مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية - العدد الثالث (من أول يونيه إلى آخر سبتمبر سنة 1957) - صـ 1173

جلسة 15 من يونيه سنة 1957
(123)

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 151 لسنة 3 القضائية

( أ ) دعوى الإلغاء - وجوب التظلم إلى جهة الإدارة قبل رفع الدعوى في بعض المنازعات الخاصة بالموظفين وإلا كانت الدعوى غير مقبولة - المادة 12 من القانون رقم 165 لسنة 1955 - التظلم الوجوبي لا يكون إلا بالنسبة للقرارات القابلة للسحب - لا جدوى من هذا التظلم إذا امتنع على الإدارة إعادة النظر في القرار لاستنفاد ولايتها بإصداره أو لعدم وجود سلطة رئيسية تملك التعقيب على مصدره.
(ب) لجنة الشياخات - اختصاصها في شأن تأديب العمد والمشايخ - قرارها الذي تصدره في هذا الصدد تستنفد به سلطتها ويمتنع عليها إلغاؤه - لا ضرورة للتظلم من هذا القرار قبل رفع الدعوى بطلب إلغائه.
(جـ) طعن - صدور حكم بعدم قبول الدعوى بعد سبق طرح موضوع الدعوى برمته واستيفاء الدفاع بشأنه - الطعن في هذا الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا - لها أن تتصدى للفصل في الموضوع ولا وجه لإعادته إلى المحكمة الأولى.
(د) عمد ومشايخ - اختلاف العقوبة التي توقع عليهم والجهة المختصة بتوقيعها بحسب جسامة التهمة ونوع الجزاء - القانون رقم 141 لسنة 1947 الخاص بالعمد والمشايخ لم يحدد بالذات كل فعل وما يناسبه من جزاء بل ترك تحديد ذلك للسلطة التأديبية المختصة في حدود النصاب المقرر.
(هـ) عمد ومشايخ - الواجبات المفروضة عليهم - بعض حالات المؤاخذة التي تستوجب مجازاتهم.
(و) قرار تأديبي - وجوب قيامه على سبب يسوغ تدخل الإدارة لإحداث أثر قانوني هو توقيع الجزاء للغاية التي استهدفها المشرع وهي حسن سير العمل - انعدام السبب إذا لم تتوافر حالة واقعية أو قانونية تسوغ تدخل الإدارة - ليس للقضاء الإداري أن يبحث ملاءمة توقيع الجزاء أو مناقشة مقداره - ليس له أن يستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما يقدم لسلطات التأديب من دلائل وقرائن إثباتاً ونفياً في خصوص قيام الحالة الواقعية أو القانونية التي تكون ركن السبب أو يتدخل في تقدير خطورة هذا السبب ومعقباته - الرقابة منحصرة في التحقق من أن نتيجة القرار مستفادة من أصول موجودة ومستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانوناً.
(ز) قرار إداري - قرار لجنة الشياخات بفصل عمدة لخروجه على مقتضيات وظيفته والإخلال بكرامته - استناده إلى وقائع صحيحة ثابتة بالأوراق ومؤدية إلى النتيجة التي انتهى إليها - عدم إلغائه لقيامه على سبب ومطابقته للقانون.
(ح) عمد ومشايخ - تأديبهم - عدم تحديد القانون عقوبة معينة لكل فعل تأديبي بذاته - تقدير تناسب الجزاء مع الذنب الإداري في نطاق القانون - من الملائمات التي تنفرد الإدارة بها - خروجها عن رقابة القضاء الإداري.
(ط) قرار إداري - قرار لجنة الشياخات بفصل عمدة - ثبوت أن بعض الوقائع المنسوبة إليه يمكن الغض عنها وعدم الاعتداد بها وأن باقي ما نسب إليه ينهض في جملته سبباً كافياً مبرراً للقرار - مطابقته للقانون.
1 - نصت المادة 12 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة في فقرتها الثانية على أنه "ولا تقبل الطلبات الآتية: (1).... (2) الطلبات المقدمة رأساً بإلغاء القرارات الإدارية المنصوص عليها في البندين "ثالثاً" و"رابعاً" عدا ما كان منها صادراً من مجالس تأديبية والبند "خامساً" من المادة 8، وذلك قبل التظلم منها إلى الهيئة الإدارية التي أصدرت القرار أو إلى الهيئات الرئيسية وانتظار المواعيد المقررة للبت في هذا التظلم.."، وقد تناول البند "رابعاً" من المادة 8 من القانون المذكور "الطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات النهائية للسلطات التأديبية". وجاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون "وفيما يختص بتنظيم التظلم وجعله وجوبياً بالنسبة إلى القرارات القابلة للسحب والصادرة في شأن الموظفين (مادة 12 فقرة 3)، فإن الغرض من ذلك هو تقليل الوارد من القضايا بقدر المستطاع وتحقيق العدالة الإدارية بطريق أيسر للناس، بإنهاء تلك المنازعات في مراحلها الأولى، إن رأت الإدارة أن المتظلم على حق في تظلمه، فإن رفضته أو لم تبت فيه في خلال الميعاد المقرر فله أن يلجأ إلى طريق التقاضي. ومفاد هذا أن التظلم الوجوبي السابق - سواء إلى الهيئة الإدارية التي أصدرت القرار إن كانت هي التي تملك سحبه أو الرجوع فيه، أو إلى الهيئات الرئيسية إن كان المرجع إليها في هذا السحب، وهو الذي جعله المشرع شرطاً لقبول طلب إلغاء القرارات الخاصة بالموظفين العموميين التي عينها وقرنه بوجوب انتظار المواعيد المقررة للبت فيه - لا يصدق إلا بالنسبة إلى ما كان قابلاً للسحب من هذه القرارات، للحكمة التي قام عليها استلزام هذا التظلم، وهي الرغبة في تقليل المنازعات بإنهائها في مراحلها الأولى بطريق أيسر للناس، وذلك بالعدول عن القرار المتظلم منه، إن رأت الإدارة أن المتظلم على حق في تظلمه. فإذا امتنع على الإدارة إعادة النظر في القرار لاستنفاد ولايتها بإصداره أو لعدم وجود سلطة رئيسية تملك التعقيب على الجهة الإدارية التي أصدرته، فإن التظلم في هذه الحالة يصبح غير مجد ولا منتج؛ وبذلك تنتفي حكمته وتزول الغاية من التربص طوال المدة المقررة، حتى تفيء الإدارة إلى الحق أو ترفض التظلم أو تسكت عن البت فيه. ويؤكد هذا النظر الاستثناء الخاص بالقرارات الصادرة من مجالس تأديبية الذي نصت عليه المادة 12 سالفة الذكر وأخرجته من عداد الطلبات المبينة في البند "رابعاً" من المادة 8 من القانون، وهي التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات النهائية للسلطات التأديبية؛ ذلك أن القرارات الصادرة من المجالس التأديبية لا تملك أية سلطة إدارية التعقيب عليها بالإلغاء أو التعديل؛ ومن ثم استبعدها الشارع من طائفة القرارات التأديبية التي أوجب التظلم السابق فيها إلى الإدارة قبل رفع الدعوى بإلغائها أمام القضاء، وذلك على خلاف القرارات النهائية الصادرة من السلطات التأديبية الأخرى والتي قد يجدي التظلم منها إلى هذه السلطات.
2 - إن المادة 24 من القانون رقم 141 لسنة 1947 الخاص بالعمد والمشايخ - الواردة في الباب السادس وعنوانه "في رفت العمد والمشايخ إدارياً ومحاكمتهم أمام لجنة الشياخات" - نصت في فقرتيها الثالثة والرابعة على أنه "..... إذا رأى المدير أن ما ثبت على العمدة أو الشيخ يستوجب جزاء أشد أحاله إلى لجنة الشياخات لمحاكمته تأديبياً"، وللجنة أن تحكم بالإنذار أو بغرامة لا تتجاوز أربعين جنيهاً أو بالفصل من العمدية أو الشياخة"، كما نصت المادة 27 من القانون المذكور على أن "تبلغ القرارات والأحكام التأديبية الصادرة من لجنة الشياخات تنفيذاً للمادة 24 إلى وزارة الداخلية للنظر في التصديق عليها، ولها تخفيض العقوبة. على أن قرارات اللجنة تعتبر نهائية في الأحكام الصادرة منها بغرامة لا تتجاوز خمسة جنيهات...". ويبين من هذين النصين أن لجنة الشياخات هي جهة أولاها الشارع - فيما يتعلق بالعمد والمشايخ - اختصاصات عديدة، من بينها اختصاص تأديبي عندما تنعقد بهيئة تأديبية وتقوم بتوقيع إحدى العقوبات التي خولها إياها القانون، ومنها عقوبة الفصل من العمدية أو الشياخة. وهذه اللجنة - طبقاً للمادة 12 من قانون العمد والمشايخ - تشكل من أعضاء معينين بحكم وظائفهم وآخرين منتخبين، وتصدر قراراتها بأغلبية الأصوات، وهي تسمع أقوال العمدة أو الشيخ المتهم أمامها وتحقق دفاعه، وتصدر حكمها بالبراءة أو الإدانة بناء على ذلك، ثم تبلغه إلى وزارة الداخلية للنظر في التصديق عليه، وللوزارة تخفيض العقوبة إن رأت وجهاً لذلك. على أن الأحكام الصادرة من اللجنة بغرامة لا تجاوز خمسة جنيهات تعتبر نهائية، فلا يملك وزير الداخلية تعديلها، كما أن اختصاص الوزير في التعقيب على قرارات اللجنة مقصور على تخفيض العقوبة دون تشديدها أو إلغائها. وعلى أية حال فإن اللجنة متى أصدرت قرارها استنفدت به سلطتها وامتنع عليها إعادة النظر فيه لتعديله بالتشديد أو التخفيف. ومتى كان الأمر كذلك، وكانت لجنة الشياخات تباشر اختصاصاً تأديبياً كمجلس تأديب عندما توقع عقوبة على العمدة أو الشيخ، وكان من الممتنع عليها إلغاء القرار الذي تصدره بالفصل، ومن الممتنع على وزير الداخلية كذلك إلغاء هذا القرار أو قرار التصديق عليه، فإن التظلم إليها أو إلى وزير الداخلية بطلب إلغاء هذا القرار يكون غير مجد؛ ومن ثم فلا وجه للإلزام بالالتجاء إلى هذا التظلم قبل رفع دعوى الإلغاء كشرط لقبولها.
3 - متى كانت الدعوى المطروحة أمام المحكمة الإدارية العليا مهيأة للفصل فيها، وكان موضوعها قد سبق طرحه برمته على المحكمة التي أصدرت حكماً بعدم قبول الدعوى (وهو الحكم المطعون فيه)، بعد إذ أبدى ذوو الشأن ملاحظاتهم بصدده، واستوفوا فيه دفاعهم ومستنداتهم، فإن للمحكمة الإدارية العليا أن تتصدى للفصل في هذا الموضوع، ولا وجه لإعادة الدعوى إلى المحكمة الإدارية المختصة للفصل فيها من جديد.
4 - إن المادة 24 من القانون رقم 141 لسنة 1947 الخاص بالعمد والمشايخ نصت في فقراتها الثانية والثالثة والرابعة والسابعة على أنه "إذا قصر العمدة أو الشيخ أو أهمل في القيام بواجباته أو أتى أمراً يخل بكرامته فللمدير أن ينذره أو أن يجازيه بغرامة لا تتجاوز مائتي قرش". "غير أنه إذا رأى المدير أن ما ثبت على العمدة أو الشيخ يستوجب جزاء أشد أحاله إلى لجنة الشياخات لمحاكمته تأديبياً". "وللجنة أن تحكم بالإنذار أو بغرامة لا تتجاوز أربعين جنيهاً أو بالفصل من العمدية أو الشياخة". "وللجنة في حالة الحكم بالرفت أن تقرر إبعاد اسم المرفوت من كشف المرشحين لمدة أقصاها خمس سنوات". كما نصت المادة 27 من القانون المذكور على أن "تبلغ القرارات والأحكام التأديبية الصادرة من لجنة الشياخات تنفيذاً للمادة 24 إلى وزارة الداخلية للنظر في التصديق عليها...". ويبين من هذا أن قانون العمد والمشايخ فرق بين الأفعال التي يمكن أن تستوجب مؤاخذة العمدة أو الشيخ من حيث درجة جسامتها ونوع الجزاء الذي يمكن توقيعه بسببها، وغاير في الجهة التي أسند إليها اختصاص توقيع هذا الجزاء بحسب مقداره، كما حدد لكل جهة نوع العقوبة التي تملك توقيعها. بيد أنه لم يحدد بالذات كل فعل وما يناسبه من جزاء، على غرار ما جرى عليه قانون العقوبات، بل ترك تحديد ذلك للسلطة التأديبية المختصة، بحسب تقديرها لدرجة جسامة الفعل وما يستأهله من جزاء في حدود النصاب المقرر.
5 - إن المادة 19 من القانون رقم 141 لسنة 1947 الخاص بالعمد والمشايخ نصت على أن "عمدة القرية ومشايخها مكلفون بالمحافظة على الأمن فيها، وعليهم في دائرة القرية مراعاة أحكام القوانين واللوائح واتباع الأوامر التي تبلغ إليهم من جهات الإدارة". وقد أجملت هذه المادة واجبات العمد والمشايخ بصفتهم من حفظة الأمن وأعوان السلطة التنفيذية، ولخصت أسسها في وجوه ثلاثة وهي: (1) المحافظة على الأمن في القرية، و(2) مراعاة أحكام القوانين واللوائح، و(3) اتباع الأوامر التي تبلغ إليهم من جهات الإدارة. وقد رتب القانون المشار إليه في المادة 24 منه على التقصير أو الإهمال في القيام بشيء من هذه الواجبات جزاءات مختلفة تتفاوت في الشدة تبعاً لجسامة هذا التقصير أو الإهمال، ولم يقف المشرع في مجازاة العمدة والشيخ عند حد المؤاخذة على التقصير أو الإهمال في الواجبات المذكورة، بل قرر جواز توقيع هذه الجزاءات عينها من أجل أمور أخرى، كما في حالة فقدان العمدة أو الشيخ لشرط من الشروط المنصوص عليها في القانون، أو ظهور عجزه عن أداء واجباته، أو إتيانه أمراً يخل بكرامته. وقد استهدف المشرع بهذا كله رعاية المصلحة العامة، وضمان الاستقامة الإدارية فيما ناط به هذه الفئة من عمال المرافق العامة من واجبات، وحسن أداء هذه الواجبات، واحترام القوانين واللوائح، وإطاعة أوامر جهات الإدارة الصادرة في حدود القانون، مع المحافظة على هيبة الحاكم وكرامة ممثل السلطة العامة في القرية. فإذا فرط العمدة أو الشيخ فيما وكلت إليه أمانته بحكم وظيفته أو تهاون فيه أو أخل به أو أتى من الأفعال ما يخدش كرامته التي هي مرتبطة بكرامة الوظيفة، حق عليه الجزاء.
6 - إن القرار التأديبي، شأنه شأن أي قرار إداري آخر، يجب أن يقوم على سبب يسوغ تدخل الإدارة لإحداث أثر قانوني في حق الموظف، هو توقيع الجزاء، للغاية التي استهدفها المشرع، وهي الحرص على حسن سير العمل تحقيقاً للمصلحة العامة. ولا يكون ثمة سبب للقرار إلا إذا قامت حالة واقعية أو قانونية تبرر التدخل. وللقضاء الإداري - في حدود رقابته القانونية - أن يراقب صحة قيام هذه الوقائع وسلامة تكييفها القانوني، دون أن يتطرق إلى بحث ملاءمة توقيع الجزاء أو مناقشة مقداره، ورقابته القانونية هذه لصحة الحالة الواقعية أو القانونية لا تعني أن يحل القضاء الإداري نفسه محل السلطات التأديبية المختصة فيما هو متروك لتقديرها ووزنها، فيستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما يقوم لدى السلطات التأديبية المختصة من دلائل وبيانات وقرائن أحوال إثباتاً أو نفياً في خصوص قيام أو عدم قيام الحالة الواقعية أو القانونية التي تكون ركن السبب، أو يتدخل في تقدير خطورة هذا السبب وما يمكن ترتيبه عليه من آثار، بل إن هذه السلطات حرة في تقدير هذه الخطورة وتلك الدلائل والبيانات وقرائن الأحوال، تأخذها دليلاً إذا اقتنعت بها أو تطرحها إذا تطرق الشك إلى وجدانها، ولا هيمنة للقضاء الإداري على ما تكون منه الإدارة عقيدتها واقتناعها في شيء من هذا، وإنما الرقابة التي للقضاء المذكور في ذلك تجد حدها الطبعي - كرقابة قانونية - في التحقق مما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار التأديبي في هذا الخصوص مستفادة من أصول موجودة أو أثبتتها السلطات المذكورة وليس لها وجود، وما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانوناً. فإذا كانت هذه النتيجة منتزعة من غير أصول موجودة، أو كانت مستخلصة من أصول لا تنتجها، أو كان تكييف الوقائع على فرض قيامها مادياً لا ينتج النتيجة التي يتطلبها القانون، كان القرار فاقداً لركن من أركانه وهو ركن السبب ووقع مخالفاً للقانون، أما إذا كانت النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول ثابتة تنتجها مادياً أو قانوناً، فقد قام القرار على سببه وكان مطابقاً للقانون.
7 - إذا توافر لدى لجنة الشياخات من مجموع العناصر التي طرحت عليها الاقتناع بأن العمدة أو الشيخ سلك سلوكاً معيباً ينطوي على تقصير أو إهمال في القيام بواجباته، أو خروج على مقتضيات وظيفته، أو إخلال بكرامته، ويدعوها إلى عدم الاطمئنان إلى صلاحيته بناء على ذلك للقيام بأعباء وظيفته، وكان اقتناعها هذا مجرداً عن الميل أو الهوى، فبنت عليه قرارها بإدانة سلوكه، ورأت لمصلحة الأمن ومصلحة الأهالي معاً إقصاءه عن هذه الوظيفة مع حرمانه من الترشيح للعمدية لمدة خمس سنوات كنتيجة طبيعية لذلك، واستنبطت هذا كله من وقائع صحيحة ثابتة في عيون الأوراق ومؤدية إلى النتيجة التي خلصت إليها، فإن قرارها في هذا الشأن يكون قائماً على سببه ومطابقاً للقانون ومعصوماً من الإلغاء.
8 - لما كان المشرع لم يحدد في قانون العمد والمشايخ عقوبة معينة لكل فعل تأديبي بذاته بحيث تتقيد الإدارة بالعقوبة المقررة له وإلا وقع قرارها مخالفاً للقانون، فإن تقدير تناسب الجزاء مع الذنب الإداري في نطاق تطبيق هذا القانون يكون من الملائمات التي تنفرد الإدارة بتقديرها والتي تخرج عن رقابة القضاء الإداري.
9 - إذا ثبت أن من بين الوقائع التي قدم العمدة من أجلها إلى لجنة الشياخات فقررت فصله ما يمكن إطراحه أو الغض عنه وعدم الاعتداد به، وأن في باقي ما نسب إليه من وقائع ما ينهض في جملته سبباً كافياً مبرراً للمؤاخذة التأديبية التي انتهى إليها قرار اللجنة المذكورة - وهي وقائع لها دلالتها في تقدير سلوكه، وقد استخلصت منها اللجنة اقتناعها بإدانته استخلاصاً سائغاً يجعل قرارها قائماً على سببه ومطابقاً للقانون، دون أن تكون للقضاء الإداري رقابة على تقدير الجزاء الذي رأت اللجنة توقيعه - إذا ثبت ما تقدم، فإن هذا القرار يكون في محله، ويتعين القضاء برفض الدعوى بطلب إلغائه.


إجراءات الطعن

في 13 من يناير سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 151 لسنة 3 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لرياسة الجمهورية ووزارات الداخلية والخارجية والعدل بجلسة 25 من نوفمبر سنة 1956 في الدعوى رقم 737 لسنة 2 القضائية المقامة من محمد محمد طه محمدين ضد وزارة الداخلية، القاضي "بعدم قبول الدعوى شكلاً، وألزمت المدعي بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإعادة الدعوى إلى المحكمة الإدارية المختصة للفصل فيها من جديد". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الداخلية في 20 من يناير سنة 1957، وإلى المطعون لصالحه في 9 من فبراير سنة 1957، وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 6 من إبريل سنة 1957. وقد أودع المطعون لصالحه مذكرة بملاحظاته في 7 من مارس سنة 1957 انتهى فيها إلى طلب "الحكم بالطلبات الواردة بتقرير الطعن". ولم تقدم الحكومة مذكرات ما في الميعاد القانوني. وفي 17 من مارس سنة 1957 أبلغ الطرفان بميعاد الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة 4 من مايو سنة 1957، وأعادت الدعوى إلى المرافعة لجلسة 18 منه، ثم حجزت الطعن للحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
عن عدم قبول الدعوى:
من حيث إن المطعون لصالحه أقام الدعوى رقم 737 لسنة 2 القضائية ضد وزارة الداخلية أمام المحكمة الإدارية لرياسة الجمهورية ووزارات الداخلية والخارجية والعدل بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 27 من سبتمبر سنة 1955 قال فيها وفي مذكراته التي قدمها بعد ذلك إنه عين عمدة لناحية الكردي مركز دكرنس دقهلية في 23 من سبتمبر سنة 1939، وظل يباشر وظيفته زهاء ستة عشر عاماً حتى شهر إبريل سنة 1955، حيث أعلن بقرار اتهام بالحضور بجلسة 20 من إبريل سنة 1955 أمام لجنة شياخات مديرية الدقهلية؛ لاتهامه في القضيتين رقمي 176 و177 لسنة 1955 اللتين قررت اللجنة ضمهما لبعضهما وتأجيل نظر الموضوع بجلسة 30 من أغسطس سنة 1955، وفي هذه الجلسة أصدرت اللجنة قرارها بفصله بأغلبية الأصوات، وأرسلت الأوراق إلى وزارة الداخلية لعرضها على السيد الوزير الذي وافق على قرار اللجنة. وقد انحصرت التهم التي قدم بها في القضية رقم 176 لسنة 1955 في: (1) إهمال القيام بواجبات وظيفته وذلك: " أ " لعدم إثبات قيامه بالإجازة المصرح له بها في 12 من مارس سنة 1955 بدفتر أحوال البلد، و"ب" تغيبه عن بلده بدون إذن من 19 من مارس سنة 1955 إلى 30 منه، و"جـ" عدم إشرافه على حالة الأمن مما أدى إلى وقوع الجناية رقم 315 حريق عمد لسنة 1955، و(و) عدم حضوره عملية فرز واقتراع أنفار القرعة في 26 من مارس سنة 1955 - مع أن هذه الأدلة غير كافية لتبرير قرار الفصل وغير ثابتة ولا تؤدي إلى النتيجة التي وصل إليها القرار، كما أن تواريخها توحي بأنها جمعت بعد تحديد الجلسة الأولى للجنة الشياخات لغرض خاص. (2) تقديمه شكاوى كيدية ضد موظفي المسجد ببلده لفرض سلطانه عليهم - مع أن هذا من صميم اختصاصه ولا يعد إخلالاً منه بواجبه؛ بدليل أن وكيل المديرية طلب نقل إمام المسجد. (3) عدم سداده الأموال الأميرية مما كان سبباً في وقفه عن عمله، واستيلاءه على مبالغ كبيرة من بنك التسليف بطرق احتيالية وعدم سداده لها، حتى تعددت ضده الحجوزات وقضايا التبديد - وهذا اتهام غير جدي؛ لأنه قام بسداد جميع الأموال الأميرية المطلوبة منه، كما قسط مطلوبات بنك التسليف ودفع معظمها، وليس من اختصاص لجنة الشياخات بحث العلاقات المالية بينه وبين البنك، وقد حفظت تهم التبديد المسندة إليه أو برئ منها. أما التهمة الموجهة إليه في القضية التأديبية رقم 177 لسنة 1955 - وهي عدم أمانته في الإدلاء بمعلوماته بصفته عمدة للبلدة، مما يتنافى مع طبيعة وظيفته وواجباته ويفوت على العدالة أن تأخذ مجراها - فهي تهمة غير صحيحة، كما يبين من الأوراق الخاصة بهذا الموضوع. وقد جانب قرار وزير الداخلية القانون؛ بتأييده قرار لجنة الشياخات الذي بني على وقائع غير صحيحة، وخرج على الضمانات المقررة للمحاكمات التأديبية بعدم إجراء تحقيق مع المدعي في التهم المنسوبة إليه، ولم يستخلص النتيجة التي انتهى إليها استخلاصاً سائغاً من أصول ثابتة في الأوراق، إذ أن ما بالأوراق لا يبرر توقيع عقوبة الفصل بحسب نصوص القانون رقم 141 لسنة 1947 الخاص بالعمد والمشايخ وروحه. وخلص المدعي من هذا إلى طلب الحكم بإلغاء قرار لجنة شياخات مديرية الدقهلية الصادر في 30 من أغسطس سنة 1955، والذي صدق عليه وزير الداخلية، وانعدام كل أثر له فيما قضى به من فصل المدعي من وظيفته عمدة ناحية الكردي مركز دكرنس، وما ترتب على ذلك من آثار، مع إلزام وزارة الداخلية بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقد ردت وزارة الداخلية على هذه الدعوى بأن سردت وقائع التهم التأديبية التي حوكم من أجلها المدعي، وتقرر فصله من العمدية، وأوضحت أن لجنة الشياخات قررت هذا الفصل بأغلبية الآراء لعدم صلاحيته، نظراً إلى أن مسلكه في أداء واجباته وفي معاملته مع الناس لا يتفق وما تفرضه عليه وظيفته. وإلى أنه يستغل وظيفته أسوأ استغلال، الأمر الذي يجعل بقاءه في وظيفته بالغ الضرر بصالح الأمن العام وبمصالح أهالي بلده، كما قررت اللجنة حرمانه من الترشيح لمدة خمس سنوات. وقد عرضت أوراق المحاكمة وقرار اللجنة على السيد وزير الداخلية، فوافق على القرار في 19 من سبتمبر سنة 1955. وبجلسة 25 من نوفمبر سنة 1956 قضت المحكمة الإدارية لرئاسة الجمهورية ووزارات الداخلية والخارجية والعدل "بعدم قبول الدعوى شكلاً. وألزمت المدعي بالمصروفات". وأقامت قضاءها على أن المادة 12 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة نصت على أن الطلبات المقدمة رأساً بإلغاء القرارات الإدارية النهائية الصادرة بالتعيين في الوظائف العامة أو الترقية أو بمنح علاوات، والقرارات الإدارية النهائية الصادرة بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم من غير الطريق التأديبي، والقرارات الإدارية النهائية المبينة بالبند الرابع من المادة الثالثة عدا ما كان منها صادراً من مجالس تأديبية - هذه الطلبات جميعاً لا يجوز قبولها قبل التظلم منها إلى الهيئة الإدارية التي أصدرت القرار، أو الهيئات الرئيسية، ثم انتظار المواعيد المقررة للبت في هذا التظلم؛ ومن ثم فإن التظلم من القرارات المذكورة وانتظار المواعيد المقررة للبت في هذا التظلم أصبح شرطاً لقبول طلب الإلغاء. فإذا ما رفع الطلب رأساً إلى المحكمة قبل التظلم أو قبل انقضاء المواعيد المقررة للبت في هذا التظلم، وجب الحكم بعدم قبول الدعوى؛ ذلك أن القانون رتب البطلان على إغفال هذه الإجراءات التي عدها من الأمور الجوهرية بالنسبة إلى القرارات الإدارية النهائية التي عينها، والتي يرد عليها طلب الإلغاء. وقد صدر قرار لجنة الشياخات بجلسة 30 من أغسطس سنة 1955 بفصل المدعي من وظيفته تأديبياً، فتظلم منه إلى وزير الداخلية في 15 من سبتمبر سنة 1955، وفي 19 من سبتمبر سنة 1955 صدق الوزير على قرار اللجنة، فقام المدعي برفع دعواه طالباً إلغاء قرار وزير الداخلية القاضي بالتصديق على قرار لجنة الشياخات المشار إليه، في حين أن قرار اللجنة هذا لا يعتبر قراراً إدارياً نهائياً يجوز الطعن فيه أمام القضاء الإداري؛ وذلك بناء على نص المادة 27 من القانون رقم 141 لسنة 1947 الخاص بالعمد والمشايخ. ولا يصبح نهائياً إلا بعد أن يصادق عليه وزير الداخلية الذي له سلطة تخفيض العقوبة. ولما كان التظلم المقدم من المدعي في 15 من سبتمبر سنة 1955 قد انصب على قرار لجنة الشياخات، وهو قرار غير نهائي، كما أنه قدم قبل تصديق الوزير على قرار اللجنة، بينما التظلم، الذي أوجبته المادة 12 من قانون مجلس الدولة والذي هو شرط لقبول دعوى الإلغاء، يجب أن يرد على قرار إداري نهائي، هو القرار الصادر من وزير الداخلية بالتصديق على قرار لجنة الشياخات، فإن الدعوى تكون غير مقبولة لرفعها مباشرة أمام المحكمة دون التظلم من قرار وزير الداخلية الصادر في 19 من سبتمبر سنة 1955 بالتصديق على قرار لجنة الشياخات. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 13 من يناير سنة 1957، واستند في أسباب طعنه إلى أنه يبين من البند الثاني من المادة 12 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة أن القرار الصادر من مجلس تأديبي يكون صالحاً للطعن فيه مباشرة دون حاجة إلى التظلم منه. وقد كشفت المذكرة الإيضاحية للقانون المشار إليه عن الغرض من التظلم وهو تقليل الوارد من القضايا وتيسير تحقيق العدالة، وهذا الغرض غير متحقق بالنسبة إلى المجالس التأديبية حيث تنتهي ولايتها بإصدار قراراتها. وبالرجوع إلى المادة 27 من القانون رقم 141 لسنة 1947 يتضح أن الصفة الأساسية لقرار لجنة الشياخات هي أنه قرار تأديبي صادر عن محاكمة تأديبية لها كل خصائصها، وأن سلطة وزير الداخلية في هذا الشأن لا تعدو خفض العقوبة في بعض الحالات دون تشديدها أو إلغائها، بل إنه لا اختصاص له أصلاً إذا ما كانت العقوبة التي وقعتها اللجنة هي الغرامة التي لا تجاوز خمسة جنيهات. فإذا كان ما يطلبه المدعي هو إلغاء القرار الصادر من لجنة الشياخات فلا إلزام عليه بأن يتظلم قبل رفع دعواه، بل له أن يرفع هذه الدعوى إلى القضاء الإداري مباشرة ما دام الإلغاء ممتنعاً على الوزير، ولا جدوى من التظلم إليه في هذا الشأن وانتظار قراره فيه. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تأويله وتطبيقه وتكون قد قامت به إحدى حالات الطعن في الأحكام أمام المحكمة الإدارية العليا. وانتهى السيد رئيس هيئة المفوضين من هذا إلى طلب "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإعادة الدعوى إلى المحكمة الإدارية المختصة للفصل فيها من جديد". وقد أودع المطعون لصالحه سكرتيرية المحكمة في 7 من مارس سنة 1957 مذكرة بملاحظاته قال فيها إن المشرع حدد الجهات التي تتولى توقيع الجزاءات التأديبية التي تبدأ بعقوبة الإنذار وتنتهي بعقوبة الفصل بالنسبة إلى العمد والمشايخ بوصفهم من الموظفين العموميين، ومنح هذه السلطة للمدير وللجنة الشياخات. وأنه يتضح من نصوص المواد 24 و25 و27 من القانون رقم 141 لسنة 1947 أن لجان الشياخات ما هي إلا مجالس تأديبية تصدر قرارات وأحكاماً تأديبية، وأن وزارة الداخلية عندما يعرض عليها قرار لجنة الشياخات لا تملك إلغاء عقوبة الفصل، وكل ما لها هو سلطة التصديق على القرار أو تعديله بتخفيض العقوبة المقضى بها على أنها إذا استعملت هذه السلطة مرة امتنع عليها استعمالها مرة أخرى. وما دام الأمر كذلك فإن التظلم من قرار الوزير يصبح غير مجد؛ لأن هذا الأخير لا يملك العدول عن قرار التصديق، كما لا يملك إلغاء عقوبة الفصل. وبناء على ذلك يصبح من حق المدعي أن يلجأ إلى القضاء مباشرة. وخلص المدعي من هذا إلى طلب "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإعادة الدعوى إلى المحكمة الإدارية المختصة للفصل فيها من جديد".
ومن حيث إن المادة 12 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة نصت في فقرتها الثانية على أنه "ولا تقبل الطلبات الآتية: (1)... (2) الطلبات المقدمة رأساً بإلغاء القرارات الإدارية المنصوص عليها في البندين "ثالثاً" و"رابعاً" عدا ما كان منها صادراً من مجالس تأديبية والبند "خامساً" من المادة 8، وذلك قبل التظلم منها إلى الهيئة الإدارية التي أصدرت القرار أو إلى الهيئات الرئيسية، وانتظار المواعيد المقررة للبت في هذا التظلم..."، وقد تناول البند "رابعاً" من المادة 8 من القانون المذكور "الطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات النهائية للسلطات التأديبية". وجاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون "وفيما يختص بتنظيم التظلم وجعله وجوبياً بالنسبة إلى القرارات القابلة للسحب والصادرة في شأن الموظفين (مادة 12 فقرة 3)، فإن الغرض من ذلك هو تقليل الوارد من القضايا بقدر المستطاع وتحقيق العدالة الإدارية بطريق أيسر للناس بإنهاء تلك المنازعات في مراحلها الأولى إن رأت الإدارة أن المتظلم على حق في تظلمه، فإن رفضته أو لم تبت فيه في خلال الميعاد المقرر، فله أن يلجأ إلى طريق التقاضي". ومفاد هذا أن التظلم الوجوبي السابق - سواء إلى الهيئة الإدارية التي أصدرت القرار إن كانت هي التي تملك سحبه أو الرجوع فيه، أو إلى الهيئات الرئيسية إن كان المرجع إليها في هذا السحب، وهو الذي جعله المشرع شرطاً لقبول طلب إلغاء القرارات الخاصة بالموظفين العموميين التي عينها وقرنه بوجوب انتظار المواعيد المقررة للبت فيه - لا يصدق إلا بالنسبة إلى ما كان قابلاً للسحب من هذه القرارات؛ للحكمة التي قام عليها استلزام هذا التظلم؛ وهي الرغبة في تقليل المنازعات بإنهائها في مراحلها الأولى بطريق أيسر للناس، وذلك بالعدول عن القرار المتظلم منه، إن رأت الإدارة أن المتظلم على حق في تظلمه. فإذا امتنع على الإدارة إعادة النظر في القرار لاستنفاد ولايتها بإصداره أو لعدم وجود سلطة رئيسية تملك التعقيب على الجهة الإدارية التي أصدرته، فإن التظلم في هذه الحالة يصبح غير مجد ولا منتج، وبذلك تنتفي حكمته وتزول الغاية من التربص طوال المدة المقررة حتى تفيء الإدارة إلى الحق أو ترفض التظلم أو تسكت عن البت فيه. ويؤكد هذا النظر الاستثناء الخاص بالقرارات الصادرة من مجالس تأديبية الذي نصت عليه المادة 12 سالفة الذكر، وأخرجته من عداد الطلبات المبينة في البند "رابعاً" من المادة 8 من القانون وهي التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات النهائية للسلطات التأديبية؛ ذلك أن القرارات الصادرة من المجالس التأديبية لا تملك أية سلطة إدارية التعقيب عليها بالإلغاء أو التعديل؛ ومن ثم استبعدها الشارع من طائفة القرارات التأديبية التي أوجب التظلم السابق فيها إلى الإدارة قبل رفع الدعوى بإلغائها أمام القضاء، وذلك على خلاف القرارات النهائية الصادرة من السلطات التأديبية الأخرى والتي قد يجدي التظلم منها إلى هذه السلطات.
ومن حيث إن المادة 24 من القانون رقم 141 لسنة 1947 الخاص بالعمد والمشايخ - الواردة في الباب السادس وعنوانه "في رفت العمد والمشايخ إدارياً ومحاكمتهم أمام لجنة الشياخات" - نصت في فقرتيها الثالثة والرابعة على أنه "... إذا رأى المدير أن ما ثبت على العمدة أو الشيخ يستوجب جزاء أشد أحاله إلى لجنة الشياخات لمحاكمته تأديبياً"، "وللجنة أن تحكم بالإنذار أو بغرامة لا تتجاوز أربعين جنيهاً أو بالفصل من العمدية أو الشياخة". كما نصت المادة 27 من القانون المذكور على أن "تبلغ القرارات والأحكام التأديبية الصادرة من لجنة الشياخات تنفيذاً للمادة 24 إلى وزارة الداخلية للنظر في التصديق عليها. ولها تخفيض العقوبة. على أن قرارات اللجنة تعتبر نهائية في الأحكام الصادرة منها بغرامة لا تتجاوز خمسة جنيهات...". ويبين من هذين النصين أن لجنة الشياخات هي جهة أولاها الشارع - فيما يتعلق بالعمد والمشايخ - اختصاصات عديدة، من بينها اختصاص تأديبي عندما تنعقد بهيئة تأديبية وتقوم بتوقيع إحدى العقوبات التي خولها إياها القانون، ومنها عقوبة الفصل من العمدية أو الشياخة. وهذه اللجنة طبقاً للمادة 12 من قانون العمد والمشايخ تشكل من أعضاء معينين بحكم وظائفهم وآخرين منتخبين، وتصدر قراراتها بأغلبية الأصوات. وهي تسمع أقوال العمدة أو الشيخ المتهم أمامها، وتحقق دفاعه، وتصدر حكمها بالبراءة أو الإدانة بناء على ذلك، ثم تبلغه إلى وزارة الداخلية للنظر في التصديق عليه. وللوزارة تخفيض العقوبة إن رأت وجهاً لذلك. على أن الأحكام الصادرة من اللجنة بغرامة لا تجاوز خمسة جنيهات تعتبر نهائية، فلا يملك وزير الداخلية تعديلها. كما أن اختصاص الوزير في التعقيب على قرارات اللجنة مقصور على تخفيض العقوبة دون تشديدها أو إلغائها. وعلى أية حال، فإن اللجنة متى أصدرت قرارها استنفدت به سلطتها، وامتنع عليها إعادة النظر فيه لتعديله بالتشديد أو التخفيف. ومتى كان الأمر كذلك، وكانت لجنة الشياخات تباشر اختصاصاً تأديبياً كمجلس تأديب عندما توقع عقوبة على العمدة أو الشيخ، وكان من الممتنع عليها إلغاء القرار الذي تصدره بالفصل، ومن الممتنع على وزير الداخلية كذلك إلغاء هذا القرار أو قرار التصديق عليه، فإن التظلم إليها أو إلى وزير الداخلية بطلب إلغاء هذا القرار يكون غير مجد؛ ومن ثم فلا وجه للإلزام بالالتجاء إلى هذا التظلم قبل رفع دعوى الإلغاء كشرط لقبولها. ولما كان المدعي قد حدد في مذكرته الأولى أمام المحكمة الإدارية أنه يطلب "إلغاء قرار لجنة شياخات مديرية الدقهلية الصادر في 30 من أغسطس سنة 1955، والذي صدق عليه وزير الداخلية، فيما قضى به من فصل المدعي من وظيفة عمدة ناحية الكردي مركز دكرنس وما يترتب على ذلك من آثار"، فإن طلبه هذا بوصفه موجهاً إلى القرار الإداري النهائي الصادر من وزير الداخلية بالتصديق على قرار لجنة الشياخات يكون مقبولاً. وإذ قضى الحكم المطعون فيه بغير ذلك، فإنه يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، ويتعين القضاء بإلغائه.
