مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية - العدد الثالث (من أول يونيه إلى آخر سبتمبر سنة 1957) - صـ 1115

جلسة 8 من يونيه سنة 1957
(117)

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 1789 لسنة 2 القضائية

( أ ) مرافعات - القانون رقم 345 لسنة 1956 في شأن تنظيم الجامعات - تحريمه الطعن بالإلغاء أو وقف التنفيذ أمام أية هيئة قضائية في القرارات والأوامر الصادرة من الهيئات الجامعية في شئون طلابها - استعماله كلمة "الطعن" في هذا الصدد لا يمنع من اعتباره من القوانين المعالجة للاختصاص لا المنظمة لطرق الطعن في الأحكام - العبرة بمقصود الشارع - المقصود بعبارة "الطعن" في هذا المقام، الدعوى التي موضوعها طلب إلغاء قرار صادر من الهيئات الجامعية في شئون طلابها أو وقف تنفيذه.
(ب) طعن - القضاء الإداري لا يعتبر بالنسبة للجهة الإدارية درجة أعلى من درجات التقاضي، بل الجهتان مستقلتان في اختصاصهما المتعلق بالوظيفة - طلب الإلغاء أو وقف التنفيذ هو في حقيقته دعوى مبتدأة بالنسبة للقرار الإداري.
(ج) اختصاص - القانون هو الأداة التي أنشأت مجلس الدولة وحددت اختصاصه، وهو الأداة التي توسع أو تضيق هذا الاختصاص - المادة 291 من القانون رقم 345 لسنة 1956 تعتبر معدلة لاختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري.
(د) مرافعات - القانون المعدل للاختصاص يسري على ما لم يكن قد قفل باب المرافعة فيه من الدعاوى قبل تاريخ العمل به - القانون الملغى لولاية جهات القضاء في نوع من المنازعات يسري على ما لم يفصل فيه من الدعاوى حتى ولو كان باب المرافعة قد قفل فيها قبل العمل به.
(هـ) مرافعات - إلغاء الوسيلة القضائية ليس معناه إلغاء أصل الحق في ذاته - دليل ذلك - مثال.
(و) جامعة - القانون رقم 345 لسنة 1956 في شأن تنظيم الجامعات - تحريمه الطعن بالإلغاء أو وقف التنفيذ أمام أية هيئة قضائية في القرارات والأوامر الصادرة من الهيئات الجامعية في شئون طلابها - القول بعدم دستوريته - في غير محله - المقصود بمبدأ المساواة أمام القانون.
1 - لفهم ما إذا كان القانون الجديد هو في حقيقته قانون متعلق بالاختصاص أم قانون متعلق بتنظيم طرق الطعن أمام درجات التقاضي في حكم المادة الأولى من قانون المرافعات، لا يجب الوقوف عند مجرد التعبيرات والألفاظ التي ترد في صياغة القانون الجديد، بل يجب التحري عن مقصود الشارع؛ لأن من الأصول المسلمة في التفسير أن العبرة بالمعاني لا بالألفاظ والمباني. وعلى هدى ذلك، فإن الشارع إذ نص في المادة 291 من القانون رقم 345 لسنة 1956 في شأن تنظيم الجامعات على أنه "لا يجوز الطعن بالإلغاء أو وقف التنفيذ أمام أية جهة قضائية في القرارات والأوامر الصادرة من الهيئات الجامعية في شئون طلابها"، إنما عنى بعبارة "الطعن" الدعوى التي ترفع أمام القضاء والتي يكون موضوعها طلب إلغاء قرار صادر من الهيئات الجامعية في شئون طلابها أو وقف تنفيذه، ولم يقصد من تلك العبارة أي معنى خاص بتنظيم الطعن في الأحكام أمام درجات التقاضي، بل قصد إلى عزلها عن نظر مثل هذه المنازعات، أو بعبارة أخرى أنها لا تختص بها؛ وآية ذلك أن الشارع قد يستعمل عبارة "عدم جواز النظر" أو "عدم سماع الدعوى" أو "عدم قبولها"، وهو يقصد في الحقيقة من هذه العبارات ليس تقرير حكم خاص بشكل الدعوى أو بموضوعها، وإنما تقرير حكم معدل للاختصاص. ونجد استعمال هذه العبارات بالمعنى المذكور (أي بمعنى التعديل في الاختصاص) مردداً في قوانين عدة، يكفي الإشارة في هذا المقام إلى ما كان خاصاً باختصاص مجلس الدولة، فمثلاً استعمل القانونان رقما 112 لسنة 1946 بإنشاء مجلس الدولة و9 لسنة 1949 الخاص بهذا المجلس عبارة "لا تقبل" الطلبات المتعلقة بعمل من أعمال السيادة؛ بمعنى أن القضاء الإداري لا يختص بنظرها؛ ولذا استعمل الشارع في القانون رقم 165 لسنة 1955 بتنظيم مجلس الدولة في المادة 12 منه عبارة "لا يختص" مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالنظر في الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة، أي باللفظ الأدق في التعبير عن المعنى المقصود.
