانه فلا جناح على - المحكمة أنها لم تجب طلب الدفاع مناقشة كبير الأطباء الشرعيين ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء.
3 - من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما تستنبطه المحكمة من الظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه وأن استخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية.
4 - لما كان يكفي لتغليظ العقاب عملاً بالمادة 234/ 2 من قانون العقوبات أن يثبت الحكم استقلال الجريمة المقترنة عن جناية القتل وتميزها عنها وقيام المصاحبة الزمنية بينهما بأن تكون الجنايتان قد ارتكبتا في وقت واحد أو في فترة قصيرة من الزمن وملاك الأمر في تقدير ذلك يستقل به قاضي الموضوع، ولما كان شرط إنزال العقوبة المنصوص - عليها في المادة 234/ 3 من قانون العقوبات هو أن يكون وقوع القتل لأحد المقاصد المبينة بها ومن بينها التأهب لفعل جنحة أو تسهيلها أو ارتكابها بالفعل، وعلى محكمة الموضوع في حالة ارتباط القتل بجنحة سرقة أن تبين غرض المتهم من القتل وأن تقيم الدليل على توافر رابطة السببية بين القتل والسرقة، وكان ما أورده الحكم فيما تقدم كافياً في استظهار نية القتل ويتحقق به ظرفا الاقتران والارتباط المشددان لعقوبة القتل العمد كما هما معرفان به في القانون، إذ أثبت الحكم مقارفة كل من جريمتي قتل الطفلين المجني عليهما بفعل مستقل وإتمامهما على مسرح واحد وفي نفس الوقت، كما أوضح رابطة السببية بين القتل وارتكاب جنحة السرقة التي كانت الغرض المقصود منه، هذا إلى أن توافر أي من هذين الظرفين كاف لتوقيع عقوبة الإعدام عن جريمة القتل العمد.
5 - لما كانت إجراءات المحاكمة قد تمت طبقاً للقانون وصدر الحكم بإعدام المحكوم عليه الأول بإجماع آراء أعضاء المحكمة وبعد استطلاع رأي مفتي الجمهورية قبل إصدار الحكم طبقاً للمادة 381/ 2 من قانون الإجراءات الجنائية وجاء متفقاً وصحيح القانون ومبرءاً من الخطأ في تطبيقه أو تأويله كما أنه صدر من محكمة مشكلة وفقاً للقانون ولها ولاية الفصل في الدعوى ولم يصدر بعده قانون يسري على واقعة الدعوى بما يغير ما انتهى إليه الحكم. لما كان ذلك فإنه يتعين من قبول عرض النيابة إقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليه الأول.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من (1)..... (2).... المتهم الأول: قتل.... عمداً بأن باغته لدى جلوسه على حافة بركة من المياه وأطبق على عنقه من الخلف بيده وضغط على رأسه في الماء قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته - وقد اقترنت بهذه الجناية جناية أخرى هي أنه في الزمان والمكان سالفي البيان قتل.... عمداً بأن باغته لدى جلوسه إلى جوار شقيقه المجني عليه آنف الذكر وأمسك به من عنقه بيده الأخرى وضغط عليه في الماء قاصداً قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته - كما ارتبطت الجنايتان المذكورتان بجنحة إذ وقعتا من المتهم بقصد ارتكابه والمهتم الثاني سرقة الماشية المبينة وصفاً وقيمة بالتحقيقات المملوكة لوالد المجني عليهما. المتهم الثاني: اشتراك بطريق التحريض في ارتكاب جناية القتل العمد المقترن بجناية والمرتبط بالجنحة المنسوبة إلى المتهم الأول بأن اتفق معه على السرقة وحرضه تسهيلاً لارتكاب على قتل المجني عليهما فوقعت الجريمة بناء على هذا التحريض. وأحالتهما أي محكمة جنايات دمنهور لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بقرار الإحالة. وادعى والد المجني عليهما - مدنياً قبل المتهمين متضامنين بمبلغ ثلاثين ألف جنيه على سبيل التعويض. والمحكمة المذكورة قررت إحالة أوراق القضية إلى فضيلة مفتي الجمهورية لإبداء الرأي بالنسبة للمتهم الأول... حددت للنطق بالحكم جلسة 10 إبريل سنة 1984. وبالجلسة المحددة قضت تلك المحكمة حضورياً عملاً بالمادتين 224/ 1، 2، 3، 317/ 5 مع تطبيق المادة 17 من ذات القانون - بالنسبة للمتهم الثاني - أولاً: وبالإجماع بمعاقبة.... بالإعدام شنقاً عما أسند إليه. ثانياً: بمعاقبة.... بالأشغال الشاقة المؤبدة عما أسند إليه. ثالثاً: بإلزام المحكوم عليهما متضامنين بأن يدفعا للمدعي بالحق المدني مبلغ ثلاثين ألف جنيه.
