أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 29 - صـ 24

جلسة 2 من يناير سنة 1978

برياسة السيد المستشار حسن علي المغربي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد الواحد الديب، ومحمد صلاح الدين الرشيدي، ومحمد عبد الحميد صادق، ومحمد يونس ثابت.

(3)
الطعن رقم 862 لسنة 47 القضائية

(1) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إجراءات. "إجراءات المحاكمة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "بوجه عام". "اعتراف".
حرية القاضي الجنائي في تكوين اقتناعه من أي دليل له مأخذه في الأوراق.
للمحكمة الأخذ بأقوال المتهم في حق نفسه أو في حق غيره من المتهمين ولو عدل عنها فيما بعد.
(2) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". خطأ. مسئولية جنائية. إثبات. "بوجه عام".
تقدير الخطأ المستوجب مسئولية مرتكبه. موضوعي.
(3) محكمة الموضوع. "حقها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى". إثبات. "شهود". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حق محكمة الموضوع في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. وإطراح ما عداها.
(4) محكمة استئنافية. "إجراءات نظرها الدعوى والحكم فيها". إجراءات. إجراءات المحاكمة". إثبات. شهود.
عدم التزام محكمة ثاني درجة أن تجري من التحقيقات إلا ما ترى لزوماً لإجرائه. أساس ذلك.
(5) محاكمة. "إجراءات المحاكمة". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها - غير جائز.
1 - الأصل أن القاضي الجنائي حر في أن يستمد اقتناعه من أي دليل يطمئن إليه طالما أن لهذا الدليل مأخذه الصحيح من الأوراق. وأن من حقه أن يأخذ في هذا الشأن بأقوال المتهم في حق نفسه وفى حق غيره من المتهمين وإن عدل عنها بعد ذلك ما دام قد اطمأن إليها.
2 - إن تقدير الخطأ المستوجب مسئولية مرتكبه هو من المسائل الموضوعية التي تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب ما دام تقديرها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة لها أصلها في الأوراق.
3 - إن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق - كما هي الحال في الدعوى الماثلة.
4 - الأصل أن محكمة الدرجة الثانية إنما تحكم على مقتضى الأوراق وهي لا تجري من التحقيقات إلا ما ترى هي لزوماً لإجرائه.
5 - ولما كان الثابت من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة الاستئنافية أن الطاعن لم يطلب سماع شهود، فليس له أن ينعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلبه منها ولا تلتزم هي بإجرائه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: (أولاً) تسبب خطأ في موت.... وإصابة...... و....... وكان ذلك ناشئاً عن إهماله وعدم احتياطه بأن قاد سيارة بحالة ينجم عنها الخطر فصدم سيارة المجني عليهم. (ثانياً) قاد سيارة بحالة ينجم عنها الخطر. وطلبت عقابه بالمادتين 278/ 1 و244/ 1 من قانون العقوبات والمواد 1 و2 و8 و88 من القانون رقم 449 لسنة 1955. ومحكمة كفر الزيات الجزئية قضت في الدعوى حضورياً اعتبارياً عملاًً بمواد الاتهام بحبس المتهم ستة أشهر مع الشغل وكفالة عشرة جنيهات لوقف التنفيذ. فاستأنف المتهم الحكم. ومحكمة طنطا الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت في الدعوى غيابياً بعدم قبول الاستئناف شكلاً للتقرير به بعد الميعاد. فعارض. وقضى في معارضته بقبولها شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المعارض فيه وبقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. فطعن الأستاذ...... المحامى عن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي القتل والإصابة الخطأ، قد شابه الفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن مرد الحادث إلى خطأ المجني عليه الأول الذي أوقف السيارة قيادته على جانب الطريق ليلاً دون إضاءة نورها الخلفي، كما التفتت محكمة ثاني درجة عن إجابة الطاعن إلى طلب سماع من يستشهد بهم على ذلك، الأمر الذي يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمتي القتل والإصابة الخطأ اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان الأصل أن القاضي الجنائي حر في أن يستمد اقتناعه من أي دليل يطمئن إليه طالما أن لهذا الدليل مأخذه الصحيح من الأوراق، وأن من حقه أن يأخذ في هذا الشأن بأقوال المتهم في حق نفسه وفى حق غيره من المتهمين وإن عدل عنها بعد ذلك ما دام قد اطمأن إليها، وأن تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه هو من المسائل الموضوعية التي تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب ما دام تقديرها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة لها أصلها في الأوراق، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد خلص مما له معينه الصحيح من الأوراق - بما لا يمارى فيه الطاعن - إلى أن خطأه ماثل فيما قرره هو بمحضر ضبط الواقعة من أن أنوار السيارات القادمة نحوه قد أبهرت بصره فلم ير سيارة المجني عليهما التي كانت تقف على يمين الطريق فصدمها ووقع الحادث، وكان لزاماً عليه أن يقف فوراً إذا تعذرت عليه الرؤية، غير أنه لم يفعل فوقع الحاث نتيجة مباشرة لخطئه، فإن ما ساقه الحكم فيما سلف إنما يتوافر به ثبوت ركن الخطأ في جانب الطاعن وتنتفي به عن الحكم قالة الفساد في الاستدلال. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق - كما هي الحال في الدعوى الماثلة - فإن ما يثيره الطاعن من أن مرد الحادث إلى خطأ المجني عليه الأول الذي أوقف السيارة قيادته على جانب الطريق ليلاً دون إضاءة نورها الخلفي، لا يعدو أن يكون مجادلة في شأن تصوير وقوع الحادث مما يكفى في الرد عليه ما أوردته المحكمة تدليلاً على ثبوت الصورة التي اقتنعت بها واستقرت في وجدانها. لما كان ذلك، وكان الأصل أن محكمة الدرجة الثانية إنما تحكم على مقتضى الأوراق وهي لا تجري من التحقيقات إلا ما ترى هي لزوماً لإجرائه، وكان الثابت من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة الاستئنافية أن الطاعن لم يطلب سماع شهود، فليس له أن ينعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلبه منها ولا تلتزم هي بإجرائه. ولما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.