أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 31 - صـ 742

جلسة 9 من يونيو سنة 1980

برئاسة السيد المستشار عادل برهان نور نائب رئيس المحكمة؛ وعضوية السادة المستشارين: شرف الدين خيري؛ وفوزي المملوك، وفوزي أسعد، وهاشم قراعة.

(143)
الطعن رقم 412 لسنة 50 القضائية

(1) مأمورو الضبط القضائي. تفتيش. "إذن التفتيش. إصداره". استدلالات. إثبات. "بوجه عام".
استعانة رجل الضبط فيما يجريه من تحريات بمعاونيه. جائزة.
تقدير جدية التحريات وكفايتها. موضوعي.
إيراد اسم المأذون بتفتيشه في محضر الاستدلالات خلواً من اسم والده. لا يقدح في جدية ما تضمنه من تحريات.
تسويغ المحكمة الأمر بالتفتيش. بأدلة منتجة. عدم جواز المجادلة في ذلك أمام محكمة النقض.
(2) تفتيش. "إذن التفتيش. إصداره". استدلالات. إثبات. "بوجه عام".
القانون لم يشترط شكلاً معيناً لإذن التفتيش.
(3) تحقيق. إجراءات. "إجراءات التحقيق". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
حق المحقق في مباشرة بعض إجراءات التحقيق في غيبة الخصوم.
لا على المحكمة إن التفتت عن الدفاع القانوني ظاهر البطلان.
تعييب التحقيق السابق على المحاكمة. لا يصح أن يكون سبباً للطعن.
(4) تقليد. فاعل أصلي. جريمة. "أركانها". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
جريمة التقليد المنصوص عليها بالمادة 206/ 1 - 6 ع لا يشترط فيها أن يكون الجاني قد قلد بنفسه.
(5) إثبات "بوجه عام". "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن، ما لا يقبل منها".
حق محكمة الموضوع في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى.
(6) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل" حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات "شهود".
وزن أقوال الشهود. موضوعي. مفاد الأخذ بالشهادة؟
عدم التزام المحكمة بسرد روايات الشاهد إذا تعددت، للمحكمة أن تعول على أقوال الشاهد في أي مرحلة. تناقض الشاهد أو الشهود في بعض أقوالهم. لا يعيب الحكم.
تقدير المحكمة للأدلة. لا يجوز مصادرتها فيه لدى محكمة النقض.
(7) إثبات "بوجه عام" "خبرة". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير آراء الخبراء. موضوعي. مثال.
قعود الطاعن عن إثارة التعارض بين الدليلين القولي والفني. أمام محكمة الموضوع. لا يسوغ له أن يثيره لأول مرة أمام محكمة النقض. علة ذلك؟
(8) دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". دفوع "الدفع بتلفيق التهمة". إثبات "بوجه عام".
المحكمة غير ملزمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة.
الدفع بتلفيق التهمة. موضوعي.
1 - لما كان القانون لا يوجب حتماً أن يتولى رجل الضبط القضائي بنفسه التحريات والأبحاث التي يؤسس عليها الطلب بالإذن له بتفتيش الشخص أو أن يكون على معرفة شخصية سابقة به، بل له أن يستعين فيما يجريه من تحريات أو أبحاث أو ما يتخذه من وسائل التنقيب بمعاونيه من رجال السلطة العامة والمرشدين السريين ومن يتولون إبلاغه عما وقع بالفعل من جرائم، ما دام أنه قد اقتنع شخصياً بصحة ما نقلوه إليه وبصدق ما تلقاه عنهم من معلومات، وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار أمر بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، فإذا كانت هذه الأخيرة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها أمر التفتيش وكفايتها لتسويغ إجرائه - فلا معقب عليها في ذلك لتعلقه بالموضوع لا بالقانون، ولما كان إيراد اسم المأذون بتفتيشه خلواً من اسم والده في محضر الاستدلالات لا يقدح في جدية ما تضمنه من تحريات، وإذ كانت المحكمة قد سوغت الأمر بالتفتيش وردت على شواهد الدفع ببطلانه لعدم جدية التحريات التي سبقته بأدلة منتجة لها أصلها الثابت في الأوراق. فإنه لا يجوز المجادلة في ذلك أمام محكمة النقض.
