مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية - العدد الثالث (من أول يونيه إلى آخر سبتمبر سنة 1957) - صـ 1092

جلسة أول يونيه سنة 1957
(113)

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 1356 لسنة 2 القضائية

معادلات دراسية - الشروط اللازم توافرها في التسوية حتى تكتسب الحصانة التي ينص عليها القانون رقم 78 لسنة 1956: تمامها نهائياً من جانب الإدارة من تلقاء نفسها قبل نفاذ القانون رقم 151 لسنة 1955، واعتمادها قبل هذا التاريخ ممن يملك ذلك قانوناً، وانعدام المنازعة في شأنها أمام أية درجة من درجات التقاضي - يجب ألا يكون مثار المنازعة هو تحديد المقصود بالموظفين الذين ينطبق عليهم القانون رقم 271 لسنة 1953.
المقصود بالتسويات التي تكتسب الحصانة المعنية بنص القانون رقم 78 لسنة 1956، هي تلك التي تكون قد تمت واعتمدت نهائياً قبل نفاذ القانون رقم 151 لسنة 1955 ممن يملك ذلك قانوناً، ولو كانت قد سحبت بعد ذلك، وألا يكون قائماً بشأنها منازعة قضائية ما زالت منظورة في أية درجة من درجات التقاضي تنفي عنها صفة النهائية والاستقرار. وغني عن البيان، أن المقصود بذلك هو ألا يكون مثار المنازعة هو تحديد المقصود بالموظفين الذين ينطبق عليهم القانون رقم 371 لسنه 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية، وهم الذين اختلف الرأي في تحديدهم، فصدر في هذا الشأن القانون رقم 151 لسنة 1955 ثم القانون رقم 78 لسنة 1956 الذي حسم الخلاف في هذا التحديد؛ إذ أن هذا القانون الأخير قصد احترام مثل هذه التسويات للحكمة التي أفصح عنها. وإنما المقصود بالمنازعة القضائية التي تنفي عن التسوية صفة النهائية والاستقرار هي تلك المنازعة التي يكون مثارها سبباً آخر من حيث صحة أو عدم صحة انطباق القانون رقم 371 لسنة 1953، كوجوب أن يكون الموظف معيناً قبل أول يوليه سنة 1952 وحاصلاً على المؤهل المقرر قبل ذلك التاريخ أيضاً، وأن يكون موجوداً بالفعل في خدمة الحكومة وقت نفاذ القانون المذكور. فإن كان مثار المنازعة شيئاً من ذلك، أو كان خاصاً بتقدير الدرجة والمرتب المقررين للمؤهل، أو غير ذلك من الأسباب التي تخرج عن مجرد تحديد المقصود من الموظفين الذين ينطبق عليهم القانون المشار إليه طبقاً لمادته الأولى، فإن التسوية التي تكون قد تمت - ولو تلقائياً من جانب الإدارة - بالمخالفة لتلك الشروط لا تكتسب الحصانة المعنية بالقانون رقم 78 لسنة 1956، ولا تمنع الإدارة من الرجوع فيها نزولاً على التطبيق الصحيح للقانون، إن كان لذلك وجه.


إجراءات الطعن

في 18 من إبريل سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1356 لسنة 2 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارات الصحة العمومية والأوقاف والشئون البلدية والقروية بجلسة 19 من فبراير سنة 1956 في الدعوى رقم 1952 لسنة 1 القضائية "محاكم" ورقم 987 لسنة 2 القضائية "لجان" المقامة من محمد عطية خليفة ضد وزارة الشئون البلدية والقروية، القاضي "بأحقية المدعي في أن يوضع في الدرجة الثامنة وبمرتب شهري قدره 500 م و8 ج اعتباراً من 23 من ديسمبر سنة 1946 وما يترتب على ذلك من آثار بالتطبيق لقواعد الإنصاف، وبرفض ما عدا ذلك من الطلبات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وإلزام رافعها المصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الشئون البلدية والقروية في 5 من يوليه سنة 1956، وإلى المطعون عليه في 29 منه، وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 25 من مايو سنة 1957. وقد انقضت المواعيد القانونية دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته. وفي 12 من مايو سنة 1957 أبلغ الطرفان بميعاد الجلسة التي عينت لنظر الطعن، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون عليه رفع التظلم رقم 987 لسنة 2 القضائية أمام اللجنة القضائية لوزارة الشئون البلدية والقروية بعريضة أودعها سكرتيرية اللجنة في 17 من ديسمبر سنة 1953، ذكر فيها أنه حاصل على دبلوم المدارس الصناعية نظام السنوات الخمس حديث، وعين بخدمة المجالس القروية بمرتب قدره ثلاثة جنيهات شهرياً في الدرجة الثالثة خدمة سائرة، وأنه يطلب إنصافه طبقاً لقانون المعادلات الدراسية بمنحه مرتباً شهرياً قدره عشرة جنيهات في الدرجة السابعة الفنية على أساس مؤهله الدراسي، وذلك ابتداء من تاريخ تعيينه في 21 من إبريل سنة 1946، وقد ردت وزارة الشئون البلدية والقروية على هذا التظلم بأن المذكور حاصل على دبلوم المدارس الصناعية عام 1942، وأنه عين في وظيفة كناس باليومية اعتباراً من 23 من إبريل سنة 1946 بأجر يومي قدره 100 م، ثم عين في وظيفة ملاحظ طرق في الدرجة الثالثة السايرة اعتباراً من 23 من ديسمبر سنة 1946 بمرتب قدره 500 م و3 ج شهرياً، بلغ 850 م و3 ج في أول مايو سنة 1953، ولم تطبق عليه قواعد الإنصاف لكونه عين بعد 9 من ديسمبر سنة 1944 تاريخ انتهاء العمل بهذه القواعد، وإنما سويت حالته بالتطبيق لأحكام قانون المعادلات الدراسية رقم 371 لسنة 1953 بالأمر الإداري رقم 925 الصادر في 4 من أكتوبر سنة 1954، إلا أن هذه التسوية ألغيت بالأمر الإداري رقم 573 لسنة 1955 عقب صدور القانون رقم 151 لسنة 1955: لكونه من الخدمة الخارجين عن هيئة العمال. وقد قرر المتظلم بالجلسة أنه يطلب تطبيق قواعد الإنصاف على حالته بمنحه الدرجة والمرتب المقررين لمؤهله الدراسي. وقد أحيل هذا التظلم عملاً بالقانون رقم 147 لسنة 1954 إلى المحكمة الإدارية لوزارة الصحة والأوقاف والشئون البلدية والقروية التي حلت محل اللجنة القضائية وقيد بجدولها تحت رقم 1952 لسنة 1 القضائية "محاكم". وبجلسة 19 من فبراير سنة 1956 حكمت المحكمة المذكورة "بأحقية المدعي في أن يوضع في الدرجة الثامنة وبمرتب شهري قدره 500 م و8 ج اعتباراً من 23 من ديسمبر سنة 1946، وما يترتب على ذلك من آثار بالتطبيق لقواعد الإنصاف، وبرفض ما عدا ذلك من الطلبات". وأقامت قضاءها على أن المدعي يفيد من قواعد الإنصاف الصادر بها قرار مجلس الوزراء في 30 من يناير سنة 1944، التي لم يبطل العمل بها إلا من تاريخ نفاذ القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، ولم يلغها القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية بأثر رجعي إلا فيما نص عليه صراحة في المادة الرابعة منه، وهو القانون الذي لا يفيد المدعي من أحكامه لكونه من المستخدمين الخارجين عن الهيئة. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 18 من إبريل سنة 1956، طلب فيها "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وإلزام رافعها المصروفات". واستند في أسباب طعنه إلى أن المدعي لا يفيد من قواعد الإنصاف نظراً إلى أنه عين ابتداء بعد 9 من ديسمبر سنة 1944 تاريخ انتهاء العمل بالقواعد المذكورة، كما أنه بوصفه مستخدماً خارج الهيئة ما كان يجوز إعمال أحكام قانون المعادلات الدراسية في شأنه، فلذلك حق للإدارة أن تسحب التسوية التي أجرتها له بالمخالفة لأحكام هذا القانون، ولا يحول القانون رقم 78 لسنة 1956 دون إحداث هذا السحب لأثره القانوني.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بأن قواعد الإنصاف الصادر بها قرار مجلس الوزراء في 30 من يناير سنة 1944، إنما استهدفت إنصاف حملة المؤهلات الدراسية من الموظفين الذين كانوا في خدمة الحكومة فعلاً وقت صدورها، فوضعوا بمقتضاها على درجات شخصية بعد حصر عددهم وتقدير الاعتمادات المالية اللازمة لهذا الغرض. وأن قرارات الإنصاف اللاحقة فرقت في الحكم بين من عين من ذوي المؤهلات الدراسية قبل 9 من ديسمبر سنة 1944، وهو الوقت الذي امتد إليه تطبيق قواعد الإنصاف، وبين من عين من الموظفين ذوي المؤهلات الدراسية بعد هذا التاريخ، وذلك على أساس التأكيد بأن القواعد المذكورة إنما يقتصر أثرها على من عين من هؤلاء حتى التاريخ المشار إليه فحسب؛ ومن ثم فإن من عين بعد هذا التاريخ لا يفيد قط من تلك القواعد.
ومن حيث إن المشرع أصدر في 22 من يوليه سنة 1953 القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية، الذي حدد في المادة الثانية منه الموظفين الذين يفيدون من أحكامه، وألغى في مادته الرابعة قرارات مجلس الوزراء التي نص عليها بأثر رجعي من وقت صدورها وأحل محلها الأحكام الواردة فيه. ثم أصدر بعد ذلك القانون رقم 151 لسنة 1955 متضمناً تفسيراً تشريعياً للمقصود بالموظفين الذين تسري عليهم أحكام قانون المعادلات الدراسية المشار إليه. وفي 14 من مارس سنة 1956 أصدر القانون رقم 78 لسنة 1956 محدداً مدلول ما سبق، وبذلك أكد المشرع قصده في استبعاد المستخدمين الخارجين عن هيئة العمال ضمن من استبعدهم من الإفادة من أحكام قانون المعادلات الدراسية سالف الذكر، ولكنه استحدث حكماً من مقتضاه احترام التسويات النهائية التي تمت من جانب جهات الإدارة المختلفة من تلقاء نفسها قبل نفاذ القانون رقم 151 لسنة 1955، وكانت قد ألغيت تنفيذاً لهذا القانون. وقضى بأن يترتب على احترام هذه التسويات إعادة حالة أصحابها إلى ما كانت عليه قبل الإلغاء مع رد الفروق المالية التي تكون قد حصلت منهم، وذلك كله رغبة في تحقيق المساواة بين من صدرت لهم أحكام نهائية ومن تمت في حقهم تسويات نهائية من جانب جهات الإدارة المختلفة من تلقاء نفسها. والمقصود بالتسويات التي تكتسب الحصانة المعنية بنص القانون رقم 78 لسنة 1956، هي تلك التي تكون قد تمت واعتمدت نهائياً قبل نفاذ القانون رقم 151 لسنة 1955 ممن يملك ذلك قانوناً، ولو كانت قد سحبت بعد ذلك وألا يكون قائماً بشأنها منازعة قضائية ما زالت منظورة في أية درجة من درجات التقاضي تنفي عنها صفة النهائية والاستقرار. وغني عن البيان أن المقصود بذلك هو ألا يكون مثار المنازعة تحديد المقصود بالموظفين الذين ينطبق عليهم القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية، وهم الذين اختلف الرأي في تحديدهم، فصدر في هذا الشأن القانون رقم 151 لسنة 1955 ثم القانون رقم 78 لسنة 1956 الذي حسم الخلاف في هذا التحديد؛ وإذ أن هذا القانون الأخير قصد احترام مثل هذه التسويات للحكمة التي أفصح عنها. وإنما المقصود بالمنازعة القضائية التي تنفي عن التسوية صفة النهائية والاستقرار هي تلك المنازعة التي يكون مثارها سبباً آخر من حيث صحة أو عدم صحة انطباق القانون رقم 371 لسنة 1953، كوجوب أن يكون الموظف معيناً قبل أول يوليه سنة 1952، وحاصلاً على المؤهل المقرر قبل ذلك التاريخ أيضاً، وأن يكون موجوداً بالفعل في خدمة الحكومة وقت نفاذ القانون المذكور. فإن كان مثار المنازعة شيئاً من ذلك، أو كان خاصاً بتقدير الدرجة والمرتب المقررين للمؤهل، أو غير ذلك من الأسباب التي تخرج عن مجرد تحديد المقصود من الموظفين الذين ينطبق عليهم القانون المشار إليه طبقاً لمادته الأولى، فإن التسوية التي تكون قد تمت - ولو تلقائياً من جانب الإدارة - بالمخالفة لتلك الشروط لا تكتسب الحصانة المعنية بالقانون رقم 78 لسنة 1956، ولا تمنع الإدارة من الرجوع فيها نزولاً على التطبيق الصحيح للقانون، إن كان لذلك وجه.
ومن حيث إنه لما كان الثابت من الأوراق أن المدعي لم يعين في خدمة الحكومة إلا اعتباراً من 23 من إبريل سنة 1946 - أي بعد 9 من ديسمبر سنة 1944 - فإنه لا يفيد من قواعد الإنصاف الصادر بها قرار مجلس الوزراء في 30 من يناير سنة 1944، وإنما لما كانت قد تمت في حقه تسوية تلقائية قبل نفاذ القانون رقم 151 لسنة 1955 (بالقرار رقم 925 الصادر في 4 من أكتوبر سنة 1954) فإن هذه التسوية تكتسب الحصانة المعنية بالقانون رقم 78 لسنة 1956؛ ومن ثم يتعين إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من تطبيق قواعد الإنصاف على المدعي، واستحقاق تسوية حالته بالتطبيق للقانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية، احتراماً للتسوية التلقائية النهائية التي تمت من جانب جهة الإدارة في حقه نزولاً على حكم القانون رقم 78 لسنة 1956.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وباستحقاق المدعي تسوية حالته للقانونين رقمي 371 لسنة 1953 و78 لسنة 1956، وألزمت الحكومة بالمصروفات، ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات.