أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 31 - صـ 723

جلسة 8 من يونيه سنة 1980

برئاسة السيد المستشار محمد عادل مرزوق نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد حلمي راغب، وجمال منصور؛ ومحمد محمود عمر، وسمير ناجي.

(140)
الطعن رقم 142 لسنة 50 القضائية

(1) قتل عمد. قصد جنائي. إثبات. "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
استظهار نية القتل. موضوعي.
(2) قصد جنائي. سبق إصرار. محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم في نفس الجاني. استخلاص توافره. موضوعي.
(3) أسباب الإباحة "الدفاع الشرعي". دفاع شرعي. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير قيام حالة الدفاع الشرعي". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
ضرورة أن يكون التمسك بالدفاع الشرعي جدياً وصريحاً أو أن تكون الواقعة التي أثبتها الحكم ترشح لقيام هذه الحالة حتى تلتزم المحكمة بالرد.
(4) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "أوراق رسمية". أوراق رسمية.
إقناعية الدليل في المواد الجنائية. مؤداها. حق المحكمة الالتفات عن دليل نفي ولو حملته أوراق رسمية.
(5) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "بوجه عام". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
حسب الحكم إيراد الأدلة المنتجة والتي تحمل قضاءه. تعقب المتهم في كل جزئية من دفاعه. غير لازم. الجدل في سلطة محكمة الموضوع. عدم قبوله أمام النقض.
(6) تفتيش. "التفتيش بإذن".
إجراء تفتيش مسكن المتهم في حضوره. غير لازم.
(7) تحقيق. تفتيش. "التفتيش بإذن. تنفيذه".
إفراد محضر بالتفتيش ليس بلازم لصحته.
1 - من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية.
2 - من المقرر أن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني قد لا يكون لها في الخارج أثر محسوس يدل عليها مباشرة وإنما هي تستفاد من وقائع وظروف خارجية يستخلصها القاضي منها استخلاصاً ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر مع هذا الاستنتاج.
3 - من المقرر أن التمسك بقيام حالة الدفاع الشرعي - يجب لتلتزم المحكمة بالرد عليه - أن يكون جدياً صريحاً أو أن تكون الواقعة كما أثبتها الحكم ترشح لقيام هذه الحالة، ومن ثم فلا يسوغ للطاعن مطالبة المحكمة بأن تتحدث في حكمها عن انتفاء حالة الدفاع الشرعي لديه وقد أمسك هو عن طلب ذلك منها، وكانت المحكمة لم تر من جانبها بعد تحقيق الدعوى قيام هذه الحالة، بل أثبت الحكم في مدوناته أن الطاعنين كانت لديهما نية الانتقام من المجني عليه الأول بسبب النزاع السابق بينهم، وأنهما بادراه بالطعن بآلاتهم الحادة "مطواة وسكين" بمجرد أن ظفرا به دون أن يكون قد صدر منه أي فعل مستوجب للدفاع الشرعي، فهذا الذي قاله الحكم ينفي حالة الدفاع الشرعي كما هي معرفة به في القانون.
4 - الأدلة في المواد الجنائية إقناعية وللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من باقي الأدلة في الدعوى.
5 - من المقرر أن المحكمة غير ملزمة بالرد صراحة على أدلة النفي التي يتقدم بها المتهم ما دام الرد عليها مستفاداً ضمناً من الحكم بالإدانة اعتماداً على أدلة الثبوت التي أوردها، إذ بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزيئات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه أطرحها، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن الثاني في شأن عدم تواجده على مسرح الجريمة وقت وقوعها بدلالة الشهادة الصادرة من وحدته العسكرية، لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها، وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
6 - من المقرر أن حصول التفتيش بغير حضور المتهم لا يترتب عليه البطلان ذلك أن القانون لم يجعل حضور المتهم - أو من ينيبه عنه - التفتيش الذي يجرى في مسكنه شرطاً جوهرياً لصحته.
7 - لا ينال من سلامة التفتيش عدم قيام الضابط الذي أجراه بتحرير محضر ذلك، إذ أن إفراد محضر بالتفتيش ليس بلازم لصحته ولا يترتب على مخالفته البطلان.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخر (قضي بانقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة إليه لوفاته) بأنهم (أولاً). الطاعنان الأول والثاني. قتلا...... عمداً ومع سبق الإصرار بأن أسرا القصد في هدوء وروية على قتله وأعدا لذلك آلات حادة وما أن وجداه حتى انهالا عليه طعناً في مواضع متعددة من جسمه قاصدين من ذلك قتله فأحدثا به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي والتي أودت بحياته. وقد اقترنت بهذه الجناية جناية أخرى هي أن المتهم الآخر والطاعن الثاني في الزمان والمكان سالفي التحديد شرعا في قتل....... عمداً بأن ضربه أولهما بآلة راضة عصا وضربه ثانيهما بآلة حادة قاصدين من ذلك قتله فأحدثا به الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبي وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتهما فيه هو مداركة المجني عليه بالعلاج الأمر المؤثم بمقتضى المواد 45، 46، 234/ 1 من قانون العقوبات. (ثانياً) الطاعن الثالث شرع في قتل........ (المتهم الآخر) عمداً بأن طعنه بآلة حادة (مطواة) في صدره قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبي وأوقفت الجريمة وخاب أثرها لسبب لا دخل لإرادته فيه هو منعه من مواصلة الاعتداء على المجني عليه ومداركته بالعلاج. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالقيد والوصف الواردين بتقرير الاتهام، فقرر ذلك ومحكمة جنايات بني سويف قضت حضورياً عملاً بالمواد 45، 46، 230، 231، 234/ 2 من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 17 من ذلك القانون بمعاقبة كل من الطاعنين الأول والثاني بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة ومعاقبة الطاعن الثالث بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات. فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعن الثالث....... وإن قرر بالطعن بالنقض في الميعاد القانوني إلا أنه لم يقدم أسباباً لطعنه، ولما كان من المقرر أن الطعن بالنقض هو مناط اتصال المحكمة به وأن إيداع الأسباب التي بني عليها الطعن في الميعاد الذي حدده القانون هو شرط لقبوله، وأنهما يكونان معاً وحدة إجرائية لا يقوم فيها أحدهما مقام الآخر أو يغني عنه، فإن الطعن المقدم من الطاعن الثالث يكون غير مقبول شكلاً.
ومن حيث إن الطعن المقدم من الطاعنين الأول والثاني قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار المقترن بجناية شروع في قتل، قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه لم يدلل تدليلاً سائغاً وكافياً على توافر نية القتل وظرف سبق الإصرار لدى الطاعنين، إذ استند في إثباتهما إلى حمل الطاعنين آلات حادة من شأنها إحداث القتل، وإلى وجود ضغينة بين الطاعنين والمجني عليهما مرجعها حادث سرقة، في حين أن تلك الأسلحة لا تعدو مطاوي وسكاكين مما اعتاد الناس حمله لاستخدامه في شئونهم الخاصة، كما أنه مضى على حادث السرقة وقت طويل لا يتوافر معه - نظراً لتفاهة قيمة المسروقات - مبرر مقبول لاستمرار النزاع بين الطرفين، كما أعرض الحكم عن دفاع الطاعنين الذي أسسه الأول على أنه كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه وعن عمته، وأقامه الثاني على عدم وجوده في مكان الحادث بدلالة الشهادة الرسمية الصادرة من وحدته العسكرية التي تفيد تواجده بها في تاريخ الحادث، فضلاً عن بطلان إجراءات تفتيش مسكنه بمعرفة مأمور الضبط القضائي لإجرائه في غير حضوره أو من ينيبه عنه وعدم تحرير محضر بهذه الإجراءات، ولم يعن الحكم بالرد على هذا الدفاع، كل ذلك مما يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار المقترن بجناية شروع في قتل التي دان الطاعنين بها، وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها مستمدة من أقوال شهود الواقعة....... و........ و.......، ومما جاء بالتقارير الطبية الشرعية، فضلاً عما ثبت من ضبط أسلحة "مطواة وسكين" وملابس جميعها ملوثة بالدماء في مسكن الطاعن الثاني، وما قررته عمته........ من أن تلك الملابس تخصه. لما كان ذلك، وكان الحكم قد استظهر توافر نية القتل وظرف سبق الإصرار في قوله. "وحيث إن نية قتل المجني عليه الأول....... قد ثبتت في حق المتهمين الثلاثة الأول "الطاعنين الأول والثاني ووالد الأخير - المحكوم بانقضاء الدعوى الجنائية قبله لوفاته" - حينما بيتوا النية وعقدوا العزم المصمم على قتله وأعدوا لذلك آلات حادة من شأن الطعن بها أن يؤدي إلى القتل وانهالوا بها طعناً على المجني عليه بعدة طعنات في مواضع قاتلة وبشدة على النحو الوارد بتقرير الصفة التشريحية ولم يتركوه إلا جثة هامدة بعد أن تحققوا من بلوغ مقصدهم المشترك الذي بيتوا النية عليه. وحيث إنه عن سبق الإصرار فقد ثبت في حق المتهمين الثلاثة الأول من الضغينة السابقة التي قامت بين عائلتهم وعائلة المجني عليه الأول منذ حوالي سنة سابقة على الحادث والثأر المتبادل بينهما الأمر الذي يقطع بأنه بعد الضغينة السابقة وفي فسحة من الوقت الطويل سمحت للنفوس أن تهدأ وللتفكير أن يستقر في هدوء وروية - أن بيتوا النية على قتل المجني عليه فأعدوا لذلك أسلحتهم الحادة وتوجهوا معاً إلى حيث يعلمون بوجوده في كل مساء وما أن ظفروا به حتى نفذوا ما بيتوا النية عليه. وحيث إن الثابت من التحقيقات وأقوال المجني عليه الثاني....... وزوجته....... أن المجني عليه المذكور خف إلى مكان الحادث إثر علمه بمقتل شقيقه....... وما أن وصل إليه حتى وجد المتهمين الثلاثة الأول حاملين أسلحتهم الحادة (مطاوي) وما أن سألهم عن الأمر حتى بادره المتهمان الثاني والثالث (الطاعن الثاني ووالده) بالطعن بمطواة والضرب بعصا دون أن يصدر منه أي استفزاز لهما فأحدثا به الإصابات القاتلة الموصوفة بالتقرير الطبي الابتدائي هي إصابات قاتلة ومتعددة مما يقطع بأنهما قد قصدا من الاعتداء عليه إزهاق روحه لما بين العائلتين من خلاف سابق وحقد وضغينة". ولما كان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، كما أنه من المقرر أن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني قد لا يكون لها في الخارج أثر محسوس يدل عليها مباشرة وإنما هي تستفاد من وقائع وظروف خارجية يستخلصها القاضي منها استخلاصاً ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر مع هذا الاستنتاج، وإذ كان ما أورده الحكم - فيما سلف - يكفي في استظهار نية القتل ويتحقق به ظرف سبق الإصرار كما هو معرف به في القانون، فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن الأول من إغفال الحكم بحث دفاعه المؤسس على قيام حالة الدفاع الشرعي لديه، فمردود بأن البين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أنه جاء خلواً من تمسك الطاعن أو المدافع عنه صراحة بقيام هذه الحالة، ولما كان من المقرر أن التمسك بقيام حالة الدفاع الشرعي - يجب لتلتزم المحكمة بالرد عليه - أن يكون جدياً صريحاً أو أن تكون الواقعة كما أثبتها الحكم ترشح لقيام هذه الحالة، ومن ثم فلا يسوغ للطاعن مطالبة المحكمة بأن تتحدث في حكمها عن انتفاء حالة الدفاع الشرعي لديه وقد أمسك هو عن طلب ذلك منها، وكانت المحكمة لم تر من جانبها بعد تحقيق الدعوى قيام هذه الحالة، بل أثبت الحكم في مدوناته أن الطاعنين كانت لديهما نية الانتقام من المجني عليه الأول بسبب النزاع السابق بينهم، وأنهما بادراه بالطعن بآلاتهم الحادة "مطواة وسكين" بمجرد أن ظفروا به دون أن يكون قد صدر منه أي فعل مستوجب للدفاع الشرعي، فهذا الذي قاله الحكم ينفي حالة الدفاع الشرعي كما هي معرفة به في القانون. لما كان ذلك، وكانت الأدلة في المواد الجنائية إقناعية وللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من باقي الأدلة في الدعوى، وكان من المقرر أن المحكمة غير ملزمة بالرد صراحة على أدلة النفي التي يتقدم بها المتهم ما دام الرد عليها مستفاداً ضمناً من الحكم بالإدانة اعتماداً على أدلة الثبوت التي أوردها، إذ بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزيئات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه أطرحها، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن الثاني في شأن عدم تواجده على مسرح الجريمة وقت وقوعها بدلالة الشهادة الصادرة من وحدته العسكرية، لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها، وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن حصول التفتيش بغير حضور المتهم لا يترتب عليه البطلان ذلك أن القانون لم يجعل حضور المتهم - أو من ينيبه عنه - التفتيش الذي يجرى في مسكنه شرطاً جوهرياً لصحته، كما أنه لا ينال من سلامة التفتيش عدم قيام الضابط الذي أجراه بتحرير محضر ذلك، إذ أن إفراد محضر بالتفتيش ليس بلازم لصحته ولا يترتب على مخالفته البطلان، وإذ كان هذا الدفاع ظاهر البطلان وبعيداً عن محجة الصواب فإن المحكمة تكون في حل من الالتفات عنه دون أن تتناوله في حكمها، ويكون النعي على الحكم في هذا الصدد في غير محله. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.