2 - إن القضاء الإداري لا يعتبر بالنسبة للجهة الإدارية درجة أعلى من درجات التقاضي، بل الجهتان مستقلتان في اختصاصهما الوظيفي. وطلب إلغاء القرار الإداري أو وقف تنفيذه إنما يكون بالنسبة للقرارات الإدارية النهائية. فالمفروض - والحالة هذه - أن القرار الإداري يستنفد جميع مراحله في درجات السلم الإداري حتى يصبح نهائياً قبل اللجوء إلى القضاء الإداري بطلب إلغائه أو وقف تنفيذه، وهذا الطلب هو في حقيقته دعوى قضائية مبتدأة بالنسبة إلى القرار الإداري.
3 - إن المادة 291 من القانون رقم 345 لسنة 1956 في شأن تنظيم الجامعات إنما تقرر حكماً جديداً يعدل من اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري، وذلك بحذف نظر هذه الدعاوى من اختصاصه. ومن المعلوم أن هذا الاختصاص يحدده القانون سواء بالزيادة أو بالنقصان، فالقانون هو الأداة التي أنشأته كهيئة وحددت اختصاصه، وهو الأداة التي قد تقيد تنظيمه وتوسع من اختصاصه أو تضيقه.
4 - إن المادة الأولى من قانون المرافعات قد رددت في صدرها أصلاً مسلماً، وهو أن نصوص قوانين المرافعات الجديدة تسري بأثر حال على ما لم يكن قد فصل فيه من الدعاوى أو تم من الإجراءات قبل تاريخ العمل به، ثم أخرجت تلك المادة من هذا النطاق الأسباب الملطفة التي نصت عليها في فقراتها الثلاث، بالقيود والشروط التي ذكرتها؛ للحكمة التشريعية التي كشفت عنها المذكرة الإيضاحية. من ذلك ما أشارت إليه الفقرة الأولى من أن القوانين الجديدة "المعدلة" للاختصاص تسري على ما لم يكن قد قفل باب المرافعة فيه من الدعاوى قبل تاريخ العمل بها. وترتيباً على ما تقدم، إذا جاء القانون الجديد ملغياً ولاية جهات القضاء في نوع من المنازعات فإنه يسري على المنازعات التي لم يفصل فيها، حتى ولو كان باب المرافعة قد قفل فيها قبل العمل به؛ لأن مثل هذه الحالة إذا كانت لا تخضع لحكم الفقرة الأولى من المادة الأولى، فإن صدر هذه المادة ينطبق عليها.
