أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 31 - صـ 929

جلسة 29 من أكتوبر سنة 1980

برئاسة السيد المستشار/ محمد وجدي عبد الصمد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: حسن عثمان عمار، وإبراهيم حسين رضوان؛ وحسين كامل حنفي؛ ومحمد سالم يونس.

(181)
الطعن رقم 831 لسنة 50 القضائية

(1) قتل عمد. دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". إجراءات "إجراءات المحاكمة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الجنايات "الإجراءات أمامها". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
توكيل المتهم أكثر من محام للدفاع عنه. عدم تقسيمهم الدفاع بينهم. حضور البعض دون الآخر. استئجال الدعوى لحضور الغائب. التفات المحكمة عن هذا الطلب. لا إخلال بحق الدفاع. علة ذلك؟
(2) إثبات. "شهود". "خبرة". قتل عمد. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
- تطابق أقوال الشهود مع مضمون الدليل الفني. غير لازم. كفاية أن يكونا غير متناقضين. بما يستعصى على الملاءمة والتوفيق.
- وجود إصابات بالمجني عليه بالأجزاء الأمامية من الجسم برغم شهادة الشهود من أن الطاعن كان يعدو خلفه. جائز. أساس ذلك. جسم الإنسان متحرك لا يتخذ وضعاً ثابتاً وقت الاعتداء.
(3) قتل عمد. قصد جنائي. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل" حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب" إثبات "بوجه عام".
قصد القتل أمر خفي. لا يدرك بالحس الظاهر. يستخلصه قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية.
(4) قتل عمد. إثبات "بوجه عام".
لا عبرة بما اشتمل عليه بلاغ الواقعة. أو بما قرره المبلغ بمحضر الشرطة. العبرة بما اطمأنت إليه المحكمة من التحقيقات.
(5) قتل عمد. سبق إصرار. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل" إثبات "بوجه عام".
تقدير توافر سبق الإصرار. موضوعي.
(6) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى".
حق محكمة الموضوع في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى.
(7) أسباب الإباحة وموانع العقاب. "الدفاع الشرعي". إثبات. "بوجه عام".
تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي. موضوعي. ما دام سائغاً.
سبق التدبير للجريمة. ينتفي به حتماً موجب الدفاع الشرعي.
1 - متى كان يبين من محضر جلسة 21/ 11/ 1978 التي صدر فيها الحكم المطعون فيه أنه حضر مع الطاعن الأستاذان/ ....... و....... المحاميان كما حضر معه الأستاذ/ ........ والأستاذ........ المحامي والتمس التأجيل لسفر المحامي الأصيل للأردن، كما طلب الطاعن ذلك، فمضت المحكمة في نظر الدعوى وسمعت شاهدي الإثبات ومرافعة النيابة العامة ومحامي المدعي بالحق المدني ثم ترافع كل من المحاميين الموكلين الحاضرين مع الطاعن ولم يشر أيهما إلى أنه بنى خطته في الدفاع عن الطاعن على وجود زميله الغائب. لما كان ذلك، وكان الطاعن لم يشر بأسباب طعنه إلى أن المحامين الموكلين عنه اتفقوا ثلاثتهم على المشاركة في الدفاع وتقسيمه بينهم، فإن المحكمة إذ قضت في الدعوى بإدانة الطاعن دون استجابة لطلب التأجيل لحضور محام ثالث معه لا تكون قد أخلت بحقه في الدفاع ما دام أن القانون لا يوجب أن يكون مع كل متهم بجناية أكثر من محام واحد يتولى الدفاع عنه.
2 - من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون سماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق، وكان لا تعارض بين ما حصله الحكم عن شاهدي الإثبات من أن الطاعن عدا خلف المجني عليه إلى أن لحق به وأعمل فيه الطعن بالسكين في أجزاء مختلفة من جسمه وبين ما نقله عن تقرير الصفة التشريحية من أن المجني عليه أصيب بسبع جروح قطعية تحدث من مثل السكين أو المطواة بمقدم يسار الصدر وبأعلا مقدم يسار البطن وبمقدم الركبة اليسرى وبخلفية الفخذ الأيسر هذا فضلاً عن أن جسم الإنسان متحرك ولا يتخذ وضعاً ثابتاً وقت الاعتداء مما يجوز معه حدوث إصابة الأجزاء الأمامية منه والضارب له واقف خلفه أو أمامه حسب الوضع الذي يكون فيه الجسم وقت الاعتداء وتقدير ذلك لا يحتاج إلى خبرة خاصة، فإن ما ينعاه الطاعن من تناقض الدليلين القولي والفني يكون على غير أساس.
3 - لما كان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى، والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية. ولما كان الحكم المطعون فيه قد استخلص قصد القتل بقوله "ومن حيث إنه عن نية القتل العمد فقد توافرت لدى المتهم مما لا يدع مجالاً للشك وهي مستفادة من ظروف الدعوى وملابساتها وما بان من تقرير الصفة التشريحية من أن المتهم استل سكيناً ذات نصل حاد مدبب طعن بها المجني عليه عديداً من الطعنات وسددها بقوة وعنف إلى أكثر من موضع قاتل في جسم المجني عليه منها ما سدده إلى مقدم يسار صدر المجني عليه نفذ إلى داخله قاطعاً لغضروف الضلع الثالث الأيسر ونافذاًَ لتجويف الصدر وقاطعاً للغشاء البلوري ومخترقاً نسيج الفص العلوي للرئة اليسرى وقاطعاً لقاعدة الشريان الرئوي وأعلى عضلة البطين الأيمن للقلب ومنها ما سدده في غلظة ووحشية إلى أعلى يسار مقدم بطن المجني عليه نفذ إلى تجويف البطن وقاطعاً للوجه الأمامي للفص الأيسر للكبد وغائر بنسيجه مما يقطع ويؤكد أن المتهم ما قصد من ذلك الاعتداء إلا إزهاق روح المجني عليه عمداً ولم يتركه إلا بعد أن وقع جثة هامدة والدافع له على ارتكاب جريمته سابقة اتهام والد المجني عليه المتهم ووالده بسرقة محراثه وإتلاف زراعته وكل ذلك يؤكد توافر نية إزهاق روح المجني عليه والقضاء على حياته تماماً لدى المتهم، وإذ كان ما أورده الحكم فيما تقدم كافياً وسائغاً في التدليل على ثبوت قصد القتل لدى الطاعن فإن منعاه في هذا الشأن لا يكون له محل.
4 - لا عبرة بما اشتمل عليه بلاغ الواقعة أو بما قرره المبلغ بمحضر الشرطة مغايراً لما استند إليه الحكم وإنما العبرة بما اطمأنت إليه المحكمة مما استخلصته من التحقيقات.
5 - البحث في توافر ظرف سبق الإصرار من إطلاقات قاضي الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلاً مع ذلك الاستنتاج.
6 - من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليها اقتناعها، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وهي في ذلك ليست مطالبة بالأخذ بالأدلة المباشرة بل لها أن تستخلص صورة الدعوى كما ارتسمت في وجدانها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام ذلك سليماً متفقاً مع حكم العقل والمنطق.
7 - إن تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها متعلق بموضوع الدعوى لمحكمة الموضوع الفصل فيه بلا معقب عليها ما دام استدلالها سليماً يؤدي إلى ما انتهت إليه، ولما كان ما ساقه الحكم المطعون فيه من أدلة منتجاً في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه من رفض الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير المحكمة للدليل مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
8 - من المقرر أنه متى كان الحكم قد أثبت التدبير للجريمة بتوافر سبق الإصرار عليها وهو ما أثبته الحكم بغير معقب فيما تقدم ذكره - انتفى حتماً موجب الدفاع الشرعي الذي يفترض رداً حالاً لعدوان حال دون الإسلاس له وإعمال الخطة في إنفاذه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: قتل....... عمداً مع سبق الإصرار بأن بيت النية على قتله وأعد لهذا الغرض آلة حادة (سكين) وتوجه إليه في حقله وانهال عليه طعناً بهذا السكين قاصداً قتله فأحدث به الإصابة الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، فقرر ذلك وادعى....... والد المجني عليه مدنياً قبل المتهم بمبلغ مائتين وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات شبين الكوم قضت حضورياً عملاً بالمادتين 230، 231 من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 17 من القانون ذاته بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة وبإلزامه بأن يؤدي للمدعي بالحق المدني مبلغ 250 جنيه (مائتين وخمسين جنيهاً) على سبيل التعويض المؤقت. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار قد أخل بحقه في الدفاع وشابه فساد في الاستدلال وقصور وتناقض في التسبيب ذلك بأن محامياً حضر بالجلسة عن الأستاذ/ ........ الموكل عن الطاعن وطلب التأجيل لوجود المحامي الأصيل خارج البلاد إلا أن المحكمة لم تستجب له، كما عول الحكم على الدليلين القولي والفني على الرغم مما بينهما من تعارض إذ أن مؤدى ما أورده الحكم من أقوال شاهدي الإثبات - من أن الطاعن كان يعدو خلف المجني عليه - وقت الاعتداء - أن تحدث إصابات الأخير في الأجزاء الخلفية من جسمه بينما ثبت من التقرير الطبي الشرعي أن الإصابات جميعها في الأجزاء الأمامية في الجسم. وما أورده الحكم للاستدلال به على قصد القتل لا يوفره، كذلك أرجع الحكم سبب الحادث إلى ضغينة بنفس الطاعن لسابقة اتهام والد المجني عليه له ولأبيه بسرقة محراث واستخلص من ذلك توافر ظرف سبق الإصرار مع أن الثابت من الأوراق أن هذا الاتهام انتهى بالحفظ فضلاً عن أن والد المجني عليه قرر في بلاغه وفي محضر الشرطة أن الاعتداء وقع في شجار بسبب إتلاف زراعة والد الطاعن خلافاً لما شهد به في التحقيقات. هذا إلى أن الطاعن دفع بأنه كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه تأسيساً على أن اعتداءه على المجني عليه وقع في شجار نشب بينه وأخيه وبين المجني عليه وأمه على أثر ما أوقعه المجني عليه به من اعتداء الأمر الذي تأيد بشهادة......، ووجود جثة المجني عليه بحقل والد الطاعن، وبما ثبت من التقرير الطبي من إصابة الطاعن وتمزق ملابسه، إلا أن المحكمة أطرحت هذا الدفاع والتفتت عن تحقيق سبب إصابات الطاعن بواسطة خبير فني على الرغم من قصور تحقيق النيابة في هذا الشأن، وما أوردته المحكمة تبريراً لذلك من احتمال أن يكون الطاعن هو المحدث لإصاباته وتمزيق ملابسه هو أمر لا سند له ولا يصح القطع به إلا عن طريق المختص فنياً.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان يبين من محضر جلسة 21/ 11/ 1978 التي صدر فيها الحكم المطعون فيه أنه حضر مع الطاعن الأستاذان....... و....... المحاميان، كما حضر معه الأستاذ....... والأستاذ....... المحامي والتمس التأجيل لسفر المحامي الأصيل للأردن، كما طلب الطاعن ذلك، فمضت المحكمة في نظر الدعوى وسمعت شاهدي الإثبات ومرافعة النيابة العامة ومحامي المدعي بالحق المدني ثم ترافع كل من المحاميين الموكلين الحاضرين مع الطاعن ولم يشر أيهما إلى أنه بنى خطته في الدفاع عن الطاعن على وجود زميله الغائب. لما كان ذلك، وكان الطاعن لم يشر بأسباب طعنه إلى أن المحامين الموكلين عنه اتفقوا ثلاثتهم على المشاركة في الدفاع وتقسيمه بينهم، فإن المحكمة إذ قضت في الدعوى بإدانة الطاعن دون استجابة لطلب التأجيل لحضور محام ثالث معه لا تكون قد أخلت بحقه في الدفاع ما دام أن القانون لا يوجب أن يكون مع كل متهم بجناية أكثر من محام واحد يتولى الدفاع عنه. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق، وكان لا تعارض بين ما حصله الحكم عن شاهدي الإثبات من أن الطاعن عدا خلف المجني عليه إلى أن لحق به وأعمل فيه الطعن بالسكين في أجزاء مختلفة من جسمه وبين ما نقله عن تقرير الصفة التشريحية من أن المجني عليه أصيب بسبع جروح قطعية طعنية تحدث من مثل السكين أو المطواة بمقدم يسار الصدر وبأعلا مقدم يسار البطن وبمقدم الركبة اليسرى وبخلفية الفخذ الأيسر هذا فضلاً عن أن جسم الإنسان متحرك ولا يتخذ وضعاً ثابتاً وقت الاعتداء مما يجوز معه حدوث إصابة الأجزاء الأمامية منه والضارب له واقف خلفه أو أمامه حسب الوضع الذي يكون فيه الجسم وقت الاعتداء وتقدير ذلك لا يحتاج إلى خبرة خاصة، فإن ما ينعاه الطاعن من تناقض الدليلين القولي والفني يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى، والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية. ولما كان الحكم المطعون فيه قد استخلص قصد القتل بقوله "ومن حيث إنه عن نية القتل العمد فقد توافرت لدى المتهم مما لا يدع مجالاً للشك وهي مستفادة من ظروف الدعوى وملابساتها وما بان من تقرير الصفة التشريحية من أن المتهم استل سكيناً ذات نصل حاد مدبب طعن بها المجني عليه عديداً من الطعنات وسددها بقوة وعنف إلى أكثر من موضع قاتل في جسم المجني عليه منها ما سدده إلى مقدم يسار صدر المجني عليه نفذ إلى داخله قاطعاً لغضروف الضلع الثالث الأيسر ونافذاًَ لتجويف الصدر وقاطعاً للغشاء البلوري ومخترقاً نسيج الفص العلوي