فعرضت النيابة العامة القضية على هذه المحكمة بمذكرة مشفوعة برأيها طلبت فيها إقرار الحكم بإعدام المحكوم عليه الأول.


المحكمة

حيث إن النيابة العامة عرضت القضية على هذه المحكمة إعمالاً لنص المادة 46 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض وقدمت مذكرة برأيها طلبت فيها إقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليه الأول.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أورد واقعة الدعوى في قوله "إن المتهمين.... و..... جمعهما الضلال فأوغلا فيه، واعتديا في الأرض وعاثا فساداً فاتخذا من السرقة سبيلاً ومنهاجاً، وكدأبهما معاً انطلقا في صبيحة يوم..... يجوسان خلال الجوار من قرية المعركة التابعة لمركز كوم حمادة، وهذا باعثهما موسوماً بالشر منطوياً على الخبث لسرقة ما يصادفهما أو يقع تحت أيديهما من مال الغير، فلقيا الطفلين.... وقد انشغلا برعي "بقرة وجاموسة" لوالدهما في الأحراش المجاورة واللهو واللعب بجانب لجة من ماء نشع ضحل فوسوس لهما شيطانهما أن يسلبا الطفلين ماشيتهما، ولإنفاذ ولتحقيق هذا الهدف عمدا إلى التحايل على إبعاد من كان متواجداً من رعاة آخرين, ولما خلا المكان واطمأن المتهمان إلى انفرادهما بالطفلين حاولا صرفهما عن الماشية ولكن خاب سعيهما إذ رفض الطفلان الانصياع لهما فانتويا قتلهما، وقررا الخلاص منهما حتى يسهل لهما إتمام السرقة واتجها إلى الإجهاز عليهما. فوقف المتهم الثاني - .... ليرقب الطريق وليشد إزر رفيقه - ...الذي باغت الطفلين وغافلهما وهما جالسان على حافة لجة من الماء وانقض على رقبة أولهما بيد، بينما أعمل يده الأخرى في رقبة شقيقه لخنقهما وأطبق عليهما بقبضتيه وأغطس رأسيهما في الماء بقصد إغراقهما ولإزهاق روحيهما وواصل الضغط عليهما لكتم أنفاسهما حتى أيقن من موتهما متأثرين بما أحدثه بهما من إصابات ثبت من تقرير الصفة التشريحية أنها تتمشى مع حصول وفاتهما نتيجة اسفكسيا التغريق، ثم إتماماً لما استهدفاه من قتل المجني عليهما. فاستوليا على الدابتين وانصرفا بهما إلى بعض الطريق حيث افترقا على أن يرتحل المتهم الأول بالمسروقات لبيعها في بلدته بمركز ساحل سليم بمحافظة أسيوط وهناك تم إيقاع القبض عليه وضبط الدابتين المسروقتين، واعترف في التحقيقات بمقارفة جرمي القتل والسرقة. وأعلن عن صلة المتهم الثاني به وكشف عما صدر منه تنفيذاً لهذا الإثم المتفق عليه بينهما"، وأورد الحكم على ثبوت الواقعة على هذا النحو في حق المتهمين أدلة مستمدة من اعتراف المتهم الأول بالتحقيقات ومن أٌقوال المقدم... رئيس قسم المعلومات بإدارة البحث الجنائي بمديرية أمن البحيرة وباقي شهود الإثبات وما جاء بتحريات الشرطة وتقرير الصفة التشريحية، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها وقد حصل الحكم مؤداها تحصيلاً وافياً له أصله الثابت في الأوراق، ولا ينال من سلامة الحكم أنه حين عرض لمضمون تقرير الصفة التشريحية قد خلط بين اسمي المجني عليها وهي نافلة مردها خطأ مادي جرى به حكم المحكمة فحسب. ولما كان الحكم قد عرض لما تذرع به الدفاع عن المحكوم عليه الأول من تعلة فقدان الشعور في بعض الأحيان وطلبه ندب أحد الأخصائيين لفحصه وإبداء الرأي في حالته ورد عليه بقوله "أن تقدير حالة المتهم العقلية مما تستقل به المحكمة باعتباره من صميم الواقع المعروض عليها في الدعوى, وكان البين من ظروف الحال وملابسات الأفعال المسندة إلى المتهم ومواقفه فيها وتصرفاته بصددها، فضلاً عن سلوكه