5 - إن إلغاء الوسيلة القضائية ليس معناه إلغاء أصل الحق ذاته؛ ذلك أنه يجب عدم الخلط بين أصلين لا تعارض بينهما، وهما: (أولاً) الحق شيء ووسيلة المطالبة شيء آخر، و( ثانياً) أن القانون هو الذي يحدد وسيلة المطالبة بالحق ويعين الجهة التي يلجأ إليها صاحب الحق لاقتضاء حقه، قضائية كانت هذه الجهة أو غير قضائية. فالحق هو سلطة أو مزية يقررها القانون لصاحب الشأن، وهو يظل كامناً ساكناً ولا ينشط ولا يتحرك إلا إذا اعتدى عليه. وسكونه في حالة عدم الاعتداء ونشاطه وتحركه في حالة الاعتداء هما مظهران وحالتان لشيء واحد، ولكن حتى في حالة النشاط والتحرك عند الاعتداء ليس من المحتم أن تكون وسيلة اقتضاء الحق أو رده إلى نصابه هي المطالبة القضائية وحدها، أو أمام جهة قضائية معينة دون أخرى، بل قد تكون غير الوسيلة القضائية، أو قد تكون وسيلة قضائية بوجه معين أو بآخر أمام جهة معينة أو أخرى، كل ذلك حسبما يحدده القانون ويعينه. وآية ذلك كله أن الحق قد يعتدى عليه فينشط في الصورة المتحركة، ومع ذلك لا يلزم أن يلجأ صاحب الحق إلى المحاكم لاقتضائه، فقد يلجأ إلى الجهات الإدارية أو إلى النيابة العامة بطريق الشكوى، فيرد الحق إلى نصابه دون أن يضطر إلى اللجوء إلى القضاء، حتى ولو كانت وسيلة الالتجاء إليه متاحة له من الأصل، مما يؤكد أن إلغاء الوسيلة القضائية ليس معناه إلغاء أصل الحق في ذاته، كما أن الحق قد يعترف به القانون ويقرره ومع ذلك لا يكفله بمطالبة قضائية؛ فالالتزام الطبيعي من جانب الدائن حق وإن كان غير مكفول بدعوى قضائية، فإذا وفاه المدين لما استطاع هذا الأخير أن يسترد ما أداه، ولو أنه لم يكن حقاً لكان المدين في حل من أن يسترد ما أداه، على أساس أنه وفاء بغير سبب، فيحق له أن يسترد ما دفعه بدون حق. ويخلص من ذلك أن ترتيب الحق وتقريره شيء وتحديد الوسيلة القانونية لاقتضائه شيء آخر، كما أن القانون قد يعين جهة غير المحاكم يلجأ إليها صاحب الحق لاقتضاء حقه، كالجهات الإدارية ومنها الهيئات الجامعية وكالجهات الإدارية ذات الاختصاص القضائي، بل وقد يحظر اللجوء إلى المحاكم، كل ذلك حسبما يقرره القانون في هذا الشأن. وعلى هدى ما تقدم، فإن المادة 291 لا تهدر أو تمس أصل حق الطلاب في فرص الدخول في الامتحانات أو في غيرها حسبما تقرره القوانين واللوائح الجامعية، وإنما تمنع فقط أية جهة قضائية من نظر الدعاوى التي يكون موضوعها طلبات إلغاء أو وقف تنفيذ القرارات الصادرة من الجامعة في شئون طلابها، دون الإخلال بأصل حق الطلبة في اللجوء إلى الجهات الأخرى كالهيئات الجامعية أو الرياسية بالنسبة لها، لاقتضاء حقوقهم بحسب القوانين واللوائح، إن كان لهم في ذلك وجه حق، ولو كانت هذه الحقوق قد رفعت بشأنها دعاوى إلغاء أو وقف تنفيذ، وأصبحت المحاكم غير مختصة بنظرها بمقتضى تلك المادة، ما دامت هي لم تمس أصل الحقوق المذكورة في ذاتها، ولم تقرر إلغاءها بأثر رجعي، كما أنه ما زال لهؤلاء الطلبة الحق في الالتجاء إلى القضاء بدعوى التعويض عن تلك القرارات إن كان لذلك وجه؛ إذ الذي منع من اختصاص القضاء هو الوسيلة القضائية بطلب الإلغاء ووقف التنفيذ فقط.
6 - لا وجه للنعي على نص المادة 291 من القانون رقم 345 لسنة 1956 في شأن تنظيم الجامعات بأنه غير دستوري بمقولة إنه حرم الطلبة من اللجوء إلى قاضيهم الطبعي وهو القضاء الإداري، في حمايتهم من اعتداء الإدارة بإلغاء القرارات أو وقف تنفيذها، ولا بمقولة إنه يهدر مبدأ المساواة أمام القضاء، لأنه حرم طائفة من الأفراد وهم الطلبة من الالتجاء إلى القضاء الإداري بطلب الإلغاء أو وقف التنفيذ في الوقت الذي يسمح به لغيرهم من الأفراد - لا وجه لذلك كله؛ لأن من المسلم كأصل دستوري أن القانون هو الذي يرتب جهات القضاء ويحدد نطاق ولايتها ويوزع الاختصاص بينها، كما أنه هو الذي يقرر الحقوق ويحدد وسائل المطالبة بها، قضائية كانت أو غير قضائية، ولا يلزم حتماً أن تكون تلك الوسيلة قضائية، أو أن تكون قضائية على وجه معين كطلب الإلغاء أو وقف التنفيذ دون وجه آخر كطلب التعويض، بل المرد في ذلك كله إلى ما يرتبه القانون ويحدده وبالشروط والأوضاع التي يقررها؛ لأنه هو الأداة الدستورية التي تملك ذلك كله في حدود الدستور، وبغير خروج على مبادئه. كما أن من المسلمات كذلك كأصل دستوري أن المقصود بالمساواة أمام القضاء هو عدم التفرقة بين أفراد الطائفة الواحدة إذا تماثلت مراكزهم القانونية. والمادة 291 إذ أخرجت من اختصاص القضاء الإداري النظر في طلبات إلغاء أو وقف تنفيذ القرارات الصادرة من الهيئات الجامعية في شئون طلابها إنما عدلت هذا الاختصاص ليسري في حق طائفة الطلبة جميعاً، لا فرق من هذه الناحية بين فرد من هذه الطائفة وآخر، فهم جميعاً سواء أمام القضاء في هذا الشأن، وهذا هو المقصود بالمساواة أمام القضاء في حقهم من الناحية الدستورية، ولكن لا يمكن أن تفهم المساواة أمام القضاء بالقياس بينهم وبين طائفة أخرى من الأفراد لا شأن لهم في النظم الجامعية لعدم التماثل في المراكز القانونية.


إجراءات الطعن

في 25 من أغسطس سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة لأولى) بجلسة 26 من يونيه سنة 1956 في الدعوى رقم 587 لسنة 10 القضائية المقامة من حسين كامل أحمد الشافعي ومن معه ضد وزارة التربية والتعليم وآخرين، القاضي "برفض الدعوى، وألزمت المدعين بالمصروفات". وطلب رئيس هيئة المفوضين للأسباب المبينة بصحيفة الطعن الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه، وإلغاء القرار المطعون فيه، وإلزام الحكومة بالمصروفات". وقد أعلن الطعن إلى وزارة التربية والتعليم في 3 من سبتمبر سنة 1956، وإلى جامعة القاهرة في 4 منه، وإلى المطعون لصالحهم في 8 منه، وعين لنظره جلسه 2 من مارس سنة 1957، وفيها سمعت المحكمة الإيضاحات على الوجه المبين بالمحضر، وأرجئ إصدار الحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من الأوراق، تتحصل في أن المطعون لصالحهم أقاموا دعواهم بصحيفة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 17 من ديسمبر سنة 1955 طلبوا فيها: (أولاً) الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار مجلس جامعة القاهرة الصادر في 7 من ديسمبر سنة 1955 بعدم الموافقة على اقتراح مجلس كلية التجارة منح المدعين فرصة التقدم للامتحان في السنة الثالثة مع أحقيتهم لدخول هذا الامتحان. (ثانياً) في الموضوع الحكم بإلغاء القرار السابق مع إقرار أحقيتهم لدخول الامتحان في السنة الثالثة مع إلزام المدعى عليهم بالمصروفات. وقد عين لنظر طلب وقف التنفيذ جلسة 27 من ديسمبر سنة 1955، ثم أجل لجلسة 3 من يناير سنة 1956، وفيها قضت المحكمة برفض هذا الطلب. وبعد تحضير الدعوى حدد لنظر الموضوع جلسة أول مايو سنة 1956، وفيها أرجأت المحكمة النطق بالحكم لجلسة 26 من يونيه سنة 1956؛ حيث قضت "برفض الدعوى، وألزمت المدعين بالمصروفات". وأسست قضاءها على أن المدعين قد رسبوا عامين متتاليين وهم داخل الكلية، ثم فضلوا التقدم للامتحان من الخارج وتركوا باختيارهم فرصة الرسوب الثالثة في داخل الكلية، فهم بذلك قد تنازلوا بمحض رغبتهم عن ممارسة هذه الفرصة في حينها؛ ومن ثم يسقط حقهم فيها، كما أنهم رسبوا بعد ذلك سنتين متواليتين من خارج الكلية؛ وبذلك استنفدوا فرص الرسوب الممنوحة لهم في داخل الكلية وفي خارجها، ولم يمنح القانون مجلس الكلية سلطة التعديل والتبديل فيما نص عليه من فرص الرسوب، وإنما قصرت اللائحة الداخلية في المادة 13 منها سلطة المجلس على الترخيص بفرصة واحدة (وهي فرصة ثالثة للطلبة المقيدين داخل الكلية)؛ ومن ثم فلا يملك مجلس الكلية الترخيص للمدعين بفرصة رابعة من داخل الكلية ولا بفرصة ثالثة من خارجها ولا أن يستبدل فرصة من الداخل بأخرى من الخارج؛ وبذلك يعتبر اقتراح مجلس الكلية منح المدعين فرصة ثالثة خارج الكلية تصرفاً مخالفاً للقانون، ولا يجدي المدعين قولهم بأن مجلس الكلية جرى على منح أمثالهم هذه الفرصة؛ إذ لا يجوز التحدي في هذا المقام بعرف جرى على خلاف القانون، يضاف إلى ذلك أن تصرف مجلس الكلية في شأن المدعين إن هو إلا مجرد اقتراح رفع لمجلس الجامعات للموافقة عليه فرفضه، ومع التسليم جدلاً بأنه قرار وليس اقتراحاً فإنه قد صدر باطلاً بطلاناً مطلقاً لصدوره من سلطة لا تملك إصداره؛ ومن ثم فلا يكتسب حصانة بفوات ميعاد سحبه.