أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 31 - صـ 876

جلسة 12 من أكتوبر سنة 1980

برئاسة السيد المستشار أحمد فؤاد جنينه نائب رئيس المحكمة؛ وعضوية السادة المستشارين: محمد حلمي راغب، وجمال الدين منصور، وسمير ناجي، ومحمد عبد المنعم البنا.

(169)
الطعن رقم 723 لسنة 50 القضائية

(1، 2) إعلان. إجراءات "إجراءات المحاكمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". بطلان. محكمة الجنايات. مستشار الإحالة.
1 - إعلان المتهم لحضور جلسة المحاكمة أمام محكمة الجنايات لأقل من الأجل المحدد قانوناً. لا أثر له في صحة الإعلان. للمتهم أن يطلب أجلاً لتحضير دفاعه. وعلى المحكمة إجابته وإلا كانت إجراءات المحاكمة باطلة.
2 - المواعيد الخاصة بتكليف المتهم بالحضور أمام مرحلة الإحالة ومحكمة الجنايات تقريرها لمصلحة المتهم نفسه. سكوته عن التمسك بعدم مراعاتها أمام محكمة الموضوع. أثره. اعتباره متنازلاً عنها.
(3) أسباب الإباحة وموانع العقاب "الدفاع الشرعي". دفاع شرعي. دفوع "الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي". محضر الجلسة. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم جواز إثارة الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي لأول مرة أمام النقض إلا إذا كانت مدونات الحكم تظاهره.
(4) إثبات "شهود". "خبرة" حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تطابق أقوال الشهود مع الدليل الفني في كل جزئية ليس بلازم. كفاية أن يكون الدليل القولي غير متناقض مع مضمون الدليل الفني.
(5) إثبات. "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
تقدير أقوال الشهود. موضوعي. تناقض أقوال الشهود. لا يعيب الحكم متى استخلص الإدانة منها بما لا تناقض فيه.
(6) أسباب الإباحة وموانع العقاب "الدفاع الشرعي". دفوع "الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي وجوب أن يكون جدياً وصريحاً.
(7) رابطة السببية. إثبات "بوجه عام" "خبرة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
استظهار الحكم قيام علاقة السببية بين إصابة المجني عليه وبين العاهة المستديمة فيما نقله عن التقرير الطبي الشرعي. كفايته سنداً لذلك.
1 - حيث إن إعلان المتهم لحضور جلسة المحاكمة أمام محكمة الجنايات لأقل من الأجل المحدد في المادة 374 من قانون الإجراءات الجنائية وهي ثمانية أيام قبل الجلسة لا يؤثر في صحة الإعلان لأن ذلك ليس من شأنه أن يبطله كإعلان مستوف للشكل القانوني وإنما يصح للمتهم أن يطلب أجلاً لتحضير دفاعه استيفاء لحقه في الميعاد الذي حدده القانون وعلى المحكمة إجابته إلى طلبه وإلا كانت إجراءات المحاكمة باطلة.
2 - من المقرر أن المواعيد الخاصة بتكليف المتهم بالحضور أمام مرحلة الإحالة وأمام محكمة الجنايات مقررة لمصلحة المتهم نفسه فإذا كان لم يتمسك أمام محكمة الموضوع بعدم مراعاتها فإنه يعتبر متنازلاً عنها لأنه قدر أن مصلحته لم تمس من وراء مخالفتها فلا يجوز له من بعد أن يتمسك بوقوع هذه المخالفة.
3 - الأصل في الدفاع الشرعي أنه من الدفوع الموضوعية التي يجب التمسك بها لدى محكمة الموضوع ولا تجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض إلا إذا كانت الوقائع الثابتة بالحكم دالة بذاتها على تحقق حالة الدفاع الشرعي كما عرفه القانون أو ترشح لقيامها.
4 - من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني في كل جزئية منه بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق.
5 - وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع تقدره التقدير الذي تطمئن إليه ودون رقابة من محكمة النقض، وتناقض رواية الشهود في بعض تفاصيلها لا يعيب الحكم ولا يقدح في سلامته ما دام قد استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه.
6 - لئن كان من المقرر أن التمسك بقيام حالة الدفاع لا يشترط فيه إيراده بلفظه إلا أنه يجب أن يكون صريحاً وجدياً.
7 - إذا كان الواضح من مدونات الحكم أنه استظهر قيام علاقة السببية بين إصابة المجني عليه بفخذه الأيسر والتي نقلها عن التقرير الطبي الابتدائي وبين العاهة المستديمة التي تخلفت لديه بذلك الفخذ والتي أوردها نقلاً عن التقرير الطبي الشرعي الذي أثبت أنها تعزي إلى تلك الإصابة بما أحدثته من شلل بالطرف السفلي الأيسر مع قدرة على المشي متكئاً على عصا فإنه ينحسر عن الحكم ما يثيره الطاعن من قصور في هذا الصدد.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه ضرب...... فأحدث به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي نشأت عنها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هي شلل الطرف السفلي الأيسر مع قدرة على المشي متكئاً على عصا وتقدر بنسبة عجز 30%. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة فقرر ذلك. ومحكمة جنايات الجيزة قضت حضورياً بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