عن الموضوع:
من حيث إنه متى كانت الدعوى مهيأة للفصل فيها، وكان موضوعها قد سبق طرحه برمته على المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه، بعد إذ أبدى ذوو الشأن ملاحظاتهم بصدده، واستوفوا فيه دفاعهم ومستنداتهم، فإن لهذه المحكمة أن تتصدى للفصل في هذا الموضوع، ولا وجه لإعادة الدعوى إلى المحكمة الإدارية المختصة للفصل فيها من جديد.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المدعي، وقد كان عمدة لناحية الكردي مركز دكرنس دقهلية، قدم للمحاكمة التأديبية أمام لجنة الشياخات بمديرية الدقهلية؛ لاتهامه (أولاً): في القضية التأديبية رقم 176 لسنة 1955 (1) بالإهمال في القيام بالواجبات التي تفرضها عليه وظيفته، وذلك: - أ - لعدم إثبات قيامه بالإجازة المصرح له بها في 12 من مارس سنة 1955 بدفتر أحوال البلدة. - ب - لتغيبه عن بلدته ومغادرته لها بدون إذن من 19 من مارس سنة 1955 حتى 30 منه. - ج - لعدم إشرافه إشرافاً فعلياً على حالة الأمن مما أدى إلى وقوع حوادث ببلدته آخرها الجناية رقم 1315 حريق عمد سنة 1955 التي كان معظم المتهمين قها يمتون له بصلة القرابة والنسب. - د - لعدم حضوره عملية فرز واقتراع أنفار القرعة في 26 من مارس سنة 1955. (2) بتقديم شكاوى كيدية ضد موظفي المسجد ببلده، محاولاً بذلك فرض سلطانه عليهم. (3) بعدم سداد الأموال الأميرية مما كان سبباً في وقفه عن عمله، واستيلائه على مبالغ كبيرة من بنك التسليف بطرق احتيالية وعدم سداده لها حتى تعددت الحجوزات وقضايا التبديد ضده. (ثانياً): في القضية التأديبية رقم 177 لسنة 1955 بعدم الأمانة في الإدلاء بمعلوماته بصفته عمدة للبلدة، مما يتنافى مع طبيعة وظيفته وواجباتها، ويفوت على العدالة أن تأخذ مجراها. وقد قررت لجنة الشياخات بجلسة 20 من إبريل سنة 1955 ضم هاتين القضيتين التأديبيتين إلى بعضهما. وبجلسة 30 من أغسطس سنة 1955 أصدرت قرارها فيهما حضورياً وبأغلبية الآراء بفصل المدعي من وظيفة العمدية لعدم صلاحيته، مع حرمانه من الترشيح لمدة خمس سنوات. وفي 19 من سبتمبر سنة 1955 وافق وزير الداخلية على هذا القرار. وقد أقام المدعي دعواه الحالية بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة الإدارية في 27 من سبتمبر سنة 1955 طلب فيها "الحكم بإلغاء قرار لجنة شياخات مديرية الدقهلية الصادر في 30 من أغسطس سنة 1955 وانعدام كل أثر له، ثم أوضح في مذكراته أنه يطلب "إلغاء قرار لجنة شياخات مديرية الدقهلية الصادر في 30 من أغسطس سنة 1955 والذي صدق عليه وزير الداخلية فيما قضى به من فصل المدعي من وظيفة عمدة ناحية الكردي مركز دكرنس، وما يترتب على ذلك من آثار". ونعى على هذا القرار وقوعه مشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة ومخالفته للقانون، ورد على وقائع الاتهام التي حوكم وفصل من وظيفته من أجلها بأنه حصل على إجازته في 12 من مارس سنة 1955 بعد موافقة المركز الذي أخطر بها بإشارة تليفونية، وأنه ليس من شأنه إثبات ذلك في دفتر الأحوال. وأنكر تغيبه عن بلدته في الفترة من 19 إلى 30 من مارس سنة 1955 مؤكداً مباشرته لأعمال وظيفته في هذه الفترة؛ بدليل توجهه إلى إدارة التجنيد خلالها بصحبة المقترعين من أبناء قريته ومقابلته رئيس مجلس التجنيد وتقديمه الأوراق اللازمة، وحضوره عملية الفرز والاقتراع في يوم 26 من مارس سنة 1955، وأنه لم يتغيب عن قريته إلا ليلة 29 من مارس سنة 1955 لاضطراره لاصطحاب زوجته إلى المنصورة لمعالجتها من مرض مفاجئ ألم بها؛ كما تدل على ذلك التذاكر الطبية التي قدمها. أما اتهامه بأنه لم يشرف إشرافاً فعلياً على حالة الأمن في بلدته مما أدى إلى وقوع الجناية رقم 1315 لسنة 1955 دكرنس حريق عمد فلا سند له؛ لأن الأمر لم يعد جريمة واحدة دبرت في الخفاء، وارتكبت في مكان ناء، وما كان في الوسع تلافيها، ولا يدل وقوعها على إهمال العمدة أو تراخيه، ولا على اضطراب حبل الأمن، وقد قيدت ضد مجهول. ولما سئل المجني عليه في محضر التحقيق الإداري عن مسئولية العمدة عنها وصلته بمرتكبيها نفى تلك المسئولية وهذه الصلة. وأما الادعاء بعدم حضوره عملية الفرز في 26 من مارس سنة 1955 فيدحضه ما هو ثابت بكتاب رئيس مجلس التجنيد بالدقهلية إلى مركز دكرنس من أنه حضر وأتم المطلوب منه. وفيما يتعلق باتهامه بتقديم شكاوى كيدية ضد إمام المسجد في قريته، فحقيقة الحال أن أهالي القرية دأبوا على الشكوى من الإمام المذكور بعد إذ ضاقوا به ذرعاً بسبب إغفاله القيام بواجباته وتغيبه عن البلدة لإقامته في بلدة أخرى، فما كان من المدعي بصفته عمدة البلدة إلا أن طلب إلى وزارة الأوقاف العمل على نقله، وأيده في هذا وكيل المديرية الذي تحقق بنفسه من صحة الشكوى، وطالب بنقل الإمام من القرية، ولكن رجال وزارة الأوقاف - وبصفة خاصة مفتش المساجد بالمنطقة الذي يمت بصلة إلى الإمام - أصروا على بقاء هذا الأخير، واتهموا العمدة بمحاولته بسط سلطانه عليه وبأن سمعته غير طيبة. أما فيما يختص بتهمة عدم سداد الأموال الأميرية والاستيلاء على مبالغ كبيرة من بنك التسليف بطرق احتيالية وعدم أدائها حتى تعددت الحجوزات وقضايا التبديد ضده، فإن هذا كله لا صلة له بوظيفة المدعي، بل يرجع إلى علاقته بالحكومة كممول وعلاقته بالبنك كعميل. ومع ذلك فقد قام بسداد جميع الأموال الأميرية المستحقة عليه، واتفق مع البنك على تقسيط السلفة التي حصل عليها منه، ووفى جميع أقساطها، كما برئ بأحكام قضائية نهائية وبقرارات حفظ قطعية من تهم التبديد التي أسندت إليه، وما كان يسوغ للجنة الشياخات بعد ذلك أن تقضي بفصله من العمدية من أجل هذا السبب، ولكنها فعلت ذلك مدفوعة بالرغبة في الكيد له والتخلص منه إرضاء لمن ناصبوه العداء من رجال الإدارة ودبروا له الاتهامات لأغراض شخصية لتراخيه في الإذعان لمطالبهم غير القانونية؛ وبذلك جاء قرارها مشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة، مناقضاً لما هو ثابت بالأوراق الرسمية، وخلواً من الأسباب الواقعية المستقاة من أصول ثابتة في الأوراق، بل ومهدراً لما قضت به الأحكام القضائية النهائية. وقد كان هذا أيضاً هو مسلك اللجنة إزاءه بالنسبة إلى تهمة عدم الأمانة في الإدلاء بمعلوماته بصفته عمدة للبلدة في الشكوى الإدارية رقم 4056 لسنة 1954 مركز دكرنس الخاصة بنزاع على وضع يد على قطعة أرض بزمام ناحية الكردي كانت لوكيل حكمدار الدقهلية ومفتش المنطقة مصلحة في تمكين قريب لهما من وضع يده عليها، فلما اعترض المدعي على ذلك دبرا له هذه التهمة التي تعجلت لجنة الشياخات بإدانته من أجلها، قبل أن تبت النيابة في موضوع الشكوى، مع أن اللجنة كانت قد أرجأت محاكمته حتى يتم التصرف في الشكوى المذكورة، الأمر الذي يصم قرار اللجنة بعيب مخالفة القانون، ولا سيما أن النيابة لم تر مساءلة المدعي عن الإدلاء بمعلومات كاذبة بعد إذ تحقق لها صدق أقواله وسلامة موقفه من النزاع القائم حول تسليم الأرض موضوع الشكوى والذي مرجع الأمر فيه إلى القضاء المدني، وحرصه على تنفيذ الأوامر الصادرة إليه بما يحول دون وقوع أي إخلال بالأمن العام، وعدم استماعه لما طلبه منه وكيل الحكمدار من مساعدة قريبه في وضع يده على هذه الأرض احتراماً للقانون وتنفيذاً لأحكامه في شأن كان لا يزال موضع تحقيق لم تتخذ النيابة فيه قراراً نهائياً. أما التقرير الذي قدمه رئيس مباحث المديرية ضد المدعي ووصمه فيه باستغلال النفوذ وإفساد الأداة الحكومية باستعمال طرق ملتوية، فإن هذه الورقة لم تتضمنها صحيفة الاتهام، وإنما حررت في 16 من إبريل سنة 1955 خدمة لأغراض وكيل الحكمدار حتى توضع تحت نظر لجنة الشياخات التي انعقدت في 20 من إبريل سنة 1955. وقد تجنى فيها رئيس المباحث على المدعي؛ إذ زعم أنه أثرى من استغلال نفوذه، مع أن لجنة فحص الإقرارات انتهت إلى حفظ التحقيق المتعلق بفحص إقرار الذمة المالية الخاص به. كما افترى عليه في ادعائه بأنه حزبي أفاد من الحزبية؛ ذلك أنه ظل عمدة في قريته منذ سنة 1939 حتى سنة 1955، وقد تعاقبت على حكم البلاد طوال تلك الفترة وزارات من أحزاب مختلفة وأخرى مستقلة ولم تنكل به إحداها لانتمائه إلى حزب وزارة معينة، وقد ساهم في أعمال إنسانية وخيرية كثيرة بالقرية، كما عمل على التوفيق بين العائلات، وتفانى في خدمة الصالح العام. وإذا كان القانون رقم 141 لسنة 1947 الخاص بالعمد والمشايخ قد نص في المادة 24 منه على تدرج العقوبات التي تفرض على العمدة أو الشيخ إذا قصر أو أهمل في القيام بواجبات وظيفته أو أتى أمراً يخل بكرامته، فإن لجنة الشياخات تكون قد أخطأ عندما رأت أنه يستحق المؤاخذة للأسباب المتقدم ذكرها، ويكون قد أخطأها التوفيق كذلك عندما قضت بفصله وحرمانه من حق الترشيح لمدة خمس سنوات موقعة عليه بذلك أقصى عقوبة. وما يؤخذ على قرار اللجنة من عيب إساءة استعمال السلطة ومخالفة القانون يمكن أن يؤخذ أيضاً على تصديق وزير الداخلية على هذا القرار.