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن مجلس كلية التجارة قرر في 29 من سبتمبر سنة 1955 منح المدعين فرصة ثالثة للتقدم للامتحان، ولم يعترض مجلس الجامعة على هذا القرار إلا في 7 من ديسمبر سنة 1955 أي بعد فوات ميعاد السحب، ولا يغير من هذا النظر جريان عبارة قرار مجلس الكلية في صيغة اقتراح بالمنح؛ ذلك أن مجلس الكلية - كما سلف البيان - هو الذي يملك وحده دون معقب رخصة منح فرص التقدم للامتحانات للطلبة الراسبين طبقاً للائحة سنة 1954. وإذا كانت لائحة سنة 1954 لا تجيز منح أمثال المدعين فرصة ثالثة خارج الكلية، فإن قرارات مجلس الكلية الصادرة على خلاف ذلك - وإن كانت معيبة - إلا أنها تتصف بصفة القرار الإداري كتصرف قانوني، فلا تنزل إلى حد غصب السلطة، ولا تنحدر إلى مجرد الفعل المادي المعدوم الأثر قانوناً، بل تلحقها الحصانة ويزول عيبها بفوات مواعيد سحبها؛ وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد وقع مخالفاً للقانون.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت [(1)] بأن نص المادة 291 من القانون رقم 345 لسنة 1956 في شأن تنظيم الجامعات المصرية إذ قضى بأنه "لا يجوز الطعن بالإلغاء أو وقف التنفيذ أمام أية جهة قضائية في القرارات والأوامر الصادرة من الهيئات الجامعية في شئون طلابها" لا يهدف إلى مجرد تنظيم طرق الطعن، سواء بالنسبة إلى القرارات الإدارية التي عناها أو الأحكام الصادرة في شأنها مما يدخل في نطاق الفقرة الثالثة من المادة الأولى من قانون المرافعات المدنية والتجارية التي تجعل الفاصل الزمني بين نفاذ القانون القديم والقانون الجديد في مجال التطبيق من حيث الزمان هو تاريخ صدور الحكم المطعون فيه، بل تقصد المادة 291 المشار إليها إلى منع أية جهة قضائية من نظر أية منازعة يكون موضوعها طلب إلغاء القرارات أو الأوامر الصادرة من الهيئات الجامعية في شئون طلابها أو وقف تنفيذها، مما يندرج في نطاق الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون المذكور، التي تجعل الفاصل بين مجالي تطبيق القانون القديم والجديد من حيث الزمان هو تاريخ إقفال باب المرافعة في الدعوى؛ لأن الفقرة الثالثة تفترض بداهة بقاء الاختصاص لجهة القضاء للفصل فيه، وغاية الأمر أنها تنظم طرق الطعن أمام درجات التقاضي في تلك الجهة، أما إذا امتنع عليها ذلك لأنها أصبحت معزولة بجميع درجاتها عن نظر المنازعة برمتها بمقتضى النص الجديد ممنوعة من سماعها، وجب النزول على حكم الفقرة الأولى من المادة الأولى من قانون المرافعات، باعتبار أن القانون الجديد هو قانون معدل للاختصاص فيكون نافذاً بالنسبة للدعاوى المنظورة ما دام لم يقفل باب المرافعة فيها. وهنا يجب التنبيه إلى أنه لتفهم ما إذا كان القانون الجديد هو في حقيقته قانون متعلق بالاختصاص أم قانون متعلق بتنظيم طرق الطعن أمام درجات التقاضي، لا يجب الوقوف عند مجرد التعبيرات والألفاظ بل يجب التحري عن مقصود الشارع؛ لأن من الأصول المسلمة في التفسير أن العبرة بالمعاني لا بالألفاظ والمباني. وعلى هدى ذلك فإن الشارع - إذ استعمل في المادة 291 عبارة لا يجوز الطعن بالإلغاء أو وقف التنفيذ - إنما عنى بعبارة "الطعن" الدعوى التي ترفع أمام القضاء والتي يكون موضوعها طلب إلغاء قرار صادر من الهيئات الجامعية في شئون طلابها أو وقف تنفيذه، ولم يقصد من