(أولاً): عن تقرير الأسباب المقدم من الأستاذ....... المحامي:
حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة إحداث عاهة مستديمة قد شابه بطلان في الإجراءات وإخلال بحق الدفاع كما انطوى على قصور وتناقض في التسبيب ذلك بأن الطاعن سبق الحكم عليه غيابياً ثم أعيدت إجراءات محاكمته في ذات اليوم الذي قبض عليه فيه دون أن يمهل مهلة الثمانية أيام المقررة في نص المادة 374 من قانون الإجراءات الجنائية وهي المهلة المعطاة للمتهم بعد تكليفه بالحضور أمام محكمة الجنايات لإعداد دفاعه هذا إلى أن الواقعة كما أوردها الحكم المطعون فيه ترشح لقيام حالة الدفاع الشرعي لدى الطاعن مما كان لازمه أن يعرض الحكم لها وبقول كلمته فيها إلا أنه لم يفعل كما عول الحكم في إدانة الطاعن على الدليلين القولي والفني مع ما بينهما من تعارض إذ بينما قرر المجني عليه أن الطاعن أصابه بطعنتين في يده اليمنى وفخذه الأيسر إذ بالتقارير الطبية تشير إلى إصابته بإصابات ثلاث هي جرح قطعي برسغ اليد اليمنى وجرح بالحضرة الحرقفية اليسرى وثالث أعلى مقدم أيسر الصدر كما عول الحكم على أقوال كل من المجني عليه والشاهد....... رغم تناقض أقوالهما دون أن يعني برفع ذلك التناقض كما لم يورد ما قاله الشاهد بشأن التشاجر الذي حدث بين الطاعن والمجني عليه، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن إعلان المتهم لحضور جلسة المحاكمة أمام محكمة الجنايات لأقل من الأجل المحدد في المادة 374 من قانون الإجراءات الجنائية وهي ثمانية أيام قبل الجلسة لا يؤثر في صحة الإعلان لأن ذلك ليس من شأنه أن يبطله كإعلان مستوفي للشكل القانوني وإنما يصح للمتهم أن يطلب أجلاً لتحضير دفاعه استيفاء لحقه في الميعاد الذي حدده القانون وعلى المحكمة إجابته إلى طلبه وإلا كانت إجراءات المحاكمة باطلة، وكان من المقرر أن المواعيد الخاصة بتكليف المتهم بالحضور أمام مرحلة الإحالة وأمام محكمة الجنايات مقررة لمصلحة المتهم نفسه، فإذا كان لم يتمسك أمام محكمة الموضوع بعدم مراعاتها فإنه يعتبر متنازلاً عنها لأنه قدر أن مصلحته لم تمس من وراء مخالفتها فلا يجوز له من بعد أن يتمسك بوقوع هذه المخالفة. وإذن فمتى كان الثابت من الاطلاع على محضر الجلسة أن الطاعن حضر المحاكمة من بدايتها وترافعت عنه محاميته الموكلة ولم يطلب أي منهما من المحكمة أجلاً لتحضير دفاعه وكانت محامية الطاعن قد ترافعت في الدعوى على النحو المبين بمحضر جلسة المحاكمة، ومن ثم فإن دعوى بطلان الإجراءات أو الإخلال بحق الدفاع لا يكون لها من وجه. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما مؤداه أنه بتاريخ 21/ 10/ 1974 توجه المجني عليه السائق بشركة مطاحن جنوب القاهرة إلى مدير الشركة بعد أن أحس بإعياء يمنعه من مواصلة علمه طالباً تكليف غيره بالقيام بالعمل فاستدعى مدير الشركة المتهم وكلفه باستلام السيارة من المجني عليه والقيام بعمله فرفض وانصرف وإذ تبعه المجني عليه تبين له أنه قاد السيارة وغادر بها مقر الشركة فاستعان بسيارة أخرى ولحق به أمام مسرح البالون حيث عاتبه على استلامه السيارة دون إذنه ودون التوقيع باستلامها وعندئذ قام المتهم بطعنه بمطواة في يده اليمنى وفخذه الأيسر فأحدث إصابتيه الموصوفتين بالتقريرين الطبيين الابتدائي والشرعي والتي تخلف لديه من جراء إحداها وهي إصابة الفخذ الأيسر عاهة مستديمة - وساق الحكم على ثبوت الواقعة في حق الطاعن أدلة مستمدة من أقوال المجني عليه والشاهد....... والتقريرين الطبيين المشار إليهما. لما كان ذلك، وكان الأصل في الدفاع الشرعي أنه من الدفوع الموضوعية التي يجب التمسك بها لدى محكمة الموضوع ولا تجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض إلا إذا كانت الوقائع الثابتة بالحكم