أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 35 - صـ 907

جلسة 18 من ديسمبر سنة 1984

برياسة السيد المستشار/ فوزي أحمد المملوك نائب رئيس المحكمة. وعضوية السيد المستشار/ محمد عبد الرحيم نافع نائب رئيس المحكمة والسادة المستشارين/ حسن غلاب، محمد أحمد حسن والسيد عبد المجيد العشري.

(201)
الطعن رقم 6549 لسنة 53 القضائية

(1) إثبات "بوجه عام"
عدم التزام المحكمة بالرد على كل دفاع موضوعي يبديه المتهم.
بحسب الحكم أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه.
(2) مسئولية مدنية. خطأ. ضرر. رابطة السببية.
إثبات الحكم وقوع الفعل الضار من المحكوم عليه. تضمنه بذاته الإحاطة بأركان المسئولية المدنية. مؤدى ذلك؟ التعويض المؤقت. نواة للتعويض الكامل.
(3) إثبات "بوجه عام" "إقرار". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
مثال ينتفي فيه الفساد في الاستدلال.
(4) حيازة. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
حيازة بنات الطاعن القاصرات لغرفة بالمسكن. لا يخوله سلب حيازة غرفة المدعي بالحقوق المدنية. أثر ذلك؟
(5) أسباب الإباحة وموانع العقاب "استعمال حق مقرر بمقتضى الشريعة". حيازة. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الدفاع باستعمال حق مقرر بمقتضى الشريعة. موضوعي.
1 - من المقرر أن محكمة الموضوع لا تلتزم بالرد على كل دفاع موضوعي يبديه المتهم اكتفاء بأدلة الثبوت التي عولت عليها في قضائها بالإدانة، وأنه بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه أطرحها.
2 - من المقرر أن إثبات الحكم وقوع الفعل الضار من المحكوم عليه يتضمن بذاته الإحاطة بأركان المسئولية المدنية من خطأ وضرر وعلاقة السببية بينهما مما يستوجب الحكم على مقارفة بالتعويض، ولا على المحكمة، من بعد، إن هي لم تبين الضرر الذي حاق بالمدعي بالحقوق المدنية بنوعيه المادي والأدبي، وذلك لما هو مقرر من أنه إذا كانت المحكمة قد حكمت للمدعي بالحقوق المدنية بالتعويض الذي طلبه ليكون نواة للتعويض الكامل الذي سيطالب به بانية ذلك على ما ثبت لها من أن المحكوم عليه هو الذي ارتكب الفعل الضار المسند إليه فهذا يكفي تبريراً للقضاء بالتعويض المؤقت، أما بيان الضرر فإنما يستوجبه التعويض النهائي الذي يطالب به بعد وهذا يكون على المحكمة التي ترفع أمامها الدعوى به، ومن ثم فإن ما يعيبه الطاعن على الحكم في هذا المقام لا يكون مقبولاً.
3 - لما كان الحكم المطعون فيه قد حصل إقرار الطاعن، لدى إيراده أدلة الثبوت التي عول عليها في إدانته، في قوله: "وبما أقر به المتهم أنه اتفق مع المدعي بالحق المدني أنه سيقوم بتربية مولودته وأنه وافق أن يأخذ ملابسه ويعيش في منزل والدته وأن الشقة التي كان يقطن بها لزوجته المتوفاة غرفة واحدة فقط وغرفة أخرى لشقيقاتها وغرفة ثالثة مخزن للأخشاب.. وهو ما يطابق ما ذهب إليه الطاعن بوجه النعي، كما أن الحكم لم يرتب على ذلك - على خلاف ما يذهب إليه الطاعن - أن الشقة بأكملها في حيازة المدعي بالحقوق المدنية فإن منعاه على الحكم بالفساد في الاستدلال لا يكون له محل.
4 - لما كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه بالإدانة على ما ثبت لدى المحكمة من أن الطاعن قد منع حيازة المدعي بالحق المدني للغرفة التي تحت يده بالقوة ومن ثم فلا ينال من سلامته ما ينعاه الطاعن عليه من أن حيازة بقية بناته القاصرات لغرفة أخرى يعطيه - بحكم ولايته عليهن - حق دخول المسكن لأن هذا الحق، على فرض وجوده، لا يخوله سلب حيازة غرفة المدعي بالحقوق المدنية، وبالتالي فلا تنتفي به - بذاته - الجريمة التي أثبتها الحكم في حقه. بما يضحى معه هذا الوجه من النعي غير قويم.
5 - لما كان يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن لم يثر لدى محكمة الموضوع شيئاً عن أن ما أتاه كان استعمالاً لحق مقرر بمقتضى الشريعة بما يخرجه عن نطاق التأثيم عملاً بالمادة 60 من قانون العقوبات، وكان هذا الدفاع يقوم على واقع يقتضي تحقيقاً تنأى عنه وظيفة محكمة النقض، فإن ما أثارته أمامها لأول مرة، تكون غير مقبولة.


الوقائع

أقام المدعي بالحق المدني دعواه بطريق الادعاء المباشر ضد الطاعن بوصف أنه دخل الشقة الخاصة به بواسطة كسر الباب بالقوة وبقى فيها وامتنع عن مغادرتها بقصد منع حيازته لها واستولى على منقولاته الموجودة بها، وطلب معاقبته بالمادة 370 من قانون العقوبات وإلزامه بأن يؤدي له مبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنح المعادي قضت حضورياً عملاً بمادة الاتهام بتغريم المتهم عشرين جنيهاًًً وإلزامه بأن يؤدي للمدعي بالحق المدني مبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. فاستأنف المحكوم عليه. ومحكمة جنوب القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف.
فطعن الأستاذ.... المحامي نيابة عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض...... إلخ.


المحكمة

حيث إن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة دخول عقار مسكون بقصد منع حيازة المطعون ضده بالقوة، فقد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأن دفاعه أمام درجتي التقاضي المؤيد بما قدمه من مستندات، قد قام على أنه هو الحائز للشقة موضوع النزاع دون المدعي بالحقوق المدنية - المطعون ضده - وزوجته المتوفاة وهي إحدى بنات الطاعن، وبأن المسكن مكون من ثلاث غرف تقيم بناته الأخريات في إحداها وثمة غرفة غير مكتملة يحتفظ بها الطاعن كمخزن لأدوات البناء وأنه سمح لابنته, زوجة المدعي بالحقوق المدنية - قبل وفاتها - بالإقامة فيها بصفة مؤقتة بسبب خلافها مع زوجها ومغادرتها منزل الزوجية وهي حامل لاجئة إلى مسكن أبيها, غير أن الحكم المستأنف لم يعرض لهذا الدفاع كلية وأما الحكم المطعون فيه فقد أطرحه بما لا يكفي لإطراحه وكذلك فقد ألزم المتهم الطاعن بأداء تعويض مدني مؤقت للمدعي بالحقوق المدنية دون أن يبين وجه الضرر الذي أصابه. واتخذ من إقرار الطاعن الذي اقتصر على أن ابنته المتوفاة كانت تقيم بإحدى الغرف الثلاث فحسب، دليلاً على حيازة المدعي بالحقوق المدنية، منفرداً، للشقة بأكملها. ومع تسليم الحكم في مدوناته بأن بناته الأخريات يحزن إحدى الغرف فهو لم يدرك أن ذلك يعطي الطاعن بوصفه ولياً عليهن حق التردد على المسكن ومن ثم فلا يكون استعماله لهذا الحق جريمة في صحيح القانون، هذا إلى أن مساكنة المدعي بالحقوق المدنية لأخوات زوجته قد أضحت بوفاتها غير جائزة شرعاً لزوال التحريم المؤقت الأمر الذي تكون معه ممانعة الطاعن في دخول المطعون ضده للمسكن مستندة لحكم المادة 60 من قانون العقوبات بما تكون معه إدانته في غير محلها. وكل ما تقدم يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائي - المؤيد والمكمل بالحكم المطعون فيه - قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن محكمة الموضوع لا تلتزم بالرد على كل دفاع موضوعي يبديه المتهم اكتفاء بأدلة الثبوت التي عولت عليها في قضائها بالإدانة، وأنه بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه أطرحها، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن من دعوى القصور في التسبيب في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن إثبات الحكم وقوع الفعل الضار من المحكوم عليه يتضمن بذاته الإحاطة بأركان المسئولية المدنية من خطأ وضرر وعلاقة السببية بينهما مما يستوجب الحكم على مقارفة بالتعويض، ولا على المحكمة، من بعد، إن هي لم تبين الضرر الذي حاق بالمدعي بالحقوق المدنية بنوعيه المادي والأدبي، وذلك لما هو مقرر من أنه إذا كانت المحكمة قد حكمت للمدعي بالحقوق المدنية بالتعويض المؤقت الذي طلبه ليكون نواة للتعويض الكامل الذي سيطالب به بانية ذلك على ما ثبت لها من أن المحكوم عليه هو الذي ارتكب الفعل الضار المسند إليه فهذا يكفي تبريراً للقضاء بالتعويض المؤقت، أما بيان الضرر فإنما يستوجبه التعويض النهائي الذي يطالب به بعد وهذا يكون على المحكمة التي ترفع أمامها الدعوى به، ومن ثم فإن ما يعيبه الطاعن على الحكم في هذا المقام لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد حصل إقرار الطاعن، لدى إيراده أدلة الثبوت التي عول عليها في إدانته، في قوله: "وبما أقر به المتهم أنه اتفق مع المدعي بالحق المدني أنه سيقوم بتربية مولودته وأنه وافق أن يأخذ ملابسه ويعيش في منزل والدته وأن الشقة التي كان يقطن بها لزوجته المتوفاة غرفة واحدة فقط وغرفة أخرى لشقيقاتها وغرفة ثالثة مخزن للأخشاب.. وهو ما يطابق ما ذهب إليه الطاعن بوجه النعي، كما أن الحكم لم يرتب على ذلك - على خلاف ما يذهب إليه الطاعن - أن الشقة بأكملها في حيازة المدعي بالحقوق المدنية فإن منعاه على الحكم بالفساد في الاستدلال لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه بالإدانة على ما ثبت لدى المحكمة من أن الطاعن قد منع حيازة المدعي بالحق المدني للغرفة التي تحت يده بالقوة ومن ثم فلا ينال من سلامته ما ينعاه الطاعن عليه من أن حيازة بقية بناته القاصرات لغرفة أخرى يعطيه - بحكم ولايته عليهن - حق دخول المسكن لأن هذا الحق، على فرض وجوده، لا يخوله سلب حيازة غرفة المدعي بالحقوق المدنية، وبالتالي فلا تنتفي به - بذاته - الجريمة التي أثبتها الحكم في حقه. بما يضحى معه هذا الوجه من النعي غير قويم. لما كان ذلك، وكان يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن لم يثر لدى محكمة الموضوع شيئاً عن أن ما أتاه كان استعمالاًً لحق مقرر بمقتضى الشريعة بما يخرجه عن نطاق التأثيم عملاً بالمادة 60 من قانون العقوبات، وكان هذا الدفاع يقوم على واقع يقتضي تحقيقاً تنأى عنه وظيفة محكمة النقض، فإن ما أثارته أمامها، لأول مرة، تكون غير مقبولة. لما كان ما تقدم جميعه، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعين الرفض موضوعاً مع ما يستتبعه ذلك من مصادرة الكفالة عملاً بحكم المادة 36/ 2 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959.