مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية - العدد الثالث (من أول يونيه إلى آخر سبتمبر سنة 1957) - صـ 1309

جلسة 29 من يونيه سنة 1957
(135)

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 1755 لسنة 2 القضائية

( أ ) جزاء تأديبي - اتهام خفير نظامي بالاشتراك مع بعض الأهالي في الاعتداء على بعض رجال الأمن - فصله من وظيفته - ثبوت أن قرار الفصل قام في حينه على أسباب جدية وشبهات قوية تبرره - صحة القرار وإن حالت دون المحاكمة الجنائية عن التهمة بعد ذلك أسباب قوامها الشك أو التجهيل، الذي إن شفع في درء الحد عنه، فإنه لا يرفع الشبهة التي تكفي بذاتها لمساءلته في المجال الإداري في الظروف التي ضبط فيها.
(ب) مسئولية - وجوب توافر الخطأ حتى تسأل الإدارة عن القرارات التي تصدر منها - يتوافر الخطأ حين يصدر القرار مشوباً بعيب أو أكثر من المنصوص عليها بالمادة 8 من القانون رقم 165 لسنة 1955 - إذا برأ القرار من هذه العيوب انتفت المسئولية مهما بلغت جسامة الضرر؛ إذ يتحمل الأفراد في سبيل المصلحة العامة نتائج نشاط الإدارة المطابق للقانون.
1 - متى ثبت أن ما أسند إلى المدعي من اتهام أدى إلى فصله من وظيفته قد قام في حينه على أسباب جدية وشبهات قوية تبرر الجزاء الذي اتخذته الإدارة في حقه، وهو الخفير النظامي المنوط به المحافظة على الأمن ومنع ارتكاب الجرائم؛ إذ قبض عليه في حالة تلبس بمقاومة أفراد القوة المعهود إليها بحفظ النظام في اللجان الانتخابية، وضبط مشتركاً مع الأهالي المنسوب إليهم الاعتداء على رجالها، الأمر الذي يعد إخلالاً خطيراً بواجبات وظيفته وخروجاً على مقتضياتها، - متى ثبت ذلك، فإن هذا ينهض سبباً مسوغاً لتدخل الإدارة بقصد إحداث الأثر القانوني في حقه، وهو توقيع الجزاء عليه؛ للغاية التي شرع من أجلها هذا الجزاء، وهي الحرص على سلامة الأمن والنظام تحقيقاً للمصلحة العامة، بعد إذ قامت به حالة واقعية تبرر هذا التدخل، وهي حالة تنفرد الإدارة بتقدير ملاءمة الأثر الذي ترى من المصلحة ترتيبه عليها، استناداً إلى المسلك الذي سلكه، والذي يسوغ استقلالاً مؤاخذته تأديبياً، وإن حالت دون محاكمته جنائياً أسباب قوامها الشك أو التجهيل الذي ذهبت إليه النيابة بعد أمد طويل، والذي إن يشفع له في درء الحد عنه فإنه لا يرفع عنه الشبهة التي اكتنفته، والتي تكفي بذاتها لمساءلته في المجال الإداري، بعد إذ ثبت مادياً بالقبض عليه تواجده مع فريق الأهالي المعتدين الذي كان ينبغي أن ينأى عنهم لا أن يناصرهم في مثل تلك الظروف؛ ذلك أن الأمر يتعلق في هذا المجال لا بالقصاص منه بل بالاطمئنان إلى وجوده في وظيفته وإلى صلاحيته بالقيام بأعبائها على الوجه الذي يحقق الصالح العام، فإذا انعدم هذا الاطمئنان أو تزعزع، كان للإدارة - وهي المسئولة عن رعاية الأمن واستقامة حفظته - أن تقصي من لا تثق بصلاحيته منهم لحمل هذه الأمانة أو لا تطمئن إلى حسن استعداده للتعاون معها في خدمة المرفق العام الذي تقوم عليه، متى قامت لديها على ذلك أسباب جدية مستمدة من وقائع صحيحة وأصول ثابتة تنتجه مادياً أو قانوناً، واستخلصت النتيجة التي انتهت إليها في هذا الشأن استخلاصاً سائغًا من هذه الأصول، واستنبطت اقتناعها من ذلك كله مجرداً عن الميل أو الهوى.
2 - إن الإدارة لا تسأل عن القرارات التي تصدر منها إلا في حالة وقوع خطأ من جانبها؛ بأن تكون هذه القرارات غير مشروعة، أي مشوبة بعيب أو أكثر من العيوب المنصوص عليها في المادة الثالثة من القانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة وفي المادة الثامنة من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة، وهذه العيوب هي عدم الاختصاص ووجود عيب في الشكل أو مخالفة القوانين واللوائح أو الخطأ في تطبيقها وتأويلها أو إساءة استعمال السلطة، بشرط أن يتحقق الضرر الناجم عنها، وأن تقوم رابطة السببية بين الخطأ والضرر، فإذا برأت من هذه العيوب كانت سليمة مشروعة مطابقة للقانون، فلا تسأل الإدارة عن نتائجها مهما بلغت جسامة الضرر المترتب عليها لانتفاء ركن الخطأ؛ إذ لا مندوحة من أن يتحمل الأفراد في سبيل المصلحة العامة نتائج نشاط الإدارة المشروع أي المطابق للقانون.


إجراءات الطعن

في 15 من أغسطس سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1755 لسنة 2 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية الأولى لشئون القصر ورياسة مجلس الوزراء ووزارات الداخلية والخارجية والعدل بجلسة 24 من يونيه سنة 1956 في الدعوى رقم 36 لسنة 3 القضائية المقامة من إبراهيم الغندور ضد (1) وزارة الداخلية، و(2) مديرية الشرقية، القاضي "بإلزام المدعي عليهما بأن يدفعا للمدعي مبلغ 30 ج، وربع مصروفات الدعوى، و200 قرش مقابل أتعاب المحاماة". وطلب السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض دعوى المدعي، مع إلزامه المصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الداخلية في 26 من أغسطس سنة 1956، وإلى المطعون عليه في 2 من سبتمبر سنة 1956، وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 15 من يونيه سنة 1957. وقد انقضت المواعيد القانونية دون أي يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته، وفي 29 من مايو سنة 1957 أبلغ الطرفان بميعاد الجلسة التي عينت لنظر الطعن، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة.


المحكمة.

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 36 لسنة 3 القضائية أمام المحكمة الإدارية الأولى لشئون القصر ورياسة مجلس الوزراء ووزارات الداخلية والخارجية والعدل بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 17 من أكتوبر سنة 1955، ذكر فيها أنه عين في أول سبتمبر سنة 1934 في وظيفة خفير نظامي بناحية السعديين مركز منيا القمح بمرتب شهري قدره 985 م و4 ج، وفي يوم 23 من أكتوبر سنة 1951، وهو اليوم الذي كان محدداً لإجراء الانتخابات لمجلس النواب، اتهم بالتعدي على وكيل مديرية الشرقية، وصدر قرار مدير الشرقية بفصله في يوم 25 من أكتوبر سنة 1951، كما قدم متهماً مع آخرين في قضية الجنحة رقم 2057 لسنة 1951 منيا القمح، وبعد أن حققت النيابة ما أسند إليه من اتهام تبينت براءته، فأمرت النيابة في 31 من أكتوبر سنة 1952 بحفظ الدعوى. ولما أدركت وزارة الداخلية أن قرار فصله كان غير سليم قررت إعادته إلى عمله في أول أكتوبر سنة 1953، وقد ظل بغير عمل يتكسب منه مدة 23 شهراً وخمسة أيام منذ تاريخ فصله حتى يوم إعادته إلى عمله. ولما كان هذا الفصل قد وقع خاطئاً وأصابه بأضرار مادية وأدبية، فإنه يطلب الحكم بإلزام وزارة الداخلية ومديرية الشرقية بأن يدفعا له مبلغ 655 م و114 ج قيمة مرتبه عن مدة فصله، كتعويض مادي عما ناله من ضرر بسبب فصله الخاطئ، مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وحفظ حقه في المطالبة بما يستحقه من تعويض أدبي مستقبلاً، مع كافة الحقوق الأخرى. وقد دفعت وزارة الداخلية الدعوى بأن فصل المدعي من الخدمة كان مستنداً إلى شبهات قوية، مبناها تحقيق النيابة معه في قضية الجنحة رقم 2057 لسنة 1951 منيا القمح، مما ينفي ركن الخطأ ويسقط المسئولية بالتالي. ولو فرض أن قرار فصله وقع غير سليم فقد كان في وسعه أن يطعن فيه خلال المواعيد القانونية المقررة، أما وقد فوت على نفسه هذه المواعيد فإن حرمانه من وظيفته يكون راجعاً إلى فعله هو، وإذا كان قد أعيد إلى الخدمة فإن هذا يعد من قبيل التعيين لأول مرة. ومهما يكن من أمر فإن تقدير التعويض على أساس المرتب لا يقوم على أساس سليم؛ لأن الأجر مقابل العمل، والمدعي لم يؤد عملاً للحكومة في مدة فصله حتى يستحق عنه أجراً، وليس ثمة التزام على الحكومة بأن تكون مورد رزق له. وبجلسة 24 من يونيه سنة 1956 قضت المحكمة الإدارية "بإلزام المدعى عليهما بأن يدفعا للمدعي مبلغ 30 ج، وربع مصرفات الدعوى، و200 قرش مقابل أتعاب المحاماة". وأقامت قضاءها على أن تسرع الجهة الإدارية في فصل المدعي لمجرد اتهامه في جنحة دون انتظار توافر أدلة الثبوت عليه في التحقيقات التي تجري بشأنها يكون ركن الخطأ في جانب الإدارة إذا ما أسفرت التحقيقات عن عدم نسبة هذا الاتهام إليه. ولما كان الثابت أن المدعي إنما فصل لاتهامه في الجنحة رقم 2075 لسنة 1951 منيا القمح، التي انتهت النيابة إلى حفظها لعدم معرفة الفاعل، فإن ركن الخطأ يكون قد تحقق من جانب جهة الإدارة. وقد نال المدعي ضرر من جراء ذلك هو حرمانه من مرتبه مدة فصله، وقامت علاقة السببية بين الخطأ والضرر، مما تتوافر معه أركان المسئولية التقصيرية المبررة للحكم بالتعويض، بيد أن هذا التعويض لا يكون إلا عن الضرر الحال المباشر المتوقع، وبهذه المثابة يتحدد بحرمان المدعي من مرتبه في المدة ما بين تاريخ فصله في 25 من أكتوبر سنة 1951 وانتهاء مدة تطوعه في 31 من أغسطس سنة 1952؛ إذ أن تجديد تطوعه بعد ذلك لا يرقى إلى مرتبة الحق، بل هو مجرد أمل، ولا تعويض على الضرر الاحتمالي. ولما كان التعويض هو غير المرتب فلا تتقيد المحكمة في تقديره بقيمة هذا المرتب، بل تسترشد به باعتباره أحد عناصر التعويض مع مراعاة الظروف الأخرى المحيطة. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 15 من أغسطس سنة 1956؛ واستند في أسباب طعنه إلى أن الثابت أن المدعي - وهو خفير نظامي - اتهم بمقاومة أفراد القوة المكلفة حفظ النظام باللجان الانتخابية، وفصل من أجل هذا الاتهام، وإن كانت النيابة العامة قد قيدت الواقعة ضد مجهول وحفظتها بعد ذلك في 31 من أكتوبر سنة 1952. ومن المقرر أن مسئولية الإدارة عن التعويض لا تقوم إلا على أساس خطأ معين هو اتسام القرار الذي ترتب عليه الضرر بعيب أو أكثر من العيوب الأربعة المنصوص عليها في المادة الثامنة من القانون رقم 165 لسنة 1955، والحال أن الحكم المطعون فيه لم يفصح عما شاب قرار فصل المدعي من هذه العيوب الواردة على سبيل الحصر. فإذا كانت جهة الإدارة قد فصلت المدعي لما نسب إليه من مقاومته بالقوة والعنف رجال الأمن الذين كلفوا المحافظة على النظام باللجان الانتخابية، فإن قرارها يكون مستنداً وقت صدوره إلى سبب جدي يبرره، وهي وحدها التي تملك دون غيرها تقدير ملاءمة إصدار هذا القرار، دون انتظار نتيجة تحقيق النيابة الذي لم تبت فيه إلا بعد مضي وقت طويل؛ لاختلاف النطاقين، طالما أنها استهدفت المصلحة العامة في إصدار قرارها. وليس من هذه المصلحة أن تلزم جهة الإدارة بالإبقاء على خفير نظامي اتهم اتهاماً جدياً بالمروق على القانون ومقاومة رجال الأمن. ولا يغير من هذا النظر أن النيابة انتهت إلى حفظ الجنحة لعدم معرفة الفاعل بعد أكثر من عام، وحسب المدعي أن جهة الإدارة أعادته إلى العمل بعد ذلك، الأمر الذي يؤكد أن قرار فصله قد برأ من الانحراف في استعمال السلطة. ولما كان قرار فصل المدعي قد وقع سليماً مطابقاً للقانون، فإن الخطأ الذي تقوم عليه المسئولية والتعويض يكون منتفياً، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون، وتكون قد قامت به إحدى حالات الطعن في الأحكام أمام المحكمة الإدارية العليا. وانتهى السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة من هذا إلى طلب "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض دعوى المدعي، مع إلزامه المصروفات".
ومن حيث إنه يتضح من الأوراق أنه في يوم 23 من أكتوبر سنة 1951، أثناء إجراء عملية الانتخاب بدائرة منيا القمح رقم 9 لعضوية مجلس النواب، ولدى مرور وكيل المديرية على ناحية النعامنة للإشراف على أعمال الانتخاب، شاهد بعض الأهالي يلقون الأحجار على القوة المنوط بها المحافظة على النظام، وعندما وقع نظر المعتدين على عربة وكيل المديرية حولوا إلقاء الحجارة إليه وانهالوا على الجنود بالعصي فأصابوا فريقاً منهم، وقد نصح لهم ضابط المباحث بالتفرق والانصراف، فلما لم يذعنوا وتفاقم خطرهم اضطر بعض الجنود إلى إطلاق بضعة أعيرة نارية في الهواء للإرهاب، تفرق الأهالي على إثرها، وعندئذ تمكن بعض أفراد القوة - ممن وقع عليهم الاعتداء - من القبض على بعض المحتشدين ممن اشتركوا في هذا التعدي، وكان من بينهم المدعي، وهو الخفير النظامي الذي كان من واجبه كبح الاعتداء لا المعاونة فيه. وقد أخطرت النيابة فبادرت إلى ضبط الواقعة. وبعد أن استجوبت الخفير المتهم قررت إخلاء سبيله بضمان مالي قدره جنيهان. ولما أبلغ المركز المديرية بالأمر طالباً النظر في مجازاة الخفير المذكور، ردت المديرية بإشارتها المؤرخة 25 من أكتوبر سنة 1951 بأن المدير قرر رفته إدارياً من هذا التاريخ لما هو منسوب إليه في حادث إلقاء الأحجار على رجال الأمن أثناء عملية الانتخاب؛ وبناء على ذلك أخلى طرفه. وقد قيدت نيابة منيا القمح الواقعة جنحة برقم 2057 لسنة 1951 منيا القمح ضد مجهولين؛ لأنهم في يوم 23 من أكتوبر سنة 1951 بدائرة منيا القمح: (أولاً) قاوموا بالقوة والعنف أفراد القوة المعينة لحفظ النظام باللجان الانتخابية أثناء تأدية وظائفهم وبسببها بأن رموهم بالحجارة فأحدثوا باثنين من العساكر الإصابات المبينة بالتقرير الطبي عندما أمروهم بعدم التجمهر. و(ثانياً) استعمل العساكر منهم القوة مع الناس اعتماداً على وظائفهم بأن اعتدوا بالضرب على بعضهم، فأحدثوا بثلاثة منهم الإصابات المبينة بالتقارير الطبية. وفي 31 من أكتوبر سنة 1952 قررت النيابة حفظ الأوراق مؤقتاً لعدم معرفة الفاعل.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن ما أسند إلى المدعي من اتهام أدى إلى فصله من وظيفته قد قام في حينه على أسباب جدية وشبهات قوية تبرر الجزاء الذي اتخذته الإدارة في حقه، وهو الخفير النظامي المنوط به المحافظة على الأمن ومنع ارتكاب الجرائم؛ إذ قبض عليه في حالة تلبس بمقاومة أفراد القوة المعهود إليها بحفظ النظام في اللجان الانتخابية، وضبط مشتركاً مع الأهالي المنسوب إليهم الاعتداء على رجالها، الأمر الذي يعد إخلالاً خطيراً بواجبات وظيفته وخروجاً على مقتضياتها، والذي ينهض سبباً مسوغاً لتدخل الإدارة بقصد إحداث الأثر القانوني في حقه، وهو توقيع الجزاء عليه للغاية التي شرع من أجلها هذا الجزاء، وهي الحرص على سلامة الأمن والنظام تحقيقاً للمصلحة العامة، بعد إذ قامت به حالة واقعية تبرر هذا التدخل، وهي حالة تنفرد الإدارة بتقدير ملاءمة الأثر الذي ترى من المصلحة ترتيبه عليها، استناداً إلى المسلك الذي سلكه والذي يسوغ استقلالاً مؤاخذته تأديبياً، وإن حالت دون محاكمته جنائياً أسباب قوامها الشك أو التجهيل الذي ذهبت إليه النيابة بعد أمد طويل، والذي إن شفع له في درء الحد عنه فإنه لا يرفع عنه الشبهة التي اكتنفته، والتي تكفي بذاتها لمساءلته في المجال الإداري، بعد إذ ثبت مادياً بالقبض عليه تواجده مع فريق الأهالي المعتدين الذي كان ينبغي أن ينأى عنهم لا أن يناصرهم في مثل تلك الظروف؛ ذلك أن الأمر يتعلق في هذا المجال لا بالقصاص منه بل بالاطمئنان إلى وجوده في وظيفته وإلى صلاحيته بالقيام بأعبائها على الوجه الذي يحقق الصالح العام، فإذا انعدم هذا الاطمئنان أو تزعزع، كان للإدارة - وهي المسئولة عن رعاية الأمن واستقامة حفظته - أن تقصي من لا تثق بصلاحيته منهم لحمل هذه الأمانة أو لا تطمئن إلى حسن استعداده للتعاون معها في خدمة المرفق العام الذي تقوم عليه، متى قامت لديها على ذلك أسباب جدية مستمدة من وقائع صحيحة وأصول ثابتة تنتجه مادياً أو قانوناً، واستخلصت النتيجة التي انتهت إليها في هذا الشأن استخلاصاً سائغاً من هذه الأصول، واستنبطت اقتناعها من ذلك كله مجرداً عن الميل أو الهوى، وقد توافر لدى الإدارة من الأسباب في حالة المدعي - بناء على ما أسند إليه من اتهام جدي - ما يبرر الإجراء الذي اتخذته إزاءه في حينه. وقد ظلت هذه الأسباب قائمة ومستمرة حتى تاريخ انتهاء مدة تطوعه السارية في 31 من أغسطس سنة 1952، بل واستمرت إلى ما بعد ذلك حتى تاريخ صدور قرار النيابة العامة في 31 من أكتوبر سنة 1952 بحفظ الأوراق مؤقتاً لعدم معرفة الفاعل.
ومن حيث إن الإدارة لا تسأل عن القرارات التي تصدر منها إلا في حالة وقوع خطأ من جانبها؛ بأن تكون هذه القرارات غير مشروعة، أي مشوبة بعيب أو أكثر من العيوب المنصوص عليها في المادة الثالثة من القانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة وفي المادة الثامنة من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة، وهذه العيوب هي عدم الاختصاص ووجود عيب في الشكل أو مخالفة القوانين واللوائح أو الخطأ في تطبيقها وتأويلها أو إساءة استعمال السلطة، بشرط أن يتحقق الضرر الناجم عنها وأن تقوم رابطة السببية بين الخطأ والضرر، فإذا برأت من هذه العيوب كانت سليمة مشروعة مطابقة للقانون، فلا تسأل الإدارة عن نتائجها مهما بلغت جسامة الضرر المترتب عليها لانتفاء ركن الخطأ؛ إذ لا مندوحة من أن يتحمل الأفراد في سبيل المصلحة العامة نتائج نشاط الإدارة المشروع أي المطابق للقانون. ولم يقم دليل في الدعوة الحالية على وقوع أي من هذه العيوب في القرار الصادر من الإدارة بفصل المدعي، الأمر الذي ينتفي معه خطأ هذه الأخيرة، وترتفع بناء عليه بالتالي مسئوليتها عن التعويض.
ومن حيث إن قرار فصل المدعي من الخدمة كخفير نظامي - للأسباب المتقدم ذكرها - قد صدر من السلطة التي تملك هذا الحق قانوناً طبقاً لأحكام الأمر العالي الصادر في 22 من ديسمبر سنة 1902 الخاص بتعيين وتأديب الأشخاص الملكيين الذين يتطوعون للخدمة ضمن رجال البوليس ومصلحة منع الرقيق، والقانون رقم 19 لسنة 1909 الخاص بتعيين وتأديب الأشخاص الذين يتطوعون للخدمة ضمن رجال الخفر، والقانون رقم 140 لسنة 1944 الخاص بنظام هيئات البوليس واختصاصاتها، وهو الذي عدل بعد تاريخ فصل المدعي بالقانون رقم 234 لسنة 1955 بنظام البوليس.
ومن حيث إن مدة تطوع المدعي كانت تنتهي في 31 من أغسطس سنة 1952، ولما كان تجديد تطوعه بعد ذلك يتوقف على رغبة الإدارة التي تترخص في تقدير ملاءمة هذا التجديد بسلطة مطلقة لا معقب ولا إلزام عليها فيها، فإن إلحاقه بالخدمة ثانية في أول أكتوبر سنة 1953 يعد تعييناً جديداً لا صلة له بماضي خدمته، كما أكدت ذلك تأشيرة مدير الشرقية المؤرخة 7 من إبريل سنة 1953 على كتاب وزارة الداخلية رقم 27/ 11/ 2 المؤرخ 23 من مارس سنة 1953؛ ومن ثم فإن هذا التعيين الجديد لا يحمل معنى استمرار خدمة المدعي، ولا ينطوي على الإقرار بخطأ الإدارة في سبق فصله، بل يؤكد تجرد الإدارة في حقه من التعسف في استعمال سلطتها أو الانحراف بها إزاءه.
ومن حيث إنه لما تقدم، يكون الطعن في محله، ويكون الحكم المطعون فيه - إذ قضى بإلزام الحكومة بأن تدفع تعويضاً للمدعي عن فصلها إياه، تأسيساً على وقوع خطأ من جانبها في هذا الفصل - قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، ويتعين القضاء بإلغائه، وبرفض الدعوى، مع إلزام المدعي بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.