ومن حيث إن وزارة الداخلية ردت على الدعوى بأن المدعي رخص له في إجازة اعتيادية لمدة أسبوع اعتباراً من 12 من مارس سنة 1955، وفي 29 من مارس سنة 1955 وقعت جناية حريق ساقية عمد قيدت برقم 1315 جنايات سنة 1955 دكرنس، ولما قام مأمور المركز للناحية لم يجد العمدة بها، وبمراجعة دفتر الأحوال لم يجد به ما يثبت قيام العمدة بالإجازة، وبسؤال عامل التليفون قرر أن العمدة قام بالإجازة ولم يثبت ذلك بدفتر الأحوال. ولما كانت هذه الإجازة تنتهي في 18 من مارس سنة 1955 فقد كان متعيناً عليه العودة يوم 19 منه، بيد أنه ظل غائباً عن البلدة حتى 30 من مارس سنة 1955، مما يدل على استهتاره بالوظيفة واستخفافه بواجباتها. وقد وقعت جناية الحريق العمد المشار إليها أثناء غيابه، وتبين من التحقيق أن الباعث على ارتكابها هو الكيد؛ لوجود نزاع على شراء قطعة أرض بين المجني عليه والمتهمين ومعظمهم من أقارب العمدة وأصهاره. وكان قد سبق هذا الحادث بأسبوع وقوع حريق في دريس للمجني عليه لم يبلغ عنه؛ مما يثبت أن العمدة كان على علم بهذا النزاع، وأنه لو قام بواجبه لأمكنه التوفيق بين المجني عليه والمتهمين من أقاربه لصيانة الأمن قبل أن يستفحل الأمر، كما أنه لم يبلغ المركز بهذا النزاع في حينه، ولما طلب لحضور لجنة فرز أنفار القرعة في يوم 26 من مارس سنة 1955 لم يحضرها رغم إعلانه بها مما عطل أعمال اللجنة، كما يتضح ذلك من مذكرة رئيس مجلس التجنيد. هذا إلى أن المدعي قدم شكاوى ضد إمام مسجد البلدة وموظفيه، ولما أرسلت نتيجة التحقيق إلى وزارة الأوقاف تبين لها أن هذه الشكاوى كيدية؛ لأن الإمام رجل عالم يؤدي عمله بانتظام، وإنما يعزى سبب الشكاوى إلى نزاع بينه وبين العمدة وإلى أن هذا الأخير كان يقصد منها إخضاع إمام المسجد ومستخدميه لسلطته. وقد أوقف العمدة في 23 من ديسمبر سنة 1954 بناء على طلب المركز والقسم المالي لعدم سداده الأموال الأميرية، وتبين من التحقيق أنه اعتاد ذلك حتى تعددت ضده الحجوزات وقضايا التبديد، الأمر الذي يجعله قدوة سيئة لأهالي بلدته ويشجعهم على سلوك مسلكه. وقد رفع عنه الوقف بعد أن سدد أموال سنة 1954، إلا أنه تبين أنه استولى على مبلغ 500 م و712 ج من بنك التسليف بطرق احتيالية ولم يقم بسداده في مواعيد استحقاقه، مما اضطر البنك إلى الحجز عليه وتعيين والده حارساً على المحجوزات ولكنه بددها وحررت عن ذلك محاضر التبديد أرقام 1370 و1371 و1372 جنح دكرنس سنة 1955، كما أنه تبين من تحقيق الشكوى الإدارية رقم 4056 دكرنس سنة 1955 تضارب المدعي في أقواله وعدم أمانته في الإدلاء بمعلوماته حسب الواقع لتمكين العدالة من أن تأخذ مجراها. ونظراً إلى ما ثبت من أن المدعي قد أخل إخلالاً جسيماً بواجبات وظيفته مما زعزع الثقة فيه، فقد قررت المديرية إحالته إلى لجنة الشياخات لمحاكمته. وبجلسة 20 من إبريل سنة 1955 قررت اللجنة ضم القضيتين التأديبيتين المتهم فيهما وإرجاء نظرهما لحين تصرف النيابة في قضايا التبديد وقضية التعرض موضوع الشكوى الإدارية سالفة الذكر. وقد حفظت قضية التبديد رقم 1370 لسنة 1955 لعدم الأهمية، وقيدت القضية رقم 1371 لسنة 1955 ضد متهم آخر غير المدعي، وحكم في القضية رقم 1372 لسنة 1955 ببراءة المدعي، كما حكم ببراءته في القضية رقم 138 جنح دكرنس سنة 1955. وقد ذكر مأمور المركز أنه على الرغم من حفظ بعض هذه القضايا والحكم بالبراءة في البعض الآخر، فإن العمدة يجب أن يكون قدوة حسنة لسائر أفراد البلدة في سداد الأموال الأميرية ومطلوبات بنك التسليف في مواعيدها، ولكن المدعي استعمل طرقاً احتيالية للاستيلاء على سلف باهظة من بنك التسليف، وماطل في السداد حتى حجز عليه وحررت ضده محاضر تبديد، وهذا مسلك يحط من كرامته ويقلل من هيبته كما يزعزع الثقة فيه كعمدة للبلدة. وقد دافع العمدة عن نفسه أمام لجنة الشياخات بأقواله المدونة بمحضر الجلسة، غير أن اللجنة رأت إدانته؛ لأن ما نسب إليه ثابت من التحقيقات ومن اعترافه، ولأن مسلكه في أداء واجباته وفي معاملته للناس لا يتفق وما تفرضه عليه أعباء وظيفته. كما أكدت المباحث والتحريات التي عملت عن سلوكه بواسطة مأمور المركز ورئيس المباحث الجنائية بالمديرية أنه يستغل وظيفته أسوأ استغلال، ويفرض إتاوات على أصحاب الشكاوى، ويتخذ من تعيين الخفراء وتجديد تطوعهم مناسبة للمساومة في سبيل منفعة شخصية غير مشروعة. كما عرف عن أقاربه وبعض أفراد أسرته سوء السيرة والسلوك اعتماداً على حمايته لهم مع علمه بذلك، وأن ماضيه يقطع باستغلاله وظيفته استغلالاً غير مشروع، إذ اتخذ من الحزبية والمشاحنات الانتخابية فيما مضى فرصة للمساومة ووسيلة للحصول من المرشحين على مبالغ لقاء مساعدته لهم. وقد رأت لجنة الشياخات أن هذه الاعتبارات كلها تجعل بقاءه في وظيفته أمراً بالغ الضرر لصالح الأمن والأهالي ببلدته، لذلك قررت بأغلبية الآراء فصله من عمله لعدم صلاحيته مع حرمانه من الترشيح لمدة خمس سنوات. وقد عرضت أوراق المحاكمة وقرار اللجنة على وزير الداخلية فوافق على القرار في 19 من سبتمبر سنة 1955.
ومن حيث إن المدعي أودع في 15 من مايو سنة 1957 مذكرة تكميلية ردد فيها دفاعه السابق الذي أبداه في المذكرات المقدمة منه إلى المحكمة الإدارية لوزارة الداخلية، وأضاف إليها أن اتهامه أمام لجنة الشياخات كان مدبراً من وكيل الحكمدار الذي أحيل إلى المعاش في حركة التطهير وذلك بسبب رفضه الاستجابة إلى ما طلبه منه هذا الأخير ومفتش المنطقة إرضاء لقريب لهما؛ بتمكين هذا القريب من وضع يده على قطعة أرض متنازع عليها أمرت النيابة بعدم التعرض لحائزها، وأن رئيس المباحث تجنى عليه فيما نسبه إليه من استغلال نفوذه وإثرائه بغير وجه حق وإفادته من الحزبية. ثم ناقش تفصيل الاتهامات التأديبية التي حوكم من أجلها أمام لجنة الشياخات، وكذا التقارير السرية التي قدمت في حقه، ونوه بالإصلاحات التي قام بها أثناء توليه منصب العمدية، وعاب على لجنة الشياخات أنها أخطأت عندما رأت أنه يستحق المؤاخذة من أجل هذه الأسباب، وأنها أخطأها التوفيق عندما وقعت عليه أقصى العقوبة بفصله من العمدية وحرمانه من حق الترشيح لمدة خمس سنوات، مع أنه لم يهمل أو يقصر ولم يسند إليه ما يمس كرامته أو نزاهته، كما نعى على القرار الصادر من وزير الداخلية بالتصديق على قرار اللجنة مخالفته للقانون ووقوعه مشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة، وخلص من هذا إلى طلب الحكم بإلغاء قرار فصله المطعون فيه.
