أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 29 - صـ 45

جلسة 15 من يناير سنة 1978

برياسة السيد المستشار: محمد عادل مرزوق نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: يعيش محمد رشدي، ومحمد محمد وهبه، وأحمد علي موسى، وأحمد طاهر خليل.

(7)
الطعن رقم 915 لسنة 47 القضائية

قتل عمد. محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "بوجه عام". "اعتراف". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
حق المحكمة في أن تطرح اعتراف المتهم. متى تبين لها أنه لا يطابق الحقيقة. مثال؟
كفاية أن تتشكك المحكمة في صحة إسناد التهمة إلى المتهم كما تقضي له بالبراءة. ما دامت قد أحاطت بالدعوى عن بصر وبصيرة وخلا حكمها من عيوب التسبيب.
من المقرر أن الاعتراف في المواد الجنائية لا يعدو أن يكون عنصراً من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، فلها - بهذه المثابة - أن تطرحه إذا لم تقتنع بصحته ومطابقته للحقيقة والواقع بغير معقب عليها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة، وأنه يكفي في المحاكمة الجنائية أن تتشكك المحكمة في صحة إسناد التهمة إلى المتهم كي تقضي ببراءته ما دامت قد أحاطت بالدعوى عن بصر وبصيرة وخلا حكمها من عيوب التسبيب، إذ مرجع الأمر في ذلك إلى مبلغ اطمئنانها في تقدير الأدلة. وإذ كانت المحكمة - بعد أن أحاطت بواقعة الدعوى وألمت بأدلة الثبوت فيها - قد أفصحت، على النحو المتقدم بيانه وفى حدود سلطتها التقديرية، عن عدم اطمئنانها إلى صحة اعتراف المطعون ضده - بضربه المجني عليه بعصا من السنط وتركه في مكانه - لما كشفت عنه المعاينة من وجود دماء على بعد بضعة أمتار من مكان جثة المجني عليه، ولما ثبت من التقرير الطبي الشرعي من أن إصابات المجني عليه التي أودت بحياته لا تنشأ من الاعتداء بعصا من السنط بل من المصادمة بجسم أو أجسام صلبه ذات حافة حادة أو شبه ذلك. كما أنها انتهت إلى أن التهمة محل شك لخلو الأوراق مما يفيد حصول تماسك بين المجني عليه والمطعون ضده يصح أن تنجم عنه السحجات الظفرية والمشاهدة بيد الأخير، ولعدم معرفة فصيلة الدم الموجود على جلبابه، ولخلو الساطور المقول بضبطه في منزله من أي أثر لدماء. لما كان ذلك، وكانت هذه الأسباب - التي بررت بها محكمة الموضوع إطراحها اعتراف المطعون ضده وتشككها في صحة إسناد التهمة إليه من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها، وكانت الطاعنة لا تماري في أن الحكم قد التزم في تحصيله للوقائع - الحقائق الثابتة بالأوراق، فإن ما تعيبه عليه الطاعنة من فساد وقصور لا يعدو - في حقيقته - أن يكون جدلاً موضوعياً حول سلطة محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى ومبلغ اطمئنانها هي إليها مما لا يجوز الخوض فيه أمام محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه قتل........ عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن بيت النية وعقد القصد المصمم على قتله وأعد لهذا الغرض آلة صلبة ذات حافة حادة (ساطور) وترصده في الطريق الذي أيقن مروره فيه وما أن ظفر به حتى انقض عليه ضرباً بالآلة آنفة الإشارة قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابة الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، فقرر ذلك. ومحكمة جنايات المنيا قضت حضورياً عملاً بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية ببراءة المتهم مما هو مسند إليه. فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى ببراءة المطعون ضده من تهمة قتل عمد، قد شابه فساد في الاستدلال وقصور في التسبيب، ذلك بأن أقام قضاءه على عدم صحة اعتراف المطعون ضده في التحقيق بقالة أن تصويره للحادث لا يتطابق مع الماديات التي كشفت عنها المعاينة، كما أنه يتناقض مع الدليل الفني - المستمد من التقرير الطبي الشرعي في خصوص آلة الاعتداء المستعملة في إحداث إصابات المجني عليه التي أودت بحياته، في حين أن عدم التطابق - المشار إليه - لا وجود له، وأن التناقض بين الدليلين القولي والفني سالفى الذكر - لا يستعصى على الملاءمة والتوفيق.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن سرد أدلة الاتهام التي تدور حول اعتراف المطعون ضده - الذي أدلى به في التحقيق إثر تقديم محضر التحريات وما تبين من التقرير الطبي الشرعي من وجود سحجات ظفرية بيد المطعون ضده قد تشير إلى المقاومة، وما جاء بتقرير المعمل الكيماوي من تلوث جلبابه بدم آدمي، أبان أن المطعون ضده عدل في التحقيق عن اعترافه وعزاه للإكراه - الذي قال بوقوعه عليه من رجال الشرطة - وأفصح الحكم عن عدم اطمئنانه إلى صحة هذا الاعتراف لأن المطعون ضده زعم فيه أنه ضرب المجني عليه بعصا من السنط وتركه في مكانه بينما كشفت المعاينة عن وجود دماء على بعد سبعة أمتار من مكان جثة المجني عليه ووجود شريط من الدماء بطول 75 سم على بعد ثمانية أمتار من مكان وجود قطع متناثرة من المخ والعظم، ولأنه ثبت من التقرير الطبي الشرعي أن إصابات المجني عليه التي أودت بحياته - رضية قطعية تنشأ من المصادمة بجسم أو أجسام صلبة ذات حافة حادة أو شبه ذلك - كالساطور المضبوط - ولا تنشأ من الاعتداء بعصا من السنط كما زعم المطعون ضده. ثم عرض الحكم إلى السحجات الظفرية المشاهدة بيد المطعون ضده والدم الموجود على جلبابه والساطور المقال بضبطه في منزله فقال أن تلك السحجات لو كانت قد نجمت عن الحادث فإنها لا تتأتى إلا بحصول تماسك بين المجني عليه والمطعون ضده وهو ما لم يقل به أحد على الإطلاق، وأما الدم المشار إليه فلم تعرف فصيلته، كما أن الساطور لم يعثر به على أي أثر لدماء وخلص الحكم من ذلك كله إلى أن التهمة محل شك. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الاعتراف في المواد الجنائية لا يعدو أن يكون عنصراً من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، فلها - بهذه المثابة - أن تطرحه إذا لم تقتنع بصحته ومطابقته للحقيقة والواقع بغير معقب عليها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة، وأنه يكفي في المحاكمة الجنائية أن تتشكك المحكمة في صحة إسناد التهمة إلى المتهم كي تقضي ببراءته ما دامت قد أحاطت بالدعوى عن بصر وبصيرة وخلا حكمها من عيوب التسبيب إذ مرجع الأمر في ذلك إلى مبلغ اطمئنانها في تقدير الأدلة. وإذ كانت المحكمة - بعد أن أحاطت بواقعة الدعوى وألمت بأدلة الثبوت فيها - قد أفصحت، على النحو المتقدم بيانه وفى حدود سلطتها التقديرية، عن عدم اطمئنانها إلى صحة اعتراف المطعون ضده - بضربه المجني عليه بعصا من السنط وتركه في مكانه - لما كشفت عنه المعاينة من وجود دماء على بعد بضعة أمتار من مكان جثة المجني عليه، ولما ثبت من التقرير الطبي الشرعي من أن إصابات المجني عليه التي أودت بحياته لا تنشأ من الاعتداء بعصا من السنط بل من المصادمة بجسم أو أجسام صلبه ذات حافة حادة أو شبه ذلك. كما أنها انتهت إلى أن التهمة محل شك لخلو الأوراق مما يفيد حصول تماسك بين المجني عليه والمطعون ضده يصح أن تنجم عنه السحجات الظفرية والمشاهدة بيد الأخير، ولعدم معرفة فصيلة الدم الموجود على جلبابه، ولخلو الساطور المقول بضبطه في منزله من أي أثر لدماء. لم كان ذلك، وكانت هذه الأسباب - التي بررت بها محكمة الموضوع إطراحها اعتراف المطعون ضده وتشككها في صحة إسناد التهمة إليه - من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها، وكانت الطاعنة لا تماري في أن الحكم قد التزم - في تحصيله للوقائع - الحقائق الثابتة بالأوراق فإن ما تعيبه عليه الطاعنة من فساد وقصور لا يعدو - في حقيقته - أن يكون جدلاً موضوعياً حول سلطة محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى ومبلغ اطمئنانها هي إليها مما لا يجوز الخوض فيه أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس معيناً رفضه موضوعاً.