2 - لما كان القانون لم يشترط شكلاً معيناً لإذن التفتيش فلا ينال من صحته خلوه من بيان صفة المأذون بتفتيشه أو صناعته أو محل إقامته طالما أن الشخص الذي حصل تفتيشه في الواقع هو بذاته المقصود بإذن التفتيش.
3 - لما كان الحكم المطعون فيه قد تصدى لما أثاره الطاعن من استماع وكيل النيابة المحقق للشهود في حضورهم مجتمعين ورد عليه، وكان القانون قد أباح للمحقق أن يباشر بعض إجراءات التحقيق في غيبة الخصوم مع السماح لهؤلاء بالاطلاع على الأوراق المثبتة لهذه الإجراءات، وكان الطاعن لم يدع أمام محكمة الموضوع أنه منع من الاطلاع على أقوال الشهود التي يقول إنهم أدلوا بها في غيبته في تحقيقات النيابة - فإن ما أثاره في هذا الصدد لا يعدو أن يكون دفاعاً قانونياً ظاهر البطلان، ولا على المحكمة أن التفتت عنه ولم ترد عليه، فضلاً عن أن ما ينعاه الطاعن من ذلك لا يعدو أن يكون تعييباً للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم.
4 - لا يشترط في جريمة التقليد المنصوص عليها في المادة 206/ 1، 6 أن يكون الجاني قد قلد بنفسه ختماً أو علامة من علامات الحكومة بل يكفي أن يكون التقليد قد تم بواسطة غيره طالما أنه كان مساهماً معه فيما قارفه. فقد سوى المشرع بين من قلد بنفسه إحدى تلك العلامات وبين من يرتكب ذلك بواسطة غيره مما يجعل مرتكب التقليد في الحالتين فاعلاً للجريمة.
5 - لما كان من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، وهي متى أخذت بشهادتهم، فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
6 - لما كان من المقرر أن المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إذا تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به منها بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه وأن لها أن تعول على أقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى ما دامت قد اطمأنت إليها، وكان تناقض الشاهد وتضاربه في أقواله أو تناقض أقوال الشهود في بعض تفاصيلها لا يعيب الحكم أو يقدح في سلامته ما دام قد استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً بما لا تناقض فيه - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يعدو في حقيقته أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير المحكمة للأدلة القائمة في الدعوى وهو من إطلاقاتها ولا يجوز مصادرتها فيه لدى محكمة النقض.
7 - لما كان من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات ومطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة ولا يقبل مصادرة المحكمة في هذا التقدير، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير من أن بصمات قالب قلمي الصلب هي بصمات مقلدة ويمكن أن ينخدع بها الشخص العادي، وكان ما أورده الحكم من الدليل القولي لا يتناقض مع ما نقله من الدليل الفني - بل يتطابق معه - فإن ما يثيره الطاعن من وجود تناقض بينهما لا يكون له محل. وفضلاً عن ذلك فإن البين من محضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن لم يثر شيئاً عما أورده بوجه الطعن من قالة التناقض بين الدليلين القولي والفني، ومن ثم فلا يسوغ له أن يثر هذا الأمر لأول مرة أمام محكمة النقض لأنه دفاع موضوعي لا يقبل منه النعي على المحكمة بإغفال الرد عليه ما دام لم يتمسك به أمامها.