للرئة اليسرى وقاطعاً لقاعدة الشريان الرئوي وأعلى عضلة البطين الأيمن للقلب ومنها ما سدده في غلظة ووحشية إلى أعلى يسار مقدم بطن المجني عليه نفذ إلى تجويف البطن وقاطعاً للوجه الأمامي للفص الأيسر للكبد وغائر بنسيجه مما يقطع ويؤكد أن المتهم ما قصد من ذلك الاعتداء إلا إزهاق روح المجني عليه عمداً ولم يتركه إلا بعد أن وقع جثة هامدة والدافع له على ارتكاب جريمته سابقة اتهام والد المجني عليه المتهم ووالده بسرقة محراثه وإتلاف زراعته وكل ذلك يؤكد توافر نية إزهاق روح المجني عليه والقضاء على حياته تماماً لدى المتهم وإذ كان ما أورده الحكم فيما تقدم كافياً وسائغاً في التدليل على ثبوت قصد القتل لدى الطاعن فإن منعاه في هذا الشأن لا يكون له محل. لما كان ذلك وكان الحكم قد استخلص توافر ظرف سبق الإصرار في جريمة القتل التي دين بها الطاعن بقوله "ومن حيث إنه عن سبق الإصرار فهو ثابت لدى المتهم وتوافر في حقه نظراً للمنازعات السابقة بين المتهم ووالد المجني عليه واتهام الأخير له ولوالده بسرقة محراثه وإتلاف زراعته في الشهر السابق على الحادث وتحرر محضر في هذا الشأن (المحضر رقم 1773 سنة 1975 إداري أشمون والمرفق بأوراق الدعوى مما جعل المتهم يدبر في الانتقام من المجني عليه وعقد العزم على قتله في روية وتفكير هادئ مطمئن لا يخالطه اضطراب ولا تردد وأعد لذلك سكيناً وتسلل من خلف البوص في غفلة من المجني عليه بدون أن يحدث ثمة استفزاز للمتهم ثم أعمل المتهم الاعتداء في المجني عليه قاصداً من ذلك قتله تنفيذاً لإصراره السابق على ذلك ولم يتركه إلا بعد أن أرداه قتيلاً" لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا عبرة بما اشتمل عليه بلاغ الواقعة أو بما قرره المبلغ بمحضر الشرطة مغايراً لما استند إليه الحكم وإنما العبرة بما اطمأنت إليه المحكمة مما استخلصته من التحقيقات، وكان البحث في توافر ظرف سبق الإصرار من إطلاقات قاضي الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلاً مع ذلك الاستنتاج. وكان ما أورده الحكم فيما سلف يتحقق به ظرف سبق الإصرار حسبما هو معرف به في القانون فإن نعي الطاعن على الحكم في هذا الخصوص لا يخرج عن أن يكون جدلاً في تقدير الأدلة وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه عرض لما دفع به الطاعن من أنه كان في حالة دفاع شرعي وأطرحه تأسيساً على ما اطمأن إليه من أقوال شاهد الإثبات التي تأيدت بتقرير الصفة التشريحية من أن الطاعن هو الذي باغت المجني عليه - الذي كان أعزل من السلاح - وبادره بالاعتداء طعناً بالسكين، من أن إصابات الطاعن العضية - لو قيل بحدوثها من المجني عليه - مردها محاولة الأخير منع الطاعن من الاستمرار في طعنه بالسكين، وأن إصابة الطاعن السطحية باليد اليسرى وتمزق ملابسه لم يكن مرجعها إلى فعل المجني عليه لأنه كان أعزل على ما قرره الشاهدان، لما كان ذلك، وكان من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليها اقتناعها، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وهي في ذلك ليست مطالبة بالأخذ بالأدلة المباشرة بل لها أن تستخلص صورة الدعوى كما ارتسمت في وجدانها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام ذلك سليماً متفقاً مع حكم العقل والمنطق، كما أن تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها متعلق بموضوع الدعوى، لمحكمة الموضوع الفصل فيه بلا معقب عليها ما دام استدلالها سليماً يؤدي إلى ما انتهت إليه، ولما كان ما ساقه الحكم المطعون فيه من أدلة منتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه من رفض الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير المحكمة للدليل مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. وفضلاً عن ذلك فإنه من المقرر أنه متى كان الحكم قد أثبت التدبير للجريمة بتوافر سبق الإصرار عليها وهو ما أثبته الحكم بغير معقب فيما تقدم ذكره - انتفى حتماً موجب الدفاع الشرعي الذي يفترض رداً حالاً لعدوان حال دون الإسلاس له وإعمال الخطة في إنفاذه. ولما كان ما تقدم جميعه فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.