دالة بذاتها على تحقق حالة الدفاع الشرعي كما عرفه القانون أو ترشح لقيامها، وكان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يدفع أمام محكمة الموضوع بقيام حالة الدفاع الشرعي وكانت وقائع الدعوى كما أثبتها الحكم المطعون فيه لا تتوافر بها تلك الحالة ولا ترشح لقيامها فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الوجه لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني في كل جزئية منه بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد نقل عن المجني عليه أن المتهم طعنه بمطواة في يده اليمنى وفخذه الأيسر ثم نقل عن التقرير الطبي الابتدائي أنه أصيب بجرح قطعي باليد اليمنى وجرح طعني بالفخذ الأيسر ويبين مؤدى التقرير الطبي الشرعي فيما حاصله إصابة المجني عليه بفقدان في الحس على الجانب الوحشي من الفخذ الأيسر وضمور في عضلات الفخذ وأنه تخلف لديه بفخذه ذاك عاهة مستديمة وكان الطاعن لا ينازع في أن ما أورده الحكم من أقوال المجني عليه وما نقله عن التقريرين الطبيين سالفي البيان له معينه الصحيح من الأوراق فإن ما أورده الحكم من دليل قولي مستمد من أقوال المجني عليه لا يتعارض مع ما نقله عن الدليل الفني بل يتلاءم معه ويكون الحكم قد خلا مما يظاهر دعوى الخلاف بين الدليلين القولي والفني. لما كان ذلك، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع تقدره التقدير الذي تطمئن إليه ودون رقابة من محكمة النقض وكان تناقض رواية الشهود في بعض تفاصيلها لا يعيب الحكم ولا يقدح في سلامته ما دام قد استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه - كالشأن في الدعوى الماثلة - كما أن للمحكمة ألا تورد من الأسباب إلا ما تقيم عليه قضاءها ولها أن تأخذ من أقوال الشهود ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا النص لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز مجادلتها فيه.
(ثانياً) عن تقرير الأسباب المقدم من الأستاذ/ ....... المحامي:
حيث إن مبنى الطعن هو القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، ذلك أنه ورد ضمن مرافعة المدافعة عن الطاعن ما يفيد الإشارة إلى قيام حالة الدفاع الشرعي هذا فضلاً عن أن الواقعة كما حصلها الحكم المطعون فيه ترشح لقيامها إلا أن الحكم لم يعرض لهذا الدفاع أو يشر إليه، هذا إلى أن الحكم لم يبين الإصابات التي أحدثها الطاعن بالمجني عليه ويستظهر رابطة السببية بينها وبين العاهة التي نسب إليه إحداثها وكيف أن تلك الإصابات أدت إليها مما يعيبه ويوجب نقضه.
وحيث إنه لئن كان من المقرر أن التمسك بقيام حالة الدفاع الشرعي لا يشترط فيه إيراده بلفظه إلا أنه يجب أن يكون صريحاً وجدياً. وإذ كان الثابت من محضر الجلسة أن كل ما إثارته المدافعة عن الطاعن هو أن "رواية الشاهد جاء بها أن المتهم والمجني عليه تشاجرا معاًً وأن المتهم فوجئ بالمجني عليه يتعقبه ليلومه عن طلوعه السيارة" وهو ما لا يفصح بأي حال عن التمسك بقيام حالة الدفاع الشرعي كما هي معرفة به في القانون وإذ كانت الواقعة كما سجلها الحكم لا ترشح لقيام تلك الحالة على نحو ما سلف بيانه، ومن ثم فإن تعييب الحكم في هذا الوجه من الطعن يكون غير مقبول. لما كان ذلك، وكان الواضح من مدونات الحكم أنه استظهر قيام علاقة السببية بين إصابة المجني عليه بفخذه الأيسر والتي نقلها عن التقرير الطبي الابتدائي وبين العاهة المستديمة التي تخلفت لديه بذلك الفخذ والتي أوردها نقلاً عن التقرير الطبي الشرعي الذي أثبت أنها تعزي إلى تلك الإصابة بما أحدثته من شلل بالطرف السفلي الأيسر مع قدرة على المشي متكئاً على عصا فإنه ينحسر عن الحكم ما يثيره الطاعن من قصور في هذا الصدد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.