أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 31 - صـ 890

جلسة 15 من أكتوبر سنة 1980

برئاسة السيد المستشار الدكتور أحمد رفعت خفاجى نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم حسين رضوان، وحسين كامل حنفي، ومحمد ممدوح سالم؛ ومحمد رفيق البسطويسي.

(172)
الطعن رقم 758 لسنة 50 القضائية

إثبات "اعتراف". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب" إكراه. نيابة عامة. محاماة. تحقيق.
- عدم التعويل على الاعتراف ولو كان صادقاً متى كان وليد إكراه.
- على المحكمة بحث الصلة بين الاعتراف والإصابات المقول بحصولها لإكراه المتهم عليه ونفي قيامها في استدلال سائغ إن هي رأت التعويل على الدليل المستمد منه. مخالفة ذلك. قصور وفساد في الاستدلال.
- حضور المحامي التحقيق الذي تجريه النيابة العامة. لا ينفي حصول التعذيب.
- الأدلة في المواد الجنائية متساندة.
الاعتراف يجب ألا يعول عليه - ولو كان صادقاً - متى كان وليد إكراه كائناً ما كان قدره، والأصل أنه يتعين على المحكمة أن تبحث للصلة بين اعتراف المتهمين والإصابات المقول بحصولها لإكراههم عليه ونفي قيامها في استدلال سائغ إن هي رأت التعويل على الدليل المستمد منه، وكان الحكم المطعون فيه قد أطرح الدفع ببطلان الاعتراف على النحو السابق ذكره بما لا يسوغ الرد عليه، ذلك بأن عدم ملاحظة وكيل النيابة المحقق وجود إصابات ظاهرة بالمتهمين، لا ينفي وجود إصابات بهم، كما أن حضور محامين مع المتهمين في تحقيق تجريه النيابة العامة لا ينفي وقوع التعذيب، وإذ ناظر القاضي الجزئي الطاعنين أثبت - حسبما سلف البيان - تعدد إصاباتهم وأنه ندب مفتش الصحة لتوقيع الكشف الطبي لبيان سبب هذه الإصابات، بيد أن قراره لم ينفذ، فإنه كان لزاماً على المحكمة - قبل أن تقطع برأي في سلامة الاعتراف - أن تتولى بنفسها تحقيق ما أثاره الطاعنون في هذا الشأن وأن تبحث الصلة بين الاعتراف وبين هذه الإصابات. أما وقد نكلت عن ذلك وعولت في إدانة الطاعنين على الدليل المستمد من اعترافهم، فإن حكمها يكون معيباً بالقصور والفساد في الاستدلال فضلاً عن إخلاله بحق الدفاع، ولا يغني عن ذلك ما ذكرته المحكمة من أدلة أخرى، إذ أن الأدلة في المواد الجنائية متساندة بشد بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة بحيث إذا سقط أحدها أو استبعد تعذر التعرف على الأثر الذي كان لهذا الدليل الباطل في الرأي الذي انتهت المحكمة إليه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخر بأنهم: قتلوا وآخران "حدثان"....... عمداً مع سبق الإصرار بأن بيتوا النية على قتله وأعدوا لذلك آلات صلبة حادة وثقيلة وما أن ظفروا به في الحقل حتى انهالوا عليه ضرباً وطعناً قاصدين من ذلك قتله فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، فقرر ذلك. وادعت....... عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها قصر المرحوم....... مدنياً قبل المتهمين متضامنين بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات المنصورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبتهم بالأشغال الشاقة لمدة خمسة عشر عاماً لكل. وبإلزامهم على وجه التضامن بأن يدفعوا للمدعية بالحق المدني قرشاً صاغاً واحد على سبيل التعويض المؤقت. فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهم بجريمة القتل العمد، قد شابه الفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه تساند إلى ما عزى من اعتراف إلى الطاعنين رغم بطلانه لصدوره وليد إكراه وتعذيب، وأطرح دفاعهم في هذا الشأن بما لا يصلح لإطراحه، ومعرضاً عن طلب ندب الطبيب الشرعي لتوقيع الكشف الطبي عليهم لبيان سبب إصاباتهم رغم جوهرية هذا الدفاع، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على المفردات المضمومة، أن وكيل النيابة المحقق أثبت وجود كدمات بعين الطاعن الأول، كما أثبت القاضي الجزئي بجلسة 13 من أغسطس سنة 1977 عند النظر في مد الحبس الاحتياطي للطاعنين وغيرهم من المتهمين مشاهدته إصابات متعددة وأنه ندب مفتش الصحة لتوقيع الكشف الطبي عليهم، غير أن قراره لم ينفذ، كما يبين من الحكم المطعون فيه أنه استند في إدانة الطاعنين - ضمن ما استند إليه من أدلة - إلى الاعتراف المنسوبة إليهم، وأنه رد على الدفع المبدى من الدفاع ببطلان هذا الاعتراف لحصوله نتيجة إكراه وتعذيب وقع عليهم بقوله "وحيث إنه في حدود ما أثاره الدفاع بالجلسة من أن اعتراف المتهمين كان وليد إكراه تأسيساً على ما أثبته السيد قاضي المعارضات بجلسة 31 من أغسطس سنة 1977 من وجود ثمة إصابات بالمتهمين الأربعة والحدث........ أثبتها بمحضره سالف الذكر بناء على طلب الدفاع وعما أثير بشأن وجود كدم بالعين اليسرى للمتهم الأول أثبته المحقق بتاريخ 22 من أغسطس سنة 1977، فإن هذا الدفاع مردود بما يلي:
(أولاً). أن المتهمين قد مثلوا أمام السيد وكيل النيابة بتاريخ 22 من أغسطس سنة 1977 فور القبض عليهم وقام بمناظرتهم فلم يشاهد أية إصابات بهم ولو كان بأي منهم إصابة لبادر وقرر بذلك أمام المحقق فور سؤاله.
(ثانياً). أن هؤلاء المتهمين كانوا في صحبة محامين معهم ولم يبدوا هذا الدفاع، أما بخصوص الإصابة التي أثبتها المحقق بتاريخ 22 من أغسطس سنة 1977 عند مناظرته للمتهم الأول....... وهي كدم بعينه اليسرى فإن الثابت من أقوال المتهم........ أنه ثمة تماسك قد حدث بين هذا المتهم والمجني عليه مما يفيد أن هذه الإصابة قد حدثت نتيجة لهذا التمسك، فضلاً عن أن المتهم لم يثر أمام السيد وكيل النيابة عندما أثبت هذه الإصابة أنها نتيجة تعذيب وقع عليه، ومن كل ذلك تستشف المحكمة بجلاء أن الإصابات التي أثبتها قاضي المعارضات لا صلة لها بالاعترافات التي أدلى بها المتهمون في التحقيقات طواعية واختياراً وأن هذه الاعترافات تصادق الواقع في الدعوى ومن ثم فلا تستجيب المحكمة لطلب الدفاع بندب الطبيب الشرعي لتوقيع الكشف الطبي على المتهمين، إذ لا جدوى من هذا الإجراء وقد انتهت المحكمة طبقاً لما سلف إلى عدم وجود صلة بين الإصابات التي أثبتها قاضي المعارضات بمحضره وبين اعترافات المتهمين" لما كان ذلك، وكان الاعتراف يجب ألا يعول عليه - ولو كان صادقاً - متى كان وليد إكراه كائناً ما كان قدره، والأصل أنه يتعين على المحكمة أن تبحث الصلة بين اعتراف المتهمين والإصابات المقول بحصولها لإكراههم عليه ونفي قيامها في استدلال سائغ إن هي رأت التعويل على الدليل المستمد منه، وكان الحكم المطعون فيه قد أطرح الدفع ببطلان الاعتراف على النحو السابق ذكره بما لا يسوغ الرد عليه، ذلك بأن عدم ملاحظة وكيل النيابة المحقق وجود إصابات ظاهرة بالمتهمين، لا ينفي وجود إصابات بهم، كما أن حضور محامين مع المتهمين في تحقيق تجريه النيابة العامة لا ينفي وقوع التعذيب، وإذ ناظر القاضي الجزئي الطاعنين أثبت - حسبما سلف البيان - تعدد إصاباتهم وأنه ندب مفتش الصحة لتوقيع الكشف الطبي لبيان سبب هذه الإصابات، بيد أن قراره لم ينفذ، فإنه كان لزاماً على المحكمة - قبل أن تقطع برأي في سلامة الاعتراف - أن تتولى بنفسها تحقيق ما أثاره الطاعنون في هذا الشأن وأن تبحث الصلة بين الاعتراف وبين هذه الإصابات. أما وقد نكلت عن ذلك وعولت في إدانة الطاعنين على الدليل المستمد من اعترافهم، فإن حكمها يكون معيباً بالقصور والفساد في الاستدلال فضلاً عن إخلاله بحق الدفاع، ولا يغني عن ذلك ما ذكرته المحكمة من أدلة أخرى، إذ أن الأدلة في المواد الجنائية متساندة بشد بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة بحيث إذا سقط أحدها أو استبعد تعذر التعرف على الأثر الذي كان لهذا الدليل الباطل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة. لما كان ما تقدم، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإحالة، بغير حاجة إلى بحث سائر ما يثيره الطاعنون في أسباب طعنهم.