ومن حيث إنه يؤخذ مما تقدم أن مثار النزاع هو ما إذا كانت التهم - التي حوكم المدعي من أجلها تأديبياً أمام لجنة الشياخات بمديرية الدقهلية، وتقرر بسببها فصله من عمدية ناحية الكردي مركز دكرنس بقرار اللجنة الصادر في 30 من أغسطس سنة 1955 الذي صادق عليه وزير الداخلية في 19 من سبتمبر سنة 1955 - تستند إلى أصول ثابتة في الأوراق وتكون جرائم تأديبية حقة تقوم على وقائع استخلصت اللجنة منها قرارها استخلاصاً سائغاً، وأنزلت عليها حكم القانون على وجه صحيح يؤدي إلى الإدانة التي انتهت إليها أم لا، وما إذا كانت رقابة القضاء الإداري تنبسط على تقدير الجزاء وتناسبه مع الفعل المبرر لتوقيعه في حالة ثبوت الإدانة، أم تقف عند حد التحقق من قيام الحالة الواقعية أو القانونية التي تكون ركن السبب في القرار التأديبي، دون التطرق إلى تقدير أهمية هذه الحالة أو مناقشة خطورة الأثر الذي قد ينجم عنها؟
ومن حيث إن المادة 24 من القانون رقم 141 لسنة 1947 الخاص بالعمد والمشايخ نصت في فقراتها الثانية والثالثة والرابعة والسابعة على أنه "إذا قصر العمدة أو الشيخ أو أهمل في القيام بواجباته أو أتى أمراً يخل بكرامته فللمدير أن ينذره أو أن يجازيه بغرامة لا تتجاوز مائتي قرش". "غير أنه إذا رأى المدير أن ما ثبت على العمدة أو الشيخ يستوجب جزاء أشد أحاله إلى لجنة الشياخات لمحاكمته تأديبياً". "وللجنة أن تحكم بالإنذار أو بغرامة لا تتجاوز أربعين جنيهاً أو بالفصل من العمدية أو الشياخة". "وللجنة في حالة الحكم بالرفت أن تقرر إبعاد اسم المرفوت من كشف المرشحين لمدة أقصاها خمس سنوات". كما نصت المادة 27 من القانون المذكور على أن "تبلغ القرارات والأحكام التأديبية الصادرة من لجنة الشياخات تنفيذاً للمادة 24 إلى وزارة الداخلية للنظر في التصديق عليها...". ويبين من هذا أن قانون العمد والمشايخ فرق بين الأفعال التي يمكن أن تستوجب مؤاخذة العمدة أو الشيخ من حيث درجة جسامتها ونوع الجزاء الذي يمكن توقيعه بسببها، وغاير في الجهة التي أسند إليها اختصاص توقيع هذا الجزاء بحسب مقداره، كما حدد لكل جهة نوع العقوبة التي تملك توقيعها، بيد أنه لم يحدد بالذات كل فعل وما يناسبه من جزاء على غرار ما جرى عليه قانون العقوبات، بل ترك تحديد ذلك للسلطة التأديبية المختصة بحسب تقديرها لدرجة جسامة الفعل وما يستأهله من جزاء في حدود النصاب المقرر.
ومن حيث إن المادة 19 من القانون رقم 141 لسنة 1947 آنف الذكر نصت على أن "عمدة القرية ومشايخها مكلفون بالمحافظة على الأمن فيها، وعليهم في دائرة القرية مراعاة أحكام القوانين واللوائح واتباع الأوامر التي تبلغ إليهم من جهات الإدارة". وقد أجملت هذه المادة واجبات العمد والمشايخ بصفتهم من حفظة الأمن وأعوان السلطة التنفيذية، ولخصت أسسها في وجوه ثلاثة وهي: (1) المحافظة على الأمن في القرية. (2) مراعاة أحكام القوانين واللوائح. (3) اتباع الأوامر التي تبلغ إليهم من جهات الإدارة. وقد رتب القانون المشار إليه في المادة 24 منه على التقصير أو الإهمال في القيام بشيء من هذه الواجبات جزاءات مختلفة تتفاوت في الشدة تبعاً لجسامة هذا التقصير أو الإهمال. ولم يقف المشرع في مجازاة العمدة أو الشيخ عند حد المؤاخذة على التقصير أو الإهمال في الواجبات المذكورة، بل قرر جواز توقيع هذه الجزاءات عينها من أجل أمور أخرى، كما في حالة فقدان العمدة أو الشيخ لشرط من الشروط المنصوص عليها في القانون، أو ظهور عجزه عن أداء واجباته، أو إتيانه أمراً يخل بكرامته. وقد استهدف المشرع بهذا كله رعاية المصلحة العامة، وضمان الاستقامة الإدارية فيما ناط به هذه الفئة من عمال المرافق العامة من واجبات، وحسن أداء هذه الواجبات واحترام القوانين واللوائح، وإطاعة أوامر جهات الإدارة الصادرة في حدود القانون، مع المحافظة على هيبة الحاكم وكرامة ممثل السلطة العامة في القرية. فإذا فرط العمدة أو الشيخ فيما وكلت إليه أمانته بحكم وظيفته أو تهاون فيه أو أخل به أو أتى من الأفعال ما يخدش كرامته التي هي مرتبطة بكرامة الوظيفة، حق عليه الجزاء.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت [(1)] بأن القرار التأديبي، شأنه شأن أي قرار إداري آخر، يجب أن يقوم على سبب يسوغ تدخل الإدارة لإحداث أثر قانوني في حق الموظف، هو توقيع الجزاء للغاية التي استهدفها المشرع، وهي الحرص على حسن سير العمل تحقيقاً للمصلحة العامة، ولا يكون ثمة سبب للقرار إلا إذا قامت حالة واقعية أو قانونية تبرر التدخل. وللقضاء الإداري، في حدود رقابته القانونية، أن يراقب صحة قيام هذه الوقائع وسلامة تكييفها القانوني، دون أن يتطرق إلى بحث ملاءمة توقيع الجزاء أو مناقشة مقداره. ورقابته القانونية هذه لصحة الحالة الواقعية أو القانونية لا تعني أن يحل القضاء الإداري نفسه محل السلطات التأديبية المختصة فيما هو متروك لتقديرها ووزنها، فيستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما يقوم لدى السلطات التأديبية المختصة من دلائل وبيانات وقرائن أحوال إثباتاً أو نفياً في خصوص قيام أو عدم قيام الحالة الواقعية أو القانونية التي تكون ركن السبب، أو يتدخل في تقدير خطورة هذا السبب وما يمكن ترتيبه عليه من آثار، بل إن هذه السلطات حرة في تقدير هذه الخطورة وتلك الدلائل والبيانات وقرائن الأحوال، تأخذها دليلاً إذا اقتنعت بها أو تطرحها إذا تطرق الشك إلى وجدانها. ولا هيمنة للقضاء الإداري على ما تكون منه الإدارة عقيدتها واقتناعها في شيء من هذا، وإنما الرقابة للقضاء المذكور في ذلك تجد حدها الطبعي - كرقابة قانونية - في التحقق مما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار التأديبي في هذا الخصوص مستفادة من أصول موجودة أو أثبتتها السلطات المذكورة وليس لها وجود، وما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانوناً، فإذا كانت هذه النتيجة منتزعة من غير أصول موجودة، أو كانت مستخلصة من أصول لا تنتجها، أو كان تكييف الوقائع على فرض قيامها مادياً لا ينتج النتيجة التي يتطلبها القانون، كان القرار فاقداً لركن من أركانه، وهو ركن السبب، ووقع مخالفاً للقانون. أما إذا كانت النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول ثابتة تنتجها مادياً أو قانوناً، فقد قام القرار على سببه وكان مطابقاً للقانون. وسبب القرار التأديبي بوجه عام هو إخلال الموظف بواجبات وظيفته أو إتيانه عملاً من الأعمال المحرمة عليه. فكل موظف يخالف الواجبات التي تنص عليها القوانين أو القواعد التنظيمية العامة أو أوامر الرؤساء الصادرة في حدود القانون أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته المنوط به تأديتها بنفسه بدقة وأمانة، إنما يرتكب ذنباً إدارياً هو سبب القرار يسوغ تأديبه، فتتجه إرادة الإدارة إلى إنشاء أثر قانوني في حقه هو توقيع جزاء عليه بحسب الشكل والأوضاع المقررة قانوناً وفي حدود النصاب المقرر [(2)]. فإذا توافر لدى لجنة الشياخات - من مجموع العناصر التي طرحت عليها - الاقتناع بأن العمدة أو الشيخ سلك سلوكاً معيباً ينطوي على تقصير أو إهمال في القيام بواجباته، أو خروج على مقتضيات وظيفته، أو إخلال بكرامته، ويدعوها إلى عدم الاطمئنان إلى صلاحيته بناء على ذلك للقيام بأعباء وظيفته، وكان اقتناعها هذا مجرداً عن الميل أو الهوى، فبنت عليه قرارها بإدانة سلوكه، ورأت لمصلحة الأمن ومصلحة الأهالي معاً إقصاءه عن هذه الوظيفة مع حرمانه من الترشيح للعمدية لمدة خمس سنوات كنتيجة طبيعية لذلك، واستنبطت هذا كله من وقائع صحيحة ثابتة في عيون الأوراق ومؤدية إلى النتيجة التي خلصت إليها، فإن قرارها في هذا الشأن يكون قائماً على سببه ومطابقاً للقانون ومعصوماً من الإلغاء. ولما كان المشرع لم يحدد في قانون العمد والمشايخ عقوبة معينة لكل فعل تأديبي بذاته، بحيث تتقيد الإدارة بالعقوبة المقررة له وإلا وقع قرارها مخالفاً للقانون، فإن تقدير تناسب الجزاء مع الذنب الإداري - في نطاق تطبيق هذا القانون - يكون من الملائمات التي تنفرد الإدارة بتقديرها، والتي تخرج عن رقابة القضاء الإداري.
