أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 31 - صـ 917

جلسة 27 من أكتوبر سنة 1980

برئاسة السيد المستشار عادل برهان نور نائب رئيس المحكمة؛ وعضوية السادة المستشارين: أمين عليوه؛ وفوزي المملوك، وفوزي أسعد، ومصطفى عبد الرازق.

(179)
الطعن رقم 816 لسنة 50 القضائية

(1 - 2) اختصاص. نظام عام. دفوع. "الدفع بعدم الاختصاص الولائي". ضرب. "ضرب بسيط". نقض. "أسباب الطعن. ما يقبل منها".
القواعد المتعلقة بالاختصاص في المسائل الجنائية. من النظام العام.
الدفع بعدم الاختصاص الولائي. جواز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
(3) اختصاص. نظام عام. محكمة الموضوع. قضاء عسكري. ضرب. "ضرب بسيط".
جنود القوات المسلحة. خاضعين لأحكام القضاء العسكري. م 4 ق 25 لسنة 1966. توافر الصفة العسكرية لدى الجاني. وقت ارتكابه الجريمة. مناط اختصاص القضاء العسكري. مثال ينعقد فيه الاختصاص للقضاء الجنائي العادي.
(4 - 5) دفوع. "الدفع ببطلان الإجراءات لعدم الإعلان بالجلسة". محكمة الموضوع. معارضة. محكمة ثاني درجة.
الدفع ببطلان الإجراءات لعدم الإعلان بالجلسة أمام أول درجة. يسقط إذا لم يبد بجلسة المعارضة.
العبرة ببطلان الإجراءات. هو بما يتم منها أمام المحكمة الاستئنافية.
(6 - 7) إثبات. "بوجه عام". "شهود". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
وزن أقوال الشاهد. موضوعي. مفاد الأخذ بشهادته؟
متى لا يعيب تناقض الشاهد الحكم؟
(8) إثبات. "بوجه عام". "اعتراف". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". ضرب. "ضرب بسيط".
حق محكمة الموضوع في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. مثال لتسبيب سائغ في تحصيل اعتراف.
(9) إثبات. "بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". ضرب. "ضرب بسيط".
المحكمة غير ملزمة بالإشارة إلى الأقوال التي لم تستند إليها.
1 - 2 من المقرر أن القواعد المتعلقة بالاختصاص في المسائل الجنائية كلها من النظام العام بالنظر إلى أن الشارع في تقديره لها قد أقام ذلك على اعتبارات عامة تتعلق بحسن سير العدالة، وأن الدفع بعدم الاختصاص الولائي من النظام العام ويجوز إثارته أمام محكمة النقض لأول مرة.
3 - لما كانت المادة الرابعة من القانون رقم 25 لسنة 1966 بإصدار قانون الأحكام العسكرية قد أوردت ضمن العسكريين الخاضعين لأحكام القضاء العسكري جنود القوات المسلحة، ونصت المادة السابعة منه بفقرتيها الأولى والثانية على سريانه على كافة الجرائم التي ترتكب من الأشخاص الخاضعين له إذا وقعت بسبب تأدية أعمال وظائفهم، وكذلك كافة الجرائم إذا لم يكن فيها شريك أو مساهم من غير الخاضعين له، وكان المستفاد من هذا النص أن المشرع جعل الاختصاص لجهة القضاء العسكري منوطاً بتوافر الصفة العسكرية لدى الجاني وقت ارتكابه الجريمة. لما كان ذلك، وكان الثابت من الاطلاع على المفردات المضمومة أن الطاعن وقت ارتكابه الجريمة في أول ديسمبر سنة 1971 لم يكن جندياً بالقوات المسلحة وإنما كان يمتهن الزراعة "فلاحاً" ولم يتم تجنيده إلا بتاريخ 20 من فبراير سنة 1973 أي بعد مضي أكثر من سنة على وقوع الجريمة المسندة إليه، فإن الاختصاص بمحاكمته ينعقد للقضاء الجنائي العادي، ويكون النعي بصدور الحكم من محكمة غير مختصة ولائياً غير سديد.
4، 5 - لما كان البين من الاطلاع على محاضر جلسات المعارضة أمام محكمة أول درجة أن الطاعن لم يدفع ببطلان الحكم الغيابي لعدم إعلانه بالجلسة التي صدر فيها، وكان من المقرر أن حق المتهم في الدفع ببطلان الإجراءات لعدم إعلانه بالجلسة المحددة لمحاكمته أمام محكمة أول درجة يسقط إذا لم يبده بجلسة المعارضة، وكان من المقرر أيضاً أن العبرة ببطلان الإجراءات هو بما يتم منها أمام المحكمة الاستئنافية، وكان الثابت أن الطاعن لم يثر أمامها شيئاً في شأن البطلان المدعى به في إجراءات المحاكمة أمام محكمة أول درجة فإنه ليس له من بعد أن يتحدث عن هذا البطلان أمام محكمة النقض، ومن ثم يكون هذا الوجه على غير أساس واجب الرفض.