8 - لما كان من المقرر أن المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد عليها على استقلال طالما أن الرد مستفاد من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، وكان الحكم قد اطمأن إلى أدلة الثبوت في الدعوى ومن بينها شهادة رجال مصلحة دمغ المصوغات فإن ما يثيره الطاعن من أنهم إنما قصدوا وضع يدهم على المشغولات الذهبية وما يسوقه من قرائن لتجريح أقوالهم مما يشير إلى تلفيق التهمة لا يعدو أن يكون من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب رداً صريحاً من المحكمة بل الرد يستفاد من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم،


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: (أولاً) قلد بواسطة الغير حسن النية تمغتي الذهب المبينة بالأوراق والخاصة بمصلحة دمغ المصوغات بأن طلب منه تقليدها على غرار التمغات الصحيحة فقام بصنعها على النحو المبين بالتحقيقات. (ثانياً) حاز بقصد البيع المشغولات الذهبية المبينة بالتحقيقات وهي غير مدموغة وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، فقرر ذلك. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضورياً عملاً بالمادتين 206/ 1، 6، 30 من قانون العقوبات والمادة 383 من قانون الإجراءات الجنائية. (أولاً) بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات ومصادرة ختمي الدمغة المقلدين. (ثانياً) بفصل التهمة الثانية - الجنحة - وإحالتها إلى محكمة جنح الجمالية. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة تقليد ختمين لإحدى المصالح الحكومية هي مصلحة دمغ المصوغات - فقد أخطأ في تطبيق القانون وشابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال. ذلك بأن الطاعن دفع ببطلان الإذن بالتفتيش لعدم جدية التحريات مدللاً على ذلك بأن مستصدر الإذن لم يجر التحريات بنفسه واعتمد على أقوال المبلغ وكان يجهل شخصية الطاعن فلم يورد اسم والده أو محل إقامته وأخطأ في بيان مهنته ومكان عمله، كما دفع ببطلان إجراءات الضبط والتفتيش التي تمت بناء على هذا الإذن الذي صدر باسمه المفرد، كما دفع ببطلان تحقيقات النيابة العامة لقيام المحقق بسؤال أعضاء لجنة الفحص حال وجودهم معاً ومنع الطاعن من حضور كافة إجراءات التحقيق - إلا أن الحكم أعرض عن هذه الدفوع ورد عليها بما لا يتفق وصحيح القانون، فضلاً عن أن الفعل المسند إلى الطاعن وهو طلب تقليد ختم دمغة الذهب من المبلغ غير مؤثم قانوناً وإنما الذي يعاقب عليه القانون هو فعل التقليد الذي وقع من هذا الأخير. هذا إلى أن الحكم المطعون فيه استند في قضائه إلى أقوال الشهود رغم تعدد رواياتهم وتناقضها حول تحديد الوقت الذي تم فيه تصنيع الختمين والموعد المحدد للتسليم، كما عول على شهادتهم مع أنها لا تتفق وما جاء بتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير وعلى الرغم مما تشير إليه الدلائل من تلفيق الاتهام للطاعن من أجل تمكين رجال مصلحة دمغ المصوغات من وضع يدهم على المشغولات الذهبية الموجودة بمتجره والعبث بها بدعوى فحصها وكل هذا يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأقام على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال...... و...... والمقدم...... والنقيب...... وما جاء بتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير التابع لمصلحة الطب الشرعي، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، ولم ينازع الطاعن في أن لها معينها الصحيح في الأوراق لما كان ذلك، وكان القانون لا يوجب حتماً أن يتولى رجل الضبط القضائي بنفسه التحريات والأبحاث التي يؤسس عليها الطلب بالإذن له بتفتيش الشخص أو أن يكون على معرفة شخصية سابقة به، بل له أن يستعين فيما يجريه من تحريات أو أبحاث أو ما يتخذه من وسائل التنقيب بمعاونيه من رجال السلطة العامة والمرشدين السريين ومن يتولون إبلاغه عما وقع بالفعل من جرائم - ما دام أنه قد اقتنع شخصياً بصحة ما نقلوه إليه وبصدق ما تلقاه عنهم من معلومات، وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الأمر بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، فإذا كانت هذه الأخيرة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها أمر التفتيش وكفايتها لتسويغ إجرائه، فلا معقب عليها في ذلك لتعلقه بالموضوع لا بالقانون، ولما كان إيراد اسم المأذون بتفتيشه خلواً من اسم والده في محضر الاستدلالات لا يقدح في جدية ما تضمنه من تحريات، وإذ كانت المحكمة قد سوغت الأمر بالتفتيش وردت على شواهد الدفع ببطلانه لعدم جدية التحريات التي سبقته بأدلة منتجة لها أصلها الثابت في الأوراق، فإنه لا يجوز المجادلة في ذلك أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان القانون لم يشترط شكلاً معيناً لإذن التفتيش فلا ينال من صحته خلوه من بيان صفة المأذون بتفتيشه أو صناعته أو محل إقامته طالما أن الشخص الذي حصل تفتيشه في الواقع هو بذاته المقصود بإذن التفتيش، وقد أورد الحكم صراحة أن هذا هو ما تحقق بالفعل - ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد لا يكون سديداً. ولما كان الحكم المطعون فيه قد تصدى لما أثاره الطاعن من استماع وكيل النيابة المحقق للشهود في حضورهم مجتمعين ورد عليه وكان القانون قد أباح للمحقق أن يباشر بعض إجراءات التحقيق في غيبة الخصوم مع السماح لهؤلاء بالاطلاع على الأوراق المثبتة لهذه الإجراءات، وكان الطاعن لم يدع أمام محكمة الموضوع أنه منع من الاطلاع على أقوال الشهود التي يقول إنهم أدلوا بها في غيبته في تحقيقات النيابة - فإن ما أثاره في هذا الصدد لا يعدو أن يكون دفاعاً قانونياً ظاهر البطلان، ولا على المحكمة إن التفتت عنه ولم ترد عليه، فضلاً عن أن ما ينعاه الطاعن من ذلك لا يعدو أن يكون تعييباً للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم. لما كان ذلك، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أن النيابة العامة كانت قد أسندت إلى الطاعن أنه قلد بواسطة الغير حسن للنية...... تمغتي الذهب المبينتين بالأوراق والخاصة بمصلحة دمغ المصوغات بأن طلب منه تقليدها على غرار التمغات الصحيحة فقام بصنعها على النحو المبين بالتحقيقات "وطلبت عقابه بالمادة 206/ 1 و6 من قانون العقوبات وكان لا يشترط في جريمة التقليد المنصوص عليها في هذه المادة أن يكون الجاني قد قلد بنفسه ختماً أو علامة من علامات الحكومة بل يكفي أن يكون التقليد قد تم بواسطة غيره طالما أنه كان مساهماً معه فيما قارفه. فقد سوى المشرع بين من قلد بنفسه إحدى تلك العلامات وبين من يرتكب ذلك بواسطة غيره مما يجعل مرتكب التقليد في الحالتين فاعلاً للجريمة، ولما كان الحكم قد دان الطاعن بهذه الجريمة بعد أن بين واقعة الدعوى وأورد الأدلة التي استخلص منها ثبوتها والتي من شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها - فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وإذ كان الطاعن لا ينازع في صحة ما نقله الحكم من أقوال الشهود وكانت المحكمة لا تلتزم بحسب الأصل بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها، وكان من المقرر أن المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إذا تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به منها بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه وأن لها أن تعول على أقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى ما دامت قد اطمأنت إليها، وكان تناقض الشاهد وتضاربه في أقواله أو تناقض أقوال الشهود في بعض تفاصيلها لا يعيب الحكم أو يقدح في سلامته ما دام قد استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً بما لا تناقض فيه - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يعدو في حقيقته أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير المحكمة للأدلة القائمة في الدعوى وهو من إطلاقاتها ولا يجوز مصادرتها فيه لدى محكمة النقض. وإذ كان من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات ومطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة ولا يقبل مصادرة المحكمة في هذا التقدير، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير من أن بصمات قالب قلمي الصلب هي بصمات مقلدة ويمكن أن ينخدع بها الشخص العادي، وكان ما أورده الحكم من الدليل القولي لا يتناقض مع ما نقله من الدليل الفني - بل يتطابق معه - فإن ما يثيره الطاعن من وجود تناقض بينهما لا يكون له محل. وفضلاً عن ذلك، فإن البين من محضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن لم يثر شيئاً عما أورده بوجه الطعن من قالة التناقض بين الدليلين القولي والفني، ومن ثم فلا يسوغ له أن يثر هذا الأمر لأول مرة أمام محكمة النقض لأنه دفاع موضوعي لا يقبل منه النعي على المحكمة بإغفال الرد عليه ما دام لم يتمسك به أمامها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد عليها على استقلال طالما أن الرد مستفاد من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، وكان الحكم قد اطمأن إلى أدلة الثبوت في الدعوى ومن بينها شهادة رجال مصلحة دمغ المصوغات فإن ما يثيره الطاعن من أنهم إنما قصدوا وضع يدهم على مشغولاته الذهبية وما يسوقه من قرائن لتجريح أقوالهم مما يشير إلى تلفيق التهمة لا يعدو أن يكون من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب رداً صريحاً من المحكمة بل الرد يستفاد من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم، ومن ثم يكون النعي في هذا الخصوص غير سديد - وينحل الطعن برمته إلى جدل موضوعي في تقدير الأدلة مما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه ولا مصادرة عقيدتها بشأنه أمام محكمة النقض، مما يتعين معه رفض الطعن موضوعاً.