تلك العبارة أي معنى خاص بتنظيم الطعن في الأحكام أمام درجات التقاضي؛ يقطع في ذلك أن القضاء الإداري لا يعتبر بالنسبة للجهة الإدارية درجة أعلى من درجات التقاضي، بل الجهتان مستقلتان في اختصاصهما الوظيفي، وطلب إلغاء القرار الإداري أو وقف تنفيذه إنما يكون بالنسبة للقرارات الإدارية النهائية، فالمفروض - والحالة هذه - أن القرار الإداري يستنفد جميع مراحله في درجات السلم الإداري حتى يصبح نهائياً قبل اللجوء إلى القضاء الإداري بطلب إلغائه أو وقف تنفيذه، وهذا الطلب هو في حقيقته دعوى قضائية مبتدأة بالنسبة إلى القرار الإداري. كما عنى الشارع من جهة أخرى بالعبارة التي استعملها من أنه لا يجوز الطعن بالإلغاء أو وقف التنفيذ أمام أية جهة قضائية في القرارات والأوامر الصادرة من الهيئات الجامعية في شأن طلابها معنى واحداً هو عزلها عن نظر مثل هذه المنازعات، أو بعبارة أخرى أنها لا تختص بها؛ وآية ذلك أن الشارع قد يستعمل عبارة "عدم جواز النظر" أو "عدم سماع الدعوى" أو "عدم قبولها"، وهو يقصد في الحقيقة من هذه العبارات ليس تقرير حكم خاص بشكل الدعوى أو بموضوعها، وإنما تقرير حكم معدل للاختصاص، ونجد استعمال هذه العبارات بالمعنى المذكور (أي بمعنى التعديل في الاختصاص) مردداً في قوانين عدة، يكفي الإشارة في هذا المقام إلى ما كان خاصاً باختصاص مجلس الدولة: فمثلاً استعمل القانونان رقما 112 لسنة 1946 بإنشاء مجلس الدولة و9 لسنة 1949 الخاص بهذا المجلس عبارة "لا تقبل" الطلبات المتعلقة بعمل من أعمال السيادة، بمعنى أن القضاء الإداري لا يختص بنظرها؛ ولذا استعمل الشارع في القانون رقم 165 لسنة 1955 بتنظيم مجلس الدولة في المادة 12 منه عبارة "لا يختص" مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالنظر في الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة، أي باللفظ الأدق في التعبير عن المعنى المقصود. وكل ما تقدم قاطع في الدلالة على أن المادة 291 إنما قررت حكماً جديداً يعدل من اختصاص جهات القضاء الإداري ويهدف إلى عزلها عن نظر المنازعات التي عنتها.
ومن حيث إنه لا غناء في القول بأن المقصود بالقوانين المعدلة للاختصاص هي القوانين التي تغير الولاية القضائية أو الاختصاص النوعي أو المحلي دون أن تلغى محكمة أو تزيل جهة قضاء، أي تلك التي توزع الاختصاص الوظيفي أو النوعي أو المحلي بين جهات القضاء أو بين فروع تلك الجهات، دون القوانين التي تلغى محكمة أو تزيل جهة قضاء، ولا في القول بأن تلك المادة تخرج من نطاق تعديل الاختصاص بشأن تلك القرارات، أي إلى حد إهدار الحق الموضوعي ذاته، والمساس بالحق المكتسب الذي كان قد نشأ للمدعين بإقامتهم هذه الدعوى قبل نفاذ المادة المذكورة، بحيث لا يجوز المساس به إلا بنص خاص يقرر الأثر الرجعي - لا غناء في ذلك كله؛ لأن المادة 291 - كما سلف القول - إنما تقرر حكماً جديداً يعدل من اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري، وذلك بحذف نظر هذه الدعاوى من اختصاصه. ومن المعلوم أن هذا الاختصاص يحدده القانون سواء بالزيادة أو بالنقصان؛ فالقانون هو الأداة التي أنشأته كهيئة وحددت اختصاصه، وهو الأداة التي قد تقيد تنظيمه وتوسع من اختصاصه أو تضيقه. على أنه لا جدوى من المجادلة في خصوصية النزاع فيما إذا كانت تلك المادة هي من النصوص القانونية