6 - من المقرر أن وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التي يؤدي فيها شهادته وتعويل القضاء على أقواله مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، وهي متى أخذت بشهادته فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، فيكفي أن تأخذ المحكمة بما تطمئن إليه من الأقوال المختلفة للمجني عليه سواء ما صدر منها في الجلسة أو في التحقيق ولو لم يظاهره أحد آخر فيها.
7 - التناقض في أقوال الشاهد - بفرض صحة وجوده - لا يعيب الحكم ما دام قد استخلص الحقيقة من أقواله استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه.
8 - لما كان لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وكان يبين من الاطلاع على الحكم أنه حصل ما اعترف به....... من أنه خدش المجني عليه بالمدية في كتفه مرتين ثم أطرح هذا الاعتراف لتناقضه مع ماديات الدعوى وما جاء بالتقرير الطبي وعلل أقواله برغبته في درء الاتهام عن ابن أخيه الطاعن الذي هب لنجدته - وهو تدليل سائغ وكان لإطراح هذا الاعتراف، فضلاً عن أنه من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك المحكمة كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ولها ألا تعول عليها متى تراءى لها أنه مخالف للحقيقة والواقع، فيكون ما يحاج به الطاعن في هذا الصدد غير سديد.
9 - لما كان لمحكمة الموضوع أن تعرض عن قالة شاهد النفي ما دامت لا تثق بما شهد به، وهي غير ملزمة بالإشارة إلى أقواله ما دامت لم تستند إليها وفي قضائها بالإدانة لأدلة الثبوت التي أوردتها، دلالة في أنها لم تطمئن إلى أقوال هذا الشاهد فأطرحتها، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الوجه ينحل إلى جدل موضوعي حول سلطة المحكمة في تقدير الأدلة القائمة في الدعوى ومبلغ اطمئنانها إليها مما لا يجوز مصادرتها فيه أو الخوض بشأنه أمام محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخر بأنهما في يوم أول ديسمبر سنة 1971: المتهم الأول (الطاعن): أحدث عمداً الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبي والتي تقرر لعلاجها مدة لا تزيد عن عشرين يوماً. المتهم الثاني: أحدث عمداً الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبي والتي تقرر لعلاجها مدة لا تزيد عن عشرين يوماً، وطلبت عقابهما بالمادة 242/ 1 من قانون العقوبات. وادعى المجني عليه الأول مدنياً قبل المتهم الأول (الطاعن) بمبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنح مركز المحلة قضت غيابياً للأول (الطاعن) وحضورياً للثاني عملاً بمادة الاتهام (أولاً) بمعاقبة المتهم الأول (الطاعن) بالحبس ستة أشهر مع الشغل وكفالة خمسة جنيهات لإيقاف التنفيذ. (ثانياً) بمعاقبة المتهم الثاني بتغريمه مبلغ خمسة جنيهات. (ثالثاً) بإلزام المتهم الأول (الطاعن) بأن يؤدي للمدعي بالحقوق المدنية مبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. فعارض المحكوم عليه الأول (الطاعن)، وقضي في معارضته بقبولها شكلاً ورفضها موضوعاً وتأييد الحكم المعارض فيه. فاستأنف. ومحكمة طنطا الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الوجه الأول من وجهي الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة إحداث جرح عمداً بالمجني عليه قد جاء باطلاً لصدوره من محكمة لا ولاية لها بنظر الدعوى، ذلك بأن الطاعن بوصف كونه مجنداً بالقوات المسلحة فإن الاختصاص بمحاكمته ينعقد للقضاء العسكري دون القضاء العادي، فضلاً عن أن محكمة أول درجة قضت غيابياً بإدانته وألزمته التعويض المدني دون أن يكون قد أعلن إعلاناً صحيحاً بالحضور أمامها، واكتفت بإعلان صحيفة الدعوى المدنية المقامة ضده في مواجهة النيابة العامة دون أن يثبت أنه قد تم تسليمه إلى الإدارة القضائية المختصة بالقوات المسلحة.