في أثناء التحقيق وطريقة إدلائه بأقواله فيه. وإصراره عليها مع إيضاح الكثير من التفصيلات عن مكان الحادث ووصف المجني عليهما وملابسهما وكيفية إيقاعه فعل القتل بهما ثم تنقله والمتهم الثاني بالماشية المسروقة وارتحاله هو بها إلى بلدته ليبعها هناك وتأكيده على صحة اعترافه وعلمه بسوء عاقبته. يدل على ثباته وعلقه واكتمال شعوره وإدراكه لما ارتكب في حين. ويقطع بجرأته واستهانته بالحياة البشرية. فكلها تصرفات وأقوال تنفي أنه كان يعاني من جنون أو عاهة في العقل وهما مناط فقدان الشعور والاختيار في حكم المادة 62 من قانون العقوبات مما لم تلاحظه المحكمة عليه. وما الضجة التي افتعلها في أثناء محاكمته إلا دليل على مدى وعيه وسلامة علقه إذ كانت من قبيل الاحتجاج على ما نعته به محامي المدعي بالحق المدني من صفات إثارته عليه، وليس من كان هذا شأنه أن يكون مريضاً بمرض عقلي مما يصح معه اعتباره فاقد للشعور والاختيار، ومن ثم يضحى ما ساقه محاميه في هذا الصدد ضرباً من الدفاع لا يصادف صحيح الواقع ولا يستند إلى أساس جدي، وينحل في حقيقته إلى جدل لا يغير من الأمر شيئاً، فلا تسايره المحكمة فيه كما لا تجد من جانبها سبباً لإجابته إليه بعد أن وضحت لديها الدعوى بما يكفي لكي يستقر في يقينها سلامة عقله وتمتعه بكامل الشعور والإدراك بما يحقق مسئوليته عن الجرم الذي قارفته يداه".
ولما كان ما أورده الحكم فيما تقدم كافياً وسائغاً في الرد على ما أثاره الدفاع عن الطاعن في هذا الصدد وحسبه أنه من المقرر أن تقدير حالة المتهم العقلية هو من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة - وهو ما لم تخطئ في تقديره - وهي غير ملزمة من بعد بالالتجاء لأهل الخبرة في هذا الشأن طالما قد وضحت لديها الدعوى. فمن ثم يكون هذا النعي بعيداً عن محجة الصواب، كما أن الحكم قد عرض لما نعاه الدفاع من قيام التناقض بين اعتراف المتهم الأول وتقرير الصفة التشريحية وطلبه استدعاء كبير الأطباء الشرعيين لمناقشته، ورد عليه بقوله، "كما لا ترى المحكمة من ناحية أخرى حاجة لمناقشة كبير الأطباء الشرعيين، إذ خلا تقرير الصفة التشريحية من شائبة التناقض المدعى به مع أقوال المتهم الأول وماديات الدعوى بل جاء مصادقاً المتهم في روايته وتصويره لما أقدم عليه من جرم قتل المجني عليهما بما يؤدي للاطمئنان إلى جوهر مضمون كل من هذين الدليلين القولي والفني، وإطراح ما أثاره الدفاع في هذا الشأن من قول سيق لمجرد بث الشك فيهما مما يتنافى مع الثابت بالأوراق ويجعله جديراً بعدم الالتفات إليه"، لما كان ما تقدم، فإن هذا الذي رد به الحكم ينهض كافياً لدحض قالة التناقض بين الدليلين القولي والفني. ذلك بأنه من المقرر أنه يكفي أن يكون جماع الدليل القولي - كما أخذت به المحكمة - غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق، وما دام أن المحكمة أقامت قضاءها على ما اقتنعت به مما حواه تقرير الصفة التشريحية، فإنه لا يجوز مصادرتها في عقيدتها لما هو مقرر من أن لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة. وترتيباً على ما سلف بيانه فلا جناح على - المحكمة أنها لم تجب طلب الدفاع بمناقشة كبير الأطباء الشرعيين ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء. ولما كان الحكم قد استظهر نية القتل في حق المحكوم عليهما وتوافر ظرفي الاقتران والارتباط في جريمة القتل العمد بقوله "وحيث إن نية قتل الطفلين المجني عليهما ثابتة في حق المتهمين معاً ثبوتاً قاطعاً