أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 35 - صـ 786

جلسة 20 من نوفمبر سنة 1984

برياسة السيد المستشار/ فوزي أحمد المملوك نائب رئيس المحكمة. وعضوية السيد المستشار/ محمد عبد الرحيم نافع نائب رئيس المحكمة والسادة المستشارين/ حسن غلاب ومحمد أحمد حسن والصاوي يوسف.

(176)
الطعن رقم 653 لسنة 54 القضائية

(1) جلب. قصد جنائي. إثبات "بوجه عام". مواد مخدرة.
عدم توافر القصد الجنائي في جريمة جلب الجوهر المخدر. بمجرد تحقق الحيازة المادية. وجوب قيام الدليل على علم الجاني.
(2) إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب".
تقدير الأدلة. موضوعي.
إفصاح القاضي عن الأسباب التي من أجلها لم يعول على الدليل. أثره؟
(3) مواد مخدرة. جلب. قصد جنائي. إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها". قرائن.
استناد الحكم في الرد على دفاع الطاعن بعدم العلم بوجود مخدر بالثلاجة المضبوطة وأن آخر سلمها إليه بمحتوياتها وأن اشتمام شاهدي الإثبات لرائحة غريبة وإلى ارتباك الطاعن حال ضبط أخرى تحمل مخدراً. عدم كفايته. القول بأن الطاعن كانت لديه فسحة من الوقت لإخفاء المخدر. مصادرة على المطلوب في هذا الخصوص.
افتراض العلم بالجوهر المخدر من واقع الحيازة. إنشاء - لا يمكن إقراره - لقرينة قانونية. القصد الجنائي وجوب ثبوته فعلياً لا افتراضياً.
1 - من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة جلب الجوهر المخدر لا يتوافر بمجرد تحقق الحيازة المادية بل يجب أن يقوم الدليل على علم الجاني بأن ما يحرزه هو من الجواهر المخدرة المحظور إحرازها قانوناً.
2 - لئن كان أساس الأحكام الجنائية هو حرية قاضي الموضوع في تقدير الأدلة القائمة في الدعوى فله أن يقدر الدليل التقدير الذي يطمئن إليه دون أن يكون ملزماً ببيان سبب إطراحه، إلا أنه متى أفصح القاضي عن الأسباب التي من أجلها لم يعول على الدليل فإنه يلزم أن يكون ما أورده واستدل به مؤدياً إلى ما رتب عليه من نتائج من غير تعسف في الاستنتاج ولا تنافر في حكم العقل والمنطق ولمحكمة النقض في هذه الحالة أن تراقب ما إذا كان من شأن هذه الأسباب أن تؤدي إلى النتيجة التي خلص إليها.
3 - لما كان الطاعن قد دفع بأنه لا يعلم بوجود مخدر بالثلاجة المضبوطة وأن آخر سلمها إليه بمحتوياتها، فإنه كان يتعين على الحكم المطعون فيه أن يورد الأسانيد السائغة التي تبرر اقتناعه بعلم الطاعن بوجود المخدر بالثلاجة، وأما استناده في رده على دفاعه في هذا الشأن إلى اشتمام شاهدي الإثبات لرائحة غريبة - دون تجلية لنوعيتها - وإلى ارتباك الطاعن حالة ضبط أخرى تحمل مخدراً، فإن ذلك لا يكفي للرد على انتفاء العلم بوجود المخدر في حيازته ولا يهدي إلى ثبوته، إذ إدراك رائحة المخدر هو أمر تتفاوت فيه مدارك الناس وحواسهم كما أن الارتباك تعله ما ورد بالحكم لا يلزم عنه بالضرورة علم الطاعن بأن بالثلاجة مواد مخدرة، هذا إلى أن القول بأن الطاعن كانت لديه فسحة من الوقت وهو في بيروت لإخفاء المخدر - وهو في حقيقته - مصادرة على المطلوب في هذا الخصوص. وكذا شأن ما تطرق إليه الحكم من إيراد لحكم المادة 33 من القانون رقم 182 لسنة 1960 - فضلاً عما فيه من إنشاء لقرينة قانونية مبناها افتراض العلم بالجوهر المخدر من واقع الحيازة وهو ما لا يمكن إقراره قانوناً ما دام أن القصد الجنائي من أركان الجريمة ويجب أن يكون ثبوته فعلياً لا افتراضياً.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه أولاً: جلب إلى أراضي جمهورية مصر العربية جوهراً مخدراً (حشيشاً) قبل الحصول على تصريح من الجهة الإدارية المختصة.
ثانياً: هرب البضاعة الواردة والمبينة بالتحقيقات وصفاً موضوع التهمة الأولى بالمخالفة للنظم المعمول بها في شأن البضائع الممنوعة وطلبت معاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
وطلبت مصلحة الجمارك الحكم بتعويض قدره 8957.040 جنيهاً.
ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت حضورياً عملاً بالمواد 1، 2، 33/ أ، 36، 42/ 1 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 والبند 57 من الجدول رقم 1 الملحق بالقانون الأول المعدل بقرار وزير الصحة رقم 295 لسنة 1973 والمواد 1، 15، 12، 122، 124 من القانون رقم 66 لسنة 1963 المعدل بالقانون 75 لسنة 1980، 42/ 1 من القانون الأول، 32/ 2 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة وتغريمه ثلاثة ألاف جنيه عما أسند إليه وبمصادرة المخدر والثلاجة المضبوطتين وإلزامه بأن يدفع لمصلحة الجمارك مبلغ 8957.040 جنيهاً (ثمانية آلاف وتسعمائة وسبعة وخمسين جنيهاً وأربعين مليماً) مع إلزامه المصاريف الجنائية.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.