المعدلة للاختصاص على مقتضى الفقرة الأولى من المادة الأولى من قانون المرافعات، أو هي بمثابة النص الملغى لجهات القضاء في هذا النوع من المنازعات؛ لأنه لو كان المفهوم منها أنها على المعنى الأخير لأحدثت أثرها حتماً بمجرد نفاذ القانون، وبالنسبة للدعاوى التي قفل فيها باب المرافعة، أي إلى نتيجة أشد، وقد صرحت بذلك المذكرة الإيضاحية، وهذا في الواقع من الأمر تطبيق للأصل المسلم الذي ردده صدر المادة الأولى من قانون المرافعات، وهو أن نصوص هذا القانون تسري بأثر حال على ما لم يكن قد فصل فيه من الدعاوى أو تم من الإجراءات قبل تاريخ العمل به، وإنما أخرجت تلك المادة من هذا النطاق الأسباب الملطفة التي نصت عليها في فقراتها الثلاث، بالقيود والشروط التي ذكرتها؛ للحكمة التشريعية التي كشفت عنها المذكرة الإيضاحية في خصوص كل فقرة من هذه الفقرات.
كما لا غناء في القول بأن مدلول المادة 291 يخرج من نطاق معنى تعديل الاختصاص إلى معنى إهدار الحق الموضوعي في ذاته، وهو حق الطلبة في التقاضي بشأن تلك القرارات، فلا يمكن المساس بحقهم في الدعوى التي كانوا قد أقاموها قبل نفاذه بدون نص خاص يقرر الأثر الرجعي - لا غناء في ذلك؛ لأنه يجب عدم الخلط بين أصلين لا تعارض بينهما، وهما: (أولاً) أن الحق شيء ووسيلة المطالبة به شيء آخر، و(ثانياً) أن القانون هو الذي يحدد وسيلة المطالبة بالحق ويعين الجهة التي يلجأ إليها صاحب الحق لاقتضائه حقه، قضائية كانت هذه الجهة أو غير قضائية، فالحق هو سلطة أو مزية يقررها القانون لصاحب الشأن، وهو يظل كامناً ساكناً لا ينشط ولا يتحرك إلا إذا اعتدى عليه، وسكونه في حالة عدم الاعتداء ونشاطه وتحركه في حالة الاعتداء هما مظهران وحالتان لشيء واحد، ولكن حتى في حالة النشاط والتحرك عند الاعتداء ليس من المحتم أن تكون وسيلة اقتضاء الحق أو رده إلى نصابه هي المطالبة القضائية وحدها، أو أمام جهة قضائية معينة دون أخرى، بل قد تكون غير الوسيلة القضائية أو قد تكون وسيلة قضائية بوجه معين أو بآخر أمام جهة معينة أو أخرى، كل ذلك حسبما يحدده القانون ويعينه. وآية ذلك كله أن الحق قد يعتدى عليه فينشط في الصورة المتحركة، ومع ذلك لا يلزم أن يلجأ صاحب الحق إلى المحاكم لاقتضائه؛ فقد يلجأ إلى الجهات الإدارية أو إلى النيابة العامة بطريق الشكوى فيرد الحق إلى نصابه دون أن يضطر إلى اللجوء إلى القضاء حتى ولو كانت وسيلة الالتجاء إليه متاحة له من الأصل، مما يؤكد أن إلغاء الوسيلة القضائية ليس معناه إلغاء أصل الحق في ذاته. وآية أخرى أن الحق قد يعترف به القانون ويقرره ومع ذلك لا يكفله بمطالبة قضائية؛ فالالتزام الطبيعي من جانب الدائن حق وإن كان غير مكفول بدعوى قضائية، فإذا وفاه المدين لما استطاع أن يسترد ما أداه، ولو أنه لم يكن حقاً لكان المدين في حل من أن يسترد ما أداه على أساس أنه وفاء بغير سبب، فيحق له أن يسترد ما دفعه بدون حق. ويخلص من ذلك أن ترتيب الحق وتقريره شيء وتحديد الوسيلة القانونية لاقتضائه شيء آخر، كما أن القانون قد يعين جهة غير المحاكم يلجأ إليها صاحب الحق لاقتضاء حقه، كالجهات الإدارية - ومنها الهيئات الجامعية - وكالجهات الإدارية ذات الاختصاص القضائي، بل وقد يحظر اللجوء إلى المحاكم كل ذلك حسبما يقرره القانون في هذا الشأن. وعلى هدى ما تقدم فإن المادة 291 لا تهدر أو