ومن حيث إنه ثابت من الأوراق - وبوجه خاص من ملف المدعي، ومن محاضر لجنة الشياخات بجلستي 20 من إبريل سنة 1955 و30 من أغسطس سنة 1955، وتقرير مفتش الضبط بمديرية الدقهلية المؤرخ 16 من إبريل سنة 1955، وتقرير رئيس مباحث المديرية في التاريخ ذاته، وتقرير معاون إدارة مركز دكرنس في 3 من مارس سنة 1955، وملف المحاكمة الإدارية - أن المدعي سبق أن أوقف عن عمله في 23 من ديسمبر سنة 1954 لعدم سداده الأموال الأميرية ومستحقات بنك التسليف المطلوبة منه، وأنه جاء بتقرير معاون إدارة مركز دكرنس عنه "أن العمدة المذكور أخلا إخلالاً معيباً بواجبات وظيفته مما زعزع الثقة به كعمدة، ونرى إحالته على لجنة الشياخات". كما جاء بختام تقرير رئيس مباحث المديرية "وأخيراً ورغم شراهة العمدة المذكور في السلب والنهب لم يكتف بضياع وسلب حقوق المواطنين؛ بل تعداه إلى محاولة سلب أموال الحكومة الأميرية وحجز عليه واتهم بالتبديد نظير مبلغ حوالي 1400 ج متأخرات للحكومة، كما اغتصب حوالي 1/3 فدان من المنافع الأميرية لإقامة حديقة عليها بالناحية، مما تقدم أرى أن هذا العمدة لم يعد خطراً على نفسه وبلده فقط بل على الأمن والإنسانية والعدالة". كذلك ذكر عنه مفتش الضبط في نهاية تقريره أنه "ولما كان مسلك العمدة سواء في أداء واجباته أو في معاملته للناس لا يتفق مع ما تفرضه عليه واجبات وظيفته فقد أجريت تحريات وبحوث بشأن سلوكه بمعرفة السيد مأمور المركز والسيد رئيس المباحث الجنائية بالمديرية. وقد جاء في هذه التحريات أن العمدة المذكور يستغل وظيفته أسوأ استغلال، ويفرض إتاوات على أصحاب الشكاوى، كما أنه يتخذ من تعيين الخفراء ببلده مناسبة للمساومة في سبيل منفعة شخصية غير مشروعة، كما أنه عرف عن أقاربه وبعض أفراد أسرته سوء السيرة والسلوك اعتماداً على حمايته لهم مع علمه بذلك. كما أن ماضيه يقطع باستغلاله وظيفته استغلالاً غير مشروع، إذ اتخذ من الحزبية فيما مضى والمشاحنات الانتخابية فرصة للمساومة والحصول من المرشحين على مبالغ مقابل مساعدته لهم. ونخلص مما تقدم إلى أن مصلحة الأهلين ومصلحة الأمن بالبلدة وما تتطلبه وظيفة العمدية من الأمانة والبعد عن الشبهات، يتطلب كل ذلك إقصاءه عن وظيفة العمدية. وقد حوكم المذكور أمام لجنة الشياخات بمديرية الدقهلية لما نسب إليه من تهم في القضيتين التأديبيتين رقمي 176 و177 لسنة 1955 بعد إذ أحالته المديرية إلى اللجنة المذكورة لما ارتأته من العناصر التي تجمعت لديها من أنه أخل إخلالاً جسيماً بواجبات وظيفته مما زعزع الثقة فيه، وقد استدعته لجنة الشياخات فمثل أمامها وواجهته بالتهم المنسوبة إليه وناقشته فيها تفصيلاً فأبدى دفاعه بصددها بما هو مدون بمحضري اللجنة. ثم قررت بجلستها الأولى ضم القضيتين وتأجيل نظرهما لحين بحث قضايا التبديد المسندة إليه؛ وقد تبين أن إحدى هذه القضايا حفظت قطعياً لعدم الأهمية، والثانية قيدت ضد متهم آخر، والثالثة والرابعة قيدتا ضده وحكم فيهما ببراءته، وأن النيابة لم تنته بعد من تحقيق موضوع التعرض في الأرض البور. إلا أن مأمور المركز ذكر أنه على الرغم من حفظ بعض قضايا التبديد والحكم بالبراءة في البعض الآخر فإن العمدة يجب أن يكون قدوة حسنة لسائر أفراد البلدة في سداد الأموال الأميرية ومطلوبات بنك التسليف في مواعيدها، وأن المتهم قد استعمل طرقاً احتيالية للاستيلاء على سلف باهظة من بنك التسليف وماطل في السداد حتى حجز عليه وحررت ضده محاضر تبديد. وهذا المسلك يحط من كرامته ويقلل من هيبته كما يزعزع الثقة به كعمدة للبلدة. وبالجلسة الثانية استكمل المذكور دفاعه، وبعد أن استمعت إليه اللجنة أصدرت قرارها حضورياً بأغلبية الآراء بفصله من وظيفته لعدم صلاحيته مع حرمانه من الترشيح لمدة خمس سنوات. وبنت قرارها على أنه ثبت لها إهمال العمدة المتهم في واجبات وظيفته واستهتاره واستخفافه بأعبائها، ومغادرته البلدة بدون إذن وتغيبه عنها بعد انتهاء إجازته، وأن حريقاً حدث كان الباعث على ارتكابه هو الكيد لوجود نزاع على مشترى أرض بين المجني عليهم والمتهمين وهؤلاء معظمهم من أقارب العمدة، وعلى الرغم من علمه بهذا النزاع فإنه لم يعمل على التوفيق أو إخطار الجهات المختصة قبل أن يستفحل الأمر. كما أنه على الرغم من علمه أيضاً بحصول حريق سابق فإنه لم يبلغ عنه بل ترك البلدة لأقاربه يعبثون بالأمن. وقد أقر بأنه لم يحضر لجنة الفرز الطبي للمتخلفين من أنفار القرعة مما ترتب عليه تعطيل أعمالها وانعقادها في اليوم التالي، كذلك اتضح أن شكاواه ضد إمام مسجد البلدة كيدية، وأنه كان يقصد منها إخضاع إمام المسجد ومستخدميه لسلطانه، وأنه يماطل في سداد الأموال الأميرية ويستولى على مبالغ كبيرة من بنك التسليف لم يسددها في ميعاد استحقاقها مما أدى إلى الحجز عليه ووقفه وتقديمه للمحاكمة في قضايا تبديد عديدة، الأمر الذي يجعل منه مثلاً سيئاً لسائر أهل بلدته. هذا إلى أنه أدلى بمعلومات متناقضة في التحقيقات الخاصة بالنزاع المتعلق بالأرض البور، مما أفضى إلى إصدار النيابة لقرارات متعارضة بسبب عدم أمانته ونزاهته، وهو أمر بالغ الخطورة؛ إذ يؤدي إلى زيادة المشاغبات والمنازعات بين الأهالي، وفضلاً عن هذا كله فإن مسلكه في أداء واجباته وفي معاملته للناس لا يتفق وما تفرضه عليه مقتضيات وظيفته. كما أن التحريات أكدت أنه يستغل وظيفته أسوأ استغلال، وأنه يفرض إتاوات على أصحاب الشكاوى ويتخذ من تعيين الخفراء وتجديد تطوعهم وسيلة للمساومة في سبيل منفعة شخصية غير مشروعة، وقد عرف عن أقاربه وبعض أفراد أسرته سوء السيرة والسلوك اعتماداً منهم على حمايته لهم مع علمه بذلك. هذا إلى أن ماضيه يقطع باستغلاله وظيفته استغلالاً غير مشروع؛ إذ اتخذ من الحزبية فيما مضى ومن المشاحنات الانتخابية فرصة للمساومة والحصول من المرشحين على مبالغ لقاء مساعدته لهم. وانتهت اللجنة من هذا إلى أن الاعتبارات المتقدمة تجعل بقاءه في وظيفته أمراً بالغ الضرر لصالح الأمن وكذا الأهلين ببلده.
ومن حيث إنه قد بان للمحكمة من أقوال المدعي أمام لجنة الشياخات، ومن التظلم المرفوع منه إلى وزير الداخلية في 10 من سبتمبر سنة 1955، ومن باقي الأوراق، أن الوقائع المسندة إليه لها وجود مادي ثابت بالفعل، وإن تنصل من تبعتها ونازع الإدارة في مساءلته عنها واختلف معها في تأويل مداها. وإذا صح أن من بين هذه الوقائع ما يمكن إطراحه أو الغض عنه وعدم الاعتداد به، فإن في باقي ما نسب إليه من وقائع ما ينهض في جملته سبباً كافياً مبرراً للمؤاخذة التأديبية التي انتهى إليها قرار لجنة الشياخات الذي صدق عليه وزير الداخلية، وهي وقائع لها دلالتها في تقدير سلوكه، وقد استخلصت منها اللجنة اقتناعها بإدانته استخلاصاً سائغاً يجعل قرارها قائماً على سببه ومطابقاً للقانون، دون أن تكون للقضاء الإداري رقابة على تقدير الجزاء الذي رأت اللجنة توقيعه؛ ومن ثم فإن هذا القرار يكون في محله، ويتعين القضاء برفض الدعوى بطلب إلغائه، مع إلزام رافعها بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، وبقبول الدعوى، وبرفضها موضوعاً.


[(1)] راجع أيضاً الحكم المنشور ببند 60، صفحة 526 من هذه المجموعة.
[(2)] راجع الحكم المنشور بالسنة الأولى من هذه المجموعة بند 7، ص 41.