مما سبق بيانه من ظروف الدعوى ووقائعها ومما أكده المتهم الأول في اعترافه المفصل، وما بان منه وتحقق، إذ باغت الطفلين المجني عليهما وبادر إلى الإطباق على عنق كل منهما بضراوة وعنف وضغط عليهما بقوة تفوق قوتهما وبما لا تتحمله طاقتهما ثم عمد إلى إغطاس رأسيهما في الماء وواصل هذا الفعل والذي من شأنه موتهما بكتم أنفاسهما ولم يتركهما أو يخل عنهما إلا جثتين هامدتين موقناً بذلك أنهما قد فارقا الحياة ومحققاً مقصده والذي قصده مع صاحبه المتهم الثاني وما اتفقا عليه، ثم انصرفا سوياً إلى استكمال مشروعهما الإجرامي فاستوليا على الدابتين المستهدفتين من قتلهما المجني عليهما وقد خلصتا لهما محققين السرقة باعثهما والمحرك لديهما بالقتل مما يتوافر به في حقهما شرائط تطبيق حكم الفقرة الثالثة من المادة 234 من تقنين العقوبات فضلاً عن فقرتها الثانية" ولما كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما تستنبطه المحكمة من الظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه وأن استخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية. وكان يكفي لتغليظ العقاب عملاً بالمادة 234/ 2 من قانون العقوبات أن يثبت الحكم استقلال الجريمة المقترنة عن جناية القتل وتميزها عنها وقيام المصاحبة الزمنية بينهما بأن تكون الجنايتان قد ارتكبتا في وقت واحد أو في فترة قصيرة من الزمن وملاك الأمر في تقدير ذلك يستقل به قاضي الموضوع، ولما كان شرط إنزال العقوبة المنصوص عليها في المادة 234/ 3 من قانون العقوبات هو أن يكون وقوع القتل لأحد المقاصد المبينة بها ومن بينها التأهب لفعل جنحة أو تسيلها أو ارتكابها بالفعل، وعلى محكمة الموضوع في حالة ارتباط القتل بجنحة سرقة أن تبين غرض المتهم من القتل وأن تقيم الدليل على توافر رابطة السببية بين القتل والسرقة. وكان ما أورده الحكم فيما تقدم كافياً في استظهار نية القتل ويتحقق به ظرفا الاقتران والارتباط المشددان لعقوبة القتل العمد كما هما معرفان به في القانون، إذ أثبت الحكم مقارفة كل من جريمتي قتل الطفلين المجني عليهما بفعل مستقل وإتمامهما على مسرح واحد وفي نفس الوقت، كما أوضح رابطة السببية بين القتل وارتكاب جنحة السرقة التي كانت الغرض المقصود منه، هذا إلى أن توافر أي من هذين الظرفين كاف لتوقع عقوبة الإعدام عن جريمة القتل العمد. لما كان ذلك، وكان الحكم قد خلص مما تقدم على نحو سليم إلى إدانة المحكوم عليهما بوصف أنهما في 8 من يونيه سنة 1983 قتلا المجني عليه... عمداً واقترنت هذه الجناية قتل المجني عليه الآخر.... وكان ذلك بقصد ارتكاب جنحة سرقة ماشية والد المجني عليهما. وأعمل في حقهما المادتين 234/ 1، 2، 3، 317/ 5 من قانون العقوبات، وأنزل بالمحكوم عليه الأول عقوبة الإعدام، واستعمل الرأفة مع المحكوم عليه الثاني وفقاً للمادة 17 من قانون العقوبات. ولما كانت إجراءات المحاكمة قد تمت طبقاً للقانون وصدر الحكم بإعدام المحكوم عليه الأول بإجماع آراء أعضاء المحكمة وبعد استطلاع رأي مفتي الجمهورية قبل إصدار الحكم طبقاً للمادة 381/ 2 من قانون الإجراءات الجنائية وجاء متفقاً وصحيح القانون ومبرءاً من الخطأ في تطبيقه أو تأويله كما أنه صدر من محكمة مشكلة وفقاً للقانون ولها ولاية الفصل في الدعوى ولم يصدر بعده قانون يسري على واقعة الدعوى بما يغير ما انتهى إليه الحكم, لما كان ذلك فإنه يتعين مع قبول عرض النيابة إقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليه الأول.