المحكمة

حيث إنه مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي جلب جوهر مخدر قبل الحصول على ترخيص من الجهة الإدارية المختصة, وتهربه من أداء الضريبة الجمركية المقررة عليه، فقد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، ذلك بأنه أقام دفاعه على أن شخصاً سماه قد سلم إليه الثلاجة في لبنان لتوصيلها لمطار القاهرة, ولا يعلم بموجود المخدر بداخلها, وأطرح الحكم هذا الدفاع برد قاصر وغير سائغ، مما يعيبه ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن حصل واقعة الدعوى وأدلتها رد على دفاع الطاعن بعدم العلم بوجود المخدر في الثلاجة وأطرحه بأنه مردود بما اطمأنت إليه من أدلة الثبوت سالفة البيان إذ لاحظ شاهدا الإثبات انبعاث رائحة غربية من الثلاجة المضبوطة فضلاً عن ارتباك المتهم خاصة بعد ضبط راكبة أخرى ومعها مخدرات قادمة من بيروت وإقرار المتهم فور الضبط من أنه اشترى الثلاجة بحالتها من بيروت مما يكون لدى المتهم من الوقت في إخفاء المخدر بالثلاجة.. وأما عن القول بأن الثلاجة تخص من يدعى...... فإنه بفرض قيام احتمال وجود حقيقي لمن يدعى..... فإنه يتحقق معنى الجلب في حق المتهم إذ أن المشرع إذ عاقب في المادة 33 من القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات... على جلب المواد المخدرة فقد دل على أن المراد بجلب المخدر هو استيراده بالذات أو بالواسطة ملحوظاً في ذلك طرحه وتداوله بين الناس سواء كان الجالب قد استورده لحساب نفسه أو لحساب غيره متى تجاوز بفعله الخط الجمركي. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة جلب الجوهر المخدر لا يتوافر بمجرد تحقق الحيازة المادية بل يجب أن يقوم الدليل على علم الجاني بأن ما يحرزه هو من الجواهر المخدرة المحظور إحرازها قانوناً. لما كان ذلك ولئن كان أساس الأحكام الجنائية إنما هو حرية قاضي الموضوع في تقدير الأدلة القائمة في الدعوى فله أن يقدر الدليل التقدير الذي يطمئن إليه دون أن يكون ملزماً ببيان سبب إطراحه، إلا أنه متى أفصح القاضي عن الأسباب التي من أجلها لم يعول على الدليل فإنه يلزم أن يكون ما أورده واستدل به مؤدياً إلى ما رتب عليه من نتائج من غير تعسف في الاستنتاج ولا تنافر في حكم العقل والمنطق ولمحكمة النقض في هذه الحالة أن تراقب ما إذا كان من شأن هذه الأسباب أن تؤدي إلى النتيجة التي خلص إليها. لما كان ذلك، وكان الطاعن قد دفع بأنه لا يعلم بوجود مخدر بالثلاجة المضبوطة وأن آخر سلمها إليه بمحتوياتها، فإنه كان يتعين على الحكم المطعون فيه أن يورد الأسانيد السائغة التي تبرر اقتناعه بعلم الطاعن بوجود المخدر بالثلاجة، وأما استناده في رده على دفاعه في هذا الشأن إلى اشتمام شاهدي الإثبات لرائحة غريبة - دون تجلية لنوعيتها - وإلى ارتباك الطاعن حالة ضبط أخرى تحمل مخدراً، فإن ذلك لا يكفي للرد على انتفاء العلم بوجود المخدر في حيازته ولا يهدي إلى ثبوته، إذ إدراك رائحة المخدر هو أمر تتفاوت فيه مدارك الناس وحواسهم كما أن الارتباك تعله ما ورد بالحكم لا يلزم عنه بالضرورة علم الطاعن بأن بالثلاجة مواد مخدرة، هذا إلى أن القول بأن الطاعن كانت لديه فسحة من الوقت وهو في بيروت لإخفاء المخدر - هو في حقيقته - مصادرة على المطلوب في هذا الخصوص، وكذا شأن ما تطرق إليه الحكم من إيراد لحكم المادة 33 من القانون رقم 182 لسنة 1960 - فضلاً عما فيه من إنشاء لقرينة قانونية مبناها افتراض العلم بالجوهر المخدر من واقع الحيازة وهو ما لا يمكن إقراره قانوناً ما دام أن القصد الجنائي من أركان الجريمة ويجب أن يكون ثبوته فعلياً لا افتراضياً. لما كان ما تقدم فإن الحكم المطعون فيه يكون فوق قصوره قد شابه الفساد في الاستدلال. بما يتعين معه نقضه والإحالة وذلك دون حاجة إلى بحث باقي ما يثيره الطاعن.