تمس أصل حق الطلاب في فرص الدخول في الامتحانات أو في غيرها حسبما تقرره لهم القوانين واللوائح الجامعية، وإنما تمنع فقط أية جهة قضائية من نظر الدعاوى التي يكون موضوعها طلبات إلغاء أو وقف تنفيذ القرارات الصادرة من الجامعة في شئون طلابها، دون الإخلال بأصل حق الطلبة في اللجوء إلى الجهات الأخرى، كالهيئات الجامعية أو الرياسية بالنسبة لها، لاقتضاء حقوقهم بحسب القوانين واللوائح، إن كان لهم في ذلك وجه، حتى ولو كانت هذه الحقوق قد رفعت بشأنها دعاوى إلغاء أو وقف تنفيذ وأصبحت المحاكم غير مختصة بنظرها بمقتضى تلك المادة، ما دامت هي لم تمس أصل الحقوق المذكورة في ذاتها ولم تقرر إلغاءها بأثر رجعي، كما أنه ما زال لهؤلاء الطلبة الحق في الالتجاء إلى القضاء بدعوى التعويض عن تلك القرارات، إن كان لذلك وجه؛ إذ الذي منع من اختصاص القضاء هو الوسيلة القضائية بطلب الإلغاء ووقف التنفيذ فقط.
ومن حيث إنه لا وجه للنعي على نص تلك المادة بأنه غير دستوري؛ بمقولة إنه حرم الطلبة من اللجوء إلى قاضيهم الطبعي، وهو القضاء الإداري، في حمايتهم من اعتداء الإدارة، بإلغاء القرارات أو وقف تنفيذها، ولا بمقولة إنه يهدر مبدأ المساواة أمام القضاء؛ لأنه حرم طائفة من الأفراد - وهم الطلبة - من الالتجاء إلى القضاء الإداري بطلب الإلغاء أو وقف التنفيذ في الوقت الذي يسمح به لغيرهم من الأفراد - لا وجه لذلك كله؛ لأن من المسلم كأصل دستوري أن القانون هو الذي يرتب جهات القضاء ويحدد نطاق ولايتها ويوزع الاختصاص بينها، كما أنه هو الذي يقرر الحقوق ويحدد وسائل المطالبة بها، قضائية كانت أو غير قضائية، ولا يلزم حتماً أن تكون تلك الوسيلة قضائية، أو أن تكون قضائية على وجه معين، كطلب الإلغاء أو وقف التنفيذ، دون وجه آخر، كطلب التعويض، بل المرد في ذلك كله إلى ما يرتبه القانون ويحدده وبالشروط والأوضاع التي يقررها؛ لأنه هو الأداة الدستورية التي تملك ذلك كله في حدود الدستور، وبغير خروج على مبادئه. كما أن من المسلمات كذلك كأصل دستوري أن المقصود بالمساواة أمام القضاء هو عدم التفرقة بين أفراد الطائفة الواحدة إذا تماثلت مراكزهم القانونية، والمادة 291 - إذ أخرجت من اختصاص القضاء النظر في طلبات إلغاء أو وقف تنفيذ القرارات الصادرة من الهيئات الجامعية في شئون طلابها - إنما عدلت هذا الاختصاص ليسري في حق طائفة الطلبة جميعاً، لا فرق من هذه الناحية بين فرد من هذه الطائفة وآخر، فهم جميعاً سواء أمام القضاء في هذا الشأن، وهذا هو المقصود بالمساواة أمام القضاء في حقهم من الناحية الدستورية، ولكن لا يمكن أن تفهم المساواة أمام القضاء بالقياس بينهم وبين طائفة أخرى من الأفراد لا شأن لهم بالنظم الجامعية؛ لعدم التماثل في المراكز القانونية.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يتعين إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى، مع إلزام الحكومة بمصروفاتها، ما دام هذا المنع قد جاء بعد رفعها نزولاً على حكم قانون جديد معدل للاختصاص، وكان غير ممنوع رفع الدعوى في ظل القانون القديم.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، وبعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى، وألزمت الحكومة بالمصروفات.


[(1)] راجع الجزء الأول من السنة الثانية من هذه المجموعة، بند 15، صفحة 122.