وحيث إنه من المقرر أن القواعد المتعلقة بالاختصاص في المسائل الجنائية كلها من النظام العام بالنظر إلى أن الشارع في تقديره لها قد أقام ذلك على اعتبارات عامة تتعلق بحسن سير العدالة، وأن الدفع بعدم الاختصاص الولائي من النظام العام ويجوز إثارته أمام محكمة النقض لأول مرة. لما كان ذلك، وكانت المادة الرابعة من القانون رقم 25 لسنة 1966 بإصدار قانون الأحكام العسكرية قد أوردت ضمن العسكريين الخاضعين لأحكام القضاء العسكري جنود القوات المسلحة، ونصت المادة السابعة منه بفقرتيها الأولى والثانية على سريانه على كافة الجرائم التي ترتكب من الأشخاص الخاضعين له إذا وقعت بسبب تأدية أعمال وظائفهم، وكذلك كافة الجرائم إذا لم يكن فيها شريك أو مساهم من غير الخاضعين له، وكان المستفاد من هذا النص أن المشرع جعل الاختصاص لجهة القضاء العسكري منوطاً بتوافر الصفة العسكرية لدى الجاني وقت ارتكابه الجريمة لما كان ذلك، وكان الثابت من الاطلاع على المفردات المضمومة أن الطاعن وقت ارتكابه الجريمة في أول ديسمبر سنة 1971 لم يكن جندياً بالقوات المسلحة وإنما كان يمتهن الزراعة "فلاحاً" ولم يتم تجنيده إلا بتاريخ 20 من فبراير سنة 1973 أي بعد مضي أكثر من سنة على وقوع الجريمة المسندة إليه، فإن الاختصاص بمحاكمته ينعقد للقضاء الجنائي العادي، ويكون النعي بصدور الحكم من محكمة غير مختصة ولائياً غير سديد. لما كان ذلك، وكان البين من الاطلاع على محاضر جلسات المعارضة أمام محكمة أول درجة أن الطاعن لم يدفع ببطلان الحكم الغيابي لعدم إعلانه بالجلسة التي صدر فيها وكان من المقرر أن حق المتهم في الدفع ببطلان الإجراءات لعدم إعلانه بالجلسة المحددة لمحاكمته أمام محكمة أول درجة يسقط إذا لم يبده بجلسة المعارضة، وكان من المقرر أيضاً أن العبرة ببطلان الإجراءات هو بما يتم منها أمام المحكمة الاستئنافية، وكان الثابت أن الطاعن لم يثر أمامها شيئاً في شأن البطلان المدعى به في إجراءات المحاكمة أمام محكمة أول درجة فإنه ليس له من بعد أن يتحدث عن هذا البطلان أمام محكمة النقض، ومن ثم يكون هذا الوجه على غير أساس واجب الرفض.
وحيث إن مبنى الوجه الثاني من وجهي الطعن هو الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب، ذلك أن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه عول في قضائه بالإدانة على أقوال المجني عليه رغم تعدد رواياته وتضاربها، ومع أن عم الطاعن كان قد اعترف بأنه هو الذي طعن المجني عليه فقد أطرح الحكم أقواله بما لا يسيغ ذلك، ولم يعرض لما أكده شاهد النفي من أن الطاعن لم يكن موجوداً بمحل الحادث وأن عمه هو الذي اعتدى على المجني عليه.
وحيث إن الحكم الابتدائي الذي اعتنق الحكم المطعون فيه أسبابه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال المجني عليه التي حصلها بما مؤداه أن شجاراً نشب بينه وبين....... (المجني عليه الثاني في الدعوى وهو عم الطاعن) تبادلا فيه الضرب بالأيدي وفي أثناء ذلك فوجئ بالطاعن يطعنه بمدية في ظهره، ومن التقرير الطبي الشرعي الذي أثبت إصابة المجني عليه بجرح طعني نافذ بالقفص الصدري من الجهة اليسرى وكسر مضاعف بالضلع الثامن من الخلف - وهي أدلة سائغة لا يجادل الطاعن في أن لها مأخذها الصحيح من الأوراق. ولما كان من المقرر أن وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التي يؤدي فيها شهادته وتعويل القضاء على أقواله مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، وهي متى أخذت بشهادته فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، فيكفي أن تأخذ المحكمة بما تطمئن إليه من الأقوال المختلفة للمجني عليه سواء ما صدر منها في الجلسة أو في التحقيق ولو لم يظاهره أحد آخر فيها. لما كان ذلك، وكان التناقض في أقوال الشاهد - بفرض صحة وجوده - لا يعيب الحكم ما دام قد استخلص الحقيقة من أقواله استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه - كما هو الحال في الدعوى، ومن ثم فلا تثريب على المحكمة إذا ما عولت في قضائها على ما استخلصته من أقوال المجني عليه ما دامت قد اطمأنت إليها. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وكان يبين من الاطلاع على الحكم أنه حصل ما اعترف به....... من أنه خدش المجني عليه بالمدية في كتفه مرتين ثم أطرح هذا الاعتراف لتناقضه مع ماديات الدعوى وما جاء بالتقرير الطبي وعلل أقواله برغبته في درء الاتهام عن ابن أخيه الطاعن الذي هب لنجدته - وهو تدليل سائغ وكاف لإطراح هذا الاعتراف، فضلاً عن أنه من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك المحكمة كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ولها ألا تعول عليها متى تراءى لها أنه مخالف للحقيقة والواقع، فيكون ما يحاج به الطاعن في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع أن تعرض عن قالة شاهد النفي ما دامت لا تثق بما شهد به، وهي غير ملزمة بالإشارة إلى أقواله ما دامت لم تستند إليها وفي قضائها بالإدانة لأدلة الثبوت التي أوردتها، دلالة في أنها لم تطمئن إلى أقوال هذا الشاهد فأطرحتها، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الوجه ينحل إلى جدل موضوعي حول سلطة المحكمة في تقدير الأدلة القائمة في الدعوى ومبلغ اطمئنانها إليها مما لا يجوز مصادرتها فيه أو الخوض بشأنه أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم جميعه، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاًَ.